أحمد رباص
كاتب
(Ahmed Rabass)
الحوار المتمدن-العدد: 7997 - 2024 / 6 / 3 - 04:52
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
- النموذج الاستعاري عند ليفيناس والنموذج الفكراني عند هوسرل (2/2)
بدلاً من البحث، كما هو الحال في الفكر الغربي المعاصر، عن معيار المعقول في الأفق التعددي للمعرفة والمجتمعات من خلال تعيين مبدإ موحد جديد غير تمييزي في كل مناسبة (الحاجة، العلم، الوجود أو الله في خدمتنا)، راهن ليفيناس على طريق خالٍ من أي غائية ومن أي افتراضات ثقافية أو نظرية. هكذا دعا البحث عن المعنى، خارج أي سياق للتفسير، إلى توجه جديد ومقاربة جديدة لمعنى الحياة غير متوقف على التباين الجوهري للدلالات. ولإثبات ذلك، أقام ليفيناس علاقة صارمة بين الدلالة والتفكر من ناحية، وبين الحس والتوجه من ناحية أخرى. وتتحدد هوية المعنى بالإحالة إلى متلق مجهول يرث الاستكشاف الفينومينولوجي لآفاق غير متوقعة ولكنه يحدث انقطاعا في الفكر بفكرة ظهور غير مكون بطبيعته، في حين أن هوية المعنى تتحدد بمؤسسة منطقية تعترف بحصة تأثير السياق الملموس (التاريخي، الثقافي، الاقتصادي، الخ..) والتي هي، كما تقتضي الظاهراتية، جزء من عالم متعدد المعاني:
"ألا ينبغي منذئذ أن نميز، من ناحية، الدلالات، في تعدديتها الثقافية، ومن ناحية أخرى، ابمعنى، وجهة ووحدة الوجود، الحدث البدائي الذي تأتي لتوضع فيه جميع التمشيات الأخرى للفكر وسائر الحياة التاريخية للوجود؟"
عبر هذه المقتضيات المختلفة، قدم ليفيناس مستويين متكاملين من الدلالة: مستوى الدلالة أو المقول الذي يتم إنتاجه كوظيفة للمفهومية (تترجم في تحليل هوسرل على أنها مصادفة بين القصد والحدس)، ومستوى المعنى، القول أو المعقول الذي يتولد من فيضان القدر التأملي من خلال فتح وميض على عالم التعالي الساحر وغير المرئي . وهكذا، فإن التوجه الجديد الذي قدمه ليفيناس بفضل فكرة المعقول يسمح ببديل للمقاربة النظرية لأنه يجردنا من المعطى، من الآن، من التعددية وحتى من الدلالة التي تحول دون رؤية أبعد. في الواقع، إنها تحجب هذه الخلفية التي تعطي معنى لكل شيء.
مثل الإحالة الاستعارية، ترتب تقديم التوجه الجديد عند ليفيناس، عن فيضان المستوى المباشر للبنية الأنوية/الانعكاسية للأفق القصدي الذي يقود إلى السياق القبتفكري الذي ينبثق منه المعنى. هذا السياق الدلالي لا يتكيف بشكل متعالي كمصدر للتأمل، بل كمصدر للحكمة. هذه الحكمة لا يفهمها ليفيناس باعتبارها وحدة العلم وفقا للعصور اليونانية القديمة، أو المعرفة الكاملة وفقا للعقلانيين، أو باعتبارها "أحاسيس من عمق" عقولنا تتطلب تحولا إلى "أشكال واضحة وعقلانية" وفقا للظاهراتية الهوسرلية. بل ككلمة إلهية ذات نفحة أخلاقية. على عكس أولئك الذين يؤيدون التماسك العقلاني والصروح التأملية الصارمة، لم يقلل ليفيناس من شأن فوضى اللاعقلاني وغموض ما هو مخفي، وبالتالي سعى إلى توسيع نطاق الطيف الفلسفي إلى ما هو أبعد من الثبات النظري. يتمثل تمشيه في حرف تركيز النظرة المتأملة لأجل تجنب السقوط في كهف اللوغوس والوصول إلى المخفي في مكان آخر. ولكن مم يتكون هذا المعنى المخفي؟ وكيف ننظر إلى التوجه الجديد القبتفكري الذي يؤدي إليه؟
(يتبع)
المرجع: https://www.cairn.info/revue-internationale-de-philosophie-2006-1-page-35.htm
#أحمد_رباص (هاشتاغ)
Ahmed_Rabass#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟