|
لقد فات الآوان
ريان علوش
(Rayan Alloush)
الحوار المتمدن-العدد: 7993 - 2024 / 5 / 30 - 12:15
المحور:
كتابات ساخرة
الجوع والخوف، اليأس والإحباط، كانوا سببا مباشرا لتمضية عطلة نهاية الأسبوع في فراشي، ولا أستطيع تحديد ما إن كنت محموما أم لا، لأن الكوابيس والأحلام كانت متداخلة لدرجة أنني لم أعرف أيها كان أثناء نومي، وأيها أتى على صحوٍ. هنا ، وبعد أن حصل ما حصل أريد أن أكون شفافا، وسأفشي بكل أسراري و أحلامي، كذبي وكوابيسي، فأنا ولمدة طويلة كنت اتبجح كاذبا أمام زملائي في العمل، بأن ما منعني من الهجرة ليس قلة حيلتي، وإنما تمسكي بوطني وبهويتي، وكثيرا ما كنت أردد تلك العبارة التافهة التي تقول بأن الوطن ليس فندقا تغادره إن ساءت الخدمة فيه. حلم نهاية الأسبوع لم يكن جديدا طالما حلمت به كثيرا فيما مضى، فتارةً أراني في شوارع باريس، وأخرى في برلين، وقد بدت نعمة اللجوء على سحنتي وهندامي. الحلم الثاني الذي راودني طويلا هو بأني وسط مظاهرة ضخمة أحمل كرتونةً تلخص مطالبي وحقوقي، وأحيانا كنت أراني قائدا لتلك المظاهرات، مرفوعا على الأكتاف أردد ما أخشاه بحماس. صراحةً حلمي هذا لم يكن مجرد حلم، بل كنت فيما مضى، وبعد أن أغلق باب غرفتي أردد بحماس تللك الأناشيد التي كان المتظاهرون يرددوها في الشوارع، لكن كنت ارددها بهمس، لأني على قناعة تامة بأن الجدران لها آذان، لكن فيما بعد أقلعت عن هذه العادة بعد أن أقنعني أحد الأصدقاء المقربين بأن جدراننا لا تسمع فقط، وإنما تسجل وتصور أيضاً. الكابوس الذي لازمني طوال هذه المدة هو وقوعي بأيدي إحدى الجماعات المتطرفة، والتي حكمت عليَّ بفصل رأسي عن جسدي بعد اتهامي بالردة وبالعمالة للنظام، و كنت في كل مرة أرى جسدي وقد فصل عن رأسي أستيقظ مرعوبا ، أتحسس عنقي لأتأكد بأن ما رأيته كان مجرد كابوس، فألعن بعدها تلك المؤامرة والعمالة التي وقع فيها بعضنا، وأشكر الله على وجودي في مناطق النظام الآمنة. هذا الصباح استيقظت على صوت ثغاء خروف قادما من الجوار، الأمر الذي ازعجني، و حدثت نفسي متسائلاٌ:أي حالٍ من الفوضى والتسيب بتنا عليه!!! كانت الساعة المعلقة على الجدار قد تجاوزت الثامنة، الأمر الذي جعلني أقفز مرعوبا عن السرير خشية تعنيفي من قبل مديري في العمل نتيجة تكرار وصولي متأخراً، وبعد ان قفزت فوجئت بأنني أقف على قوائم أربعة. أدرك الآن بأنكم ستدهشون مما حصل، لكنها حقيقة استوعبتها سريعا بعد أن وقفت أمام المرآة مطولاً. استوعبتها لأن ما حصل في البلد من قتل ودمار وعنف وجوع جعلني أتمنى مراراً لو أني استطيع التحول إلى احد الحيوانات كي اتبرأ مما يجري. صراحة كنت أتمنى لو أني تحولت لكلب أو حمار، لكن مع ذلك لست منزعجا مما صرت إليه لأنها تتوافق مع شخصيتي بعض الشيئ. عندما خرجت من منزلي فوجئت بأن الجميع قد صاروا إلى ما صرت إليه، وهذا الأمر اراحني لأني سأُحرج جدا لو كنت الخروف الوحيد في المدينة، وما لفتني هو الرضا التام عمَّا صرنا إليه، فالجميع كان يتصرف بشكل طبيعي. هذا الأمر جعلني أندس بين الخراف علَّني استطيع معرفة ما حصل ولماذا؟! أستطيع الآن تلخيص ما جرى، و بأن ما حدث كان بقرارٍ من الزعيم، الذي قال مؤخراً بأنه يريدنا مجتمعا وديعا متجانسا لا خطر منه عليه، وباعتبار أن الخرفان هي الأكثر وداعةً وتجانسا صرنا ما صرنا إليه. أحد الخرفان المتحمسين لما حصل قال: لقد وعدنا الزعيم بأن التبن ومكافأة لنا على وقوفنا معه سيكون وافراً هذا العام، وسيمنع عنا كل ما كان يحصل لنا في السابق، من تخويف وتجويع واعتقال، لأنه وحسب رأيه بأنَّنا وبعد ان أصبحنا خرافا متجانسة لم يعد البلد بحاجة لأدواته القديمة. هذا الخروف قد أقسم بأن الزعيم ايضأ صار خروفا، لكنه أضاف بأنه احتفظ بقرنين كبيرين كي يدافع عنَّا. ما لفت انتباهي ايضا هو عدم وجود أي قرون على رؤوسنا، لدرجة انه من الصعب تمييز الإناث عن الذكور، وقد قال أحد الخراف معللا: لقد بتنا الآن ثنائيو الجنس، يعني كل منا يمتلك أجهزة تناسلية ذكورية وانثوية في وقت واحد، ولذلك بات التلقيح ذاتي، و هذا الأمر جعلني انفرد في إحدى الزوايا لأتأكد مما سمعته، وقد كان حقيقةً,وهذا ما أسعدني لأنني رُحمت من تكاليف الزواج بعد أن وصلت إلى الدائرة التي أعمل فيها، كان يتوجب عليَّ أن أدخل إلى غرفة المدير كي أبرر تأخري. عندما دخلت سرَّني بأن مديري أيضا تحوَّل لخروف، لكنه كان ضخما، وله قرنان صغيران بما يتناسب مع مكانته الوظيفية، و دون مقدمات قال لي بأني لو تأخرت مرةً أخرى سينطحني بعدد الدقائق التي تأخرتها. سرَّني هذا العقاب، فهو لا يقارن بما كنا نتعرض له فيما مضى من توبيخ وضرب وطرد من الوظيفة، وصولا إلى تلفيق إحدى التهم التي نزج في السجون على إثرها. في هذه الأثناء لفتت انتباهي صورة الزعيم المعلقة خلفه، فاقتربت منها كي أرى اي كبش صاره زعيمنا. كانت الصورة لذئبٍ مكشر عن أنيابه بدا وكأنه يبتسم. رؤيتي لصورة الذئب جعلتني أُطلق صرخة مدوية كانت صرختي تلك ما هي إلا ثغاء في بهو مسلخ.
#ريان_علوش (هاشتاغ)
Rayan_Alloush#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نباح قبل النوم
-
مجتمعات اخرطي
-
أصحاب العمامات
-
السوريون مرتزقة
-
حمير الشرق
-
نبوغ مبكر
-
الماركسيون لا يمثلون الماركسية!!
-
الضحية
-
أمارجي
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|