أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - شفيق العبودي - الغش في الامتحانات وصناعة المواطن الفاسد















المزيد.....

الغش في الامتحانات وصناعة المواطن الفاسد


شفيق العبودي

الحوار المتمدن-العدد: 8008 - 2024 / 6 / 14 - 17:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


صراحة لم أكن لأدلو بدلوي في هذا الموضوع لولا الاستفزازات المتكررة من قبل بعض المنابر الإعلامية التي تسعى جاهدة وراء الربح برفع نسبة متابعتها وذلك باعتماد آليات مخادعة وغاشة عبر التركيز على التلاميذ الفاشلين أو الساخرين من الوضع بطريقتهم الخاصة، ومنحهم فرصة الظهور عبر هذه الوسائل ونفث السموم تجاه المنظومة التعليمية كلها وخاصة الأساتذة المراقبين لعملية إجراء الامتحانات الذين يؤدون واجباتهم فقط، وتبخيص كل مجهود تم بذله طيلة السنة، وتحويل لحظة الامتحان إلى ما يشبه العزاء.
صحيح أن الغش صار سلوكا متأصلا في مجتمعنا وهو ما جعلنا نتبوأ المراتب عالميا في هذا المجال حسب بعض الدراسات، رغم أن مرجعتنا الأخلاقية والدينية تقول عكس ذلك والحديث النبوي " من غشنا ليس منا" خير دليل على ما أقول.
إذن كيف تسرب الغش إلى كافة مفاصيل حياتنا؟ وكيف عشعش بالضبط في منظومتنا التعليمية لدرجة صار حقا مكتسبا؟ وما هي انكعاسات ذلك على المجتمع وتطوره؟ وهل من سبيل للقضاء على هذا السلوك؟
هي أسئلة لا أدعي أني سأجيب عنها بقدر ما أطرحها من باب الاستفزاز الفكري والدعوة إلى التفكير الجماعي في مصير هذا المجتمع الذي نتقاسم العيش فيه. لكن لا بأس أن أقدم بعض الملاحظات السريعة في هذا الامر.
- المجتمع منتج للغشاشين: التلميذ الغاش لم يأتي من خارج المجتمع، بحيث يعتبر نتاج ما زرعناه، وذلك عبر التربية التي يتلقاها في البيت أولا ثم بعد ذلك في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والمدرسة، فعندما يصبح الأب غاشا فاسدا فلا يمكن أن ننتظر من الإبن أن يكون غير ذلك إلا في استثناءات نادرة جدا. إذن الغش يتم إنتاجه داخل البيوت أولا وقبل كل شيء عبر ترسيخ عديد السلوكات المحايثة له من قبيل الكذب والسرقة والخداع والخيانة والانتهازية والتي تشكل الأرضية الخصبة لتغلغل قيم الغش.
- المجتمع السياسي الفاسد: في مجتمع سياسي فاسد لا يمكن إلا أن ينتج فردا غاشا، عندما يعاين الناس الغش في الحقل السياسي ينعكس ذلك سلبا على تمثلات الأفراد ومنهم التلاميذ وحتى الآباء قبلهم، فيتحول السلوك المنتقد سابقا إلى سلوك يقتدى به ما دام يوصل صاحبه إلى الوجهة التي يبحث عنها وبأسهل وسيلة ودون عناء، وهنا يتحول الآباء إلى مساعدين لابنائهم على العش، لانه العملة الرائجة في نظرهم.
- عدم الاعتراف بالمجدين: ان تبخيس دور المجدين يخلق جيلا من الغشاشين، وهي مسؤولية الدولة بالأساس وخاصة المسؤولين على مجموعة من القطاعات، فعندما ترى أن المستحقين والأكفاء المجتهدين والمبدعين يتم إقصاؤهم ومحاربتهم وتهميشهم بل والتخلص منهم أحيانا في عديد القطاعات، بينما يتم بالمقابل ترقية الفاسدين والفاشلين المستعدين لتنفيذ ما يأتمرون به وتقديم الولاء المطلق للرؤساء والمساهمة في الاختلاسات على حساب تقديم الخدمات الجيدة للمجتمع والاضطلاع بالدور المنوط بالوظيفة التي يشغلونها، ويتحول الولاء للرئيس عوض للمنصب والعمل آنذاك يصبح هؤلاء قدوة للآخرين وهي واحدة من بين الأسباب التي تؤدي إلى ترسيخ قيم الغش لدى المواطنين وخصوصا لدى المتعلمين.
- فقدان الشهادة الاكاديمية لقيمتها: عندما فقدت الشهادة الممنوحة من قبل المؤسسات التربوية قيمتها لم يعد يتعامل معها أغلب التلاميذ بالجدية اللازمة، فهو يعرف مسبقا أن الحصول على شهادة الباكالوريا لم يعد بتلك الأهمية ولم يعد يفتح له أبوابا سحرية، وبالمقابل تحول لدى العديد منهم إلى مناسبة لرد الجميل للآباء لا غير أو مناسبة لإدخال الفرح إلى قلوبهم فقط، لذلك فهي لا تستحق ذلك العناء الكبير من بحث ودراسة وسهر الليالي بل يكفي أن تبدع وسيلة للغش تكون سبيلا مناسبا لذلك وبأقل جهد. لذلك فإن محاربة الغش تفضي أولا وقبل كل شيء إعادة الاعتبار للشهادة، بحيث المعدلات المحصل عليها في السنوات الأخيرة لم تعد ذات معنى، والدليل على ذلك أنها لا تعكس المستوى التكويني الأكاديمي للمتعلم في شيء.
- محاربة الغش حقيقية ودائمة: لا يجب محاربة الغش في المدارس والجامعات بشكل مناسباتي أي أيام الامتحانات الموحدة فقط، بل هي سلوك يجب أن يتواصل طيلة السنة وبشكل جدي وليس فقط شكلي صوري، فكيف يعقل أننا نرفع شعار محاربة الغش وفي المقابل نطالب المؤسسات بضرورة الرفع من نسبة النجاح دون توفير أسبابه الحقيقية طيلة الموسم الدراسي؟ أليس هذا توجيه ضمني باعتماد كل السبل خاصة الغير المشروعة لتحقيق ذلك؟ كما أنه علينا الانتقال من مدرسة الإنجاح إلى مدرسة النجاح بشكل جدي وحقيقي بتوفير كل مستلزمات ذلك وهذا يقتضي الاستجابة لمطالب وتوجيهات الممارسين الفعليين للعملية التعليمية التعلمية (المدرسون) فقط دون سواهم، لأنهم أدرى بما تعانيه المنظومة أكثر من غيرهم.
- المنع التام للدعم المؤدى عنه خارج المؤسسات التعليمية، لأنه يعتبر مناسبة لترسيخ الفساد والغش التربوي عبر رشوة المدرسين مقابل سخاء حاتمي على مستوى وضع نقط المراقبة المستمرة، وأيضا إخضاع القطاع الخاص للرقابة الصارمة في أفق التخلص منه وتوحيد المدرسة في اطار مدرسة عمومية جيدة للجميع.
- الغش يساهم في صناعة المواطن الفاسد: في البداية يكون الغش في الامتحانات مجرد وسيلة لتحقيق الانتقال من مستوى إلى آخر أو للحصول على شهادة مدرسية، لكن بعد النجاح في اعتماد هذه الوسيلة بما تتطلبه من جهد أقل وانتشاء في خداع الآخرين تتحول إلى غاية يعتمدها الفرد بعدما انتقل من كونه تلميذ في المدرسة إلى مواطن في المجتمع يؤدي وظيفة ما. فبعدما أفلح الغش في تحقيق هدف تعليمي يتحول إلى وسيلة حياتية معتمدة في الحياة الاجتماعية والوظيفية، كيف لا وقد سبق وجرب التلميذ الغش وكان مواتيا بأن مكنه من مبتغاه فلماذا لا يعتمده أسلوبا حياتيا سواء في علاقاته الاجتماعية أو المهنية. لذلك فالتلميذ الغاش اليوم هو مواطن فاسد وغاش وكاذب وسارق ومنافق وانتهازي ومخادع .... إلخ غدا. وآنذاك يفسد المجتمع وتفسد العلاقات الاجتماعية بانقلاب القيم وتغير قواعد اللعب والعيش المشترك من قواعد من المفروض أن تقوم على الاستحقاق والصدق والاخلاص والتعاون والتضامن والتضحية إلى قيم تقوم على أساس الإنتهازية والسلب والنهب والكذب والنفاق والأنانية المقيتة، عندها يكون قد انهار المجتمع وانهيار المجتمع يعني الخسارة للجميع..
العرائش في 14 يونيو 2025



#شفيق_العبودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المحكمة الدولية ضمير الغرب الذي لا ضمير له
- الحراك التعليمي بالمغرب بين العفوية والتنظيم
- في الحاجة إلى تشكيل وعي نقابي كفاحي
- من أجل إعادة صياغة مفهوم النضال والمناضل
- الحوار هدف أم وسيلة؟
- بروباغاندا الدعم التربوي وهدر المال العام
- في نقد الفكر اليومي للشغيلة التعليمية بالمغرب
- قراءة سريعة في المعركة البطولية لاحتجاجات الشغيلة التعليمية ...
- اضراب الشغيلة التعليمية بالمغرب يوم 5 اكتوبر 2023 دروس وعبر
- الكوارث الطبيعية وتبييض سمعة الفاسدين
- قصيدة شعب الصبارين
- عيد الاضحى بين الأسطورة والدين والعادة الاجتماعية
- رثاء الموسيقار حسين نازك ابو علي
- مرثية الرحيل
- بلاغ تضامني مع الاستاذ شفيق العبودي
- قراءة في شعار الدولة المغربية - التصويت حق شخصي وواجب وطني-. ...
- درس افغانستان
- في شأن البيروقراطية النقابية
- ماذا بعد نجاح إضراب الكرامة في اوساط الشغيلة التعليمية بالمغ ...
- ثنائية الحب و الموت في زمن الكورونا


المزيد.....




- رويترز تتحدث عن -عشرات الوفيات- بلهيب الشمس بموسم الحج
- يورو 2024.. قيادة منتخب البرتغال تدافع عن مشاركة رونالدو
- بعد هدوء لـ3 أيام.. -حزب الله- يعلن تنفيذ عملية ضد موقع إسرا ...
- الدفاع الروسية: استهداف منظومة صواريخ -إس-300- أوكرانية ومست ...
- روسيا تكشف عن منظومات صاروخية مضادة للدرونات والزوارق المسيّ ...
- ذهب رقمي.. ما هو شرط انتشار عملة بريكس في العالم؟
- روسيا تشل السلاح الأمريكي في أوكرانيا
- خداع استراتيجي.. كيف احتالت واشنطن على -السيد لا-؟
- لافروف: روسيا تدعو إلى إدارة عادلة للمجال الرقمي العالمي
- هنغاريا تعارض ترشيح فون دير لاين كرئيس للمفوضية الأوروبية


المزيد.....

- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - شفيق العبودي - الغش في الامتحانات وصناعة المواطن الفاسد