أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - الأيديوغماتية














المزيد.....

الأيديوغماتية


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 7991 - 2024 / 5 / 28 - 22:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(الأيديوغماتية)

تختلف الأحزاب العقائدية عن الأحزاب السياسية في كونها تحتفظ دائما ببوصلة وظيفتها أن تضع صيغة التعامل مع اللحظة السياسية الراهنة في خدمة مبادئها التاريخية, ومتى ما فقدت تلك الأحزاب هذه البوصلة الهامة فهي غالبا ما تتحول إلى حزب سياسي لا صلة له بالعقائدية.
والحزب العقائدي وإن جرى تصنيفه في خانة الأحزاب السياسية إلا أنه يظل يحتفظ بأهداف ذات طابع تاريخي تلزمه أن لا يقترف "خطيئة" أن يكون براغماتيا بالمعنى الذي يجعله يرتكب إثم الإنسياق الكامل وراء ما يسمى بضرورات النجاح في اللحظة الراهنة والذي قد يجعله يرتكب إثم التناقض بين ما هو مرحلي وما هو تاريخي .
على الجهة الأخرى الحركة السياسية ذات الأهداف المرحلية غالبا ما تعطي لنفسها الحق في اختيار ما يخدم وصولها إلى هدفها المرحلي غير معنية أبداً بحساب قيمة التناقضات التي يؤسسها ذلك مع أهدافها التاريخية لغياب تلك الأهداف أساساً.
والفكر الأيديولوجي يرتكب أيضاً واحداً من الأخطاء الكبيرة حينما لا يعطي إهتماماً كبيرا للعمل السياسي المعرَّف هنا بفن التعامل مع اللحظة متسبباً بتحويل تلك الأفكار إلى مقدسات لا يجوز الخروج عليها, ونائماً في عسل الترف النظري إلى درجة الغيبوبة, ومنساقاً بشدة لكي ينازل المخيلة الإفلاطونية على مدينتها الفاضلة.
أما البراغماتية .. فيقول عنها أشهر فلاسفتها , الأمريكي (تشارلز بيرس) , هي الموقف الذي يصرف النظر عن الأشياء الأولى والمبادئ، والمقولات ويتجه إلى الوقائع والنتائج. لكن تعريفاً كهذا قد يؤدي إلى وضع مفهوم البراغماتية في مواجهة الأيديولوجية, اي أنه يتعامل مقدماً مع الفكر الأيديولوجي كحالة معطِلّة لحرية التحقق من الأفكار الصحيحة على ضوء التجربة والأدلة العملية.
وأرى أن ذلك قد يكون معقولا في حالة الأمم التي أنجزت تكوينها وأصبحت مبادؤها الأخلاقية التاريخية الرئيسة جزء من حياتها اليومية كوقائع وممارسات بات من الصعب الخروج عليها. وأعتقد أن البراغماتية والأيديولوجية هنا لا يتناقضان من حقيقة ان البراغماتية لن تهدد باي شكل من الأشكال ثبات العقيدة التاريخية بأطرها الأخلاقية العامة لأن هذه الأخيرة قد تحولت إلى مجموعة من الحقائق الحية ولم تعد تتحرك في خانة الفكر الفلسفي التنظيري. ففي الولايات المتحدة التي تتمسك بعقيدة مواطنها تشارلز بيرس ( 1839 ـ 1914), وكذلك في حالة أغلب الأمم الأوربية, تتحرك البراغماتية في مساحة تطوير وتعديل النظريات التي تحولت إلى حقائق, من أجل أن تكون هذه النظريات أكثر قدرة على التناغم مع معطيات الواقع المتحرك والمتغير, أي من أجل أن لا تفقد حركيتها التي تمنحها صفة الحياة, فهي لا تلغي الفكر التنظيري المتأسس على القدرات العقلية وقد تعطيه أفضلية السبق لكنها مع ذلك لا تمنحه شهادة النجاح إلا أذا أثبتت قدرته على التعاطي مع معطيات الواقع, اي أن الحالة يمكن التعبير عنها بالتلازم ما بين النظرية والتطبيق.وعلى أساس ذلك أرى أن من الخطأ وضع البراغماتية في مواجهة الأيديولوجية والقول بضرورة الأخذ بأحدهما وترك الآخر.
لقد قيل أن سقوط الإتحاد السوفيتي قد وضع نهاية تاريخية لعصر الأيديولوجيات مقابل إنتصار ساحق للفكر البراغماتي الذي يعطي أسبقية التجربة على الفكرة, وهذا القول نشأ كما أعتقد من إهمال العلاقة الجدلية بين طرفي هذه الثنائية, اي البراغماتية والأيديولوجية, والإعتقاد بأن أحدهما نقيض للآخر. لكني اعتقد ان ثمة خطأ في إدراك أن تعثر الأيديولوجية كان سببه الأساسي ولوجها خانة التصنيم وتحولها إلى أفكار مقدسة لا يجوز التفكير بتعديل بعضها أو تغيير وتبديل البعض الآخر, ولهذا أظن أن ذلك القول لم يطلق حكمه ذاك على إفتراض أن التفكير الأيديولوجي هو خطأ من حيث الفكرة أساساً, فحتى عتاة البراغماتيين لا يخرجون على الأيديولوجية بمعنى إلتزامهم بها بعد أن صارت مجموعة من الحقائق السياسية والأخلاقية ولم يعد هناك ثمة ما يدعو إلى تغييرها بعد أن زحفت من خانة التنظير إلى خانة الوقائع. لكن حينما يتحول الفكر الأيديولوجي إلى فكر تغيبي وتصنيمي غير قادر على تعشيق عقيدته التاريخية مع معطيات اللحظة الراهنة فإن فشله يصبح مؤكداً.
لقد كانت هناك أحاديث صائبة ومهمة حول الأسباب الواقعية لفشل النظرية الماركسية في الإتحاد السوفيتي. كثير من أنصار الماركسية أكدوا أن الأخطاء كانت ذات علاقة بممارسات الدولة البيروقراطية وقيادة الحزب. غير أن التصنيم والجمود الأيديولوجي كان له أثر كبير في ذلك الزلزال التاريخي الكبير.
إن واحدة من أشد أخطاء الفكر الأيديولوجي وطأة هو ذلك الذي يتمشهد في غياب المرونة السياسية التي تؤهله للنزول من علياء النظرية وترفها إلى حيث معطيات اللحظة الراهنة.
لكن هل تعني البراغماتية وضع المبادئ على الرف لصالح ضرورات النجاح عند التعامل مع اللحظة الراهنة .. لا اعتقد ذلك, أما الجواب عندي فهو الذي يؤسس للمفردة التي قمت بنَحْتِها هنا, وأعني بها (الأيديوغماتية) التي تجمع ما بين الأيديولوجية والبراغماتية, والتي تتحدث عن حقيقة أن البراغماتية لا توجد منقطعة عن الأيديولوجية, وإن غياب الأولى عن الثانية سوف يمهد في ظني إلى الجمود العقائدي أو الأيديولوجي الذي يسد الطريق في وجه التطور الدائم ويعرض الفكر الأيديولوجي إما إلى خطر السقوط بذاته أوالتقاطع مع الواقع بما ينهي أية علاقة حميمية أو إيجابية ما بين الإنسان والمحيط لكي يمهد للحظة السقوط الكبير.
في الوقت نفسه يفترض الشق الثاني من المفردة أن الشق الأول منها, ذا الصلة بالأيديولوجية, لا يمكن له أن يحيا ويستمر ما لم يلجأ دائماً إلى البراغماتية لتشذيب الأيديولوجية, أي حذف ما يمكن حذفه وإضافة ما يمكن إضافته على ضوء ما تؤسس له التجارب الميدانية من ضرورات للإضافة أو الحذف, حتى ولو تطلب ذلك نشوء أيديولوجية جديدة.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حل الدولتين
- عضة كلب
- رغد صدام حسين .. إذا أبتليتم فاستتروا
- مقالتي الألف .. الدم في خدمة الخرافة
- رد على من لا يستحق الرد !
- الوطنية والإسلام السياسي
- خير النساء
- بايدن .. هل كان صهيونياً بحق
- المهدي المنتظر
- الدين السياسي ليس ديناً وليس دولة
- القضية الفلسطينية وصدام الأديان
- فلسطين ومفهوم القضية المركزية
- عن روما القديمة وعن ترامب الآتي وعن مجلس الإنقاذ
- انتحاري على طريقته الخاصة
- القائم من ميتته كي يورثنا الفرحة
- كاريزما الزعيم
- في البحث عن الإجابة الصعبة : مَن في خدمة مَن ؟
- الكيان الشيعي الموازي .. رسالة ورد
- محاولة إغتيال طارق عزيز .. مسؤولية من كانت ؟
- محاولة اغتيال طارق هل كانت من تدبير صدام حسين (2)*


المزيد.....




- أمريكا.. مديرة -الخدمة السرية- تكشف عن رد فعلها عندما علمت ب ...
- سلطنة عمان: قتلى ومصابون في إطلاق نار قرب مسجد.. والشرطة تصد ...
- الشرطة العمانية: مقتل 4 أشخاص وإصابة آخرين في إطلاق نار قرب ...
- أربعة قتلى بإطلاق نار في محيط مسجد بسلطنة عمان
- الشرطة العمانية: قتلى ومصابون في إطلاق نارفي مسقط
- الجيش الأميركي: الحوثيون شنوا هجمات متعددة على ناقلتي نفط
- مديرة جهاز الخدمة السرية الأمريكي: لن أستقيل من منصبي
- ماسك يتعهد بـ 45 مليون دولار شهريا لدعم ترامب
- باكستان.. مقتل 4 جنود و5 متمردين في هجوم مسلح على منشأة عسك ...
- مسيرة أوكرانية تستهدف مصنعا بمقاطعة كورسك غربي روسيا (فيديو) ...


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - الأيديوغماتية