أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير محمد ايوب - غطرسة الفقر نوافذ على بعض ما قد مضى من العمر - الثانية














المزيد.....


غطرسة الفقر نوافذ على بعض ما قد مضى من العمر - الثانية


سمير محمد ايوب

الحوار المتمدن-العدد: 8005 - 2024 / 6 / 11 - 20:40
المحور: الادب والفن
    


فَقرُنا لم يكن انسانياً ولم يكن جميلاً، باي حال من الاحوال. كان فقراً متراميَ الاطراف محشواً بالفقر، من كل حدبٍ وصوب. كان عنواناً وشاهداً على محطاتٍ من العمر مؤلمة. فقرٌ تشمُّ فيه عِطرَ الماضي وطقوسه، التي قاسمتنا كثيرا من صبرنا الجميل. لِنُبحرَ فيه بسلام، ولِنعبُره ببراعة واقتدار. كان التفكير فيه وبتبعاته مطوَّلا، وكان أحد أهم واجباتِنا اليومية الاساسية.
فقرٌ كانت فيه قُرانا بلا بلدياتٍ كبرى او صغرى، لتحظى بشيءٍ من الصرف الصحي اوالعبّارات او الجسور. ومع هذا كانت قُرانا آنذاك، انظفَ من كثير من مُدن هذه الايام. ولم ينجح مطرٌ مهما طالَ واستطال، كنّا نُسمّيه "كَبٌّ مِن الرَّبْ" ، من قطع طُرقاتنا او تعطيل حركتنا. بل انعم الله علينا بمنظوماتٍ جمعية شمولية، ثَريَّةٍ بقيمِ تضامُنٍ وتكافلٍ وتعاضد، وعادات نظافه ذاتيه وعامة,
آنذاك، كانت أفراُنُنا طوابينا، من كل السعات والاحجام، غير مُجبرين باسم حرصٍ بيئوي مُفْتْعَل، على تركيب شفاطات دخان لها، وقودُها كان رَوْثَ دوابِّنا ونفايات بيوتنا، مع قلة تلك النفايات ومحدوديتها.
وسياراتُنا كانت حميرا من كل الموديلات والالوان والاحجام. كنا نركبها بدون أحزمة أمان، ولا اكياس هواء واقيه. وناقلاتنا كانت جمالا وبعرانا صبورة.
ومياهنا تُرْسِلُها أسقف بيوتنا النظيفه، وساحات البيادر المٌصانة سلفاً، الى آبارٍ للجمع، حفرها الآباء في كل مكان، آبارا خاصةً وعامة، يستسقي منها كل من يريد. كانت سِقايَةٌ يشترك بها كل خلق الله.
حَلالُ آبائنا لم يكن يحتمل التبذير مع قلته، لذا كان فِطامُنا مبكرا. نتحلى على صحن هيطَلِيّة او بحتة او مهداوية، او شقفة هريسة او نمورة، او حبة زُنْكُل ( زلابية او عوامة )، او لقمة اكسيبه او حبة راحه او حلاوه ، او حبة ملبس حامظ حُلو. وتَروي عطشنا من حين لآخر، او في مناسبة سعيدة ما، كُباية خرّوبٍ او عرق سوس او ليموناظه ، وفي احسن الأحوال زجاجة كازوز او عَسيس اوإصبع أسكيمو او كاسة برّاد ليمون يسمونه سلاش هالايام.
درسنا على طبلية خشب او على حجر، وسراجٍ ابوفتيله، او ضو نمره 4، وقزازة ياسين، او شمعدان، وفي احسن الأحوال على لوكس ابو شُنبَر.
والأهم، اننا بلا حِمْيَة خاصة، او ربط مِعَدْ او شفط دهون، لم نكن سِماناً او بُدُن . بل كنا كالرماح بفضل الحركة الدؤوبة، واللعب المتواصل خارج البيت، حركات ابتدعتها خيالاتنا ، وحاجاتنا المبهمة الى الرشاقة . فلم يكن لدينا بلاي ستيشن، ولا العاب فيديو، ولا الف قناة تلفزيون. ولم نكن نمتلك اجهزة فيديو، او موسيقى هواتف خليوية، او حواسيب اوغرف دردشه عبر الانترنت. كانت أمهاتنا وعماتنا وخالاتنا وجداتنا ، هن حكواتي ليالينا الجميلة المقمرة.
كان البرد كاشفا لفقرنا. نرقص من لسعاته. نحتال على تبعاته بجزمات من باتا ومن عصفوركو، و بالبخنق وملابس البكج ( الباله )، وبتداول الملابس المستعمله اخا عن اخ واختا عن اخت، وولد عن والد وبنتا عن ام . وبمواقد من طين ابيض كنا نسميه الحِوَّر او اللاصَةِ ، وقودها دُقٌّ من جفت الزيتون المحروق في الافران، او من حطب نجمعه سلفا في الصيف وفي الخريف ، ويُرَصُّ فوق مداخل البيوت. كان حطبنا اغصانا مكسورة من شجر في حواكيرنا. سجادُنا حصيرٌ خشن، وفراشنا قليلٌ غير وثير، لم تكن مخداتنا ولُحُفُنا من اسفنج او بوليستر او ريش نعام، بل من قش المساند او الجواعد او صوف الغنم المُنَجَّدِ سنويا. لا تزال خخياشيمنا وجلودنا تختزن عَبَقَ ذاك الفراش الوثير آنذاك. اظن ان بعضنا لم يَفِق حتى الان من ذاك العَبَق.
كان فقر اكثرنا كفصيلة الدم، يسري في الشرايين وفي الاورده المُرهَقَة. موجعا كان، لكنه كان مُحَفِّزا ايضا . لم نكن نَدَعُ ذاك الفقر يفرح بمعانداته لنا، كنا كلما إشتقنا لاحلامنا، لا نبحث عنها في طيات او دقات الفقر ذاك . ما بين مَقْتِنا له واشواقنا لشيء من احلامنا نطل عليها، قاتَلْنا بضراوة مع اهلنا لتغييره، او على الآقل استيعاب شيء من مساراته، واحتواء شيء من تبعاته.
نجح بعضنا في ذلك، بعد ان اضطر مبكرا احد افراد العائلة، للسفرالى واحدة من دول البترول واماراته ليعمل هناك. وتحقق الكثير من التغيير لبعضنا، بعد بركة التخرج من ثانويته. حينها صعد البعض منا بامتياز الى شيء من ـحلامه، على أشلاء فقر يتهاوى، لا على اشلاء احد منا.
اجملُ ما في ذاك الفقر، إن كان حقا فيه شيء من الجمال، انه قد حررنا من عاهات اجتماعية كثيرة، لعل ابرزها كان، انه أبعد عنا أصدقاء المصلحة. كنا في هَمِّ الفقر شبه سواء. جمعتنا شجرته بساقها وبجذورها، وفوق الجذور تنوعت الأغصان، وتفرعت في كل اتجاه.
كلما ساء مِزاجُ ذاك الفقر، كانت مُحَفِّرته والحمد لله ، أحلى وانفع. وكانت احلامنا كالاصدقاء الخُلَّصِ، أول الحاضرين مُبتسمةً مُتفائلةً، تُمسكُ بأيدينا في مسيرة الأفقِ المُمتد ..........!!!



#سمير_محمد_ايوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نوافذ على بعض ما قد مضى من العمر النافذة الاولى
- الندية والدونية في الصراع الوجودي إضاءة على المشهد في فلسطين ...
- بوح على بيادر الوطن ... الوطن
- الجدل العربي – الايراني الى اين ؟! أضاءة على المشاهد في فلسط ...
- صدِّقوا الصواريخ، حتى وإن همَست - فهي الاصدق إنباءً!!! إضاءة ...
- أهناك ردٌّ إيراني؟ أم المزيد من الصبرٌ الاستراتيجي؟! إضاءة ع ...
- اللعنة على كل من خذل اهلنا في فلسطين ولو بكلمة إضاءة على الم ...
- الدم والسيف إضاءة على المشهد في فلسطيننا
- الوالدية والتغيير الظالم
- تحية حب واحترام لكل أمرأة عربية في الثامن من كل آذار
- فلسطين بين التطويع والتطبيع قراءة في المشاهد الفلسطينية
- حذار، فإن السيف وحده هو الأصدق إنباءً وأنباءً، إضاءة على بوا ...
- لمن القول الفصل اليوم؟! إضاءة على ملحمة العز في غزة
- إضاءة على المشهد في فلسطين عرفات الرمز، مفتري أم مفترى عليه؟ ...
- بدمها تكتب فلسطين: أمريكا هي الطاعون إضاءة على ملحمة العز في ...
- فلسطين يقين كثيف الوجود والدلالات إضاءة على ملحمة العز في غز ...
- الفزاعة الايرانية، إضاءة على ملحمة العز في غزة
- هذا هو دورالعملاء، وليس حمرنة منهم !! إضاءة على ملحمة العز ف ...
- جدل الهم والدم واللحم إضاءة على ملحمة العز في غزة
- بين صخرٍ وصَخر ينبت الزهر، إضاءة على ملحمة العز في غزة


المزيد.....




- الفنان جمال سليمان يوجه دعوة للسوريين ويعلق على أنباء نيته ا ...
- الأمم المتحدة: نطالب الدول بعدم التعاطي مع الروايات الإسرائي ...
- -تسجيلات- بولص آدم.. تاريخ جيل عراقي بين مدينتين
- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- السكك الحديدية الأوكرانية تزيل اللغة الروسية من تذاكر القطار ...
- مهرجان -بين ثقافتين- .. انعكاس لجلسة محمد بن سلمان والسوداني ...
- تردد قناة عمو يزيد الجديد 2025 بعد اخر تحديث من ادارة القناة ...
- “Siyah Kalp“ مسلسل قلب اسود الحلقة 14 مترجمة بجودة عالية قصة ...
- اللسان والإنسان.. دعوة لتيسير تعلم العربية عبر الذكاء الاصطن ...
- والت ديزني... قصة مبدع أحبه أطفال العالم


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير محمد ايوب - غطرسة الفقر نوافذ على بعض ما قد مضى من العمر - الثانية