أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - انتصار نادر - ليلة فقدت فيها نفسها














المزيد.....

ليلة فقدت فيها نفسها


انتصار نادر

الحوار المتمدن-العدد: 1761 - 2006 / 12 / 11 - 09:08
المحور: الادب والفن
    


ولأنها شاعرة لا تملك فصيلة سوى الإحساس، عّبرت عن هذا اليوم بدموعها وهي ترى بعينيها الجميلتين ترانيم المغنين وأدخنة البخور ومجون الراقصات..وصوت الدفوف.. فرحة المدعوين غطت اختفاء بسمتها وأثارت عجبها، وتهانٍ أثْرت بها عجز اللسان: "بالرفاء والبنين" تهامس البعض.
الجميع حولها في بهجة وسرور ، وهي لا تشعر بشيءٍ سوى الخوف والرعب، كأنها تريد أن تصرخ ...أن ترفض .. أن تهرب من هذا الواقع المجبور (المفروض؟)، كلما نظرت لأبيها وعريسها الذي ينظر لها كذئب جائع، لا تقوَ ى أنْ تتغلب على محيطها، وتكتم دمعة في عينيها تحاول أن تجري لا شيء يلفت نظرها سوى تحرك التمثال الشمعي القابع أمامها ، يبدو وكأنه الهٌ للجمال متكامل التقاطيع فاتن العود مشتدّ.. رأته يتلاشى من النار، خُيل إليها أنه يبكي
بُعده المكاني عنها لا يقصيه كثيراً عن كونه آلةً للخنق تجثم على صدرها، كانت مشاعرها تزف نفسها إليه كياناً مدمراً معقوف الجدع وفجأة يظهر وجهه في النار فتراه ذئبها الجالس إلى جانبها،
تصفر بين أضلاعها ريح التوجس الذئبية، تئن وتثور من الداخل وتختنق فيسمع صدى أنّاتها شياطين الأرض ليذعروا رهبةً.
بينما وهو يتلاشى ترى دموع حبيبها في خطوط تلاشيه وكأنه يبكي تجسد عذابه، هذا هو التمثال الشمعي هو الذي لفت نظرها إليه في ليلة زفافها ، حتى تلاشى نهائيا فاختفى وأصبح كأنه لم يكن، فاقت على صوت الزغاريد وكأنه في أذنيها صوت صراخ وكأن اليوم هو يوم حدادها .

وبعد لحظات وجدت نفسها قد أصبحت مع هذا الرجل وأصبحا تحت سقف واحد . تجيلُ النظر حولها فتجد كل شيء مُحكَم الإغلاق عليهم وكأن كل شيء حولها أسوار . أصبحت منهكة الجسد.. أسيرة الأفكار، عيونها سليبة ومياه الحيرة تندي عيونها المتمردة.
تلعن حُسنها الباهر، تحتار في أمرها، وهي مجبرة على ارتداء ذلك ثوبها الأبيض المتناقض مع عيونها..

يحتار فيها ذلك المتزين بما طاب من طيبٍ وملبس، كأي قناصٍ يخرج باحثاً عن فريسة، وفريسته لا تقوى على الفرار فهي موثوقةٌ بوثاقٍ باركته الجن والإنس.
هو ينظر إليها كذئبٍ حبيسٍ قد يؤذي أي كائنٍ يقترب. . وهي كالمذعور الجريح، لا تعرف العدّو من الصديق.
أخذ يقول لها كلمات جميلة عن جمالها الباهر، كأنه يقول لها شعراً ... تعجبت!!، أيرقُّ خافقُها أم هي مخدوعة؟ أيمكن أن يكون بهذه البراءة..أم أنها براعةٌ في أداء دور البراءة؟
حتى احتوت مضمون كلماته عن جمالها وجسدها .. إنها كلمات آتية من شهوته ورغبته، رأت في وسامته شكلا آخر، وهو يخلع ملابسه وينظر إليها نظرات شهوانية تخيلت معها أنه ذئب، وأخذ يحتضنها ويقبلها بشدة وهي ترد عليه بعبارات ضنىً ودموع تَعسة.
قيَّدها كالذئب وبكل عنف نزع عنها ثيابها البيض، وأخذ يلتهم جسدها كذئب مسعور، شهوته كانت بالنسبة لها مناورة حربٍ باردةٍ تكويها دون سلاحٍ محسوس، وكأنه عدوٌّ لها ، وهي تزرع جسدها شوكاً أملاً في حماية ما. و تبقى تحت جسده جليداً وعيونها جماراً.. نظراتها ثابتة لا أفكارها. خيوط المعاناة تنسج شبكاتٍ واهنةً في عيونها، يتبدل لون مقلتيها لتصطبغا بألوان التعاسة وضروب الحقد، كلهم في عينيها سواء.
لم تستطع أن تنطق بما يواجهها، كلما تذكرت أن الليلة هي ليلة دخلتها، وأنه مفروض عليها، أحست أنه ذئب يفترسها لحظات تحولها لامرأة شابَها دنسٌ عميقٌ أحالها إلى ذئبة هي أيضاً..فقدت عذوبتها، براءتها، شاعريتها.. دون أن تفقد عذريتها. وهي تقاومه بكل ما أوتيتْ من قوة، تتوسل إليه أن يعفوا عنها .. تصرخُ.. تردد أكرهك ..أكرهك، وهو لا يسمع إلا نداء شهوته وهو مطروح على جسد كالحرير الناعم وفي أحضانه امرأة تشبه الحور، أخذت تقاوم وتقاوم وصرامة ملامحها تتناقض مع ضعفها البادي.
تعبت من عبء المقاومة لكن ذعراً كساها ونفدتْ قدرتها على التحمّل فباتت بلا طاقةٍ.
لا تشعر اتجاهه بأي شعور فتظل دون حراك. يضنيه الكر والفر وهي تغرق في غيبوبة إرهاق.
أخذت مشاهد من الحياة تتراءى في ذاكرتها، في هذا المشهد الوحشي، الذي هو أجمل يوم في حياة فتيات أخريات ، ألحَّ على ذاكرتها مشهد توديعها لحبيبها في زمن لا يعترف بالحب، ووالدها يرغمها على الزواج من هذا الثري لأنه من نفس طبقتها، يلقي اللومَ على حبها وعلى شاعريتها، وعندما تصرخ في وجهه تجد صفعةً على وجهها، تذرف الدموع وتصاب بالخرس، تمشي ميتةً تحثُّ السير في ذهول، لا تنصت إلى ثورة أبيها بل تنصت إلى ثورة قلبها، وهو في نظر الجميع كأي أبٍ تبصّرت فيه الحماية..وكأنها من هنا ولدت لتكون خرساء.
رنَّ الهاتف وسمعت صوت حبيبها وهو يتألم ومازلت مصابة بالخرس، ارتعشت السماعة في يدها وصوت بكائه المبحوح يعزف على أوتار مشاعرها، تتمزق وتصرخ تنهار في أعماقها ، تجري على نافذتها لتتنفس ضوءاً ، ولكن تشتت نور الشمس ليصنع أطياف لا لون لها، فغدا الحق محْقاً، والصدق عقماً والذُّلُّ حلاً.

وتعود لتفوق وهي تفقد عذريتها على يد هذا الجبار، الذي نهش جسدها وذاقه كقطعة سكر ذابت في ماء شهوته، تُحدّثُ نفسها في ذهول، كيف ستعيش مع هذا الذئب تحت سقف واحد باقي عمرها،
كرهت نفسها وجسدها . لعنت الزمن الذي رماها بين النار والدخان

نظرت إلى حالها وهي عارية في عيون ذئب، أخذت تلملم نفسها بذعر وخوف وقد فقد كل شيءٍ قيمته في عينيها، وبعد أن ألتهم جسدها جلس أمامها يقضم تفاحة وعيناها شاخصتان إليه تملؤهما صراخاً ، جرّها الزمن إلى مصيرٍ ما كانت تتمناه. هي الآن تجمعها مع الدنس أنفاسٌ واحدة، لو كان الموت درباً سالكاً لسلكته..كانت هذه ليلة العمر التي تحلم بها مع حبيبها، تتحول اليوم مع هذا الرجل إلى شيء لا يشكل لها أكثر من بئر هَلَعٍ.
هذه الليلة ما عادت تثق بأحدٍ منذ عرّفتها الحياة بنفسها، فقدت كل مشاعرها في هذه الليلة التي فقدت فيها نفسها .
:
بقلم الأديبة : انتصار نادر

9 ديسمبر 2006



#انتصار_نادر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- روحٌ أنا من ألف ليلة
- صولجان الشهرزاد في حضرة شهريار مساجلة شعرية
- صولجان الشهرزاد في حضرة شهريار
- بغدادُ عنقاءُ الأزمنة
- شعر ( من الذي زرعك بذاكرتي؟


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - انتصار نادر - ليلة فقدت فيها نفسها