أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - المحطة الأخيرة















المزيد.....

المحطة الأخيرة


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 1762 - 2006 / 12 / 12 - 11:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"نجيب محفوظ : المحطة الأخيرة" تجربة فريدة فى الكتابة تستدعى الخمسة وأربعين يوما الأخيرة فى حياة أديبنا الراحل نجيب محفوظ، من محطة دخوله المستشفى يوم الأحد 16 يولية 2006، إلى ان وورى التراب يوم الخميس 31 أغسطس 2006 ، بكل ما تضمنته تلك التجربة من وخزات ألم، وما شهدته أيضاً من لحظات بهجة أشاعها نزيل الغرفة 612 فى مستشفى الشرطة بالعجوزة بين زائريه.
وبقدر ما أمتعني الكتاب ، بقدر ما شعرت بالعذاب الذى عاناه مؤلفه ، محمد سلماوى، أثناء إمساكه بالقلم وكتابة كل كلمة، بل كل حرف، من هذه المرثية الحزينة المجدولة بذكريات الأيام واللحظات الأخيرة من حياة الأديب الكبير، والتى تستدعى بدورها ذكريات وتأملات وتبصرات شتى.
وقد عبر الأستاذ محمد سلماوى عن هذه المعاناة الفظيعة فى تقديمه للكتاب بقوله:" أن يعيد الإنسان بعث تجربة أليمة، قد يكون اشد ألما من التجربة ذاتها، لأنه فى المرة الأولى يفاجأ بها ، أما فى الثانية فهو الذى يستدعيها لحظة بلحظة، وحدثاً بحدث ، فيتضاعف إحساسه بها".
ومن خلال هذا الألم، وتلك المعاناة، نجح محمد سلماوى فى أن يقدم لنا كتابا ممتعاً ، وان يستخرج من ظلال كآبة النهايات مواقف وقضايا وآراء مفعمة بالحيوية وعاشقة للحياة . وقد تحقق ذلك بإصرار المؤلف على الا يكون كتابه مجرد " يوميات" تسجيلية للحظات الأخيرة فى حياة محفوظ، وإنما ان تكون هذه اليوميات مجرد باب مسحور للعودة من أعتاب الموت الى عمق الحياة العريضة التى عاشها هذا الأديب الرائع.
وقد أجاب محمد سلماوى فى هذا الكتاب الجميل على أسئلة متعددة تدور فى أذهان الكثيرين.
أول هذه الأسئلة عن علاقته هو شخصياً بنجيب محفوظ، ومتى نشأت .. وكيف تطورت .. حتى اصبح بمثابة "المتحدث الرسمى" باسمه.. دون غيره من المقربين إلى الأديب العظيم.
وإجابة محمد سلماوى هى ان علاقته بالأستاذ قد امتدت لاكثر من ثلاثين عاماً لكنها توطدت خلال السنوات الاثنى عشر الأخيرة.
وخلال هذه السنوات الاثنى عشر ظل يقوم بزيارة محفوظ فى المنزل رقم 172 بشارع النيل بالعجوزة كل سبت ، منذ وقعت له محاولة الاغتيال الآثمة يوم 14 أكتوبر عام 1994. فقد تسبب الحادث فى إصابة يده اليمنى – يد الكتابة- بعجز جزئى أوقفه عن الكتابة. فتحول عموده الأسبوعي فى " الأهرام" – بناء على طلبه- الى حوار يجريه معه محمد سلماوى أسبوعيا فى نفس مكان عموده القديم.
ولا يترك سلماوى القارئ حائراً إزاء ما تطرحه السطور السابقة بدورها من أسئلة فيبادر الى القول : " سألت نجيب محفوظ عن سبب اختياره لى ، فقال : " لأنك مختلف عنى ، فأنا ابن ثورة 1919 ، وأنت تنتمى لجيل ثورة 1952.. وأنا كاتب روائى ، وأنت كاتب مسرحى، وأنا اشتهرت بالأسلوب الواقعى فى الأدب ، وأنت تميل الى مسرح العبث.. لذلك فالحوار بيننا سيكون ثريا، فأنا لا أريد شخصاً يتفق معى فى كل شئ، وكل ما أقوله له يرد عليه بآمين !"
وبعد ان نتعرف على سبب العلاقة الخاصة بين محفوظ وسلماوى، من وجهة نظر الأخير، يفتح محمد سلماوى أمامنا أبواباً واسعة للتعرف الأفضل على " الأستاذ" من خلال تفاصيل صغيرة لكنها تلقى أضواءاً ساطعة على شخصيته.
فهو مثلاً لم يكن يصله خطاب الا ويصر على الرد عليه، وفى السنوات الأخيرة كان يعهد بمهمة الرد على خطابات القراء الى محمد سلماوى الذى يقول " لم اكن آتى الى نجيب محفوظ فى الأسبوع التالى الا ويسألنى : هل أرسلت الخطاب إلى القارئ الذى كان يطلب نسخة من رواية بداية ونهاية ؟" أو يسألنى : هل أرسلت الخطاب الى الشاب الذى بعث لنا بقصته؟".
ونكتشف ان الأستاذ نجيب محفوظ كان لسنوات طويلة يقوم بالرد بنفسه على هذه الخطابات . كان يكتب الرد بخط يده.
الى هذا الحد كان الأديب الكبير مهتما بالتواصل مع قرائه.. فكم من الأدباء والكتاب يهتم بالرد على رسالة قارئ؟!
نكتشف أيضاً ان نجيب محفوظ لم يكن يحتفل بعيد ميلاده، وكانت أول مرة فى حياته يقام له احتفال بعيد ميلاده هى تلك التى أقامها له الأستاذ محمد حسنين هيكل عام 1961 بمناسبة بلوغه سن الخمسين، والتى دعا إليها ام كلثوم بعد ان عرف ان نجيب محفوظ يعشقها وانه لم يقابلها قط، وحضر الاحتفال عدد كبير من الأدباء على رأسهم توفيق الحكيم وصلاح جاهين وغيرهما.
ما هذه الروح الجميلة .. وهذا المناخ البديع ، الذى يجعل رئيس تحرير اكبر جريدة يهتم بعيد الميلاد الخمسين لأديب مهما كانت أهميته ، والذى يجعل هذا الصحفى الكبير – بل الأكبر- يعرف تفاصيل مدهشة مثل عشق نجيب محفوظ لام كلثوم، وعدم لقاء القمتين حتى ذلك الحين، وحرصه على عقد هذا اللقاء بهذه الصورة الحميمة دون طلب، ودعوته الأدباء والفنانين للاحتفال والاحتفاء بالأستاذ..
انه عالم الكبار ... وليس عالم الأقزام .
نكتشف كذلك ان الأديب العظيم جابرييل جارسيا ماركيز يتصل فى وسط الليل بمحمد سلماوى ليطمئن على صحة نجيب محفوظ.
ولا يفرح نجيب محفوظ فقط باتصال ماركيز بل يسأل : من أين اتصل ؟ لأن للرجل ثلاثة أماكن للإقامة واحد فى لوس انجليس وثانى فى كولومبيا وثالث بالمكسيك.
ورغم ان الرجلين لم يلتقيا وجها لوجه.. فانهما يتبادلان السؤال عن الأحوال ، وكل منهما يتابع أخبار الأخر عن كثب ويكن له احتراما كبيراً.
وفى تلك المرة التى استفسر فيها ماركيز عن صحة محفوظ سأل محفوظ: يقولون انه لم يعد يكتب الآن .
أجابه سلماوى : انه يمر بفترة توقف ، ربما كتلك التى مررت بها أنت فى بداية الخمسينات .
رد محفوظ : كان ذلك فى بداية حياتى، لكن فى حالة ما ركيز يبدو انها لعنة نوبل!
هل رأيتم هذه " الرفاقية " الأدبية والإنسانية البديعة بين رجلين عبر البحار والمحيطات أحدهما فى النصف الشرقى من الكرة الأرضية والثانى فى آخر الدنيا .. ومع ذلك يوجد بينهما خط ساخن واتصال روحى مباشر فائق السرعة ، وأسرع من الإنترنت وثورة المحمول . نكتشف أيضاً ان نجيب محفوظ قد وقع من السرير بغرفته فى المستشفى فى الأيام الأخيرة من حياته.
والعجيب أن هذه مسألة متكررة .. فقد حدثت – مثلاً – للأستاذ احمد نبيل الهلالى محامى الشعب المصرى والقديس الثائر الذى قيل انه سقط أيضا من فوق السرير بغرفته بالمستشفى بعد خروجه من غرفة الرعاية المركزة.
فإذا كان هذا يحدث مع مثل هذه الشخصيات الاستثنائية ، فماذا نتوقع ان يحدث فى المستشفيات للناس العاديين مثلى ومثلك .
هذه مجرد إشارات سريعة جداً .. من كتاب لا يمكن تلخيصه .. استطاع محمد سلماوى من خلاله ان يجعلنا نعرف أديبنا الكبير اكثر.. وان يزداد حبنا له ولعالمه الساحر الجميل .



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اغتيال مجلة .. وتكفير عقل أمة
- خطايا النظام العربى الرسمى .. فى لبنان
- انتبهوا أيها السادة: دورنا الثقافي يتراجع
- عرب أمريكا
- في بيروت.. إنه الطوفان!!
- صدق أو لا تصدق : انتخابات نزيهة فى بلد عربى
- انتخابات نزيهة .. ونتائج محيرة
- ربيع المنامة 2
- ربيع المنامة 3
- ربيع المنامة 1
- المصريون هم الأكثر ارتكابا للجرائم في الكويت
- اطلبوا العلم.. ولو من سنغافورة
- مرشد مصرى ومرشد سنغافورى .. وبينهما -حجاب- حاجز
- مصر.. إلى أين ؟ 4-4
- مصر.. إلي أين؟! 1
- مصر .. إلي أين؟! 2
- مصر.. إلي أين؟ 3
- الدين والسياسة
- العرب وأمريكا.. وتراجيديا الحب من طرف واحد
- إسماعيل صبرى عبدالله .. فارس الفكر والثورة


المزيد.....




- هجمات داغستان.. السلطات الروسية تُعلن ارتفاع حصيلة القتلى
- مصور يوثق حفرة عميقة وخطرة للغاية بجبال المسمى بالسعودية.. م ...
- ??مباشر: صحة غزة تعلن ارتفاع حصيلة ضحايا الهجوم الإسرائيلي إ ...
- لجأ لشركة -غير مرخصة-.. شاب مصري يصف لـCNN وفاة والده المسن ...
- بعد هجوم قوات كييف الإرهابي على سيفاستوبول.. موسكو تستدعي سف ...
- Foreign Policy: الوجود الأمريكي تراجع بشكل خطير في القطب الش ...
- بوتين يوقع قانونا يسهّل آليات حجب المواقع المحظورة في روسيا ...
- اليونان.. وفاة واختفاء عدة سياح بسبب الطقس الحار -غير المعتا ...
- نتنياهو: المعارك -العنيفة- ضد حماس في رفح -على وشك الانتهاء- ...
- إسرائيل تلوح باستخدام أسلحة غير معهودة ضد لبنان وسط مخاوف من ...


المزيد.....

- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - المحطة الأخيرة