-ومضة ضوء -دعوة السيسي للسلام تتعارض مع سياسات مصر في غزة.

محمد سعد خير الله
محمد سعد خيرالله عضو رابطة القلم السويدية
(Mohaemd Saad Khiralla)

الحوار المتمدن-العدد: 7995 - 2024 / 6 / 1 - 21:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

(و من السذاجة الاعتقاد بأن السيسي ليس على علم بتصرفات مستشاريه في غزة، التي
تهدف إلى الحفاظ على دور دولي مستدام للقاهرة من خلال استغلال الصراع واستغلاله.)






أتمنى أن يكون صامويل بيكيت، مؤسس مسرح العبث، معنا اليوم ليرى بعينيه، ويسمع بأذنيه عبثية تفوق كل أعماله. إن ما نشهده الآن في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا في مصر، يتحدى الوصف بأي لغة. وجاءت الفقرة الأخيرة من كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي في الجلسة الافتتاحية للدورة الثالثة والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية في البحرين قبل أيام على النحو التالي:


"إن الأجيال القادمة، سواء كانت فلسطينية أو إسرائيلية، تستحق منطقة تتحقق فيها العدالة، ويسود فيها السلام، ويسود فيها الأمن - منطقة تتجاوز فيها آمال المستقبل آلام الماضي". وانتهت الفقرة هنا، ولم يبق منها سوى مقطوعة ترنيمة لمزيد من تخدير الوعي والاستيلاء على العقول وتشويه الحقائق وخلط الأمور.

في الوقت نفسه الذي كان السيسي يتحدث فيه بهذه الكلمات، كانت القوات الإسرائيلية في مدينة رفح الجنوبية تكتشف الأنفاق التي تعبر إلى الأراضي المصرية واحدا تلو الآخر، ومنصات إطلاق الصواريخ الواحدة تلو الأخرى. وبحسب شهادة جلعاد نعوم، المحامي الأول الذي يمثل إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، فإنه "تم اكتشاف أكثر من 700 نفق في رفح، 50 منها تمتد عبر الحدود بين رفح ومصر، بالإضافة إلى 1400 صاروخ تم إطلاقها من رفح". إلى إسرائيل، 120 منها في الأسبوعين الماضيين، إلى جانب تهريب قادة حماس ورهائن إسرائيليين إلى مصر. ويعني تصريح جلعاد أن موضوع المشاركة المصرية في تهريب الأسلحة والمعدات إلى حركة حماس "الإرهابية" قد حسم. وللعلم، لقد ذكرت ذلك حرفياً في العديد من المقابلات مع وسائل الإعلام الإسرائيلية منذ بدء الحرب على غزة، وكلامي ليس من باب التفاخر الطفولي، بل من أجل التوثيق.


وبطبيعة الحال، تتحدى القاهرة العالم أجمع الذي يراقب هذه الفضائح، وتنكرها باستمرار كما فعلت منذ سنوات. وزعموا أنهم قاموا بإغراق جميع تلك الأنفاق وإغلاقها في عام 2016. ومنذ ذلك الحين، يؤكد ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، "باستمرار أن الحديث الإسرائيلي عن الأنفاق مجرد ادعاءات واتهامات باطلة، فمصر أغلقت 1500 نفق ولم يعد هناك أنفاق". ومؤخراً انضم إليه جيش من الذين ينفون ذلك إعلامياً؛ أحدهم هو اللواء يحيى كدواني، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان المصري، الذي قال في حديث لـ «الشرق الأوسط» إنه لا توجد حالياً أنفاق عبر الحدود الفلسطينية المصرية وأن مصر دمرت كل الأنفاق. وأضاف أن هناك منطقة عازلة بعمق خمسة كيلومترات على الجانب المصري من رفح.

قبل أيام كنت ضيفا على قناة مكان مع الصحفي فراس حامد، الذي سألني كيف أصف المشهد المصري الإسرائيلي. أجبت بأن النظام المصري يمارس نوعا غريبا من "البلطجة السياسية وهندسة الدم، وهو سقوط مدوي"

وكأن هناك قراراً بأن يكون شهر مايو/أيار شهر الفضائح المدوية للنظام العسكري الاستبدادي في مصر، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد. كشفت شبكة "سي إن إن" عن مفاجأة كبرى تتعلق بتخريب مصر لمفاوضات وقف إطلاق النار التي كان من المفترض التوصل إليها بداية الشهر الجاري. وقد أفشلها اللواء أحمد عبد الخالق، مسئول الملف الفلسطيني، ونائب رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، اللواء عباس كامل. وللعلم، تولى خالق مسؤولية حقيبة فلسطين بعد أسبوع من تعيين كامل رئيسا للوكالة عام 2018.

يحضر الرئيس شخصيا عمليات التقييم النهائي للمرشحين المتقدمين للكليات والمعاهد العسكرية. منح العقود لمشاريع البناء؛ ويرأس كافة المجالس ذات العلاقة بالصناعة والتجارة والسياحة والاستثمار والزراعة وغيرها من مهام صغار المسؤولين. والأهم من ذلك أنه يدير مجلس الأمن القومي، لذا فمن السذاجة الاعتقاد بأن السيسي ليس على علم بتصرفات عبد الخالق في غزة، التي تهدف إلى الحفاظ على دور دولي مستدام للقاهرة من خلال استغلال الصراع واستغلاله.

ولا تنسوا أن نجل الرئيس محمود السيسي يعمل في نفس وكالة اللواءالمصري . ويلقب محمود السيسي بـ"الرجل القوي"، وهو صديق مقرب لإبراهيم العرجاني رئيس اتحاد القبائل العربية وصاحب شركة هلا للسياحة. وتتحكم الشركة في حركة سكان غزة إلى مصر مقابل رسوم قدرها 5000 دولار للشخص الواحد، وهي مبالغ فلكية أصبحت الآن حديث وسائل الإعلام الدولية، في حين يتباهى النظام باهتمامه ومعاملته لسكان غزة.

وبعد فضيحة "سي إن إن " التي أبعدت مصر تماماً عن دور "الوسيط الموثوق"، وصل التطرف في القاهرة إلى مستويات مرعبة، تذكرنا بتلك التي سبقت دعوة عبد الناصر إلى حرب 1967 مع إسرائيل. نفذ الفريق محمد زكي القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، أمس، المرحلة الرئيسية من المشروع التعبوي بالذخيرة الحية لإحدى وحدات الجيش الثاني الميداني. وألقى زكي خطابا مليئا بالأدرينالين استهدف فيه غدد المصريين، بشأن جاهزية الجيش المصري للقتال والدفاع عن مصالحه. والسؤال الملح الذي يجب طرحه الآن هو: هل المصلحة العليا للدولة المصرية تقتضي تواجد أنفاق في رفح تشكل بؤر للجحيم على دولة إسرائيل؟؟

وبالإضافة إلى ذلك، فإن إعلان مصر عن نيتها التدخل لدعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية يمثل انتهاكا صارخا لمعاهدة السلام الموقعة بين البلدين في 26 مارس 1979.

وفي الختام، أصرخ بأعلى صوتي: "عزيزتي بيكيت، من فضلك تعالي فورًا. لديك عمل في مصر".

...........................................

#محمد_سعد_خير_الله (هاشتاغ)       Mohaemd_Saad_Khiralla#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات