أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر جواد السهلاني - مفهوم الميتافيزيقا















المزيد.....



مفهوم الميتافيزيقا


حيدر جواد السهلاني
كاتب وباحث من العراق


الحوار المتمدن-العدد: 8009 - 2024 / 6 / 15 - 02:06
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


المقدمة:
تعتبر الميتافيزيقيا من أهم وأول الأطروحات الفلسفية التي تحاول تفسير ووصف الطبيعة الأولى للأشياء، أي أصل تكوينها ومبدأ نشأتها، وخصائصها الأولية، وبنية كينونتها، وأساسها، إذ كان الفيلسوف أرسطو(384ق.م_322ق.م) يعبر عنها بمصطلح "الفلسفة الأولى"، حيث إنها تعتبر من أكثر الأطروحات الفلسفية شمولية واتساعاً، وذلك بسبب ارتباطها بكل ما في الواقع في محاولة لاستنطاقه، بالإضافة إلى التعبير عن أصل منشئه وحقيقة وجوده، وتحتل الميتافيزيقا اهمية بالغة في الفكر الفلسفي، بل نستطيع أن نقول أن الفلسفة بتاريخها المنصرم لم تكن سوى بحث في المسائل الميتافيزيقية والاسئلة الكبرى، وتعتبر الميتافيزيقا فرع من فروع الفلسفة التي تبحث في المبادئ الأولية للعالم، وحقيقة العلوم، وتنقسم اهتمامات الميتافيزيقا إلى دراسة طبيعة الوجود، وتفسير الظواهر الاساسية في الطبيعة ومستويات الوجود، وأنواع الكيانات الموجودة في العالم والعلاقة بينهما، كما تختص بدراسة الكون ونشأته ومكوناته، هذا بالإضافة إلى دراسة التصورات التي يتمثل بها الإنسان رؤيته للكون بما فيه الوجود، والزمان والمكان، وقانون العلة والاحتمالات، وقد عرف بومجارتن(1714_1762) الميتافيزيقا في كتابه الميتافيزيقا" أنها العلم الذي يدرس الاسس الأولى أو المبادئ الأولى التي تقوم عليها المعرفة الإنسانية، وهذه الاسس هي اسس انطولوجية وكوزمولوجية ونفسية ولاهوتية".
يقال أن الإنسان ميتافيزيقي بطبعه، وليست الميتافيزيقا مقتصرة على قوم دون غيرهم، وإنما هي نتاج النظرة الفاحصة للعقل البشري في هذا الوجود، وتحاول معرفته وتحل الغازه، لهذا فإن الذي ينكر الميتافيزيقا إنما هو ميتافيزيقي رغم عنه، فنحن جميعاً نتفلسف وإن كان البعض منا لا يريد أن يسلم بأنه يتفلسف ذلك لأن الفلسفة أو التأمل العقلي أمر لا مفر منه بالنسبة للإنسان فيما يقول كارل ياسبرز(1883_1969)" الذين يحاربون الفلسفة ويهاجمون التفكير الميتافيزيقي ويحاولون هدمه والقضاء عليه عبثاً يفعلون، ومحاولتهم مقضى عليها بالفشل". وإذا كانت الميتافيزيقا في جوهرها بحثاً عن الحقيقة أو سعياً إلى معرفة العلل الأولى والغايات القصوى، فإن هذا الأمر لا يهم المشتغلين بها فقط، وإنما يهم كل إنسان بما هو إنسان حتى لو كان هذا بدرجات متفاوتة، ولهذا فإن محاولات المشتغلين في مضمار البحث الميتافيزيقي لن تنتهي، ولن يكفوا عن تقديم مثل هذه المحاولات، لأن الفلسفة حركة مستمرة، والفكر الفلسفي لا يمكن أن يتحجر أو يتجمد بل يستمر ما بقى الإنسان في هذا الوجود، و الميتافيزيقا إذن ليست مجرد حب استطلاع وحسب بل هي رغبة أكيدة يمكن أن نسميها نزوع نحو الوجود ومحاولة معرفته ويتطور الفكر الميتافيزيقي، مع تطور الإنسان والحضارة فنراه زاهياً وقوياً في عصر ما ومقيداً في عصر آخر، و الميتافيزيقا في جوهرها دعوة مفتوحة لممارسة الإنسان لعقله وحريته ولرفع القيود عن هذا العقل والإنسان معاً، ويمكن القول أن المقصود بالميتافيزيقا هو التعمق وراء الظاهر والنظرة المستأصلة للموضوعات لاستجلاء الحقيقة الباطنة التي لا تقع في نطاق إدراكاتنا الحسية، وإنما في دائرة العقل الخالص المتأمل.(1)
الميتافيزيقا ليست وليدة الصدفة، لأن العقل هو الذي أرادها ومعنى هذا أن الميتافيزيقا مثلها في ذلك كمثل أي علم آخر، إنما هي من خلق الطبيعة نفسها، فلا مجال لاعتبارها مجرد نتيجة لاختيار تعسفي أو مجرد امتداد عرضي لتقدم التجربة ومادامت الميتافيزيقا تعبر عن ميل إنساني طبيعي لا سبيل إلى محوه أو القضاء عليها، فلا محل لافتراض إمكان اختفائها يوم ما، وبالتالي لا موضع للقول بأن تقدم العلم سيكون هو الكفيل بإزالتها تماماً عن عالم الوجود.
الميتافيزيقا المعنى والتعريف:
لفظ الميتافيزيقا يتألف من مقطعين هما في الاصل كلمتان يونانيتان الأولى بعد( meta) والثانية الطبيعة (( Phusik وتصبح الكلمة ما بعد الطبيعة، وهنا ليس المقصود بكلمة بعد تجاوزاً للعالم الواقعي، وإنما المقصود بها التعمق وراء الظاهر، وقد اقترح ارسطو لفظ الفلسفة الأولى وقصد بها ما نسميه اليوم ما بعد الطبيعة، لأنه أراد البحث بالوجود بما هو موجود واسماه بالفلسفة الأولى تميزاً عن الفلسفة الثانية وهي العلم الطبيعي، واسماها أيضاً بالحكمة لأنها تبحث في العلل الأولى اطلاقاً، وتم تسميته أيضاً بالعلم الإلهي لأن أهم مباحثها هو الله بوصفه الموجود الأول أو العلة الأولى للوجود، ويلاحظ أن الميتافيزيقا اسم لم يطلقه ارسطو على أي كتاب من كتبه، ولم تظهر في العصر الهليني، وإنما ظهرت في العصر الهلينستي، عندما قام اندرونيقوس الرودسي الرئيس الحادي عشر للمدرسة المشائية في روما بتصنيف كتب ارسطو وترتيبها ونشرها مع شرح للفلسفة الآرسطية، وأثناء ترتيب اندرونيقوس لكتب ارسطو، وجد هناك مجموعة من البحوث لم يطلق عليها المعلم الأول اسماً معيناً يستقر عليه، وقد جاءت في الترتيب بعد البحوث التي كتبها ارسطو في الطبيعة(الفيزيقا)، فاحتار اندرونيقوس ماذا يسميها وأخيراً اطلق عليها مؤقتاً اسم ( meta) أي ما بعد وفيزيقا ((Phusik أي علم الطبيعة، أي أنها البحوث التي تلي كتب الطبيعة في ترتيب المؤلفات الآرسطية، فكلمة الميتافيزيقا لا تحمل أي اشارة إلى مضمون هذه البحوث، بل هي ما بعد الطبيعة، وهكذا جاءت التسمية عرضاً أو مصادفة، لكنها مع تطور المصطلح اصبحت وصفاً للموضوعات التي يدرسها هذا العلم، بمعنى أنها العلم الذي يدرس الموضوعات التي تجاوزت الظواهر المحسوسة، فهو يعني دراسة الوجود بصفة عامة وملحقاته، أي المقولات التي تعبر عن خصائص اساسية لهذا الوجود، كالجوهر والعرض والتغير والزمان والمكان، وبذلك اصبحت تدل هذه الكلمة على اسم علم بالمعنى الواسع الذي يدل على مجموعة من الأفكار المنظمة والمنسقة التي تدور حول موضوع معين، وبذلك اصبحت الميتافيزيقا اسم للعلم الذي يبحث عن الاسس أو الأفكار الأولى في أي علم آخر.(2)
يصعب أن نجد تعريفاً واحداً للميتافيزيقا، ويمكن أن يتفق عليه جميع المشتغلين بالميتافيزيقا، والسبب في هذا التباين هو أن الفلاسفة قد عرفوا الميتافيزيقا بالاستناد إلى مذاهبهم، بدلاً من أن يجعلوا نقطة البداية في ابحاثهم الميتافيزيقية تعريفاً واحداً متفق عليه، وأيضاً أن تعريفات الميتافيزيقا متعددة وكثيرة.(3) ونحاول هنا أن نضع بين يدي القارئ أهم تعريفات الميتافيزيقا ومنها:
ارسطو، الميتافيزيقيا هي دراسة الوجود من حيث هو موجود، أي هي علم الوجود المحض، ويعرفها أيضاً العلم الذي يدرس المبادئ الأولية أو الفروض الاصلية التي يقوم عليها كل علم، وأيضاً له تعريف آخر البحث في العلل والمبادئ الأولى.(4)
الاسكندر الافروديسي، الميتافيزيقا هي "الفلسفة الأولى التي تبحث في الوجود بما هو وموجود، ولا تبحث في أي موجود معين بالذات أو في جزء من أجزاء الموجود مثلما تفعل سائر العلوم، وهكذا تصبح الميتافيزيقا علم الوجود الشامل".(5)
الكندي( 801_873م)" اشرف العلوم واعلاها مرتبة الفلسفة الأولى".
الفارابي(874_950م) " دراسة الوجود بما هو موجود، والوجود نوعان واجب الوجود وممكن الوجود".(6)
ابن سينا(980_1037) " هو العلم الذي يعالج الماهيات المفارقة للمادة". ويعرفها أيضاً هو "العلم الإلهي الذي يبحث في الموجود المطلق وينتهي في التفصيل حيث يبتدئ منه سائر العلوم".
توما الأكويني( 1225_1274)"العلم الذي يبحث في العلل الأولى أو المبادئ الأولى، وهي عنده ترجع إلى علة واحدة وهي الله(جل جلاله)".
ديكارت(1596_1650)" الميتافيزيقا تشمل مبادئ المعرفة التي بينها تفسير أهم صفات الله(جل جلاله)".
كانت(1724_1804) " الميتافيزيقا هي الكشف عن العناصر الأولية في المعرفة والعمل".(7)
أوجست كونت(1798_1857) " الميتافيزيقا هي نمط فكري وسيط بين اللاهوتي والوضعي، فهي تسعى لمعرفة اصل كل الاشياء و المصدر الاساسي لإنتاج كل الظواهر".
برادلي(1846_1924)" الميتافيزيقا هي معرفة الحقيقة كشيء متميز عن الظاهر وتصور العالم عقلياً".
طبيعة الميتافيزيقا:
ليس من السهل تعريف الميتافيزيقا وبيان طبيعتها وتحديد مجالها وموضوعاتها، إذ أن الفلاسفة أنفسهم اراءهم لا تتوخى القصد والاعتدال على الاطلاق، بل نذهب إلى حد موغل في التطرف والتضارب، سواء في القدح أو المدح، الهجاء أو الثناء، والبعض يتحدث عن التفكير الميتافيزيقي بازدراء وبعضهم الآخر يرفعه إلى الأعلى، وتجدر الاشارة إلى أن المشكلة الميتافيزيقية تنشأ مما نشاهده من تناقضات في خبرتنا اليومية من ناحية، وفي خبرتنا العلمية من ناحية أخرى، وبذلك هي تضرب بجذور عميقة في هذه الخبرة، فالميتافيزيقا هي غوص وراء الظاهر أو الظواهر البادية، ومن هنا ذهب بعض الباحثين بأن تاريخ الميتافيزيقا في الفلسفة الغربية يبدأ بفلاسفة الكوسمولوجي الايونيين في القرن السادس قبل الميلاد، فهم أول من تساءل عن اصل الكون (المادة الأولى)، وبذلك يعد طاليس أول الميتافيزيقيين، ويرى كانت أن الذين انكروا الميتافيزيقا وتخلوا عنها هم في الواقع عجزوا عن فهم الدور الحقيقي الذي تقوم به في حياتنا البشرية، ذلك أنه إذا كان التفسير الفيزيائي الطبيعي عاجزاً عن إرضاء العقل فسيظل الميل الميتافيزيقي حقيقة واقعية لا غناء عنها، وإذا كانت الفلسفة تهتم بدراسة المبادئ، فإن الميتافيزيقا تهدف إلى دراسة اعم المبادئ، وتركز بعمق معنى الوجود الحقيقي والوصول إلى الحقيقة النهائية، وكشف ابعاد ومفاهيم جديدة في الحياة، والوقوف على الوجود العام بدلاً من الاهتمام بدراسة جانب جزئي واحد من جوانب الحياة، وبالتالي تتوجه الميتافيزيقا إلى المبادئ الكلية العامة وتبتعد عما هو متناهي، لأن المتناهي حاضر وقائم بالفعل ومن ثم فهو جزئي، وهذا مما أدى المفكر الالماني كرستيان فولف(1679_1754) إلى تعريف الميتافيزيقا بأنها العلم بما هو ممكن مقابل العلم بما هو قائم بالفعل، وبذلك تعد الميتافيزيقا القول بمثابة نشاط عقلي خالص يتجه نحو العمومية والتجريد ويسعى نحو الوحدة والكلية، وهو بذلك يسد الثغرات التي يتركها العلم عن الوجود.(8) ومن طبيعة الميتافيزيقا هي:
1_ تركز على دراسة الصفات العامة للوجود بما هو موجود ومحاولة الوصول إلى نظرية عامة عن طبيعة العالم.
2_ لا تبحث عما هو واقعي بالمعنى الحسي، وإنما تتطلع بالبحث عن الحقيقة وتستهدف الوجود الحقيقي الذي لا يظهره الواقع المحسوس، وإنما يوجد عالم وراء هذا الواقع والخبرة الحسية.
3_ تتجه الميتافيزيقا نحو مشكلة تميز طبيعتها وهي مشكلة الظاهر والحقيقة، فالعلوم الجزئية تعتمد على عالم الظاهر، أما الميتافيزيقا تهتم في الاساس في البحث فيما وراء هذا العالم الظاهري.
4_ تعد الميتافيزيقا بمثابة نشاط عقلي خالص يتجه نحو العمومية والتجريد ويسعى نحو الوحدة والكلية.
5_ تنظر الميتافيزيقا للعالم على أنه بناء كلياً معقد يتركب من مادة وعقل، ويتألف من موجودات مختلفة وموضوعات متباينة، والكلية في الميتافيزيقا ليست شمول المعرفة وإنما تعني ما يتسم به البناء الفلسفي من شمول واكتمال.
6_ تتميز الحجة الميتافيزيقية بأنها لا يمكن الحكم عليها بالصدق أو الكذب، أنما تحكم عليها بالقبول أو الرفض أو الاقتناع بها أو عدم الاقتناع.
موضوع الميتافيزيقا:
الميتافيزيقا هي دراسة جوهر الوجود و ماهيته و ما يترتب عن هذا الوجود، فهي لا تهتم بالأجزاء كما تفعل العلوم الأخرى التي تختص في دراسة جزء من هذا الوجود و تنقسم إلى أجزاء و كل جزء يدرس عنصر محدد، بل تتجاوز الإدراكات الحسية و ما يترتب عنها لتتجاوز المادة و أعراضها لتنتقل إلى ما هو متعالي عن الحس، فهي تهتم أساساً بالوجود و ملحقاته و الخصائص الأساسية لهذا الوجود ، الجوهر و العرض و الثبات و التغير و الحركة و الزمان و المكان و النفس والخ... بالإضافة إلى وجود الله و صفاته و أحواله والخ... و هذا صنف يدخل ضمن الإلهيات و هو فرع من الميتافيزيقا، وبذلك أن موضوعات الميتافيزيقا ومشكلاتها لم تقف جامدة طوال التاريخ، بل كانت تتغير وتظهر مشكلات جديدة وفقاً لكل عصر، إذ الميتافيزيقا بدأت انطولوجية في الفلسفة اليونانية، فعرفها ارسطو بأنها البحث في الوجود بما هو موجود، أو أنها علم الوجود ولواحقه، فإن هذا المعنى وأن استمر في العصور الوسطى، فإنه تغير في العصر الحديث وفي عصر التنوير، وفي الفلسفة المعاصرة فقد امتد مجال الميتافيزيقا في الفلسفة الحديثة ليشمل مجال الأبستمولوجيا أعني نظرية المعرفة، وقد أهتم كريستيان فولف وهو من كبار فلاسفة التنوير في ألمانيا بتقسيم الميتافيزيقا، وقسمها على نحو أربعة اقسام وهي:
1_ القسم الأول: الانطولوجية أو نظرية الوجود( ontology).
2_ القسم الثاني: الكوسمولوجي أو الكونيات( cosmology).
3_ القسم الثالث: هو السيكولوجيا أو علم النفس العقلي.
4_ القسم الرابع: وهو اللاهوت العقلي أو الطبيعي، وهو يناقش موضوع الألوهية والأدلة على وجود الله وصفاته.(9)
الميتافيزيقا في الفلسفة اليونانية:
طاليس(624ق.م_546ق.م) يعد من أوائل الفلاسفة لأنه استعمل الشروح والملاحظات حول تفسير وجود العالم بدلاً من الشروحات الاسطورية والخرافية وافترض المادة اصل الكون، وهو من أوائل الميتافيزيقيين في تاريخ الفلسفة، لأنه أول من تساءل عن الاصل الذي صدرت عنه الاشياء جميعاً، وكأنه بذلك طرح جانباً الظواهر المادية وما ندركه من اشياء حسية ليغوص تحتها بحثاً عن مصدرها، فأرتفع بذلك عن المشاهدة الحسية، وقال بنظرة تقوم على العقل اساساً.(10)
انكسيمندريس(610ق.م_546ق.م) رأى أن تفسير استاذه طاليس غير مقنع بأن أصل الكون هو الماء، ورأى أنه من الصعب أن ترجع الاشياء إلى الماء، بل من الاصوب أن تقول أن الاصل النهائي أو المبدأ الأول الذي صدرت عنه الاشياء جميعاً هو مبدأ غير محدود وغير متناه هو الأبيرون.(11)
انكسيمانس(588ق.م_525ق.م) حاول الجمع بين فكرة طاليس عن المبدأ الأول، وفكرة انكسيمندريس، فرأى أن المبدأ الأول لا بد أن يكون غير محدد من حيث الكم، ولكنه محدد من حيث الكيف، أنه الهواء.(12)
بارمنيدس(540ق.م_480ق.م) يرى أن الوجود موجود ولا يمكن ألا يكون موجوداً، أما اللاوجود فلا يدرك إذ أنه مستحيل لا يتحقق أبداً ولا يعبر عنه بالقول، فلم يبق غير طريق واحد، هو أن نضع الوجود وأن نقول أنه موجود، ويرى أيضاً أن الفكر قائم على الوجود ولولا الوجود لم يوجد الفكر لأن شيئاً لا يوجد لن يوجد ما خلال الوجود.(13)
فيثاغورس(570ق.م_495ق.م) أسس تيار يتميز بطابعه الديني والرياضي واضعاً رؤية ميتافيزيقية عن أصل الكون لما اتسمت به من طابع تجريدي، وقد اتجه إلى تفسير الطبيعة للأشياء تفسيراً رياضياً، وذهب إلى أن العلة الحقيقية التي تفسر جميع الموجودات ليست المادة بل العدد، فالأعداد هي العناصر الأولى لكل شيء، بل أن الاسماء كلها عدد ونغم، وبذلك ذهبوا يفسرون العالم بالعدد والنغم من واقع أن الكائن الحي المركب من كيفيات متضادة، وما النغم إلا توافق هذه الاضداد وتناسبها، وتستمر الحياة مع استمرار هذا النغم وتنتهي بانتهائه.(14)
هرقليطس(535ق.م_470ق.م) قدم رؤية تقوم على القول بتغيير كافة الموجودات وبأن الاشياء كلها في سيلان دائم، والنار عنده هي الاصل في الكون، ويمكننا جمع مذهب هرقليطس في نقطتين:
1_ الوجود متغير.
2_ العقل يحكم الوجود.(15)
افلاطون(427ق.م_347ق.م) أدرك أن عالم الحس هو عالم التغير ولهذا فهو غير حقيقي، لأن الحقيقة أبدية ساكنة لا تتغير كما يقول بارمنيدس، وهي كلية كما يقول سقراط، ومعنى ذلك أن المعرفة لا تستمد من الحواس التي تعطينا عالم الظاهر أو عالم التغير، بل يصل إليها العقل وحده الذي يستطيع أن يقودنا إلى عالم المثل، ويقسم العالم إلى عالميين، عالم الواقع و عالم المثل ، فالواقع يتميز بالظن و التغير و الحركة عكس المثل الذي يتميز بالحقيقة و الثبات، حيث يعتقد أفلاطون أن كل ما نراه في الواقع ما هو إلا صور و انعكاسات للأشياء الحقيقية الموجودة في المثل، ثم يضيف أنه لا يمكننا أن نثق بما يتغير و يتحول لأنه ليس موضع الثقة فالعلم هو ما يعطينا أفكارا ثابتة لا تتغير و لا تتحول، و يقسم أفلاطون الوجود أيضا إلى قسمين، القسم الأول عالم المحسوسات و ينقسم إلى: عالم الظلال و الخيالات و الإنعكاسات ثم الأشياء الجزئية المحسوسة نفسها، أما القسم الثاني عالم المعقول فينقسم إلى الموجودات الرياضية و عالم المثل.(16)
أرسطو(384ق.م_322ق.م) الميتافيزيقا عنده هي العلم الكلي و العام الذي يظم كل العلوم الأخرى، فهي الأرضية الأساسية لقيم العلوم المختلفة، و لهذا كان يعرفها بعلم الوجود بما هو موجود، أي العلم الذي يرجع إليه كل العلوم و الذي يهتم بحقيقة ذلك الوجود، فإن كانت الفيزياء تهتم بالمادة فإن الميتافيزيقا تهتم بالصورة الحقيقية لتلك المادة، و من هنا يقسم أرسطو الوجود إلى قسمين: الوجود الحسي الحركي و الوجود الميتافيزيقي المتعالي، أي مفارق للمادة، وله تقسيم ثاني للوجود هو ما هو بالقوة وما هو بالفعل.
قسم ارسطو الميتافيزيقا إلى ثلاثة اقسام:
1_ اللاهوت الطبيعي( Nature theology ) ويختص بدراسة الإله ووجوده وطبيعته، ويحتوي كذلك على العديد من الموضوعات المتضمنة لطبيعة الدين، وتصورات نشأة الكون ووجود المقدس والاسئلة الخاصة بالخلق والروحانيات كل ما يخص الكيان الإنساني بوجه عام.
2_ الكوزمولوجيا( (Cosmology تختص بدراسة المبادئ الأولى التي اعتمدها ارسطو كأساس لكل الاستفهامات والتساؤلات حول الكون، كما تتعامل مع العالم بصورة كلية وتدرس الظواهر والفراغ والزمن، وظهرت هذه الرؤية عبر التاريخ في الاساطير والأديان وفيما وراء العلوم الفيزيقية واستعملت المناهج الفلسفية للوصول إلى تصور لطبيعة الكون من خلال دراسة بعض الأطروحات كالسببية الجوهر والأنواع والعناصر والمادة.
3_ الانطولوجيا( Ontology) وتختص بدراسة طبيعة الوجود أو الحقيقة بشكل عام، بالإضافة إلى تعريفات وتصنيفات مستويات الوجود الاساسية وعلاقتها المختلفة، بالإضافة إلى تعريفات الكينونة، وغيرها من التعريفات سواء كانت فيزيقية أو عقلية أو طبيعية وخواصها، وطبيعة تغيرها.
يشمل كتاب الميتافيزيقا لأرسطو على أربعة عشر مقال مرموقة بأحرف الهجاء اليوناني، غير أن ما فيها من تكرار كثير وما بينها من قلة التناسق يحمل على الاعتقاد أن ارسطو لم يقصد إلى جمعها في مؤلف واحد, وقد استعمل ارسطو ثلاثة اسماء للدلالة على الميتافيزيقا:
1_ الفلسفة الأولى، وتهتم بالبحث عن العلل الأولى للأشياء والموجودات.
2_ الحكمة، على اعتبار أنها الغاية التي تسعى إليها العلوم الأخرى في بحثها.
3_ الإلهيات، باعتبارها تهتم بشرح طبيعة الإله.
يرى ارسطو أن اشرف العلوم النظرية هو ذلك العلم الذي يريد أن يصل إلى المعرفة بالسبب الأول أو الموجود الحقيقي لهذا الكون وقد اطلق ارسطو على هذا النوع من العلم الحكمة، والشخص الذي يشتغل بهذا العلم هو الحكيم وينظم ارسطو هذا العلم في ثلاثة اصناف:
1_ علم منفصل أي قائم بذاته، وهو في نفس الوقت موضوع للحركة، أي خاضع للتجربة الحسية، لأنه واقع تحت الحس وهو في نفس الوقت قابل للحركة.
2_علم مصدره الحس، ولكنه غير قابل للحركة.
3_ علم منفصل ويكون غير خاضع للتجربة الحسية، وليس الحس مجاله، وهو في نفس الوقت غير متحرك.
يمكن تحديد موضوعات الميتافيزيقا عند ارسطو:
1_ هي دراسة الوجود من حيث هو كذلك أي بوصفه مجرداً ويطلق على كل موجود ولا يقتصر على ماهية بعينها دون آخر.
2_ هي دراسة للواحق الوجود أي التصورات المرتبطة بمعنى، مثل الجوهر والعرض والعلة والمعلول والمادة والصورة وغير ذلك.
3_ دراسة العلل الأولى وخاصة الله أو المحرك الأول.(17)
ظهرت الافلاطونية المحدثة في العصر الهلينستي، وظهر فيها ميتافيزيقيون عظام كانوا على درجة كبيرة من القوة والاصالة، كما كان لهم أهمية كبيرة في التطور الميتافيزيقي حيث أنهم شكلوا حلقة رئيسية تربط بين الميتافيزيقا القديمة وميتافيزيقا العصور الوسطى، وكان أفلوطين(205_270) هو الشخصية الرئيسية في تلك الفترة، وقد جمع فلسفته بين الميتافيزيقا والزهد والتصوف كما أكد تلميذه فورفوريوس(234_305) على الجانب الصوفي والديني في فلسفته، وتعد فلسفة أفلوطين نموذجاً واضحاً للمذهب الميتافيزيقي الذي يؤكد عدم حقيقة الاشياء الجزئية التي نشاهدها في خبراتنا اليومية، فهي تؤكد الطابع الوهمي للحركة والتغير، بل حتى للزمان والمكان، وكل ما هو موجود فهو شيء واحد، حتى مجموعة الاشياء التي نقول أنها موجودة فإنها لا تكون كذلك إلا أنها تعد كشيء واحد هو المجموعة، حركة صاعدة وحركة هابطة.(18)
الميتافيزيقا في الفلسفة الاسلامية:
الميتافيزيقا في العصر الوسيط لها خاصية تميزها وهي محاولة التوفيق بين ما يأتي به الشرع وبين العقل، وهذه الخاصية نجدها واضحة عند فلاسفة الاسلام، وقد حاول فلاسفة الاسلام التوفيق بين مبادئ الاسلام والميتافيزيقا كما حاولوا التوفيق بين ميتافيزيقا ارسطو وميتافيزيقا افلاطون، وارتبطت الميتافيزيقا في الفكر الاسلامي بسالفتها في الفكر اليوناني، ولم تخرج تعريفات فلاسفة الاسلام في معظمها عن التعريفات التي ذكرها ارسطو للميتافيزيقا.(19)
الكندي، كتب رسالة إلى المعتصم بالله عنوانها(رسالة إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى) أي في الميتافيزيقا ويقول فيها أنها اشرف العلوم واعلاها مرتبة الفلسفة الأولى، أي علم الحق الأول الذي هو علة كل حق، وبذلك يذهب الكندي وينحو منحى ارسطو في الحديث عن العلل واعتبار الميتافيزيقا بحثاً عن العلة الأولى التي هي علة جميع الموجودات وهي شرح لطبيعة الله أو علم الإلهيات أو علم الربوبية كما يسميها الكندي، ومن هنا يذهب الكندي إلى أن الميتافيزيقا هي اعلى العلوم الفلسفية مرتبة، والفيلسوف التام هو الرجل الذي يحيط بهذا العالم الاشرف، لأنه بذلك يصل إلى الحكمة العليا كما كان يقول ارسطو أيضاً.(20)
الفارابي، يعتقد أن الميتافيزيقا هي دراسة الوجود بما هو وجود، والوجود نوعان، فكل موجود أما واجب الوجود، أو ممكن الوجود، وليس هناك سوى هذين الضربين من الوجود، ولما كان كل ممكن لا بد أن نتقدم عليه علة تخرجه إلى الوجود، وبالنظر إلى أن العلل لا يمكن أن تتسلل إلى غير النهاية، فلابد من القول بوجود موجود واجب الوجود ولا علة لوجوده له بذاته ، وهو بالفعل من جميع جهاته منذ الأزل قائم بذاته ولا يعتريه التغير من حال إلى حال، عقل محض وخير محض ومعقول محض وعاقل محض وهذه كلها واحدة فيه، وهو العلة الأولى لسائر للموجودات، وهذا الموجود الواحد هو الله.(21)
الميتافيزيقا في الفلسفة المسيحية الوسطى:
بقت النظرة الآرسطية إلى الميتافيزيقا قائمة طوال العصور الوسطى، فهي دراسة للوجود بما هو موجود أو بحث في الوجود ولواحقه، بل أن التسمية التي كان يطلق عليها ارسطو على البحوث الميتافيزيقية ظلت كما هي الفلسفة الأولى والحكمة والإلهيات، وقد انشغل الفلاسفة المسيحيون بتحليل العلاقة بين الله والإنسان وسعوا مثل فلاسفة المسلمين للتوفيق، وكان اهم ما يميز الفيلسوف المسيحي هو الإيمان الذي يسبق العقل.
توما الأكويني، تصور أن الميتافيزيقا تعني دراسة الاشياء الإلهية وفي الوقت نفسه مبادئ العلوم والعمل الإنساني، وقد كيف الأكويني هذا المعنى الكثيف مع العقيدة المسيحية مشدداً على الطابع العقلاني لهذه المعرفة، ويعرف الأكويني الميتافيزيقا بأنها" العلم الذي يدرس الاشياء المفارقة تمام المفارقة للمادة، ويدرس نشاط العقل الفعال الخالص". وتعتمد ميتافيزيقا الأكويني على محاولة شرح الفروق والخصائص الاساسية بين الوجود والماهية وبين الوجود الضروري والحادث بين الكليات والجزئيات، والموجود على ضربين موجود هو فعل محض وموجود هو مزيج من القوة والفعل، والموجود الأول موجود بذاته والثاني يتوقف في وجوده على الموجود الأول هو الله.(22)
انسلم( 1033_1109) يعتقد أنه لا بد من رسوخ الإيمان أولاً ويتفق مع اوغسطين في تعقل الإيمان، فالإيمان هو المعطى الأول، أما الميتافيزيقا عند انسلم فهي تدور حول موضوعين اساسيين هما المعرفة والسعادة، والمعرفة هنا تتعلق بمعرفة طبيعة الله وماهيته ووجوده ثم عن الإنسان حريته وإرادته وسعادته.(23)
الميتافيزيقا في الفلسفة الحديثة:
أهم ما يميز الفكر الفلسفي في العصر الحديث أنه فكر نقدي في المقام الأول، فالنظر العقلي الذي تحرر على يد مفكري عصر النهضة من السلطة الدينية سرعان ما أتجه نحو الذات نفسها بوصفها مصدر كل معرفة، وفي العصر الحديث حاول الفلاسفة إعادة اكتشاف الكون والإنسان بمناهج جديدة تعتمد على العقل، وانتقلت الميتافيزيقا في العصر الحديث من دراسة الوجود إلى دراسة المعرفة، من الموضوع إلى الذات، وإذا كانت الفلسفة اليونانية، وجدت بدايتها في معرفة الوجود والطبيعة، فإن الفلسفة الحديثة أنما تجد اصولها في الذات الإنسانية.(24)
ديكارت، الميتافيزيقا عنده تهتم بالذات التي تعرف وتقرر أكثر مما تهتم بالموضوع الذي يمكن أن يعرف أو يكون موجوداً، والذي يضفي على الميتافيزيقا يقينها ليس هو طبيعة موضوعها، بل الطريق الذي يسلكه الذهن في طلبها، وقد انتقلت الميتافيزيقا على يد ديكارت من دراسة الوجود إلى دراسة المعرفة، من الانطولوجيا إلى الأبستمولوجيا، من الموضوع إلى الذات، فإذا كان المدرسيون تابعوا تعريف ارسطو في تعريفه للميتافيزيقا بأنها" العلم بالوجود من حيث هو وجود". فإن ديكارت لا يقبل هذا التعريف" لأن المشكلة الكبرى عنده هي أن نتبين متى يسوغ لنا اثبات الوجود، وبعبارة أخرى أن الميتافيزيقا الديكارتية تهتم بالذات التي تعرف وتقرر الوجود أكثر مما تهتم بالموضوع الذي يمكن أن يعرف أو أن يكون موجوداً". والميتافيزيقا عند ديكارت علم دقيق يمكن اثبات قضاياه بيقين شبيه باليقين الرياضي ويقول" ليس في الميتافيزيقا شيء إلا اعتقد أنه واضح كل الوضوح للنور النظري، ويمكن البرهنة عليه برهنة دقيقة". وقد وصف ديكارت الفلسفة بأنها كشجرة جذورها الميتافيزيقا وجذعها الفيزيقا، والفروع التي تخرج من هذا الجذع هي جميع العلوم الأخرى التي ترجع إلى ثلاثة علوم كبرى هي الطب والميكانيك والاخلاق، وبذلك اعطى ديكارت أهمية كبرى للميتافيزيقا، فقد بين أن الميتافيزيقا هي الجذر والعلوم التطبيقية والفيزياء أي الجذع والثمار، والميتافيزيقا عند ديكارت ليست مجرد محاولة فلسفية الهدف منها الدفاع عن العقائد الدينية، بل هو فرق بين الدين و الميتافيزيقا، وقد وضع اصول ميتافيزيقية جديدة تستمد يقينها من نور العقل الطبيعي ومن ناحية أخرى فإن ديكارت قد وضع العقائد الدينية جانباً فلم يجعلها موضوعاً للشك أو موضوعاً للتأمل والفكر، فهذه العقائد في نظرة تتجاوز قدرة العقل الإنساني، لذلك لم تقم فلسفته الميتافيزيقية من أجل تدعيم هذه العقائد والدفاع عنها، كما هو الحال عند فلاسفة العصر الوسيط، بل استناداً إلى نور العقل وفطرته الطبيعية، وهكذا يتضح أن الحقيقة الميتافيزيقية الأولى واليقين الأول في الفلسفة الأولى وهو يقين الفكر، وهذا اليقين( أنا أفكر إذن أنا موجود) هو الأرض الصلبة والثابتة التي يشيد عليها صرحة الفلسفي، إذن أنا افكر أنا موجود هي من الرسوخ بحيث لا يستطيع الارتيابيون أن يزعزعوها مهما يكن في فروضهم، ولكن ديكارت يرى أن يقين الكوجيتو ليس كافياً، لأنه يقين اللحظة التي أفكر أو اشك، لهذا بحث ديكارت عن يقين آخر وعن طريق يقين النفس انتقل إلى اثبات وجود الله ومن وجود الله انتقل لاثبات وجود العالم.(25)
سبينوزا(1632_1677)عرض لمذهبه الميتافيزيقي في كتابه (الرسالة الدينية السياسية) وحاول فيها التعليق على بعض نصوص التوراة والتوفيق بين الفلسفة والدين، وينتهي سبينوزا إلى وحدة الوجود، فالله في الميتافيزيقا عنده هو الجوهر الوحيد للعالم، وهو متحقق في الطبيعة وليس مستقل عنها، أي أنه موجود بالضرورة في العالم وهو علة جميع الاشياء، وكل شيء موجود في الله، ويقول سبينوزا:" كل شيء في الله وبدونه لا يمكن أن يوجد أو يتصور شيء على الاطلاق".(26)
ليبنتز(1646_1716) عرض لمذهبه الميتافيزيقي في كتابه( مقال فيما بعد الطبيعة، نظرية الذرات الروحية أو المونادولوجيا) وتعد نظريته في الجوهر حجر الزاوية في بناء فلسفته الميتافيزيقية، والنقطة المركزية التي تدور حولها كل ابحاثه وما يتفرغ عنها من مشكلات، ويرى ليبنتز أن الجوهر يختلف عن الجواهر الأخرى، والجوهر يبدأ بالخلق وينتهي بالفناء والعدم، ولا ينقسم الجوهر إلى قسمين، ولا أن نجمع أثنين في واحد ويكون عدد الجواهر ثابته لا يزيد ولا ينقص بأية وسيلة من الوسائل، وهو مرآة الله أو الكون كله، وكل جوهر يحمل في طياته طابع الحكمة الإلهية وقدرته اللامتناهية، وبذلك أن الميتافيزيقا عند ليبنتز ليست مجردة عملية تبرر العلم وتفسره وإنما ميتافيزيقا تستهدف الوصول إلى الحقائق الأولى والضرورية بنور العقل الإنساني الذي هو قبس من النور الإلهي، فكانت بمثابة إحياء الميتافيزيقا في عصر التنوير ، وأيضاً ينكر المادة ويعلي من قدر العقل والتفكير، فيقرر أن هنالك عنصراً سلبياً في الذرات الروحية ويحول دون وضوح إدراكها، وهذا يعني أنه كلما رجح الجانب الروحي في الكائن على العنصر المادي كان أكثر وضوحاً في إدراكه، ولذلك فحقائق العقل هي اسمى وارفع من حقائق الواقع أو المادة الجزئية، ومن ثم لا بد من التميز بين حقائق العقل الضروري الخالدة وحقائق الواقع التجريبي الحادثة، فالأولى لا يمكن تصور نقيضها ومن هذه الحقائق مبادئ الرياضة والمنطق، أما الثانية فمن الممكن تصور نقيضها ومنها الحقائق التاريخية وقوانين الفيزياء.(27)
كانت، تبدأ ميتافيزيقا كانت بمهاجمة الميتافيزيقا القديمة التي اطلق عليها اسم الميتافيزيقا القطيعة أو الدوجماطيقية، وكان يستهدف من ذلك اقامة ميتافيزيقية جديدة التي اسماها الميتافيزيقية النقدية ، ومن هنا وضع كتاب نقد العقل الخالص، وفيه يحاول أن يبين فساد كل التيارين النزعة العقلية، والنزعة التجريبية، الأولى لتجاوزها لحدودها والثانية لقصورها، فالأولى تجاوزت حدود العقل وطاقاته فادعت إمكان الوصول إلى اثبات كيانات لا يمكن بطبيعتها أن تكون موضوعات للتجربة مثل الله والحرية الإنسانية وخلود النفس، وهذه ميتافيزيقية تريد أن تجاوز كل تجربة، أما تيار النزعة التجريبية فهو معيب هو الآخر، لأنه اقتصر معطيات التجربة الحسية، صحيح أن المعرفة ترتد إلى التجربة من حيث مادتها، لكنهم نسوا أو تغافلوا أنها تنتمي إلى العقل من حيث اطارها، وبذلك سعى كانت لتصبح الميتافيزيقا علم حدود العقل البشري وتصبح مشكلتها هي مشكلة أي علم، ومن هنا تمثل الميتافيزيقا لحظة حاسمة ومهمة، وهي لحظة تغير مفهوم الميتافيزيقا، ولذلك يصف كانت الميتافيزيقا بأنها الطفل المدلل لعقلنا، وكما أن الإنسان لا يستطيع أن يحيا بلا تنفس، فهو لا يقوى على أن يتخلى عن الميتافيزيقا، وقد أراد أن يحدث ثورة في الفلسفة ، ويهدف من وراء ذلك إلى وضع حدود لقدرتنا المدركة لكيلا يطلق العقل لنفسه العنان ويبحث في أمور ليست من اختصاصه، لذلك سمى فلسفته بالفلسفة النقدية، وبرهن كانت على أن البحوث الميتافيزيقية التي كانت شائعة حتى عصره وهي خالية من الصيغة العلمية، وهي البحوث التي كتبت في علم النفس النظري وفي علم الكون النظري وفي العلم الإلهي، لهذا أراد كانت بكتابة نقد العقل الخالص أن يضع منهج أو أداة تساعد على كشف الطريق الصحيح للبحث الميتافيزيقي.
مهمة النقد عند كانت هي تقويض الميتافيزيقا بالمعنى القديم أي بالمعنى المجرد، واقتصارها على البحث في الظواهر التي في مقدور العقل البشري المحدود والتي لا تتعدى حدود التجربة، وبدأ كانت عمله بأن ترك الموضوعات الميتافيزيقية جانباً، وهي البحث في الله والحرية والخلود، حتى يتفرغ من تحليله لبناء العلم الرياضي وبناء العلم الطبيعي، ثم يعود بعد ذلك إلى البحث الميتافيزيقي ليقيمه على النفس الركائز التي تقوم عليها العلوم الطبيعية والرياضية، ويقول كانت في مقدمة كتابه( نقد العقل الخالص): " إن محاولة تغيير طريقة البحث في الميتافيزيقا حتى تكون على غرار الهندسة والطبيعة، هي الغرض الرئيسي من هذا الكتاب". وبذلك يسعى كانت إلى إقامة الميتافيزيقا جديدة قائمة على اسس علمية، ويعترف كانت بأنه لم يكن يهدف إلى تقويض الميتافيزيقا فيقول:" أنني أبعد ما أكون عن أن أنظر إلى الميتافيزيقا على أنها شيء تافه يمكن الاستغناء عنه لدرجة أنني مقتنع تماماً بأن الوجود الحق والدائم للجنس البشري لا يقوم إلا عليها ولا يكون إلا بها". وبذلك كانت لم يرد هدم الميتافيزيقا ولا استبعادها وإنما استهدف اصلاحها واحياءها والنهوض بها من عثرتها لكي تلحق بركب العلوم الرياضية والطبيعية، ومن هنا أراد كانت بناء ميتافيزيقا مشروعة وهي تلك التي تحرص على استعمال افكار العقل الخالص استعمالاً مشروعاً، فلا تجعل منها سوى مجرد قواعد لهداية الذهن في سعيه نحو المعرفة الموحدة المتكاملة، بدلاً من أن تحاول فرضها على التجربة باعتبارها مبادئ ذات قيمة موضوعية مطلقة، وبذلك يعرف كانت الميتافيزيقا بأنها "العلم الذي يقوم وحده بحل المشاكل التي لا يمكن تجنبها وهي وجود الله وحرية الإرادة وخلود النفس".(28)
هيجل(1770_1831) يصف الميتافيزيقا بأنها قدس الاقداس في معبد الفكر ويقول " تعاونت الفلسفة مع الحس المشترك الساذج جنباً إلى جنب في هدم الميتافيزيقا، وهو مشهد اشبه ما يكون بمنظر المعبد الضخم الذي زينت جميع جوانبه بزينات فخمة، لكنه فقد قدس اقداسه". ويطلق عليها أيضاً جميلة الجميلات أو ملكة العلوم، وقد هاجم الميتافيزيقا القديمة ووصفها بأنها قطيعة وجامدة، وأراد أن تحل محلها الميتافيزيقا الجديدة التي تتخذ من الجدل منهجاً لها، وإذا كانت الميتافيزيقا عند ارسطو واتباعه دراسة للوجود بما هو موجود، ثم انتقلت في الفلسفة الحديثة، لاسيما عند ديكارت وكانت إلى دراسة قدراتنا المعرفية، وانتقلت من الانطولوجيا إلى الأبستمولوجيا أو من الموضوع إلى الذات، فهي عند هيجل دراسة الاثنين معاً، وبذلك رفض هيجل الشيء في ذاته، فرد هيجل المعرفة إلى العقل واصبحت المعرفة كلها عقلية، فليس ثمة سوى العقل، أما الاحساس فليس سوى ضرب من ضروب النشاط العقلي، والعقل هو موضوع الميتافيزيقا عند هيجل، و الميتافيزيقا هي المنطق عند هيجل، فالمنطق و الميتافيزيقا شيء واحد، إذ يتحد المنطق مع الميتافيزيقا التي هي علم الاشياء مدركة بالفكر، ونتيجة لهذا التوحيد بين الميتافيزيقا والمنطق جعل هيجل مهمة الميتافيزيقا منحصرة في تركيب العالم الواقعي بطريقة جدلية دون الرجوع إلى قوانين أخرى غير قوانين العقل، والسبب في ذلك هو أن هيجل أرتأى أن الشيء في ذاته هو الفكر نفسه، إذ ليس ثمة عقل من جهته، وواقعة من جهة أخرى، بل هناك هوية تامة بين ما هو واقعي وما هو عقلي، مادام الفكر هو من يضع كلا من الواقع والحقيقة، والميتافيزيقا عند هيجل تمر بثلاثة مراحل وهي:
1_ علم الفكرة في ذاتها ولذاتها( علم المنطق).
2_علم الفكرة في الآخرة( فلسفة الطبيعة).
3_علم الفكرة وقد عادت من الآخر إلى نفسها( فلسفة الروح)، وهذه الاقسام الثلاث لا تدرس إلا موضوعاً واحداً هو الفكرة الشاملة في مراحلها المختلفة أو العقل في صوره المتنوعة.(29)
الميتافيزيقا في الفلسفة المعاصرة:
يعتقد أمام عبدالفتاح أمام أن ما حدث في القرن العشرين ، كان رد فعل عنيف لميتافيزيقا هيجل التي سادت القرن التاسع عشر من ناحية ثم الهيجلية الجديدة التي سيطرت على الفلسفة في هذين البلدين، ثم بدأت الموجه تنحسر في نهاية القرن لتحل محلها عودة جديدة لدراسة هيجل وترجمة نصوصه.(30)
برادلي(1846_1924) يرى أن الدافع الميتافيزيقي موجود في قلب الطبيعة البشرية نفسها، متمثلاً في تلك الرغبة العارمة في فهم الواقع الحقيقي فهماً شاملاً، ومن هنا يميز بين الظاهر والحقيقة والعقل والمادة، وبرادلي لا يقر إلا بوجود العقول أو النفوس التي هي سبب وجود كافة الموضوعات، وبذلك يتوقف وجود الاشياء على الذوات التي تدركها، فيقول في مقدمة كتابه الضخم( الظاهر والحقيقة) " أن أفهم الميتافيزيقا على أنها محاولة لمعرفة حقيقة الواقع في مقابل الظاهر المحض، أو هي دراسة للمبادئ الأولى والحقائق النهائية، وأنا افهمها على أنها الجهد الذي يبذل لفهم الكون فهماً شاملاً، لا على أنه أجزاء أو قطع متفرقة، بل على أنه كل بطريقة ما".(31)
تايلور(1869_1945) يذهب إلى أن المشكلة الميتافيزيقية تظهر اساساً لوجود تناقض في خبرتنا المألوفة، مثل المتدين يحث على الدين وهو سارق أو أب يعلم اولاده الصدق ويحثهم عليه وهو يكذب والخ...(32)
هايدجر (1889_1976) يعتقد هايدجر أن الميتافيزيقا هي التساؤل الذي يتجاوز الموجود الذي عنه تسأل لتسترده بما هو كذلك وفي جملته تصور عقلي، والميتافيزيقا عند هايدجر نزعة إنسانية بحيث يمكن القول أن محاولة تجاوز الميتافيزيقا من أجل تأسيسها في حقيقة الوجود يؤدي إلى تصور جديد لماهية الإنسان، واعتبر هايدجر أن الميتافيزيقا رغبة طبيعية في الإنسان ويقول:" طالما كان الإنسان حيوان ناطقاً كان أيضاً حيواناً ميتافيزيقي، وطالما كان الإنسان يفهم نفسه بوصفه حيواناً ناطقاً، فالميتافيزيقا تتعلق بطبيعة الإنسان، لكن تفكيرنا أن استطاع أن ينجح في جهوده التي تستهدف العودة إلى اساس الميتافيزيقا، فلا بد وأن يساعد في احداث تغير في ماهية الإنسان مصحوباً بتحول في الميتافيزيقا مماثل". ويذهب هايدجر إلى أن الميتافيزيقا في الفلسفة القديمة بوجه عام، وفي الفلسفة الآرسطية بوجه خاص لم تكن سوى امتداد للفيزيقا أو هي نفس ضرب الفيزيقا، فنقطة البدء في فلسفة ارسطو هي دراسة الطبيعة أو دراسة الموجودات التي تشتمل عليها الطبيعة، وفي الوقت ذاته فإن الميتافيزيقا هي دراسة الخصائص العامة لهذه الموجودات بما هو موجود وهذا التعريف الثاني لميتافيزيقا ارسطو يدل بوضوح على أن الدراسات الميتافيزيقية ليست سوى امتداد للدراسات الفيزيقية السابقة، بل حتى التعريف الثالث للميتافيزيقية بأنها الإلهيات أو العلم الإلهي الذي يبحث في العلل الأولى التي هي الله، ولا يبعد كثيراً عن التعريفيين السابقين من حيث أن الله في الفلسفة الآرسطية خالقاً للكون، ولا هو يمثل العلة الفاعلة له، بل العلة الغائية فحسب، بمعنى أن الموجودات كلها تتجه إليه في حركتها لأنها عاشقة له وهو معشوقها الاكبر، وعن طريق هذا العشق الموجه المرسوم الذي تصبح فيه الموجودات كلها منجذبة إلى الله، تتم حركة هذه الموجودات، من هنا كان من الخطأ ونحن نشرح الفلسفة الأولى عند ارسطو بقولنا أنها العلم الإلهي".(33)
كارل بوبر(1902_1994) ومع أن القرن العشرين شهد حملة عنيفة ضد الميتافيزيقا، إلا أن هناك من دافع عنها ورأى بأنها مفيد للعلم مثل كارل بوبر، والذي كان شديد الاحترام للميتافيزيقا وأن علمه الواسع بالميتافيزيقا مكنه من أن ينزلها منزلة جديدة، و الميتافيزيقا وأن اختلفت عن العلم، فهي مع ذلك وبصورة عامة لها معنى، كما أنها تفيد العلم بطريقة ايجابية، وأكد بوبر أن التأمل الميتافيزيقي هو مصدر مهم للنظريات العلمية التي يمكن تكذيبها، كما اكد أن التأمل الميتافيزيقي هو باعث يحفز العلماء على التواصل إلى مثل هذه النظريات، كما أدرك أن الافكار الميتافيزيقية رغم عدم إمكان تكذيبها مباشرة، فإنه يمكن نقدها بطريقة عقلية، وأراد فيما بعد ادخال هذه الافكار الميتافيزيقية في مجال العلم، والنتيجة التي لا مفر منها أن الافكار الميتافيزيقية ليست مقيدة للعلم، بل هي ضرورية له، وإنها تقدم إطاراً لا غناء عنه يمكن من خلاله تشييد النظريات العلمية الخاصة ومقارنتها بالتجربة، فالميتافيزيقا تعمل كمرشد أو موجه للعلم.(34)
العلم والميتافيزيقا:
للميتافيزيقا علاقات متعددة مع أفرع كثيرة من المعرفة البشرية، الأدب والدين والتصوف والرياضيات والمنطق والخ...، غير أن العلاقة بين الميتافيزيقا والعلم كانت وثيقة على مدار التاريخ ربما أكثر من أي علاقة أخرى، من عصر اليونان حتى يومنا الراهن، فلم يكن فلاسفة اليونان يفرقون بين الرجل الميتافيزيقي والعالم سواء كان عالماً في الطبيعيات كطاليس وارسطو، أو عالماً في الرياضيات مثل فيثاغورس وافلاطون لا من حيث موضوع البحث ولا منهجه، وربما ظهرت التفرقة لأول مرة في تصنيف ارسطو للعلوم الفلسفية النظرية من ناحية، والعملية من ناحية أخرى.(35)
هناك من يعتقد أنه لا يوجد تعارض بين العلم والميتافيزيقا فهما لا يبحثان في مجال واحد، فالعلم يبحث في موضوعات توجد في عالم الزمان، أي في زمان ومكان واحد، أما الميتافيزيقا لها مجال آخر ومختلف تقع في عالم اللازمان، أي عالم الأزل كالله والنفس والخلود وغيرها، ويفرق برجسون(1859_1941)، بوضوح بين مجال العلم ومجال الفلسفة، ويعتقد أن هناك طريقين للمعرفة، الطريق العلمي بأدواته وتحليلاته ومختبراته، وطريق الميتافيزيقا بما لها من حدس نافذ، ودائرة العلم بنظر برجسون هي دائرة المادة ودائرة الكم والامتداد والمكان، ومنهجهما التحليل والتصنيف واداتها هي العقل، بينما دائرة الفلسفة هي دائرة الروح، دائرته الكيف والتوتر والزمان والديمومة ومنهجهما هو التعاطف الروحي واداتها هي الحدس، وهنا نجد برجسون يتحدث بوضوح عن طريقين مختلفين لمعرفة شيء من الاشياء، الطريق الأول أن تدور حول ذلك الشيء وتنظر إليه من زاوية مختلفة وتعبر عن ذلك برموز اللغة وغيرها، أما الطريق الثاني فهي النفاذ إلى صميم الشيء وسبر اغواره والوصول إلى حقيقته النهائية، أي الوصول إلى المطلق، والطريق الأول هو الطريقة التي جرى عليها العلم، والثانية هي الطريقة الميتافيزيقية، وكلتا الطريقتين عند برجسون سائغة ومشروعة، والمعرفة الميتافيزيقية تسعى إلى التخلص من كل رمز ومجاوزة كل وجهة نظر خاصة، وتسعى إلى تخطي تصوراتنا نفسها للوصول بوجه ما إلى المطلق و الميتافيزيقا تريد أن تسلمنا من الداخل الحقيقي التي يقدمها إلينا العلم من الخارج متجزئة متفرقة، وينبغي ألا تخلط بين الطريقتين، لأن الخلط بينهما يعني الخلط بين العلم و الميتافيزيقا بين المادة وموضوع العلم وبين الروح موضوع الميتافيزيقا، وبين الانفعال والاتصال وبين المكان والزمان، وبين العقل والحدس، وبين الساكن والمتحرك وبين التحليل والتعاطف الروحي، وبذلك العلم يقوم بوظيفة في ميدانه الكم والمادة لكنه ينتحل لنا معارف تدور حول الشيء، ولهذه هي معرفة نسبية، أما الميتافيزيقا فهي تمدنا بمعرفة تنفذ إلى باطن الشيء، وهي لهذا معرفة مطلقة، والفارق بينهما نفس الفارق بين شخص يصف مدينة ما من الخارج وشخص يعيش في قلبها، وبذلك التفكير العلمي يستقي الحقائق من التجربة وحدها، ويقوم المنهج العلمي على التجربة والاستقراء، بينما المعرفة الميتافيزيقية تقوم على الحدس المباشر، فالعالم يدرك جزئيات من الواقع ويجرب عليها التجارب، بينما الميتافيزيقي يدرك العالم في شموله ووحدته بالحدس المباشر، وتتميز الروح العلمية بالنزعة الموضوعية التي تقوم على اعتبار الواقعة مصدراً وقاعدة ومعياراً لكل معرفة، وإذا كانت المعرفة العلمية تبدأ من الواقع أي بتحديد الموضوع في العالم الخارجي، فإن المعرفة الميتافيزيقية تبدأ بمعرفة الذات أو الأنا، والسؤال العلمي يختلف عن السؤال الميتافيزيقي، فالعلم يسأل كيف يحدث هذا بينما الميتافيزيقي يسأل لم ولماذا يحدث أي يسأل عن الماهية والجوهر، والسؤال العلمي يكون دائماً موضوعياً خاص بموضوع بينما السؤال الميتافيزيقي فهو يشمل الذات أو الموضوع.(36)
بالجانب الآخر هناك من يرى أن الميتافيزيقا يمكن أن تكون مصدر مهم للفروض العلمية كما رأى كارل بوبر، وأمري لاكاتوش(1922_1974) الذي يرى أن لكل النظريات العلمية قلباً ميتافيزيقي صلباً لجميع الافتراضات والاطروحات والنظريات، أما تايلور يقول عن علاقة العلم بالميتافيزيقا: " ما من فكرة ميتافيزيقية عظيمة إلا وكان لها تأثير على مسار التاريخ العام للعلم، وفي المقابل فإن كل تقدم في مجال العلم له تأثير على تطوير الميتافيزيقا". أما ألفرد نورث وايتهيد(1861_1947) فقد جمع بين العلم والميتافيزيقا في مركب واحد متكامل غايته أثراء روح الإنسان وتزكية وجوده، فلم يعزل العلم عن الميتافيزيقا، بل اتخذته معبراً أو سلماً للوصول إلى الميتافيزيقا، فقد كان وايتهيد مناهضاً للاتجاه الذي يرمي إلى عزل العلم عن الميتافيزيقا، فكان ضد النزعة الدوجماطيقية وضد النزعة التجريبية الدوجماطيقية على السواء، وبذلك الميتافيزيقا عند وايتهيد لاتقف عند مجرد نتائج العلم وفلسفته، بل تتعدى ذلك إلى التفكير التأملي من أجل إقامة نظرية شاملة في الكونيات، وينظر من خلالها إلى العالم على أنه كل موحد تتلاقى فيه الاطراف المتقابلة بالذات والموضوع والفكر والواقع والواحد والكثير والحوادث والموضوعات وغير ذلك. ومن ثم تتسم الميتافيزيقا عند وايتهيد بسمتين اساسيتين هما:
1_ البدء من فلسفة العلوم الطبيعية.
2_ تطبيق المنهج العلمي الذي يعتمد على التعميم.(37)
أوجه الاختلاف بين العلم والميتافيزيقا:
1_ التفكير العلمي يستقي من التجربة وحدها، ويقوم المنهج العلمي على الاستقراء، بينما المعرفة الميتافيزيقية تقوم على الحدس المباشر، كما أن العلم يدرك الجزئيات من الواقع ويجري عليها التجارب، بينما الميتافيزيقا تدرك العالم في شموله ووحدته.
2_ المعرفة العلمية تبدأ من الواقع بتحديد الموضوع في العالم الخارجي، أما الميتافيزيقا تبدأ بمعرفة الذات أو الانا كما هي الحال عند ديكارت وكانت.
3_ العلل التي يبحث عنها العلم ليست قوى غيبية أو إرادة خارقة للطبيعة، بل هي علاقات قابلة للتحقق بين وقائع قائمة في العالم، أما الروح الفلسفية الميتافيزيقية فهي لا تقنع بالتجربة الحسية، بل هي تريد أن توسع من نطاق التجربة على حد تعبير برجسون لكي تدخل فيها شتى خبراتنا الحسية.
4_ العلم يهدف إلى كشف العلل القريبة للموجودات المرئية، أما الميتافيزيقا تهدف إلى كشف العلل البعيدة أو العلل القصوى للموجودات.
5_ للعلم غاية قصوى وأهداف علمية، أما الميتافيزيقا لا تهدف إلى أي منفعة مادية لأنها تبحث عن الحقيقة والحقيقة الخالصة.
6_ ينزع العلم نحو التكميم، أما الميتافيزيقا فمنهجها ليس عادياً.
الموقف الرافض للميتافيزيقية:
تعرضت الميتافيزيقا في العصور الحديثة لحملات عنيفة وانتقادات شتى جاءت في الاعم الأغلب، من مفكرين يعتقدون أنهم بذلك يحافظون على العلم بمنهجه الاستقرائي المتميز وينأون به عن التأمل والخيال النظري، الذي يجنح إليه فلاسفة الميتافيزيقا ويجعلهم يعملون على تعطيل مسيرة العلم والاضرار بمنجزاته من ناحية وإيماناً منهم من ناحية أخرى بقدرة العلم، وعلى تزويدنا بتفسير لكل شيء وبمعرفة علل الظواهر المختلفة التي كان يبحث عنها ارسطو وغيره من الميتافيزيقيين عن طريق العقل الخالص، ويعتقد بعض الباحثين أن رفض الميتافيزيقا والهجوم ضدها ليس نشأ مع الفلسفة الحديثة بل السفسطائية هم أول من نقد الميتافيزيقا عندما ارجعوا المعرفة إلى الحس وعندما وضعوا الإنسان مقياس لكل شيء، لكن النقد ظهر بشكل واضح في الفلسفة الحديثة فيعد فرنسيس بيكون(1561_1626) من أوائل الفلاسفة في العصر الحديث الذي أعلن ضرورة التخلي عن الميتافيزيقا بالمعنى التأملي الخالص بوصفها دراسة عقيمة لا فائدة منها ولا طائل تحتها، من هذا يمكن القول أن بيكون هو أول من مهد الطريق نحو استبعاد الميتافيزيقا في العصر الحديث، وذلك طبقاً لتفرقته الدقيقة بين العلم و الميتافيزيقا من حيث المنهج، فالميتافيزيقا تستعمل المنهج التأملي، أما العلم فيستعمل المنهج الاستقرائي وهناك تقابل واضح بين المنهجين، وهكذا يتضح أن معارضة بيكون للميتافيزيقا ليست رفضاً لطبيعة الميتافيزيقا كما عند اصحاب الوضعية المنطقية وإنما هو معارضة لمنهجها التأملي، ورفض النتائج التي يؤدي إليها هذا المنهج.(38) أما ديفيد هيوم( 1711_1776) فقال في نهاية كتابه مبحث في الفاهمة البشرية " حين نطوف في المكتبات، ماذا علينا أن نتلف، أذا اخذنا بيدنا أي مجلد في اللاهوت أو الميتافيزيقا وتساءلنا هل يتضمن تعليلات تجريبية حول العدد والكم، وهل يتضمن وقائع ووجود، كلا، إذن أرمه في النار، لأنه لا يمكن أن يتضمن سوى سفسطة وأوهام". وبذلك عند هيوم الميتافيزيقا ما هي إلا مجموعة من الأفكار المجردة التي لا يمكن أن تخضع للاختبار والملاحظة، ولا يمكن تكوين انطباع جزئي عنها، فأنها مجرد وهم وزيف ولا يمكن الوثوق بصدقها، وهنا هيوم يمثل مرحلة نقدية لظهور فلسفة كانت، إلى جانب هيوم يعد الرائد والملهم للتيارات الرافضة للميتافيزيقا التي جاءت بعده فقد كان أثره واضحاً في الفلسفة الوضعية المنطقية المعاصرة، وبذلك عد هيوم الميتافيزيقا مصدر الغلط والحيرة وعدم الوضوح إلى جانب كونها ليست من العلم في شيء، والميتافيزيقا تنبع أما من الجهد الغير مثمر للغرور الإنساني الذي يبحث في موضوعات خارج نطاق الفهم، أو أنها تنبع من عمل الخرافات التي لا تقوى على الدفاع عن نفسها على أرض صلبة وبالتالي تأتي بهذه المغالطات أو الاوهام لتدافع عن ضعفها.(39) ومنذ عصر التنوير وبداية نهاية الكنيسة ووضوح العلم وتحقيقه للمنجزات الكبرى وظهور علماء كبار أمثال جاليلو نيوتن وكبلر وغيرهم الكثير، ظهرت دعوات برفض الميتافيزيقا فيقول الفيلسوف وعالم الرياضة الفرنسي لمبرت(1717_1783):" ينبغي علينا ألا نندهش عندما نجد أولئك الذين يطلق عليهم اسم الميتافيزيقيين قلما يحترم بعضهم بعضاً، وأنا لا أشك مطلقاً في أن صفة الميتافيزيقي، قد اصبحت مهانة أمام العقل السليم، مثلها مثل كلمة السفسطائي". ويقول فولتير(1694_1778):" إذا رأيت أثنين يتناقشان في موضوع ما، ولا يفهم أحدهما الآخر فاعلم انهما يتناقشان في الميتافيزيقي".(40)
شنت الوضعية الفرنسية ومؤسسها اوجست كونت(1798_1857) حملة عنيفة على الميتافيزيقا، وقد عرض كونت لمشكلة الميتافيزيقا في كتابه( دروس في الفلسفة الوضعية)، وقد شرح فيه ما يعرف بقانون الاطوار الثلاث، وهو القانون الذي حدد كونت وفقاً له تقدم التفكير الإنساني وقد مر بثلاثة اطوار وهي( الطور اللاهوتي_ الطور الميتافيزيقي_ الطور الوضعي):
1_ الطور اللاهوتي، يرد اسباب الظواهر إلى اسباب خارقة للطبيعة، وهذه العلل المستورة هي قوى إلهية يسميها آلهة أو عفاريت أو اشباحاً، وفي هذا الطور يسعى الإنسان إلى معرفة الطبيعة الداخلية للأشياء والعلل المحركة للظواهر عن طريق هذه القوى الطبيعية.
2_ الطور الميتافيزيقي، انتقلت الإنسان من مرحلة التفكير اللاهوتي إلى مرحلة التفكير الميتافيزيقي، وهو في نظر كونت مجرد تعديل للطور اللاهوتي، فهما يشتركان في خصائص عديدة، فالإنسان في هذا الطور الميتافيزيقي يسعى إلى البحث عن العلل الأولى والوصول إلى المعرفة المطلقة، لكنه يستبدل في هذا الطور بالعوامل الخارقة على الطبيعة قوى مجردة يتصور أنها قادرة بنفسها على احداث كل الظواهر التي يشاهدها، من ذلك فكرة الجوهر وافتراض وجود مبدأ للحياة لتفسير الظواهر البيولوجية، ومثل افتراض وجود الروح أو النفس لشرح الظواهر السيكولوجية.
3_ الطور الوضعي(العلمي)، وهنا تصل الإنسانية إلى دور النضج كما يصل الفرد إلى دور الاكتمال والرجولة، وهو الدور الذي تخضع فيه حياته للواقع والتجارب التي استفاد منها طوال حياته، كذلك الإنسانية في هذا الطور تكتفي بالمعرفة النسبية لا المطلقة وتقع بمعرفة الظواهر وعلاقتها بعضها ببعض.
يرى كونت أن الميتافيزيقا ليست سوى مرحلة من مراحل الفكر قد جاوزتها الإنسانية، وهي عبارة عن خيال بالتجديد وعن الوسائط الخارقة للطبيعة، وهي الوسائل التي كان الفكر الديني يفسر بها الكون بالطلاسم أو المجردات الشخصية، مثل القوة الخفية والقوى الحيوية والصور الجوهرية، والميتافيزيقي في نظره كاللاهوتي رجل يزعم النفاذ إلى كنة الموجودات وإلى العلل الأولى وإلى العلل الغائية لجميع الاشياء، ويريد الوصول إلى المعارف المطلقة وهذا مستحيل، وقد اعتبر اوجست كونت العبارات الميتافيزيقية أقل وضوحاً من قضايا اللاهوت، وصرح بأن هذه العبارات قد أثارت مشاكل استعصى حلها على أذهان الميتافيزيقيين جميعاً ومن ثم وجب رفضها، والاكتفاء بقضايا المجال التجريبي، لأن التثبت من صحتها في حدود الخبرة الحسية ميسور لكل باحث، وبذلك ترى الوضعية أن التفكير الميتافيزيقي عديم النفع.(41)
الوضعية المنطقية المعاصرة، نشأت عن جماعة فينا وظهرت في عام 1928 بقيادة شليك(1882_1936)، وأرادت الوضعية المنطقية أن تبين أن المعرفة العلمية نوعان لا ثالث بينهما، وهما الرياضة والعلم الطبيعي، لأن لهما عبارات معقولة وذوات معنى، أما العبارات التي لا هي من الرياضة ولا من العلم الطبيعي فينبغي حذفهما لأنهما بغير معنى، وقضايا الرياضة والعلم الطبيعي هما وحدهما اللتان يجوز وصفهما بالصدق أو الكذب، وعلى هذا النحو تذهب الوضعية المنطقية إلى أن الفيلسوف الميتافيزيقي يضيع وقته سدى، لأنه يقول عبارات خالية من المعنى، وأيضاً ترفض التسليم بالميتافيزيقا ليس على اساس أنها عديمة النفع أو لا، ولكن على اساس أنها كلام فارغ لا يحمل معنى يمكن وصفه بالصواب والخطأ. وبذلك يسير الوضعين المنطقيون في مهاجمتهم للميتافيزيقيين على خطوتين:
1_ أن كل القضايا يمكن ردها إلى قضايا أولية مما نحققه بالخبرة الحسية تحقيقاً مباشراً.
2_أن الميتافيزيقا ماهي إلا نتيجة أخطاء في منطق التركيب اللغوي لعباراتها.(42)
نيتشه(1844_1900) يصف الفكر الميتافيزيقي بالفكر المنحط لانفصاله و علوه عن الحياة ، ويسعى لخلق فكر جديد مجاوز للفكر الميتافيزيقي ، فكر يعتنق الحياة و يعيد للإنسان حقوقه المسلوبة، إذ يعتقد نيتشه بأن المؤسسة الدينية تسعى لطمس كرامة الانسان و حريته باسم الإله ، هذا الإله الذي قتله نيتشه ليحل مكانه الإنسان الأعلى( السوبر مان) القادر على سد الفراغ الذي تركه الإله، ويعرف الميتافيزيقا بأنها "العلم الذي يبحث في الأخطاء الأساسية للإنسان كما لو كانت هي الحقائق الأساسية". وهذا يعني أن الميتافيزيقا عند نيتشه هي تفكير يحاول تبرير الأخطاء الإنسانية بإضفاء عليها صفة الحقيقة، لأن الحقيقة في نظر الميتافيزيقي سلطة عليا وقيمة مثلى الذي لا يطاله الشك أو النقد إطلاقا، وينظر كذلك إلى الميتافيزيقا على أنها الوجه الأخر للاهوت حيث يقول "إن الميتافيزيقا ترى أن أسمى الحقائق ينبغي أن يكون لها مصدر أخر خاص بها، و أن منبع الحقيقة ومبدأها يكمنان في قلب الوجود ". والميتافيزيقا أيضاً تتحالف مع الأخلاق من أجل تبرير الضعف الإنساني، فيقول نيتشه " إن الميتافيزيقا تؤدي إلى خلق عالم أخر مستقل من عالمنا الأرضي، وتضفي عليه أبهى صورة أخلاقية من حيث هو رمز للخير والحق والكمال، وهذا الطابع الأخلاقي التي تضيفه الميتافيزيقا على الوجود، تهدف من ورائه على غرار الدين سلخ الإنسان من عالمه الأرضي، وربطه بعالم أخر، وهي تفعل ذلك بطريقة أكثر إقناعا من الدين، فلكي تجعل الإنسان عاجزا عن المقاومة و الالتجاء إلى مثل ذلك العالم وإغراق يأسه وعجزه فيه". ونلاحظ هنا أن نيتشه اعتقد واهماً بأن الدين هو مثل الكنيسة التي كانت في العصور الوسطى تقيد حريات الإنسان وتسيطر على كافة أملاكه وتستعبده بأسم الدين، فهو يبدو أنه لم يطلع على الدين الاسلامي الذي أرتقى بشعبه واستطاع النبي محمد(ص) تحويل شعب كامل من الجاهلية إلى قمة الحضارة والرقي والإنسانية.
وليم جيمس(1842_1910)، الذي وصف " الفيلسوف الميتافيزيقي أشبه بالأعمى الذي يبحث في حجرة مظلمة، عن قطة سوداء، لا وجود لها " وبذلك يتضح أن ما تعرضت له ملكة العلوم كما يصفها كانت راجع للهوس الذي تركه العلم في نفوس بعض الباحثين و حتى الفلاسفة أنفسهم، إلا أنه رغم كل الهجمات تظل الميتافيزيقا محتلة المرتبة الأعلى في تصنيف العلوم و هي قلب الفلسفة النابض، و هي التي تجيب عن أسئلة ذات معنى.
شهد القرن العشرين الكثير من التيارات الفلسفية الرافضة للميتافيزيقا، وفي مقدمتها فلسفة التحليل التي تزعمها مور ورسل و فتجنشتاين والوضعية المنطقية، التي حمل لوائها في البداية انصار دائرة فينا تحت قيادة شليك واكمل مسيرتها رودولف كارناب والفرد جولز آير.
برتراندرسل(1872_1970) يعد رائد حركة الفلسفة العلمية التي تريد للفلسفة أن تحقق من التقدم مثل ما أحرزه العلم وأن تتخلى عن الكثير من المشكلات الميتافيزيقية الضخمة لكي تقتصر على دراسة بعض المسائل المنطقية و الطبيعية وفقاً للمنهج العلمي، ويقول رسل:" إذا أريد للفلسفة أن تحقق بالفعل أي تقدم ملموس وجب عليها أن تتخلى عن تلك الآمال العريضة في بناء نسق ميتافيزيقي متكامل، لكي تنصرف إلى دراسة بعض المسائل الجزئية(منطقية كانت أم طبيعية) وفقاً لمنهج علمي صارم".(43)
كارناب(1891_1970) يرى أن تحليل العبارات الميتافيزيقية فارغة من المعنى، لهذا يجب استبعادها، فالعبارات الميتافيزيقية هي عبارات ذات دلالة ميتافيزيقية خالية من المعنى، ومن ثم يجب استبعادها من مجال البحث العلمي.(44)
علاقة الميتافيزيقا مع العلوم الأخرى:
من الواضح أن الميتافيزيقا بوصفها بحثاً عن معنى الحقيقة ترتبط بوشائج مع الدين، والادب، والرياضيات، والمنطق، والتصوف.
الميتافيزيقا والدين :
أثار الفلاسفة مشكلة العلاقة بين الميتافيزيقا والدين فذهب البعض إلى القول أن الميتافيزيقا والدين حقلان معرفيان منفصلان يختلف أحدهما عن الآخر، الأول مجال نظري تأملي يعبر عن الحقيقة بطريقة عقلية برهانية، والثاني مجال عملي أخلاقي يستند إلى الايمان بحقائق فوق طبيعته، أما الميتافيزيقا تهدف إلى أن تقدم لنا تصورا شاملا للوجود بحيث يستطيع هذا التصور الشامل أن يفسر كل جوانب الوجود وخبرتنا فيه وذلك بطريقة منظمة ومنطقية وهذا الشمول هو الذي يميز ويحدد معنى كل نظام الميتافيزيقا وعليه نجد في كل نظام الميتافيزيقا تفسير للحياة والغاية من وجودنا وعلاقة الانسان بخلقه ... الخ ويؤكد الكثير من اللاهوتيين والفلاسفة إن الدين عامة يتضمن هذا التصور الشامل للوجود بما في ذلك الكيفية التي تكون فيها علاقة الانسان بأخيه الانسان، وعلاقته بخالقه فضلا عن معنى الحياة الأرضية بالنسبة للأبدية، وعند النظر إلى نوع الموضوعات الرئيسية بين الميتافيزيقا والدين فإننا نجد نفس الموضوعات لكل من الميتافيزيقا والدين، مثل وجود الله تعالى ، خلود النفس ، إثبات حياة اخرى بعد الموت حيث الثواب والعقاب ، حرية الإرادة ، وبذلك أن العلاقة التاريخية بين الدين والميتافيزيقا حقيقة واقعية لا شك فيها إلا أن الفكر الديني بصفة عامة يسبق تاريخياً الفكر الميتافيزيقي، وهذا ما يبينه لنا تاريخ الفكر الانساني وتاريخ تطور العقل البشري، لكن مع ذلك الميتافيزيقي لا يلجأ إلى الشعور الديني الذي لا يمكن تحليله، وإنما هو يعتمد في منهجه على التحليل النقدي المنظم لأفكارنا، ومن ثم فالميتافيزيقي تنتمي بروحها ومنهجها إلى مملكة العلم بالمعنى الواسع لهذا اللفظ، ومن ناحية أخرى نجد الدين يعتمد على الإيمان الذي يعتمد بدوره على القلب والوجدان و بما جاء به الوحي تصديقاً.(45)
الميتافيزيقيا والأدب :
الكثير من الفلاسفة كانوا أدباء وشعراء، واستعملوا الشعر لإيصال افكارهم الفلسفية، فنجد مثلاً بارمنيدس وهرقليطس عبروا عن افكارهم الميتافيزيقيا بقصائد شعرية طويلة، أما تراثنا الاسلامي يتمتع بنصيب وافر من تلك القصائد ما يؤكد هذه العلاقة , فقد عبر أبن سينا عن اعتقاده بخلود النفس بقصيدته العينية الرائعة، وقدم لنا أبن طفيل فلسفته في الطبيعة وما بعد الطبيعة بقصيدة أدبية من الطراز الاول حي بن يقضان، ولدينا فلاسفة أدباء مثل أبو حيان التوحيدي فيلسوف الادباء وأديب الفلاسفة ، وأيضاً في المقابل نجد أدباء وشعراء لهم تصورات ميتافيزيقية حول معنى الحياة والوجود وعلاقة الانسان بها مثل الشاعر ابو العلاء المعري وجوتا ، وبذلك العلاقة بين الميتافيزيقيا والشعر وثيقة، فالشعر يعبر عن صور وماهيات الأشياء وبخاصة ماهية الانسان بوصفه إنسانا صحيحاً و يعبر عن حالات شعورية عاطفية ولكن هذه الحالات تنطبق على كل إنسان، ويقول شوبنهاور " الشاعر اشبه ما يكون بالرجل الذي يقدم لنا مجموعة من الازهار في حين أن الفيلسوف أشبه برجل يضع بين أيدنا خلاصة هذه الازهار". أما بالنسبة إلى الفرق بين الميتافيزيقا والأدب فهي كثيرة، من حيث الروح والمنهج والغاية، فالميتافيزيقا تبحث في مشكلات الوجود بروح علمي خالص، وغايتها الاساسية الاشباع العقلي بالعثور على السمات العامة للحقيقة التي نميزها عن الظاهر، أما الأدب فغايته الغوص في اعماق النفس البشرية ليعرف مكوناتها، فهو يقف عند حدود مجال واحد ويعبر عن طريق التمثلات والرموز، أما الميتافيزيقا تستعمل مصطلحات مجردة، كما أن هدف الأديب اثارة السخط على ما يراه في المجتمع من قبح معكوس حتى يعمل على تغيرها في الوقت الذي يسعى فيه الميتافيزيقي إلى فهم الجوانب العميقة والخصائص العامة لهذا الواقع القائم، ووضع المعايير التي تميز الصحيح من الزائف، ولا يعتمد على منهج العيان أو الحدس المباشر.(46)
الميتافيزيقا والرياضيات:
لاشك أن الميتافيزيقا تشبه الرياضيات من حيث اعتمادها على الفكر المجرد وبحثها في العموميات والشروط الكلية التي تنطبق على جميع الحالات، فضلاً عن دراستها لأشكال العلاقات المختلفة وللمكان، لكنها تختلف مع ذلك اختلاف واسعاً من حيث المنهج عن العلوم الرياضية، لأننا لا نستطيع أن نطبق مناهج الرياضة الكمية أو العددية إلا على الاشياء والعمليات التي يجوز فيها القياس، أو الاشياء التي يمكن على الاقل عدها، أما الميتافيزيقا فإن مهمتها أن تقول لنا ما إذا كان ما هو حقيقي نهائي، أو أي جزء من أجزائه كمياً أو عددياً، أو قابلاً للقياس والعد.(47)
الميتافيزيقا والمنطق:
من الفرق بينهما هو أن المنطق دراسة أكثر عمومية من الميتافيزيقا، لأن المنطق تعني بدراسة الشروط العامة التي تجعل التفكير السليم ممكناً، أو بدقة أكثر الشروط العامة التي تجعل الاستدلال ممكناً، وقد يكون هذا التفكير ميتافيزيقياً أو علمياً أو اجتماعياً.(48)
الميتافيزيقا والتصوف:
لاشك أن هناك وشائج قربى بين الميتافيزيقا والتصوف، لأن الهدف الاساسي للتصوف هو أن ينفذ إلى الاعماق وراء القناع الخارجي للظاهر، بقصد الوصول إلى الحقيقة النهائية المختبئة وراءه، ومن ثم فهناك اشتراك واضح بين الميتافيزيقا والتصوف، وهناك اختلاف ومنها:
1_ التصوف مليء بالمفارقات والمتناقضات التي يسعى الميتافيزيقي للتخلص منها.
2_ الرجل الصوفي الذي يتلمس الحقيقة أينما وجدها لا يهتم بعد ذلك أدنى اهتمام بالعالم الظاهر، لأن الظاهر بما هو كذلك، هو في رأيه غير صادق وغير حقيقي أنه اللاوجود، وهو يقابل بين السمة الخاصة للحقيقة التي يستمدها من تأملاته وبين انعدام كيان الظاهر.
3_ الموقف الصوفي تجاه الظاهر، إذن موقف سلبي خالص، أما الرجل الميتافيزيقي فهو على العكس يتم عمله ويكمل مهمته حين يدرس الطابع العام للحقيقة في مقابل الظاهر المحض ثم يبقى له بعد ذلك أن يعيد بحث عالم الظاهر نفسه على ضوء نظريته في الحقيقة، لكي يكشف عن الصدق النسبي الذي يكون لتصوراتنا الجزئية والناقصة عن طبيعة العالم ويرتب الدرجات المختلفة من الظاهر في نظام وفقاً لقربها من الصدق.
4_ هناك فرق بين الصوفي والميتافيزيقي تجاه الحقيقة النهائية ذاتها، فموضوع الرجل الصوفي وهدفه عاطفيان لا عقليان، فهو يعتمد على الوجود وضروب النشوة والغبطة والانفعالات العنيفة الطاغية، وما يسعى إليه هو الاشباع النفسي والرضا العاطفي عن طريق اتصاله المباشر بما يرى أنه الحقيقة النهائية، ولغته هنا هي الرمزية الشعرية، وهي اللغة الوحيدة التي تناسب وصف الشعور والوجدان، ذلك لأن ما لا يمكن وصفه بالشعور به لا يمكن التعبير عنه تعبيراً منطقياً في مصطلحات منطقية عامة، أما الرجل الميتافيزيقي الذي يريد أن يصل إلى اتساق عقلي، فإن مثل هذا المنهج الرمزي لا يمكن أن يصلح له على الاطلاق.(49)
الهوامش:
1_ينظر سامية عبدالرحمن: الميتافيزيقا بين الرفض والتأييد، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط1، 1993، ص2_3.
2_ينظر أمام عبدالفتاح أمام: مدخل إلى الميتافيزيقا( مع ترجمة للكتب الخمسة الأولى من ميتافيزيقا أرسطو)، نهضة مصر، القاهرة، ط1، 2005، ص17_18.
3_ينظر حسين علي: الاسس الميتافيزيقية للعلم، دار قباء للطباعة والنشر، القاهرة، 2003، ص15.
4_ينظر المصدر نفسه، ص17.
5_ينظر أمام عبدالفتاح أمام: مدخل إلى الميتافيزيقا، ص19.
6_ ينظر سامية عبدالرحمن: الميتافيزيقا بين الرفض والتأييد، ص110.
7_ينظر المصدر نفسه، ص71.
8_ينظر محمد توفيق الضوى: دراسات في الميتافيزيقا، دار الثقافة العلمية، الاسكندرية، 1999، ص15_16.
9_ ينظر أمام عبدالفتاح أمام: مدخل إلى الميتافيزيقا، ص24_25_32.
10_ينظر يوسف كرم: تاريخ الفلسفة اليونانية، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1936، ص12_13.
11_ ينظر سامية عبدالرحمن: الميتافيزيقا بين الرفض والتأييد، ص89.
12_ينظر المصدر نفسه، ص90.
13_ ينظر يوسف كرم: تاريخ الفلسفة اليونانية، ص37_38.
14_ينظر سامية عبدالرحمن: الميتافيزيقا بين الرفض والتأييد، 91_92.
15_ ينظر يوسف كرم: تاريخ الفلسفة اليونانية، ص20_21.
16_ينظر المصدر نفسه، ص84_85_99_101. و ينظر أيضاً سامية عبدالرحمن: الميتافيزيقا بين الرفض والتأييد، ص95_96.
17_ ينظر يوسف كرم: تاريخ الفلسفة اليونانية، ص218. وينظر أيضاً ينظر أمام عبدالفتاح أمام: مدخل إلى الميتافيزيقا، ص10_108.
18_ ينظر أمام عبدالفتاح أمام: مدخل إلى الميتافيزيقا، ص111.
19_ينظر المصدر نفسه، ص117.
20_ينظر المصدر نفسه، ص119.
21_ ينظر المصدر نفسه، ص121.
22_ ينظر أمام عبدالفتاح أمام: مدخل إلى الميتافيزيقا، ص135.و ينظر أيضاً سامية عبدالرحمن: الميتافيزيقا بين الرفض والتأييد، ص107.
23_ينظر سامية عبدالرحمن: الميتافيزيقا بين الرفض والتأييد، ص104.
24_ المصدر نفسه، ص114.
25_ ينظر أمام عبدالفتاح أمام: مدخل إلى الميتافيزيقا، ص55_156_157_162.وينظر أيضاً سامية عبدالرحمن: الميتافيزيقا بين الرفض والتأييد، 119_120_122_123.
26_ ينظر سامية عبدالرحمن: الميتافيزيقا بين الرفض والتأييد، ص126.
27_ ينظر محمد توفيق الضوى: دراسات في الميتافيزيقا، ص36. وينظر أيضاً سامية عبدالرحمن: الميتافيزيقا بين الرفض والتأييد، ص129.
28_ ينظر محمد توفيق الضوى: دراسات في الميتافيزيقا، ص38_39.وينظر أيضاً أمام عبدالفتاح أمام: مدخل إلى الميتافيزيقا، ص20_21_162.وينظر أيضاً سامية عبدالرحمن: الميتافيزيقا بين الرفض والتأييد، ص65_66_70_72.
29_ينظر أمام عبدالفتاح أمام: مدخل إلى الميتافيزيقا، ص20_21_168_169. وينظر أيضاً حسين علي: الاسس الميتافيزيقية للعلم، ص18.وينظر أيضاً سامية عبدالرحمن: الميتافيزيقا بين الرفض والتأييد، ص141. وينظر أيضاً محمد توفيق الضوى: دراسات في الميتافيزيقا، ص39_40_41.
30_ ينظر أمام عبدالفتاح أمام: مدخل إلى الميتافيزيقا، ص10.
31_ينظر أمام عبدالفتاح أمام: مدخل إلى الميتافيزيقا، ص91.وينظر أيضاً محمد توفيق الضوى: دراسات في الميتافيزيقا، ص43.
32_ ينظر أمام عبدالفتاح أمام: مدخل إلى الميتافيزيقا، ص41.
33_ ينظر المصدر نفسه، ص33_74.وينظر أيضاً سامية عبدالرحمن: الميتافيزيقا بين الرفض والتأييد، ص81_83.
34_ينظر حسين علي: الاسس الميتافيزيقية للعلم، ص74_91.
35_ ينظر أمام عبدالفتاح أمام: مدخل إلى الميتافيزيقا، ص73_75.
36_ينظر المصدر نفسه، ص190_191_192.
37_ينظر حسين علي: الاسس الميتافيزيقية للعلم، ص20_21.
38_ ينظر سامية عبدالرحمن: الميتافيزيقا بين الرفض والتأييد، ص63_64.
39_ينظر المصدر نفسه، ص52.
40_ينظر أمام عبدالفتاح أمام: مدخل إلى الميتافيزيقا، ص20.
41_ينظر المصدر نفسه، ص177_178_179. وينظر أيضاً سامية عبدالرحمن: الميتافيزيقا بين الرفض والتأييد، ص51.
42_ ينظر أمام عبدالفتاح أمام: مدخل إلى الميتافيزيقا، ص181_182.
43_ينظر سامية عبدالرحمن: الميتافيزيقا بين الرفض والتأييد، ص45.
44_ينظر المصدر نفسه، ص52_53.
45_ينظر أمام عبدالفتاح أمام: مدخل إلى الميتافيزيقا، ص50_51.
46_ينظر المصدر نفسه، ص52_53.
47_ ينظر المصدر نفسه، ص53.
48_ ينظر المصدر نفسه، ص54.
49_ ينظر المصدر نفسه، ص57_58_59.



#حيدر_جواد_السهلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الظاهرة العبثية الإلحاد
- الاقتصاد في فلسفة الإمام الشهيد محمد باقر الصدر
- النظام الاجتماعي في فلسفة الإمام الشهيد محمد باقر الصدر
- العالم الذي قهر الإعاقة ستيفن هوكينج
- مفهوم الهوية في فكر عبدالجبار الرفاعي
- فرسان العراق في حرب 6أكتوبر
- مفهوم الولاء في فلسفة جوزايا رويس الأخلاقية
- المعوقات الاجتماعية لمشاركة المرأة العربية في صنع القرار الإ ...
- الدين والتدين في فكر عبدالجبار الرفاعي
- موقف عبدالجبار الرفاعي من التربية
- موقف عبدالجبار الرفاعي من الاستبداد
- الدولة في فكر عبدالجبار الرفاعي
- عبدالجبار الرفاعي سيرة وفكر
- البرلمان في فلسفة جون ستيوارت مل السياسية
- مفكر بعقل فقيه، ماجد الغرباوي
- بيل جيتس
- فلسفة الثورة عند سيد الشهداء الحسين بن علي(ع)
- الطبيب الثائر، جيفارا
- زها حديد وفن العمارة التفكيكي
- دجلة


المزيد.....




- رويترز تتحدث عن -عشرات الوفيات- بلهيب الشمس بموسم الحج
- يورو 2024.. قيادة منتخب البرتغال تدافع عن مشاركة رونالدو
- بعد هدوء لـ3 أيام.. -حزب الله- يعلن تنفيذ عملية ضد موقع إسرا ...
- الدفاع الروسية: استهداف منظومة صواريخ -إس-300- أوكرانية ومست ...
- روسيا تكشف عن منظومات صاروخية مضادة للدرونات والزوارق المسيّ ...
- ذهب رقمي.. ما هو شرط انتشار عملة بريكس في العالم؟
- روسيا تشل السلاح الأمريكي في أوكرانيا
- خداع استراتيجي.. كيف احتالت واشنطن على -السيد لا-؟
- لافروف: روسيا تدعو إلى إدارة عادلة للمجال الرقمي العالمي
- هنغاريا تعارض ترشيح فون دير لاين كرئيس للمفوضية الأوروبية


المزيد.....

- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر جواد السهلاني - مفهوم الميتافيزيقا