أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي المسعود - التميز والعنصرية في المجتمع الألماني يكشفها فيلم ( قاعة المعلمين )















المزيد.....

التميز والعنصرية في المجتمع الألماني يكشفها فيلم ( قاعة المعلمين )


علي المسعود
(Ali Al- Masoud)


الحوار المتمدن-العدد: 7993 - 2024 / 5 / 30 - 18:18
المحور: الادب والفن
    


المدرسة فضاء مثالي استخدمته السينما لمناقشة الكثير من الأفكار منها العلمي والنفسي والاجتماعي، وغاصت في خفايا هذا المجتمع المصغر من زوايا مختلفة، ويأتي فيلم " غرفة المعلمين " ليضيف نظرة أخرى مختلفة إلى تلك الأفلام، من خلال اعتماده على المدرسة كصورة مصغرة لمجتمع ينخره التناقض والتميزوالتسلط وغيرها . فكرة المدارس كنماذج مصغرة للمجتمع تعكس الجوانب السياسية والاقتصادية بينما تعمل كأنظمة متناقضة ذاتيا للاندماج والإقصاء، . وهناك الكثير من الأفلام التي تم تصويرها في الفصول الدراسية على مر السنين، مثل فيلم جمعية الشعراء الموتى، ابتسامة الموناليزا، العقل الجميل وغيرها، لكن في فيلم "غرفة المعلمين" للمخرج الألماني إيلكر تشاتاك المعلمة هي محور القصة. يبدأ الفيلم بمتابعة الكاميرا لمعلمة الرياضيات كارلا نوفاك (ليوني بينيش) وهي تخطو بشكل واثق في أول يوم عمل لها إلى المدرسة تشق طريقها إلى غرفة المعلمين قبل التوجه إلى الفصل الدراسي . كارلا معلمة الصف السابع في مدرسة ألمانية ملتزمة وحساسة ترى نفسها بالفطرة إلى جانب الطلاب ومصممة على التواصل معهم، حتى أنها تعطي أحدهم مكعب روبيك لتشجيع اهتمامه بالرياضيات .

حوادث السرقة في المدرسة والتمييز
هناك توتر متزايد في المدرسة بسبب السرقات التي تحصل فيها بعد أن وقع الطلاب والمدرسون والمدرسات ضحايا لتلك السرقات . في مشهد مبكر من الفيلم هناك اثنان من إدارة المدرسة وهما ميلوش دوديك (رافائيل ستاتشوفياك) وتوماس ليبنوردا ( مايكل كلامر) يجتمعان مع إثنين من ممثلي الطلاب في فصل الصف السابع، لوكاس (الذي يلعبه أوسكار زيكور) وجيني (التي تلعبها أنطونيا كوبر) ويتم إعطاؤهما قائمة بالطلاب والضغط عليهما لتسمية أي طلاب في القائمة من المرجح أن يكونوا مشتبها بهم في حوادث السرقات المتكررة ويمتثل لوكاس وجيني على مضض لهذا الطلب.‏ يؤدي ذلك إلى دخول توماس وميلوش إلى فصل كارلا دون سابق إنذار ويأمر الفتيات بالخروج من الفصل ثم يقومان بتفتيش محافظ الأولاد في الفصل . وبعد العثور على مبلغ كبير في محفظة طالب يدعى علي يلماز (يلعبه كان رودنبوستل) يتم إخراجه من الفصل واستجوابه . ينفي الطالب علي بشدة أن الأموال قد سرقت وينفي أن تكون له أي علاقة بالسرقات في المدرسة . تستدعي المدرسة والدي علي (أوزغور كارادينيز وأويجار تامر) لاجتماع يضم الطالب ومديرة المدرسة الدكتورة بيتينا بوم (آن كاثرين جوميتش)، تطالب والدة علي بمعرفة سبب اختيار إبنهم باعتباره الطالب الأكثر شبهة، تخبرهم مديرة المدرسة أن السبب في ذلك هو أنه كان يحمل في محفظته مبلغا كبيرا بشكل غير عادي . يشرح والدا علي أنهما أعطياه المال حتى يتمكن من شراء هدية عيد ميلاد لابن عمه .
هناك نغمات عرقية وعنصرية لهذه المحادثة، لأن والدي علي وهما مهاجران تركيان يتساءلان بعد أن شعرا بالإهانة من الاتهام الكاذب عما إذا كان علي قد تم تمييزه حقا، لأنه أحد الطلاب المسلمين في فصل الصف السابع بالمدرسة. تعتقد المعلمة كارلا أن الطالب كان مستهدفا بشكل غير عادل ولا تخشى قول ذلك عندما تتحدث عن ذلك مع أعضاء هيئة التدريس الآخرين في غرفة المعلمين . كارلا غاضبة من الطريقة التي يتم بها التعامل في التحقيق مع الطالب (علي) وتعتقد أنه كان من غير المناسب لتوماس وميلوش مقاطعة فصلها لتفتيش محافظ الطلاب. تؤدي محاولات الإدارة والمعلمين للتعرف على اللص أولا إلى انتهاكات لحقوق التلاميذ، كما هو الحال في اجتماع بين كارلا وزملائها واثنين من الطلاب الذين يضغطون عليهم لتحديد زملائهم في الفصل الذين يفترض أنهم مذنبون بمجرد الاشتباه في أحدهم ، بعد هذه الحادثة تلاحظ المعلمة كارلا أن إحدى الموظفات تسرق بعض العملات المعدنية من حصالة ماكنة القهوة . كارلا لا تقول أي شيء لأي شخص عن هذه السرقة التي شهدتها . من المفترض أن يجعل هذا المشهد المشاهدين يتساءلون عما إذا كان المعلم وليس الطالب يمكن أن يكون الجاني الذي يرتكب السرقات .‏ ثم تتخذ المعلمة كارلا قرارا مصيريا يغير مسار القصة حين تتعمد وضع فخ مراقبة بالفيديو.
عندما تأتي كارلا بفكرة ترك جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بها مفتوحا مع تشغيل الكاميرا الموجه مباشرة إلى سترتها حيث تركت فيها محفظتها مع بضعة أوراق من النقود، كل هذا داخل صالة المعلمين. وعندما تعود بعد الانتهاء من حصتها التدريسية تكتشف سرقة النقود من المحفظة التي تركتها في سترتها. بعد مراجعة تسجيل الفيديو على اللاب توب تكشف يد السارق ولكن وجه اللص غير مرئي، تظهر البلوزة المميزة التي يرتديها واضحة في الإطار . تتعرف كارلا الآن من هو اللص بعد معرفة صاحبة البلوزة. تكتشف كُمَّ قميص للسكرتيرة السيدة كون (إيفا لوباو) . وعند مواجهتها بهذه الادعاءات والفيديو تنفي السيدة بشدة وترفض الاتهام بغطرسة . يتم إخبار المديرة الدكتورة بوم (آن كاثرين جوميش) التي تقرر إيقاف السيدة كون عن العمل وانتظار تحقيق الشرطة .
ومما زاد في تعقيد الأمور ابن السيدة كون أوسكار (ليونارد ستيتنيش) هو أحد طلاب المعلمة كارلا . في البداية يبدو مرتبكا وخائفا على والدته ، لكنه يتغير بشكل متزايد وصار كئيبا وعدائيا ويبدأ في مضايقة المعلمة وعدم الاستماع إليها والتمرد عليها ويصبح سلوكه أكثر تقلبا وعنفا في محاولة لحملها على التراجع عن الحقيقة تبدأ كارلا في فقدان السيطرة على فصلها الدراسي . وكما يشعر زملاؤها المعلمون بالانتهاك لأنها انتهكت خصوصيتهم من خلال تسجيل الفيديو في غرفة المعلمين التي يعتبرونها مكانا آمنا .‏ المعلمون غاضبون لأن " زميلتهم " تسجل حركاتهم دون إذن وتخترق خصوصيتهم، والطلاب منزعجون من المضايقات المستمرة للمعلمين ، وأولياء الأمور الذين يضغطون – بحق – على المعلمين الذين لا يعرفون كيفية وضع النظام، وحتى الطلاب الذين ينظمون صحيفة مدرسية يطالبون بإجابات واضحة .
وفي مشهد رائع يطرح الصحفيون الصغار (الطلاب) الأسئلة الأكثر وضوحا على كارلا التي لم تعد تعرف الرد على الطلاب . عندما تجري صحيفة الطلاب مقابلة مع كارلا، وهي حبكة فرعية مثيرة للاهتمام تثير أسئلة حول الرقابة . المعلمة تطلب رؤية المقال مقدما، ينتهي الأمر بالمديرة بحظر توزيع الصحيفة في الحرم الجامعي . يتعرض الطالب أوسكار للتخويف باعتباره " ابن أم مجرمة " وكرد فعل بقوم بسرقة الكمبيوتر المحمول الخاص بمعلمته كارلا المخزن فيه دليل إدانة والدته، وحين تحاول المعلمة اللحاق به يضربها على وجهها ويهرب، ويرمي اللاب توب أخيرًا في النهر. على الرغم من منع الطالب أوسكار من الحضور إلى المدرسة، إلا أنه يصر على الدوام ويرفض مغادرة الفصل الدراسي طوعا ويتم تنفيذ القرار على يد ضابطي شرطة . في النهاية، يتم إخراج أوسكار من مبنى المدرسة وهو جالس على كرسيه من قبل ضباط الشرطة مثل ملكا متربعاً على عرشه ، لكن ما يلفت النظر في المشهد يبدو وكأنه خرج منتصراً .
المعضلات الأخلاقية لأدارة المدرسة في التعامل مع الطلبة
تقتصر "غرفة المعلمين" أيضا على مكان واحد أكثر اتساعا إلى حد ما ، مدرسة بفصولها الدراسية وغرفة المعلمين وصالة الألعاب الرياضية والممرات بينهما وفناء المدرسة أمامها. ما يفعله الأطفال والمعلمون خارج المدرسة لا يلعب دورا في مسار الأحداث التي تتكشف بالكامل من منظور المعلمة الشابة ، دائما في حضورها ، دائما في نظرتها ، دائما في ردود أفعالها المفتوحة أحيانا وأحيانا المخنوقة. بصفتها معلمة ملتزمة ، تريد كارلا نوفاك تحمل مسؤوليتها عن الأطفال ، ولكنها في الوقت نفسه هي أيضا العضو الجديد في فريق العمل الذي لا يزال يتعين عليه فك رموز الرموز التي تنطبق في المدرسة. إنه عالم ضيق يتم تصويره ، ولا يمكن للمشاعر الهروب ، وتطالب دائما بردود فعل مباشرة وحتمية . تقوم كارلا نوفاك (ليوني بينيش) البالغة من العمر 29 عاما بتدريس الرياضة والرياضيات في مدرسة قواعد. إنها العضو الجديد في الكادر التدريسي ، ولم تكن على دراية بعادات المدرسة ، وبالتالي فهي مندهشة عندما يكشف زميلها ليبنوردا (مايكل كلامر) عن صبي تركي على أنه لص مزعوم بطريقة فظة إلى حد ما. لكن الصبي بريء - على عكس السكرتيرة السيدة كون (إيفا لوباو) ، التي تمسكها كارلا متلبسة بفضل فخ فيديو . لكن كارلا نفسها تجاوزت الحدود وتواجه الآن اتهامات بنفسها. خاصة وأن ابن السيدة كون أوسكار (ليونارد ستيتنيش) هو أحد طلابها ويتعرض الآن للتنمر من قبل زملائه من الفصل . الحل البسيط الآن هو نقل أوسكار إلى مدرسة أخرى ، لكن كارلا لا تريد المشاركة في هذه اللعبة .
يقوم المخرج الألماني ذي الأصول التركية إيلكر تشاتاك بعمل رائع في نقل التوتر والعذاب الداخلي الذي تعاني منه كارلا وهي تواجه عواقب الغضب وعدم الاحترام وعدم الأمانة من قبل أولئك الذين يلومونها على أزمة المدرسة. ولكن يمكن اعتبار هذه القصة أكثر من مجرد مشاكل يواجهها معلم واحد . هنا المدرسة هي صورة مصغرة للمجتمع ككل حيث يتم تخريب الحقوق الفردية (في هذه الحالة الطلاب الأطفال) من قبل من هم في السلطة ( تمثلها المدرسة ) . تتراوح الردود من انعدام الثقة على نطاق واسع إلى السلوك غير القانوني في استخدام كاميرات المراقبة وقمع حرية التعبير، ونشر الأخبار المزيفة . وتتفوق الممثلة ليوني بينيش في رسم صورتها المتحمسة لامرأة شجاعة ترفض الاستسلام للفوضى من حولها .
قدّم المخرج جنبا إلى جنب مع الكاتب المشارك ‏‏يوهانس دنكر‏‏ رؤية مثالية ناضجة وعميقة في فيلمه. يروي تشاتاك قصة مدرسة كنموذج مصغر للمجتمع ليس في الشكل التربوي، ولكن كفيلم إثارة عن السلطة والنفوذ والشك والاعتداء. كثيرا ما تحدث إلكر تشاتاك عن كيفية تصادم القانون مع الواقع، وعن حقيقة أنه لا توجد أبدا أي حلول سهلة بين الناس. لذلك تدخل المديرة الحازمة فصلا دراسيا مع اثنين من المعلمين كتعزيزات. أولا، يتم إرسال جميع الفتيات خارج الغرفة، ثم يتبع الإعلان " كل من لا يزال هنا يستمع بعناية، نود أن نلقي نظرة على محافظكم "، وتتابع المديرة: " إنه أمر طوعي، بالطبع، ولكن إذا لم يكن لديك أي شيء تخفيه، فلا داعي للقلق ". تشير المديرة بفتور. أولئك الأبرياء يلمحون ضمنا إلى أنهم لا يحتاجون إلى الاعتراض والعكس صحيح، أي شخص يعترض أو يطالب بحقوقه يجعل نفسه موضع شك. نلمح وجوه الأطفال مضطربة بشكل واضح، لكن الحدث الحقيقي في هذا المشهد هو ليوني بينيش التي تلعب دور المعلمة الشابة كارلا نوفاك، التي تم اقتحام فصل الرياضيات الخاص بها من قبل وفد محاكم التفتيش المدرسية . يمكن قراءة سيمفونية كاملة من المشاعر المتناقضة على وجهها، مزيج متقلب من الرعب وضبط النفس، والغضب من زملائها المسيئين والتعاطف مع الأطفال الذين هم تحت رحمتهم. يستكشف هذا الفيلم أيضا ثقافة الإلغاء والعنصرية المؤسسية وحقوق الخصوصية وحتى الرقابة وحرية الصحافة. إنها أكثر فزعا مما سيحدث بعد ذلك .
يبدو أن فكرة الفيلم مستوحاة من أحداث حقيقية، ينجح المخرج وكاتب السيناريو المشارك إلكر تشاتاك في إنشاء صورة مدرسية رائعة ونقدية للمجتمع الألماني بشكل عام . يشد المخرج المسمار الأخلاقي، دعنا نسميها، ويراقب كارلا وهي تضيع أكثر فأكثر وتحاول فعل الشيء الصحيح، لكنها لم تعد قادرة على تلبية معاييرها الأخلاقية . وتصوير سينمائي دقيق يعمل بوسائل سينمائية بسيطة، ولكنه يسمح لنا بالنظر بفعالية هائلة في نفسية شخصيته الرئيسية . تشعر المدرسة كارلا بالصراعات المتزايدة والضغوطات عليها ونجدها ممزقة بين مثلها العليا وواقع المدرسة المتناقض . في أمسية لقاء مجلس الآباء والأمهات مع إدارة المدرسة ، تنتابها نوبة من انهيار عصبي لشعورها بأن سمعتها بين الزملاء والطلاب وأولياء الأمور تنحدر عندما ترفض الاعتذار علنا . على الجانب الآخر، يتأزم الوضع حين يقوم أوسكار الذي يعاني من تنمر زملائه في الفصل ويسرق كمبيوترها المحمول ويرميه في النهر بعد ضربها على رأسها، ورغم ذلك تواصل حمايته والدفاع عنه .

المدرسة تظهر مجتمع كعالم مصغر
يتمحور هذا الفيلم حول موضوعات هامة وحديثة، المثالية، التحيز، التواصل، العدالة، العنصرية، ثقافة النقاش . بالنسبة إلى المخرج وكاتب السيناريو المشارك، تمثل المدرسة نظاما و "انعكاسا لمجتمعنا". المدرسة هي ساحة لعب جيدة لأنها تظهر مجتمع كعالم مصغر، هدف المخرج في “غرفة المعلمين” ليس التشكيك في المدرسة كنظام، بل استخدامها كانعكاس لمجتمع مصغر، الهياكل الهرمية، والمزيج المتعدد الثقافات من الطلاب والطالبات والكادر التدريسي، وأخيرا المعايير الأخلاقية العالية التي تضغط على أعضاء هيئة التدريس. حتى أدنى تجاوز يمكن أن يؤدي إلى سخرية الطلبة على وسائل التواصل الاجتماعي . المدرسة في الفيلم صورة عن المجتمع حيث يتم تخريب الحقوق الفردية للمواطنين (الطلاب) من قبل من هم في السلطة . ويشير الفيلم إلى ثقافتنا في النقاش في البحث عن الحقيقة، والبحث عن العدالة، وتشويه الحقيقة، يقول المخرج إلكر تشاتاك : "يتعلق الأمر بثقافة الإلغاء والتهميش ويتعلق الأمر بالطريقة التي تريد أن تفعل بها كل شيء بشكل صحيح كمدرس ومازلت تفعل بعض الأشياء الخاطئة ". ولكن حتى لو كانت حكاية " غرفة المعلمين" تزيل الكثير من الشعور بالذنب الفردي عن أكتاف شخصياتها ، فهي ليست ميؤوسا منها تماما . على سبيل المثال، يتم عرض الافتقار إلى الشفافية تجاه الأطفال، وفقا لشعار “ما يحدث في غرفة المعلمين، يبقى في غرفة المعلمين ، كمشكلة رئيسية. الشيء المثير للسخرية والأكثر إحباطا في الأمر أن هذا بالضبط ما يتناقض مع النهج التربوي للسيدة نوفاك . إنه يوضح بعدم وجود نهج تربوي يعمل بشكل مثالي دون تغييرات كبيرة في النظام .
حقيقة إن المسار الاستبدادي للعملية التربوية ببساطة لم يعد مناسبا ويبرز ذلك بشكل هامشي فقط في الفيلم. المدرسة هنا ليست أكثر من تمثيل لمجتمع، حيث يرمز المعلمون إلى السلطات والطلاب هم المواطنون الذين يطالبون بحقوقهم . تستخدم القصة المدرسة كنموذج مصغر للمجتمع الحديث، مع مجريات الأحداث وديناميكياتها المتغيرة والبحث الذي لا ينتهي عن الحقيقة. يصبح فحصا حادا للنوايا الحسنة مما يؤدي إلى سوء الفهم بطرق يمكن أن تؤدي في النهاية إلى تحطيم التواصل بين الأشخاص. ناهيك عندما يتعلق الأمر بالأطفال الذين ليسوا دائما مطلعين على عقلية الكبار . يخبرنا مخرج الفيلم إيلكر تشاتاك كيف توصل إلى فكرة صالة المعلمين يقول “في البداية، لم يكن الأمر يتعلق بالمدرسة على الإطلاق. أثناء ممارسة رياضة المشي لمسافات طويلة مع صديقي والمؤلف المشارك يوهانس دنكر، أخبرته عن واقعة حصلت في منزل والديّ حيث كانت لديهما عاملة نظافة وسرقت وأدينت، ناقش والداي: هل نعطيها فرصة أخرى؟ كان والدي ضدها في حين كانت والدتي معها، وفي النهاية انتصرت، وحصلت على فرصة ثانية. وأخبرني يوهانس عن أخته وهي معلمة رياضيات في شمال الراين تعرضت لحادث مماثل في مدرستها كما هو مذكور في الفيلم. وهكذا بدأنا نفكر في رسم الشخصيات " . أحد الجوانب الرائعة في دراما المخرج الألماني هي الألفة المحددة بشكل غريب . إنه يوصلك مباشرة إلى ذاكرة حسية لغبار الطباشير والملل من الدروس، والتململ على مكتبك أو التحديق بشوق من خلال النوافذ الكبيرة، ، مرآة عاكسة لسلوك أفراد ومؤسّسات غربية إزاء الوافدين أو المهاجرين . ‏
تتمحور فكرة فيلم " غرفة المعلمين" حول الكثير من الأشياء – الامتثال، والتمرد ، والعنصرية، والبصريات، وعدم الثقة بين الأجيال – ولكنها أيضا تذكير صارخ من جانب المعلم والطالب والمعضلات الأخلاقية للمعلمين حين يحاصر الطلاب المعلم أو المعلمة، بما كانت عليه المدرسة بالفعل بالنسبة إلى الكثيرين منا: تجربتنا الأولى والأكثر تأسيسا في إضفاء الطابع المؤسسي أو الانضباطي. حيث ستكون لكل مشاهد وجهة نظره حول العنصرية غير المبررة، والمراقبة الحديثة الأبدية، ودور المعلمين في تعليم اليوم، والحماية المفرطة للوالدين، وهذه بالطبع حقيقة لم يعد أحد يهتم بها، غرفة المعلمين تمثيل للمجتمع الألماني‏ . إنه ليس بالضبط فيلما خارجا عن المألوف في إطار تلك الكليشيهات، لكنني أجده مثيرا للاهتمام بسبب الأسئلة التي يثيرها حول مهنة التدريس. منذ البداية، يبدو لي أنها دراما قوية يكثفها أداء رائع من قبل “ليوني بينيش” في ممارستها الأخلاقية للتربية ومواجهة الافتراءات، كذلك يستجوب الفيلم العنصرية وحالة المهاجرين في المجتمع الألماني المعاصر .
تلعب مساحة الحرم المدرسي دورا راجحا يستخدمه المخرج تشاتاك لتمثيل واقع المدرسة والتعليم، من منظور معلمة تبدو كما لو كانت مسجونة تحت ظل واقع اجتماعي يتحاور حول التحيزات الاجتماعية ومحاولة إظهار غياب حرية التعبير والعنصرية المنهجية التي لا تزال تشكل تحديا للمجتمع والنظام التعليمي وللمؤسسات الألمانية وربما في أماكن أخرى من العالم يكون الأمر أشد، بالإضافة إلى التأكيد على السلطة البيروقراطية التي تراقب عن كثب خصوصية الآخرين من أجل حماية النظام القائم . هذا صحيح بشكل خاص عندما يحاول أوسكار تدمير الأدلة التي تجرم والدته ويتلاعب بالطلاب الآخرين لإلحاق الضرر بسمعة المعلمة كارلا . قضية السرقة هي أداة سردية تعمل على إضافة مادة إلى تناص الخطاب وبوابة للدخول إلى المؤسسة التربوية وكشف واقع حالها . الاستخدام القريب للفضاء يقوم بتكوين المشاهد في الفصول الدراسية وممرات المدرسة ، يبدو الأمر كما لو كان سجنا يسكنه المعلمون والطلاب يقسمهم فقط جدار . نجح المخرج في تصوير هذه الآراء المختلفة والتناقضات بطريقة إنسانية للغاية، حيث تظهر كل شخصية تفعل ما تشعر أنه صحيح وفي صالح الطلاب . ‏ويمكن أن تكون صحيفة مدرسية متواضعة أداة للتشهير والتكهنات تحت ذرائع نبيلة لحرية التعبير . تميز الفيلم بتصوير متقن وأداء تمثيل قوي يعكس الحياة اليومية في المدرسة .
في الختام : فيلم "غرفة المدرسين" يسلط الضوء على قضايا مختلفة تتعلق بالتربية والتعليم والهوية الشخصية، وإدانة واضحة لكلّ أشكال العنصرية المقيتة . بدون محاضرات أخلاقية وخطب ومواعظ ، قدمت دراما آسرة تشبه الإثارة ، آسرة عاطفيا ، تجعلك تفكر وبالتالي تكسب مكانا في المشهد السينمائي الألماني على المدى الطويل .



#علي_المسعود (هاشتاغ)       Ali_Al-_Masoud#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبناء الدانمارك- يناقش أزمة تنامي اليمين المتطرف والنازيين ا ...
- ( قصة كيرالا ) فيلم هندي يكشف تجنيد الفتيات في تنظيم داعش ال ...
- أنا كوبا: فيلم يؤرخ نضال الشعب الكوبي من أجل الحرية
- الفيلم الكوري - عندما يأتي يوم 1987 - يوثق الشرارة الأولى لا ...
- - خيال أمريكي - نقد للمعايير التي يتم التحكم في تقيم الفن وا ...
- ( كربلاء) فيلم بولندي يوثق أحدى معارك جيش المهدي مع قوات الت ...
- فيلم ( قتلني عمر ) يفضح عنصرية النظام القضائي الفرنسي
- -الذاكرة الخالدة -فيلم إنساني وصورة مؤثرة بعمق عن الحب ومرض ...
- -محبة فنست - فيلم رسوم متحركة يحكي قصة فان كوخ من خلال لوحات ...
- فضح وحشية جنود الاحتلال الأمريكي في العراق في فيلم المخرج دي ...
- -أحد عيد الأم - فيلم يصور حياة الكاتبة (جين فيرتشايلد ) حتى ...
- -حافة الجنة - - فيلم عن الروابط الأسرية ويكشف جانب من نضالات ...
- فيلم - باران - يتناول مأساة اللاجئين الأفغان وقصة حب جميلة
- فنانة على طريق النضال فنانة الشعب - زينب -
- فنانة على طريق النضال - محسنة توفيق-
- مسلسل (مدرسة الروابي للبنات) في موسمه الثاني يتناول هوس وسائ ...
- فيلم ( الخصم ) قصة اللاجئ إيراني في السويد يعكس قضايا حول ال ...
- -جاسوس البلقان- فيلم ساخر عن تأثير القمع السياسي على نفسية ا ...
- التمسك بالهوية الكردية والاندماج في مجتمعات الأغتراب في الفي ...
- الفيلم ألايطالي - أنا الكابتن- دعوة الى وقف الاتجار بالمهاجر ...


المزيد.....




- واخيرا.. موعد إعلان مسلسل قيامة عثمان الحلقة 165 الموسم السا ...
- الحلقة الاولى مترجمة : متي يعرض مسلسل عثمان الجزء السادس الح ...
- مهرجان أفينيون المسرحي: اللغة العربية ضيفة الشرف في نسخة الع ...
- أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق ...
- محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
- الجليلة وأنّتها الشعرية!
- نزل اغنية البندورة الحمرا.. تردد قناة طيور الجنه الجديد 2024 ...
- الشاب المصفوع من -محمد رمضان- يعلق على اعتذار الفنان له (فيد ...
- رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: فيلم -نورة- مقاربة بين البداوة ...
- ماذا نريد.. الحضارة أم منتجاتها؟


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي المسعود - التميز والعنصرية في المجتمع الألماني يكشفها فيلم ( قاعة المعلمين )