|
تأملات اللامعنى
محسن كفحالي
الحوار المتمدن-العدد: 7994 - 2024 / 5 / 31 - 00:01
المحور:
الادب والفن
جالسًا في المقهى ،في ركنها المفضل لديّ. بدأت حرارة الشمس تنخفض يقل ضوؤها، ويميل إلى ظلمة خفيفة. أحملق في اللاشيء. وجوه غير واضحة وخيوط متشابكة ومتداخلة، صور ضبابية. التفكير في اللاشيء، هو تفكير في شيء. وإنتاج اللامعنى، هو إنتاج للمعنى من وجهة نظر ما. لا شيء يخترق هذا المشهد الروتيني سوى حركة يد روتينية ميكانيكية تنقل فنجان القهوة بحركة نصف دائرية بطيئة، تبلل شفتين جافتين، وتعود بالحركة نفسها إلى مكانها في انتظار إعادة المشهد نفسه مجددا. الأشياء التي تعتادها تفقد جمالياتها والأشياء التي تتعلق بها تذلك، هكذا الحياة، كما حدث مع السمراء. لا إحساس مميز غير ذاك المشهد الروتيني والقليل من مرارتها، وَسَط صخب النقاش والصراخ. يسود صمت رهيب داخل المقهى. تداخلت الكلمات وفقدت معناها. في خضم هذا المشهد من اللامعنى واللاشيء، يقبل عليّ ذاك الصديق الغريب مبتسمًا مستفزًا، أو هذا ماعتقدته، متسائلًا: "فيما تفكر؟". "في اللاشيء." "إذن تفكر." ابتسمت ابتسامة خفيفة بين الحقيقة والتصنع. قاطع ابتسامتي مستطردًا "كيف هي أحوالكم في هذا العالم المزيف؟". أجبته بسؤال "وكيف أحوالكم في عالمكم الحقيقي؟" ضاحكًا، أجاب" أحوالنا بخير، ليس هناك صراع ولا قتال. الإخوة نادمون على الوهم الذي عاشوه في هذا العالم، إذ أدركوا أن صراعهم على قطعة أرض أو مال كان خطأ كبيرًا. الناس تعيش هناك في حالة من الاستفراغ النفسي العظيم، بعد أن تيقنوا أن كل الحروب التي خاضوها هنا لا فائدة منها. وبعد كل ما عرفوه، وتيقنوا أن الحياة التي عاشوها في هذا العالم المزيف هي وهم فقط. أحوالنا نحن يا صديقي أفضل منكم بكثير، من أين أبدأ لك؟، العالم يا رفيقي أصبح أكثر أمنًا وأمانًا، وديمقراطية وحرية، وعدالة اجتماعية، وقيما سامية، أخبر جثثكم الذين ينعتون عالمنا بالمزيف أن الحياة هنا تغيرت جدًا. اتسمع بفلسطين. طبعًا. إليك التقرير التالي صديقي العزيز. يعمل العالم اليوم باختلاف الديانات، والأعراق، والأنظمة السياسية، على نشر الديمقراطية هناك. حيث رصدت وزارة الصحة في تقريرها الإحصائي اليومي: “الاحتلال الصهيوني ارتكب 5 مجازر ضد العائلات في قطاع غزة، وصل منها للمستشفيات 46 شهيدا و110 إصابات، خلال لـ 24 ساعة الماضية ". وأوضحت أنه “ما زال عدداً من الضحايا تحت الركام، وفي الطرقات، لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم". وأكدت “ارتفاع حصيلة العدوان الصهيوني إلى 36 ألفا و96 شهيدا، بالإضافة إلى 81 ألفا و136 إصابة، منذ السابع من أكتوبر الماضي”. وفي ذات السياق قالت الوزارة، في تقرير إحصائي يومي. "الاحتلال الإسرائيلي يرتكب 7 مجازر ضد العائلات في قطاع غزة، وصل منها للمستشفيات 66 شهيدا و383 إصابة خلال لـ24 ساعة الماضية". وأفادت بـ"ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 36 ألفا و50 شهيدا ، و81 ألفا و26 إصابة ، منذ السابع من أكتوبر الماضي". وشددت على أنه "لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام، وفي الطرقات لا تستطع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم". وإلى جانب الضحايا، ومعظمهم من الأطفال والنساء، خلفت الحرب على غزة نحو 10 آلاف مفقود وَسَط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين. وفي تحديث خاص بشأن إحصائية "مجزرة رفح" ليلة الأحد، قالت الوزارة الاثنين إنها بلغت "45 شهيدا، منهم 23 من النساء والأطفال وكبار السن، و 249 جريحا". وسبق أن أعلنت الوزارة، مساء الأحد، مقتل أكثر من 35 فلسطينيا في قصف إسرائيلي على رفح، أحدهما طال مخيما للنازحين " يا رفيقي، أخبرك عن فلسطين وأطفال فلسطين، أم أخبرك عن ماذا؟ تخيل معي أين وصلت حقارة البعض، يسمي الإسرائيليون بالصهاينة والقتلة، ويطلب من حلفائهم وقف الإبادة الجماعية لغزة وأهل فلسطين. أهناك حقارة أكثر من هذه؟. حقارة، تشبه بشكل كبير، حقارة بعض منعدمي الضمير، الذين طالبوا باستقالة شخصية عمومية فقط، بسبب قبلة من شفتين الكنغر الأسترالي. يا صديقي، هؤلاء لا يحترمون المشاعر، يقايضون قبلة بميزانية الدولة، ماذا يساوي الذهب أو الغاز الطبيعي أو حتى الفوسفاط أمام قبلة في محطة للقطار أو ترامواي مع حضن دافي، حتى يلتصق الجسد بالجسد. وصلت دناءة البعض، أن يرفض الحسنة، أي مشكل في توظيف شخص له أبناء ومسؤولية من بين مئات الآلاف من المعطلين، يجب تشجيع أصحاب الحسنات، يجب على الإنسان أن يكون إيجابيا في تفكيره. يا رفيقي، أخبر العالم الذي تنتمي إليه أن فلسطين بخير بفعل ديمقراطية الغرب وحلفائها، وأن الأطفال يحرقون، ويعدمون وهم في أحشاء أمهاتهم، وأن منازلهم هُدمت، وهُجِّروا، لا أكل، لا ماء، لا دواء، لا سكن، لا كهرباء، لا مستشفيات... محليا، سنعيش في الأيام المقبلة أحداثا عظيمة جدا، سنحتفل بعيد الحولي، أكباش وسكاكين، لكن المشكل يا صديقي هذه السنة، هو عدد الأكياس أكثر من الإنسان بكثير. مفارقة عجيبة نعيشها هنا، أمام تراجع الإنسان هناك ارتفاع في عدد الأكباش، سأحكي لك قصة حضرتها حديثًا في إحدى أسواقنا.
" وأنا أتجول داخل سوق الأغنام، كان الإنسان قليلا، حيث تقدم المشتري نحو البائع، وسأله عن ثمن الكبش، كبش جميل وأملح، بعد لحظة ارتفع صوت البائع والمشتري، اقتربت منهما كباقي من كان متواجدا، بعد ذلك اكتشفت أن السبب هو أن المشتري أعطى مبلغا أكبر مما طلبه البائع، فرفض البائع رفضا قاطعا ذاك الثمن، متسائلا : ماذا أفعل بهذا المبلغ الكبير؟ أجابه المشتري متسائلا" وماذا أفعل أنا بهذا المال؟ تخيل يا صديقي أننا لم نجد لمن نعطي المال، لدرجة أن الحكومة أمام هذا الوضع المقلق اضطرت لأن تمنح للفلاح الإسباني والروماني مقابل الأكباش، إياك وتعتقد أن الأكباش الإسبانية والرومانية من أجل الاستهلاك، ولكن بهدف تفادي الصراع بين البائع والمشتري؛ وبالتالي حماية أرواح مواطنيها، ومن أجل تحقيق سعادة مواطنيها بفضل الفرجة التي تحققها الأكباش البرانية. استشعرت انطلاقًا من نظراته أنه يشك فيما قلته، ومن أجل مواجهة أعداء الوطن، استطردت قائلا: أتعرف يا صديقي، مدرب المنتخب الوطني أعلن اللائحة النهائية، وريال مدريد ستلعب قريبًا المباراة النهائية بعد تأهل تاريخي. في هذا العالم الذي تنعته بالمزيف، سنقيم في الأيام المقبلة مهرجانا في كل مدينة، في كل قرية، في كل حي، في كل زنقة إذا أمكن ذلك، سنغني وسنرقص، وسنفرح، ولا عزاء للحاقدين. عندما انتهيت، كان المقهى شبه فارغ، والظلام غطى الزوايا كلها. في الجهة المقابلة للمقهى يوجد مصباح خافت، دون أن يتحدث، وفي خطى متثاقلة ذهب في اتجاه المصباح، نزع سرواله وتبول راسما دائرة كبيرة، التفت نحوي قائلا "هذه هدية عالمكم الجميل، العيش مع من وصفتهم بالجثث أفضل بكثير من عالمكم الجميل، العيش مع من وصفتهم بالجثث أفضل بكثير من عالمكم وسماع ترهاتك"، راقبته حتى غاب في الظلام.
#محسن_كفحالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما زالت تنتظر
-
السيد محمد الديش منسقا وطنيا للإئتلاف المدني من أجل الجبل لل
...
-
مدن الأشباح
-
من بولمان إلى العالمية -حركة مدنية اجتماعية تطالب بإنصاف الم
...
-
حي المداوييخ
-
حي المداويخ
-
السواد
-
فاس: تحتضن المؤتمر التأسيسي للائتلاف المدني من أجل الجبل بال
...
-
حكت لي جدتي .....
-
الإتلاف المدني من أجل الجبل تجربة متميزة في عالم الترافع
-
الزفزفة
-
أوراق بلا عنوان - نهاية ورقة و بداية أوراق-
-
أوراق بلا عنوان - الجزء الثاني - ورقة المرأة-
-
أوراق بلا عنوان
-
موعد مع الموت
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|