أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد فرحات - -بالضبط يشبه الصورة- ومُحدِدات الجنس الكتابي















المزيد.....

-بالضبط يشبه الصورة- ومُحدِدات الجنس الكتابي


محمد فرحات

الحوار المتمدن-العدد: 7998 - 2024 / 6 / 4 - 22:00
المحور: الادب والفن
    


قصص متتابعة، بذات الشخصيات، وبنفس الزمكان الروائي، وبخط درامي تتطور معه الشخوص، وتحتدم الأحداث في تصاعدها، لكشف ما اكتنف الأحداث من غموض؛ يُماطٌ عنها اللثامٌ رويدًا.

وماذا يكون ذلك غير الرواية، فلماذا أختار الكاتب “هدرا جرجس” في تحديده لجنس نصه “قصص متتابعة” ولم يكتب “رواية”، سبب ذلك في ظني كون النصُ قصيرًا لا يتعدى التسعين صفحة، وهل مازال حجم النص من محدِدات جنسه ليُصنف كرواية؟!
قد مرَّ زمنُ النصوصِ الطويلة بلارجعة في ذلك العصر الرقمي، متلاحق الأحداث، لاهث الأنفاس. ولأن من السَخفِ بمكان تحديد عدد صفحات النص بعدد معين ليصنف كرواية.
ولأن الروايةَ فنٌ أوروبيٌّ خالص. ولأن الكلاسيكيين الأوروبيين من كتبة الرواية قد أبدعوا في البداية نصوصًا ضخمة، فرضت شكلها على مؤسسة النقد فتبنته؛ ولكن في البدء كان المبدع، فتبعه الناقد ومن ثم رسخ قواعد شكل الفن، فأصبحت قيدًا، وسجنًا على رؤية المبدع.
أم تُراها كانت مشروع رواية طويلة، وحال دون إكمالها حائل، ولكن حسنًا فعل الروائي “هدرا جرجس” بروايته “بالضبط…يشبه الصورة” ومما يرجح قصدية الكاتب، تكثيفه تلك المعاني بلغة شعرية رصينة قوية.

تبدأ الحكاية بمشهد تنصيب”بخيت” “إستفانوس” أسقفًا، مع فلاش باك لمّا عاناه حيال عنت ورفض والده سلوكه طريق الرهبنة.

“لابد أن يعرف الولد الناكر للنعمة أن هناك واجبًا نحو هذه التجارة، وتلك الأطيان، فلمن سيصير هذا الثراء؟ أنه ربى وتعب لأجل أن يكون له وريث لا راهب-أم يريد الولد أن يقصم ظهره تمامًا.

همس بخيت بتحدٍ:

-لكن أنا اخترت.

وهنا تلقى الضربة التي باغتته، انغرز سن العصا في عنقه!”.

من تلك البدايات تتشظى الحكاية بتفاصيلها لتتناثر بشتى أنحاء النص لتكتمل الرؤية مع آخر سطر بالرواية.

نكتشف بعد عدة سطور أن مشهد الافتتاح يسبق الآن الروائي بسنين طويلة مرت، فقد تنيح(مات) الأنبا استيفانوس، وتستعد الكنيسة للاحتفال بذكراه، فتوزع صورًا للأنبا الراحل، فتقع صورة في يد الباشكاتب…إلا أن ملامح الأنبا الراهب الراحل تكاد تتطابق مع ملامح الباشكاتب فيصيح أحدهم…

“-يارب المجد…ملامحك تشبه القديس تمامًا…فوله وانقسمت نصفين!.".

هكذا هتف القسيس وهو يتطلع إلى وجه البشكاتب بدهشة وعلى شفتيه ابتسامة بلهاء، كثيرون لفتوا نظره للتشابه بينه وبين الأنبا إسنيفانوس، ولكنه كان يأخذ كلامهم على محمل الهزل، والآن فقط وبعد تجاوزه السبعين ببضعة أعوام انتبه إلى الشبه الكبير، حتى أنه لو وضع تحت وجهه لحية بيضاء طويلة صار الأنبا إستيفانوس نفسه، ومع تقدمه في العمر كان الشبه يزداد رسوخًا”.

لنواجه البدايات الأولى فبخيت قبل أن يكون الأنبا استيفانوس كان شابًا بأسرة مكونة من أم وأب ولقيطة تبنوها لتقوم بخدمتهم، ولتتعلق بها الأم بعد موت ابنتها الطفلة”بخيته” بالطاعون.

يحاول الأب منع ابنه سلوك الرهبنة بإيقاعه بذات الفعل مع الخادمة المُتبناه.

” ولكن متى بدأت غواية الحية؟

ذات يوم فتح أيوب(الأب الرافض لترهبن ابنه )في أذن الحلبية (هكذا كانوا يطلقون على الخادمة المتبناه لأن أهلها الحلب(الغجر) قد هجروها ورحلوا) سأزوجه لك…فأيوب يعتبر الحلبية هي الحل الأخير لمواجهة عناد الأرعن بخيت الذي يريد أن يترهبن ويتركه إلى حيث الدير الرابض فوق الجبل الشرقي(…)كانت تقول بصوت نادم:-

-عيب ياسيدي…حرام.

فيهمس أيوب:

-ماهو حرام…صدقي.

-ولكني حاولت.

-حاولي تاني.

-كيف…؟

-اسمعي…باكر سألهي الغندورة(الأم) في أمر خارج البيت…وأتركك معه وحدك.

-يامصيبتي…لا…لاياسيدي…ده كتير.

-والله يامريم…صدقي.

-ولكن حرام ياسيدي…حرام.

-قلت ماهو حرام…هيكون جوزك.(…)

رأى الحلبية في قميص يشف عن عري كامل، فظن أنه يحلم، وفي لحظة خاطفة فكر أنه يحتاج دليلا على يقظته…قال:

-مريم؟

لم ترد، كانت واقفة عند الباب والدموع تنهمر من عينيها بلاتوقف، ومن مكانها ميزت ارتجافه(… ) حاولت الحلبية أن تقترب، ولكنه أوقفها بصرخة هستيرية هائلة، وراح يصفع وجهه ورأسه بكفيه فوق رأسه…

-اتركه يطلع الدير ياسيدي…ابنك قديس.”

نكتشف في الفصل المعنون ب” ساحة واسعة للصلاة، مريم الحلبية” بكون الحلبية هي ذاتها أم الباشكاتب شبيه الأنبا استيفانوس. هكذا تتوازى حكايات إسماعيل الأعرج والعم منصور وحكيم الزبال وتتداخل التفاصيل لتنتهي كل نهاية حكاية بمفاجأة ولغز شبيه بلغز تشابه ملامح الباشكاتب مع استفانوس الراهب.

ينافس المكان بطولة الشخوص فلكل مكان حكاية فكيف تحولت أقدار الساحة بتتابع الأزمان والشخوص…

“قلب أيوب الساحة التي آلت بعد الجواهري إلى مخزن، وكانت ابنته بخيتة قد ماتت وقت شوطة الطاعون، فما الداعي لأن يعالج فيها الفقراء، والله نفسه لم يستجب له في شفاء بخيته، خزن فيها أجولة الغلال والعطارة، قبل أن يحولها بخيت ابنه الذي صار أسقفًا إلى ملجأ، ويبني على أنقاض البيت الكبير بجانبها كنيسة. والكنيسة في تطور متلاحق، لا يمر العام إلا وكان فيها شئ جديد، العام الماضي استبدلوا الأجراس، ركبوا في المنارة أجراسًا جديدة، تعمل بالكهرباء، ولا تحتاج الشد العنيف للحبال السميكة، إنما تعمل بالضغط على مفتاح واحد، لأعلى ولأسفل، فيبدأ المحرك الكهربائي الضخم في رجرجة الجرس حسب الوقت المقدر لكل معنى يحمله الرنين، المتقطع يعلن الحداد على ميت مات في المدينة، والمتواصل يعلن الاستعداد للقداس والأعياد…”

وكذلك حكاية الفندق العائم الغارق وكيف حولت الأقدار والمصائر المكان…

” هدأت الأمور، أخرجوا المركب الضخم من جوف النيل، ووضعوه على الضفة الشرقية جنب الجسر، بعد أن خلعت الشركة المالكة له محركات التشغيل، وبعض الحاجات الثمنية الأخرى، واعتبرت جسم المركب كتلة غير مفيدة من الصدأ، فظل رابضًا كقصرٍ مهجور، كانت الناس ترى الأشباح تحوم حوله، ورأى واحد منهم امرأة بيضاء كالثلج، وشعرها أصفر كالذهب، وعيناها حمراوان كالدم ترطن بلغة غير مفهومة وتصرخ.

وسرعان ما نبتت الحشائش حول المركب بصورة مذهلة، حتى قاربت أن تغطيه تمامًا، وبدت الأرض كأنها أخرجته كما أخرجت تلك الحشائش بطريقة إلهية، حتى سمت الناس هذا المكان ب…”الهيش”…ذلك المكان المظلم المخيف الذي تحف به أرواح وذكريات الغرقى والعفاريت.

وبمرور الوقت هربت العفريتة الشقراء التي كانت تصرخ، واستسلمت باقي جحافل العفاريت لاستيلاء رواد جدد على المركب، ففرت هاربة…”

يرتبط مصير الأبطال بالأماكن فهذا حكيم الزبال يسيطر على المركب المهجور. فيتحول من مصير لمصير…

” ومرة طار بالمجداف خلف تلميذين أمسكهما بين الحشائش، ينحني أحدهما ليمد مؤخرته العارية إلى الآخر(…) استطاع حكيم بجدارة فرض سطوته على السكان الجدد الذين استأجروا منه الكبائن المهجورة، لواطيون وهاربون ومدمنون وراغبون في ممارسة الغرام السري، وافتتح لهم سوقًا صغيرًا لبيع منتجات الغياب، لفافات وحقن ومسحوق أبيض له مفعول السحر(…) “عروسة النيل”…وهو الاسم الذي اختاره للمركب بالفعل فيما بعد، فعندما بشر الرئيس المؤمن بعصر الانفتاح، خرج الخفاش من عتمة المركب إلى النور فجأة، ظهر على السطح بضجة كبيرة صاخبة، وكان وقتها تاجرًا مرموقًا في مجاله،(…) تمسك حكيم بحلمه، تمسكه بلبسه القديم، اشترى أرض الهيش من المحافظة، وأطلال المركب من الشركة، ووضعوا له شمسية، وازالوا الصدأ، وغطوا الحيطان بخشب فاخر، وفرشوا السيراميك والسجاد، ووضعوا مناضد من الألمنيوم والزجاج، ووزعوا أصص الزرع والورد في كل مكان…”

يستقر ظني في النهاية على كون النص كان بذرة لرواية أجيال طويلة، إلا أن مانعًا ما حال دون ذلك لعله الضجر، لعله اليأس من مآلات النهايات، لعله الإصرار على التكثيف والاختصار قدر الممكن، في زمن ضاق ذرعًا بالمطولات ونفد صبره.

هدرا جرجس من مواليد أسوان 1980، له من الأعمال الروائية المتميزة ك”صائد الملائكة” و”مواقيت التعري”، حاصل على جائزة دبي الثقافية، وجائزة ساويرس للأدب المصري.



#محمد_فرحات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نون نسوة مناضلة -بيضاء عاجية، سوداء أبنوسية.-.
- ماتريوشكا
- أحاديث الجنِ والسُطَلِ، المجدُ للحكايات.
- نجيب محفوظ -نبيًّا-.
- تحدي قصيدة النثر ؛ديوان-ابن الوقت- نموذجًا.
- حائزة -عبد الفتاح صبري- في نسختها الأولى.
- أخيرا العثور على المسرحية المفقودة لنجيب سرور-البيرق الأبيض- ...
- الروائي شادي لويس وصفعة لوجه الرأسمالية القبيح.
- مخطوطات نجيب سرور
- القصة الشاعرة. - قراءة لفصل من كتاب ألعاب اللغة للدكتور محمد ...
- د. محمد فكري الجزار شمولية النص القرآني وسيميوطيقا النهايات.
- ألعاب اللغة-5-، ما بين الشعري والتدوالي.
- ألعاب اللغة-4- نقد جاكبسون.
- احتواء المؤسسة وتمرد المبدع
- قطار الليل نحو لشبونه
- ألعاب اللغة-2-
- ألعاب اللغة-ما بعد نظرية الأدب-
- نيتشة وعزة تلجراف عند-مصطفى أبوحسين-.
- -نسائي الجميلات- لأمنية طلعت، أدب الممانعة.
- -تاريخ موجز للخليقة، وشرق القاهرة- معزوفة المشترك الإنساني.


المزيد.....




- مصر.. فنانة شهيرة تتقدم بشكوى ضد -مصبغة غسيل-
- تردد قناة الزعيم سينما 2024 نايل سات مشاهدة احدث افلام عيد ا ...
- جبل الزيتون.. يوميات ضابط تركي في المشرق العربي
- شوف ابنك هيدخل كلية إيه.. رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2024 ب ...
- LINK نتيجة الدبلومات الفنية 2024 الدور الأول بالاسم ورقم الج ...
- رسمي Link نتيجة الدبلومات الفنية 2024 برقم الجلوس والاسم عب ...
- مشاهدة مسلسل تل الرياح الحلقة 127 مترجمة فيديو لاروزا بجودة ...
- بتقنية الخداع البصري.. مصورة كينية تحتفي بالجمال والثقافة في ...
- ضحك من القلب على مغامرات الفأر والقط..تردد قناة توم وجيري ال ...
- حكاية الشتاء.. خريف عمر الروائي بول أوستر


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد فرحات - -بالضبط يشبه الصورة- ومُحدِدات الجنس الكتابي