أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - على جدار النكسة: الوعي الذاني بالهزيمة















المزيد.....

على جدار النكسة: الوعي الذاني بالهزيمة


محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)


الحوار المتمدن-العدد: 8003 - 2024 / 6 / 9 - 18:47
المحور: القضية الفلسطينية
    


لعل أسوأ ما في النكسة تأبيدها وتكريسها ومن ثم "تذويتها" واعتبارها جوهراً أصيلاً للإنسان العربي، متأصلة فيه دون اعتبار أن الفكر لا يقوم بذاته، كما يقول مهدي عامل، بل بعلاقة اجتماعية-سياسية متغيرة ومركبة تلعب فيها القوى المهيمنة والسلطة السياسية دوراً رئيسياً.
يقول ياسين الحافظ في (الهزيمة والإيديولوجية المهزومة): "في حزيراننا الأخير، كما في سائر حزيراناتنا، لم يكن المهزوم طبقة، بل مجتمعًا (…) كل واحد منا مهزوم، وكل واحد منا مسؤول عن الهزيمة"...
لنتفق، في البداية، على الدور الجوهري للبنية التحتية العربية -من الناحية الموضوعية- في حدوث الهزيمة. لم تكن النظم السياسية العربية السائدة آنذاك جهات ديمقراطية شرعية وصلت إلى السلطة بالانتخاب، بل كانت مجاميع نخب سياسية وعسكرية وقومية شوفينية معزولة ومرتبطة بمصالحها الذاتية، أتى معظمها عبر انقلابات عسكرية، مما عزز من ضعف المشاركة المجتمعية في صنع، أو حتى صياغة، القرارات السياسية المصيرية. ولهذه الأسباب مجتمعة فشلت هذه الأنظمة، أو ربما عجزت، عن القيام بأنشطة فعالة لمعالجة مشاكل المجتمع مثل الفقر والأمية والبطالة والتفاوت الطبقي العريض، فضلاً عن هيمنة علاقات اجتماعية مفككة وتقليدية (قبلية وعشائرية وطائفية) تعززها بنى اجتماعية هرمية وأبوية.
ويبدو وفق هذا المنظور أن الهزيمة عكست ضعف البنية الاقتصادية والاجتماعية، لجهة عدم القدرة على تقديم مجهود حربي طويل الأمد مما أدى إلى قرارات استراتيجية خطأ التي أدت بدورها إلى هزيمة موصوفة. ولعل ربط الهزيمة بهذه الظروف الموضوعية لا ينكر دور العوامل الذاتية للأفراد والمجتمع في الوصول إلى النكسة.
فهل كانت النكسة هكذا فقط؟
يؤسس ياسين الحافظ للنكسة باعتبارها ليس حدثاً عسكرياً و"تاريخياً" فحسب؛ بل باعتبارها "نكسة" حقيقية أثرت عميقاً في الوعي العربي الجمعي وفي الهوية الذاتية للفرد العربي ( ثمة فوارق هامشية يمكن ذكرها عن أثر النكسة لدى الأطراف العربية الرئيسة المعنية بها: أي المصري والسوري والفلسطيني).
هكذا إذن كان يُراد تكريس الهزيمة ليس بوصفها هزيمة عسكرية في سياق الصراع مع إسرائيل ولا بكونها هزيمة مرتبطة بالسلطة العربية، بل بكونها انعكاساً لخلل في "ذواتنا"، فلن تبقى الهزيمة مجرد حدث طارئ وذكرى عابرة بل سوف تتحول إلى "ظاهرة" تحمل سمة الديمومة وتدخل في صميم لغتنا ومعيشنا اليومي وتعريفنا وتصنفنا لما حولنا وما يحيط بنا؛ وهذا ما ساعد على "تذويتها" بحيث بات كل فرد عربي يشعر بالهزيمة حقاً... الهزيمة الشخصية؛ مما يعزز مشاعر العجز والدونية. وهذا يعني عدم حصر الهزيمة في الطبقة الحاكمة والنظم السياسية التي كانت قائمة آنذاك، بل هي "تسونامي" عنيف وشمولي مسّ كل عربي، ولكن حتى ضمن هذه الحالة العامة؛ كانت النكسة هزيمة خاصة لبعض الأطراف.
فعلى سبيل المثال، شعر الفرد السوري بالخيانة وبدأت أصوات التشكيك في القيادة تخرج ولو بخجل، مما أدى إلى زعزعة الثقة في القيادة البعثية الحاكمة والنظر إليها وإلى النظام السياسي ككل كمصدر للفشل وهذا ما أسهم لاحقاً بظهور دعوات تدعو إلى إصلاحات وتحقيق العدالة الاجتماعية والديموقراطية ( استغل حافظ الأسد هذا الظرف ليقوم بانقلابه "التصحيحي" بعد ذلك بسنوات قليلة). أما في مصر فقد كان للنكسة وقع غير قابل للإصلاح. لقد أصيب المواطن العادي هناك بعطب شديد الضرر من الناحية النفسية -ما زالت مفاعيله حتى اليوم- وكان أحد أهم أسباب هذه الصدمة ما سبقه من بروباغاندا روجت لها القيادة الناصرية حول القدرة العسكرية وحول حتمية النصر وهزيمة إسرائيل، (لم تؤد محاولات البحث عن أسباب النكسة والنظر إلى الظروف المسببة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية إلى ما هو مرتجى منها.. فقد كانت الصدمة أعمق من أن تناقش بطرق عقلانية وانتهت إلى مآلات مثيرة؛ فمن وفاة قائد الهزيمة إلى ظهور قيادة رجعية ارتدت على أهم أهداف "الثورة" وصولاً إلى التصالح مع إسرائيل). وعلى الصعيد الفلسطيني، ومع اعتبار هذا العامل هو الأقل سبباً لحدث النكسة لكنه كان الأكثر تضرراً في واقع الأمر؛ فقد كرست النكسة مشاعر الإحباط لدى الفلسطينيين لخسارتهم بقية وطنهم -دون الأمل في استرداده- ودفعهم هذا إلى البحث عن وسائل جديدة للمقاومة واستعادة الحقوق ، فتصاعد بينهم النشاط السياسي والتنظيمي، وظهر إلى الوجود والعلن تشكيلات سياسية وعسكرية وطنية وقومية تسعى للمقاومة واستعادة الأراضي.
يشير ما سبق إلى الفهم -الظاهري- من ملاحظة ياسين الحافظ "في حزيراننا الأخير، كما في سائر حزيراناتنا، لم يكن المهزوم طبقة، بل مجتمعًا (…) كل واحد منا مهزوم، وكل واحد منا مسؤول عن الهزيمة". فتبدو كأنها مقولة مغرقة في الذاتية ووليدة النكسة ذاتها وملاصقة لها وتفتقر للحيوية "الموضوعية" المعتادة في كتاباته (حيث تكون "ذاته" على مسافة مما يكتب). وبذلك يؤسس-ربما دون قصد- إلى مسؤولية الإنسان العربي الكاملة عن النكسة، وهو ما ذهب إليه أدونيس حين رغب بإعادة النظر" في الإنسان، قبل إعادة النظر في الحياة العربية. فليست المسألة أن تتغير هذه الحياة (أي المجتمع ومؤسساته)، بقدر ما هي أن يتغير الإنسان العربي (…) لأن شخصيته من الداخل ما تزال كما كانت منذ خمسة عشر قرنًا، يلبس شكل الإنسان، يأكل، ينام، يتحرك، بمعجزة ما، في القرن العشرين". وهذا ليس بعيداً عن تفسير لويس عوض؛ حين اعتبر أن الضباط الذين خاضوا حرب 1967 كانوا مختلفين اجتماعياً وثقافياً عن أولئك الذين حاربوا في العام 1948، مما أثر على معنوياتهم واستعدادهم للحرب والقتال... وينطبق على هذا الرأي باعتقادي معنى "الفهم الساكن للهزيمة" الذي يعني رؤيتها كجزء ثابت ومترسخ في الوعي العربي، يتم تجسيدها وترميزها بشكل يجعلها خارج الزمان والتاريخ. هذا الفهم يعمق الإحساس بالعجز ويعوق التغيير الجذري المطلوب.
هكذا إذن يتم تفسير الهزيمة؟ بإرجاعها إلى "بناء" يقع خارج الزمان؛ وإلى تأصيل مبهم عن "الذات" يراد لها أن تكون "تاريخية" و"قديمة" مثل "القدماء الخمسة" على رأي المتكلمين العرب، واعتبار هذه الذات "سواء كانت ذات فردية أم جمعية أم عقلية "؛ ذاتٌ خالقة ومنتجة للوعي والقيم والمفاهيم من جهة، وذاتٌ واحدة متماسكة مصمتة ثابتة غير متمايزة من جهة أخرى مما يسهل عزلها عن توضعها التاريخي وعما يحيطها من حركيات اجتماعية ناتجة عن هذا التوضع؛ وأي فهم للنكسة ضمن هذا السياق هو فهم ساكن "موضوعياً" بمعنى ما؛ وسوف نتعرف عليها -أي النكسة- ليس من كونها هزيمة بل من خلال رمزيتها العالية، أي بالمجاز الشائع "نكسة"، ومن خلال راهنيتها بصفتها "نكسة".
ومن الأهمية بمكان؛ الكشف عن مكامن الخطر في "تأبيد" النكسة، أي تحولها إلى جزء أصيل من النفسية الفردية والجماعية العربية، مما يعزز من الإحساس بالعجز المستمر. ومن الأهمية بمكان أيضاً التشديد على تفسير عمق أزمة الهوية والذات العربية بعد النكسة -وربما قبلها- للوصول إلى معطيات نقدية جذرية شاملة تنطلق من الداخل وتضع في حسبانها المتغيرات الجوهرية في المجتمع على المستويات كافة وليس على المستوى العسكري فقط.
فالهزيمة في الحقيقة ليست هزيمة جيش أو جيوش فقط، بل تتعدى ذلك إلى مستويات أعمق سياسية واجتماعية ونفسية واقتصادية وتاريخية واجتماعية ... وما إلى ذلك ويتطلب هذا وعياً إصلاحياً ديموقراطياً وحراً قبل كل شيء.
باختصار، ما يقدمه تحليل ياسين الحافظ وأدونيس ولويس عوض يعمق فهم الأزمة العربية من خلال التركيز على الظروف الذاتية والهوية، لكنه لا يلغي أهمية الظروف الموضوعية والعلاقات الاجتماعية-الاقتصادية وعالم الأفكار والهويات الثانوية. ويمكن النظر إلى التحليلين على أنهما يكملان بعضهما، حيث يعترف الظرف الموضوعي بأهمية الظروف المادية، بينما يركز الظرف الذاتي على الحاجة لإصلاح الوعي والهوية كجزء من عملية التغيير الشاملة، وعلى الجميع (أفراد ومجتمع ومؤسسات وهيئات.. إلخ) تحمل المسؤولية.
طيب أين موقع "نظرية المؤامرة" من كل هذا...
في حفل عشاء استضافه مالكولم كير، الرئيس الأسبق للجامعة الأمريكية في بيروت، كان الحديث يدور عن عاصفة باردة ضربت المدينة في ليلة سابقة، مما دفع الضيوف إلى التكّهن حول أسبابها ،فما كان من كير إلا أن قال بخبث "أتعتقدون إن السوريين فعلوا ذلك"؟
يقول إدوارد سعيد: بعد حرب حزيران «كان بإمكانك ارتداء الزيّ العربي، وأنت حاف القدمين، مرفوع اليدين" أي أن العرب أصبحوا تمثيلًا للهزيمة.
هذا على صعيد الجبهة الشامية؛ أما إبداع الجبهة المصرية فقد تجاوز كل الحدود، ها هو لويس عوض يقول :"تعرف سيادتك لماذا استسلم الضباط أو هربوا من القتال في حرب حزيران؟ لقد هربوا وسلموا سلاحهم لأنهم أولاد بوابين، في حين أنهم كانوا سنة 1948 أولاد ناس، فيهم أبناء باشوات وبكوات يخجلون من الاستسلام والعودة مكسورين فيفقدون مكانتهم بين أهلهم وسائر الناس"
لم يعد مقبولاً الحديث -كلما دق الكوز بالجرة- عن الرجعية العربية بصفتها شماعة نعلّق عليها مشاكلنا وأسباب فشلنا.
لننظر إلى ذواتنا من الداخل ونقول ماذا نرى دون مواربة، فالهزيمة ليست قدراً محتوماً بل نتاج عوامل متعددة يمكن تغييرها، والخروج منها يتطلب وعياً وتغييراً شاملاً على صعيد الفرد والمجتمع، وليس مجرد "إصلاحات" من طبيعة سياسية أو حتى عسكرية محدودة.



#محمود_الصباغ (هاشتاغ)       Mahmoud_Al_Sabbagh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرب إسرائيل السرية ضد المحكمة الجنائية الدولية: تسع سنوات من ...
- لماذا سأتخلى عن جنسيتي الإسرائيلية.
- ورقة عمل سياسية: خيارات سياسية تجاه السكان المدنيين في غزة. ...
- نظام الذكاء الاصطناعي -لافندر-: كيف تقتل إسرائيل الفلسطينيين ...
- العيش على حساب الآخرين: -يموتوا بستين حفض، المهم تزبط البلد-
- الصرخة الأولى، أو لماذا يبكي الأطفال: تأملات حول ترامب
- المؤتلف والمختلف بين الولايات المتحدة وإسرائيل في السياسات ا ...
- ثقافة الحاجز بين إرهاب العقل وتقنية الهيمنة
- السلوك الاستعماري وصور الإبادة الجماعية في غزة
- السلوك الاستعماري وصور الإبادة الجماعية في غزة
- ازدراء الغرب لحياة الفلسطينيين: كيف يُنسى!
- السلوك الاستعماري في صور الإبادة الجماعية في غزة
- لا مكان للنقد هنا
- جامعة كولومبيا: تمرد هيئة التدريس وتوقيف طلاب مؤيدين لفلسطين
- في ظل الهولوكوست: كيف تحجب سياسات الذاكرة في أوروبا ما نراه ...
- خشية إسرائيل من الحقائق: انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي ال ...
- رسالة من برلين: حول الوضع في ألمانيا في أعقاب هجوم 7 تشرين ا ...
- مصنع الاغتيال الجماعي: من داخل القصف الإسرائيلي المدروس على ...
- -اختراع الشعب اليهودي-/ شلومو ساند: قراءة انطباعية
- حكاية من تحت الأرض عن يافا وتل أبيب: قصص غير مروية عن حدود ا ...


المزيد.....




- جدل في مصر بعد اعتماد قانون يمنح القطاع الخاص حق إدارة المست ...
- غزة.. الحياة تستمر رغم الألم
- قبل المناظرة بساعات.. ما ينبغي أن يتجنبه كل من بايدن وترامب ...
- المجر تُعيق إصدار بيان مشترك لدول الاتحاد يندد بحظر روسيا لو ...
- خبير ألماني: أربعة أو خمسة أطفال يموتون من الجوع يوميا في ال ...
- البيت الأبيض: لا نعتزم إجبار كييف على تقديم تنازلات إقليمية ...
- نيبينزيا: كييف دمرت أكثر من 1000 مؤسسة صحية وتعليمية وقتلت م ...
- نتنياهو يرد على انتقاد غالانت والبيت الأبيض يعلّق
- الحوثيون والمقاومة العراقية تستهدفان سفينة إسرائيلية في مينا ...
- وزيرا الخارجية المصري والتركي يبحثان هاتفيا العلاقات الثنائي ...


المزيد.....

- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - على جدار النكسة: الوعي الذاني بالهزيمة