|
عبد القاهر الجرجاني يُنظِرُ لقصيدة النثر.-سأعيد طروادة ثم أحبك.-.
محمد فرحات
الحوار المتمدن-العدد: 7999 - 2024 / 6 / 5 - 20:54
المحور:
الادب والفن
-عبد القاهر الجرجاني يُنظِرُ لقصيدة النثر. -هل معايير قصيدة الكلاسيكيين من التزام قافية ووزن من وضع نقاد ما بعد القرن الهجري الأول؟!
” من منا لم يحلم في أيام طموحه بمعجزة ظهور النثر الشعري؟“
“شارل بودلير“
"فقط...
حين تكون نائمًا
ينتظم تنفسك
وتهدأ قسماتُك
يرتاحُ صدري من دخان سجائرك
ويرتخي جسدي تمامًا
فقط…لأننا لا نتنازع على شيء ما..".
سلمى أنور
تلوحُ ههنا البداياتُ متحسسة الطريق، لعلها تصل إلى نهاية ما من تلك النهايات السعيدة، ها قد هدأت الأنفاس، لتخلد كل نفس لفضفضتها، ليصبح الأرق هو المتوج على عروش ليالٍ آتية أبدًا.
"أجلس في نومِكَ على حافة النافذة
أتأكدُ من أنَّ الكوكبَ يغفو على وقعِ أنفاسِك".
"سأعيد طروادة إلى أهلها ثم أحبك”، ديوان جديد للأديبة الروائية والشاعرة سلمى أنور، صدر عن هيئة الكتاب. عنوان طويل حقًا، ولكنه أيضًا يصلح ليكون قصة قصيرة جدًا، عنوان لديوان من قصائد النثر، وكأن مصير كلاهما ملتحم منذ البداية، فأيُّ الجنسين خرج من رحم الآخر؟ أم تُرى أن المحدِد لكلا الجنسين درجة السردية، وإطار الزمنية في الأولى. والشعرية، وانعدام الإطار الزمني في الثانية؟!، ولكن وحين تطالع ديوان سلمى، تقع في حيرة شديدة فالسردي شعري، والشعري سردي بذات الوقت، والإطار الزمني يظهر ظهورًا جليًّا، متفقًا مع السردي، مخالفًا الشعري.
البداية تقريرية شعرية، تنسل منها سلمى لقصتها السردية عن كيس الحلوى تحت وسادتها، من أين أتى؟، ومن جاء به؟، وما دلالاته الرمزية..؟
"كيس حلوى
ابتاعه لي سرًا صديقٌ قديم..
صديقي
امتنع عن التدخين
ثلاث ليالٍ كاملة،
كي يدخرَ ثمنَ كيس حلوى
طلبًا لابتسامتي
أحنى قامته الطويلة،
حتى يقبل الغمازة الغائرة في خدي الأيسر".
يوصيها الصديق بأن تدسه تحت وسادتها، بعيدًا عن أعين الغرباء، ثم يذكرها..
"فاذكري احتمالي صداع الامتناع عن التدخين ثلاثًا ثمنًا لابتسامتك.".
هاهي الأحداث متتالية بسرد مكثف، وكأنها ذكرى ليلة مؤرقة، يثيرها “كيس حلوى” ، هي البداية، فثمن كيس الحلوى كان أرقًا يستمر لثلاثة أيام، حرمانًا من وجبة النيكوتين اليومية، ليوفر ثمن كيس الحلوى، ثمنًا ليس بالبخس مطلقا، لقاء ابتسامة سعادة من غمازتِّي حبيبته.
"أقلبُ
خطابات العشق الذي كان
عل البكاء يستطيع أن يجود
بالقصائد المعاندة
لعله يحنن القوافي الجامدة التي
لا تستجيب.."
ينساب هذا المنسحق بين مطرقة الفقر و سندان العشق ذكريات كسحابات الدخان الشهي، يؤرق الليالي بحنين العهد، و العهد كان،
"عهودنا ثلاثة كسجائره و ابتساماتي
وسرنا الوحيد
كيس حلوى خبأته تحت الوسادة..".
هو إذن دفع للجنون بلا شفقة، باسم الحنين والشوق والأمل اليائس، ولمَ كانت القسوة دائمًا نصيبًا للمحب الذي لم يبق منه سوى الذكرى؟، لم كان الجنون مصيرًا لكل محب صادق؟، لتعلمه كيف يتوه مجذوبًا في دروب الشوق!
"بصعوبة..
أعلمه الصيام عن التغزل في تفاصيلي
لكنه..في إصرار تائب مهووس بالخطيئةُ،
يظل يرتكب العشق سرًا
تعلمه الدوران حولها كضريح ولي ذي سر غامض، مبارك..
” مجذوبي..
يدور حول وقوفي القِلقِ طويلًا
يتمتم كالهذيان كلامًا
لا أعرف عنه سوى أنه شعر
علقه درويش قديم
حجابًا في رقبته
عله يحفظ له جنون وجده
وبعض قداستي..".
هل تستجيب ؟! نعم، ولكن لوهلة لا تحسب من عمر الزمان، وهلةٌ هي كل أعمار العاشقين!
"وكلما...
استحكمت الدهشة في عيني
واستسلم قلبي لدوران الدف الملتهب
تحت نظرات أنامله،
أتذكر أنني الوقور
أني المرام والمريد
والدليل و المقام و الضريح..
وهكذا..أقرر استوائي فوق عرش حضرتي
كاملة..
وأستريح..".
تغزوها مشاعر الشفقة حيال هذا المجذوب الولِه، الفاني في ذاتها السرمدية، تجود عليه بوعد كورد شيخ لمريده ، حتى لا يذوب قلبه أسى، تراه وعد صادق ؟! أم هو مجرد تعزية لانكساره..؟
"سأحبك
لكن ليس اليوم..
في غرفتي تل صغير
من صحف لم أقرأها بعد،
وأنا -كما تعلم- توقفت عن
متابعة أخبار هذا العالم
منذ حرب طروداة..
حبيبي..
مهلا فقط..
لليلة أو ليلتين
فهذا كل مايلزمني..
ليلة أو ليلتان..
لأعيد طروادة إلى أهلها..
ثم أحبك..".
ثم تنساه لتحاول إعادة طروادة لأهلها، على وعد بمحبته، ولكنه مجرد وعد، ربما تنساه في وسط كل تأملاتها لعصور الهزائم، الجاثية بانكسار،كانكساره في محرابها.
"أنا..يا حبيبي
لم يعد بي صبرٌ على
مطالعة أخبار الدماء
والحصون التي تستر الجنود عن أعين المساء..
والمدن التي سقطت بالخيانة..
طروادة..عكا..قرطبة
كلها..كلها..المدينة ذاتها والرائحة نفسها..".
وفي النهاية تعتذر.
"والآن
في أذني انتحاب أناس
مكدسين في الظلام
يغشاهم موج عظيم..
على جباههم وشم كبير داكن
“مهاجرين”
ثم تعتذر ثانية، فهي مشغولة بأسئلة وجودية خطيرة تذهلها عن كل شئ..
"أسئلة لا تنتهى
أدور خلفه..أدور
تدور في سرية ضفائري السرية
ينهمر السؤال:-
عن كافكا..عن الرجال..والعباد
واليقين..والتسليم..والصحف المعارضة..
عن الكتاتيب الصغيرة التي
تزين القرى بالأغنيات..
وكيف يقرأ العساكر الخرائط التي مملوءة ألوان..
وكيف تشعر السجون بالصحراء و الحنين
وكيف للفردوس أن يكون ضحكة لبائس تعيس..".
تشعر بالفقد، فتطلب منه ما لا يستطعيه، كيف وهو المجذوب الذي لا يملك سوى أن يتمتم باسمها..
"علمني ما لم أكن أعلم
حدثني عن أشياء
لم توجد قبلك
ولم تكن لتوجد إلا بك..
هكذا أحب أن تحبني على طريقتي المثلى..".
هكذا، لاتقنع بلغتها العاجزة، لتبحث في الحروف الثمانية والعشرين فلا تجد ما يعبر عن إجابات لأسئلتها المزمنة، تبحث جاهدة عن حرف جديد يناسبها، حرف لم يوجد بعد.
"علمني
حروف العربية الثمانية والعشرين
وحينما أخترع، لأدهشك، حرفي
التاسع والعشرين..
اندهش
وصفق لي
ثم عانقني طويلًا..
واجلس إلى جواري..".
لا تندهش أيها المجذوب الراحل في عينيها، فهي وإن بدت ناضجة، فهي ماتزال طفلة صغيرة، بضفيرتين سريتين، بعدُ تكتشف العالم.
"كبرت..؟!
ما كبرت..
لم أفقد ضفيرتي
قصصت شعري مرة
على الطريقة الغلامية التي تكرهها أمي
لكنني..لم أفقد ضفيرتي..".
وبعدما يدنس الجميع بخطايا العالم البريئة، تجد مرفأ آمنا، بينا يتوه العالم في تعداد ضحاياه.
"في بعض الليالي
يصاب العالم بالجنون..
يرفع المهووسون أسلحتهم
ويهز المخابيل راياتهم
حمراء..خضراء..سوداء
ليس من فرق
فكل الرايات في الهوس سواء..
في هذه الليالي
وحينما يتمكن السعار من المشهد كله
لا يتسع لي
إلا حضن زينبي الصغيرة
وحنان الابتسام في عينيها البريئتين..".
تنسى وعدها، وتتلاشى حروفه في سحابات النسيان، وتتلاشى ذكرى وجود مجذوبها من مخيلتها، فالعالم زينب، والحب زينب..
تقف بين الأم والابنة لتقول "سلمى" في مقدمة ديوانها..
"وتتنتصب قامتي بينكما، فلا أنا إلى طفولتي بكاملي ولا إلى أمومتي بكلي، فتكتمل في المسافة بينكما المعاني الناقصة للأنوثة، وتدفع الحياة عنها بعض قبحها، ويرد الوجود عن ذاته بعض الغموض..".
ويتوه المجذوب في دورانه السرمدي، مذكرًا نفسه من حين لحين بوعدٍ لن يُوفى..
قصيدة النثر والرجوع للأصل الأول، عَودٌ على بِدء.
قرر عز الدين المناصرة. المملكة الأردنية الهاشمية، إشكالات التجنيس الشعري(شعرية التهجين)، فصول شتاء 2017. "من قال إن معيار جودة الشعر يعتمد فقط على حسن اختيار البحر والقافية، أو رتابة التفعيلة، أوتنويعها، فأرى الأصل الأول يتمثل في جودة الخيال وملائمته للحالة الشعورية، وما يتلاءم معها من لفظ ومايصرفه إلى دلالات بعيدة وقريبة، وفي عصر صدر شعر الإسلام الأول، الذي يمثل ذروة ماوصل إليه الشعر الجاهلي من أسس لتصنيف النص الشعري، يقرر "حسان بن ثابت" هذا الأصل الأصيل المتجاهل من متعصبي عمود الشعر الكلاسيكي.
فيروي عبدالقاهر الجرجاني في أسرار البلاغة :”أن عبدالرحمن بن حسان بن ثابت رجع إلى أبيه، يبكي ويقول: لسعني طائر(زنبور)، فسأله حسان أن يصفه، فقال عبد الرحمن : لسعني طائر كأنه ملتف في بردي حبرة. قال: قلتَ والله الشعر..".
وقد علق الجرجاني على هذا الموقف بأن التشبيه يدل على مقدار قوة الطبع، وهو يفرق بين الذهن المستعد للشعر وغير المستعد له. ويعلق مصطفى الجوزو :” هذه الرواية توقفنا عند أمرين، الأول: أن حَسَّانًا عدّ ماقاله ابنه شِعْرًا، ولم يكن موزنًا أو مقفى، ولم يتميز إلا بالتشبيه. والثاني: تبنى الجرجاني هذا الموقف، جَاعِلًا التشبيه وحده دَلِيلًا على الاستعداد الشعري ” ويتساءل الجوزو “هل ذلك يعني أن الوزن والقافية، لم يعدا عنصرين أساسيين للشعر إلا بعد القرن الأول الهجري؟!!!
لقد عالج النقاد العرب ماهية الشعر في عصور سابقة، و تطرقوا إلى عدة عناصر تحدد طبيعة الشعر أهمها : الاستعارة، المفارقة، الغموض، الإدهاش، الإيحاء، الانسجام، التخييل، التشبيه، العاطفة، الانحراف، المبالغة، وغيرها. وناقش النقاد العرب القدامى مسألة الفوارق بين الشعر والنثر، ومسألة السرد الشعري والشعر السردي.".
#محمد_فرحات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-بالضبط يشبه الصورة- ومُحدِدات الجنس الكتابي
-
نون نسوة مناضلة -بيضاء عاجية، سوداء أبنوسية.-.
-
ماتريوشكا
-
أحاديث الجنِ والسُطَلِ، المجدُ للحكايات.
-
نجيب محفوظ -نبيًّا-.
-
تحدي قصيدة النثر ؛ديوان-ابن الوقت- نموذجًا.
-
حائزة -عبد الفتاح صبري- في نسختها الأولى.
-
أخيرا العثور على المسرحية المفقودة لنجيب سرور-البيرق الأبيض-
...
-
الروائي شادي لويس وصفعة لوجه الرأسمالية القبيح.
-
مخطوطات نجيب سرور
-
القصة الشاعرة. - قراءة لفصل من كتاب ألعاب اللغة للدكتور محمد
...
-
د. محمد فكري الجزار شمولية النص القرآني وسيميوطيقا النهايات.
-
ألعاب اللغة-5-، ما بين الشعري والتدوالي.
-
ألعاب اللغة-4- نقد جاكبسون.
-
احتواء المؤسسة وتمرد المبدع
-
قطار الليل نحو لشبونه
-
ألعاب اللغة-2-
-
ألعاب اللغة-ما بعد نظرية الأدب-
-
نيتشة وعزة تلجراف عند-مصطفى أبوحسين-.
-
-نسائي الجميلات- لأمنية طلعت، أدب الممانعة.
المزيد.....
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
-
جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع
...
-
نقل الموناليزا لمكان آخر.. متحف اللوفر في حالة حرجة
-
الموسم السادس: قيامة عثمان الحلقة 178 باللغة العربية على ترد
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|