أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد فرحات - أحاديث الجنِ والسُطَلِ، المجدُ للحكايات.















المزيد.....

أحاديث الجنِ والسُطَلِ، المجدُ للحكايات.


محمد فرحات

الحوار المتمدن-العدد: 7990 - 2024 / 5 / 27 - 17:07
المحور: الادب والفن
    


.
حينما تختلطُ تخومُ الواقعِ والوهمِ، الحقيقةِ والحُلمِ، تُفقدُ القدرةُ على التمييز بين تلك الحدود، وهل من تعريف حقيقي للواقع والوهم سوى أنه مرادفات لمواءمات عقلية وضعية في المقام الأول؛ فما فرضه العقلُ واقعًا فهو واقعٌ، وما فرضه وهمًا فهو وهمٌ، وكم تختلط الأمور والقياسات على العقل الإنساني! فما يعتقده وهمًا قد يكون هو عينُ الحقيقةِ والعكس.
لا يعبأُ كاتبُنا كثيرًا بتلك الأطروحات الفلسفية، ليكون ولاؤه الحقيقي للحكاية فقط، لتشكل الحكاية بذاتها وببصيرتها حدود الوهم والحقيقة، لتنصهر التخومُ مكونةً منطقها الخاص بها. على شرطين تعاقديين اثنين يبرمهما الكاتب؛ الأول أن تسلم له قيادة المنطق يفعل به ما يحلو له، يطوعه كيفما شاء، والثاني أن يكون ولاؤك كولائِه للحكاية فقط. وبداية التعاقد تتبدى منذ قراءتك، واختيار” محمد عمرو الجمال” لعنوان روايته ” أحاديث الجن والسطل.”
وهل يُعَولُ على حديث الجن؟! وماذا تقول في إخبار من أخذ السطلُ بقيادهِ، “سطَلَ يَسطُل، سَطْلاً، فهو ساطِل، والمفعول مَسْطول سطَلته الخمرُ: خدَّرَته، دهشته، أفقدته وعيَه سطَله دواءٌ / مخدِّر، فاختلطت العوالم بعينيه.
وكانت أول سطور الرواية بمثابة توطئة العقد “حسنًا…أنا مجنون …دعنا نصل إلى هذه النتيجة مبكرًا من قبل أن تستهلك سطورًا وخلايا عصبية كثيرة في اكتشاف هذه الحقيقة البسيطة.".
وهل الجنون محض خروج عن قوانين الواقع أم هو فضلًا عن ذلك محاولة لاختلاق قوانين جديدة مباينة تناطح قوانين الواقع المُتغلِب؟
يؤسس ” محمد عمرو الجمال ” لأسطورته فكأنه يعيش الأربعين يومًا الأخيرة قبيل الموت ليفقد وجوده المادي، وينسابُ روحًا خالصة متمثلة في شخصية ثنائية الأقانيم متوحدة الرغبة والحلم والإرادة نور النديم/ حسين الدرغامي ولكنهما في ذات الوقت يتصارعان فيما بينهما على إثبات أن الرواي أحدهما دون الآخر. ” وجاء رجل وزوجته التي كانت تحمل رضيعها على صدرها ووقفا عندي، ثم جلس كل واحد منهما على ركبة لي وفاضا بأدق أسرارهما في حجري من دون أن يلحظا وجودي...".
يؤسس “محمد عمرو الجمال” للأسطورة بتقنيتين؛ التقنية الأولى “الواقعية السحرية” التي تغص الرواية بمقطوعاتها لا لأجل إظهار القدرة على هذا الفن “الماركيزي” المتفرد، ولكن لخدمة النص وتطوير الحبكة، فلا تراه مستغربًا أو أجنبيًّا منفصلًا بل مكملًا ومسخرًا لفكرة الكاتب ولبنية الرواية. كفصل المساخيط” أسرار، مستورة، الشيخ قللي” تلك الشخصيات ثنائية الطبيعة الطينية/ النارية التي تخلقها، وتكتب حكاياتها عفاريت الترعة الخضراء المحتضنة لعالم القرية ” كحدوة حصان”، عهود رئيس عصابة جن الترعة مع نايل النديم / الدرغامي الكبير تلك الثنائية الممثلة للشخصية ثنائية الأقانيم المتصارعة من أجل الظهور للمرة الثانية بعد نور النديم/ حسين الدرغامي ، غراب فنجان القهوة و اختزال مصيره لمصير البطل /الراوي، عالم الغجر وشخصية نفيسة السحارة والسيد عبد المتعال.
والتقنية الثانية لغة توراتية رصينة قريبة جدًا من الترجمة العربية للعهد القديم كفصول ” أسعد النديم ، نور النديم ( سفر محذوف من توراة القرية ) …فهاهو الأب نايل النديم يدعو في السحر لولده أسعد، ولكن ملاك الدعوة يخطأ فيحسب سعيدًا أسعدَ، فحينما لفحته الحمى تدثر بثوب أسعد، فينال سعيد بركة أبيه وتحكي التوراة قصة مشابهة؛ قصة كيف نال يعقوب بركة أبيه لتخطأ العيص وتصيبه.
وحينما تتمكن الأساطير المؤسسة يكون الروائي القدير قد تمكن في الهيمنة تمامًا على ذهنية المتلقي يصب ألحانه وخمره كيفما شاء، وعلى خلق منطق الرواية الخاص بعالمها المتفرد؛ بلغة ملحمية بليغة تطغى الشاعرية عليها في مواضعَ كثيرةٍ هي في أمس الحاجة إليها فلا تراها معرقلة لسيرورة الأحداث نحو ذروتها المبتغاه.
هل هي رواية مكان تعود الأحداث والشخصيات منها وإليها، تحلق في سمائها، وتنساب مع نسيمها، وتعيش كقراميط ترعتها متخفية تارة ظاهرة أخرى؟! فيبني” محمد عمرو الجمال” عالمه في قرية نائية على “شمال السما” متدثرة هنالك بأشجارها وحقولها وعالم فلاحيها الملغز. هي في صراع مع العاصمة ومع ذلك وعلى الرغم من بساطة تركيبها الظاهر فهي تحمل من الأسرار التي تعجز العاصمة عن حملها فضلًا على فهمها واستيعابها. وهي مع ذلك ملجأ آمن للسادة كبراء العاصمة والمسيطرين على مقدراتها، هي كما قال “أسعد النديم” من سيطر عليها سيطر تبعًا لذلك على العاصمة.
فطنت شخصيات الرواية لذلك فتصارعت بخلفياتها وظروف تنشأتها المتباينة لتنقسم لمعسكرين؛ الأول مسيطر مهيمن حريص كل الحرص على بقاء الأمور على حالها ليؤسس لسطوة واستبداد يملك كل المقدرات المادية ومعسكر آخر تم إقصاؤه عن عمدٍ بعد إجهاض حلمه، وإلحاق الهزيمة الكاملة به ممن يملكون الثقافة والمعرفة وحلم التغيير بكل عيوب وآفات وقيم ومبادئ البرجوازية الصغرى، يهرعون من الميادين المجهضة بالعاصمة إلى كوخهم الطيني القروي بالقرب من ترعة الجن، تتسرب حكاياتهم مع نفثات دخان الحشيش المتصاعد للسماء لتغيير قدر القرية ومن ثم العالم، وكان سلاحهم الحكاية.
فهل تنحاز الأقدار حينما يصل الصراع لذروته إلى “عزبة المجنون ” و”ضريح نور النديم” هذا الحل الهروبي من شكل القرية الحديث المشوه بخرساناته القبيحة وضجيج تكاتكه وميكروفونات مساجده العشوائية، أم للصراع المباشر مع زعاماته شديدة السطوة والبأس، نعم فشلت محاولات الإحلال وتبديل المواقع بسقطات الشخصيات الحالمة الجديدة المريضة بأمراض الطبقة الوسطى من أنانية وتردد، بالرغم من انحياز السلطة الشابة الواعية المتمثلة في ضابط المباحث “طارق الشاذلي” لتختفي شخصية “حسين الدرغامي” لتحل محلها شخصية ” نور النديم ” في أجواء بوليسية لاهثة وتبقى شخصيته متمثلة هائمة في أجواء “عزبة المجنون".
ولكن تتغير القرية بفعل الحكايات لم تعد تنحني كما كانت لكبيرها، لم تعد تعتمد على حلول من شخوص غارقة في الأحلام الزرقاء زرقة دخان سيجارة الحشيش.
لم يكن انكسارًا تامًا ولا انتصارًا تامًا، لم تفلح الثورات في خلق مجتمعات جديدة على الأقل في عالمنا العربي، فلم يعد من حل لأزمة الواقع سوى التدرج المتسرب للعقول كحكايات الكوخ الطيني ليحدث التصالح أخيرًا فترى ممثل السلطة “طارق بك الشاذلي” يحرض الراوي البطل على تكرار التجربة الأقل كلفة والأكثر نجاحًا ” بوسعك أن تبقى سيد الحكايات في تجرد من الأسماء والهوية، لا هذا ولا ذاك، فمازالت في بلادنا قرًى كثيرة يُطبِقُ على أنفاسها ألف غول مثل أسعد النديم، ومازال ألف نور النديم مقتول ويطالب عفريته بثأره، ستعيش في قرية منها باسم جديد وحكاية أخرى تحكيها ولن يسع ذلك الصوت الذي يتبعك أن يعرف مكانك أبدا ، لأن الأخبار سوف تأتيه من أمصار متفرقة.".



#محمد_فرحات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نجيب محفوظ -نبيًّا-.
- تحدي قصيدة النثر ؛ديوان-ابن الوقت- نموذجًا.
- حائزة -عبد الفتاح صبري- في نسختها الأولى.
- أخيرا العثور على المسرحية المفقودة لنجيب سرور-البيرق الأبيض- ...
- الروائي شادي لويس وصفعة لوجه الرأسمالية القبيح.
- مخطوطات نجيب سرور
- القصة الشاعرة. - قراءة لفصل من كتاب ألعاب اللغة للدكتور محمد ...
- د. محمد فكري الجزار شمولية النص القرآني وسيميوطيقا النهايات.
- ألعاب اللغة-5-، ما بين الشعري والتدوالي.
- ألعاب اللغة-4- نقد جاكبسون.
- احتواء المؤسسة وتمرد المبدع
- قطار الليل نحو لشبونه
- ألعاب اللغة-2-
- ألعاب اللغة-ما بعد نظرية الأدب-
- نيتشة وعزة تلجراف عند-مصطفى أبوحسين-.
- -نسائي الجميلات- لأمنية طلعت، أدب الممانعة.
- -تاريخ موجز للخليقة، وشرق القاهرة- معزوفة المشترك الإنساني.
- ليس ثمة مايدعو للبهجة...
- ولي النعم
- وكان الفتى الأشقر


المزيد.....




- وزارة الإعلام الكويتية تعلق على الأنباء المتداولة حول تكاليف ...
- أحمدو همباتيه باه: رائد الأدب الشفاهي الأفريقي وحارس ذاكرة ا ...
- بعد تقارير عن -أجر بيومي فؤاد-.. تعليق كويتي رسمي بشأن دفع م ...
- المفكر المغربي طه عبد الرحمن: تناولت السيرة النبوية من منظور ...
- رواية -المُمَوِّه-.. شعرية الحدث والسرد العربي القصير
- افتتاح معرض للأعمال الفنية المنتجة في محترفات موسم أصيلة ال4 ...
- روسيا.. مجمع -خيرسونيسوس تاورايد- التاريخي يستعد لاستقبال ال ...
- نجل ممثل سوري معروف يكشف أسرارا عن والده الراحل وعن موقف نبي ...
- فنان الراب -كادوريم- يعلن الترشح لانتخابات الرئاسة في تونس ( ...
- أغنية ثورية بأسلوب موسيقى -الميتال- في حفل افتتاح الأولمبياد ...


المزيد.....

- Diary Book كتاب المفكرة / محمد عبد الكريم يوسف
- مختارات هنري دي رينييه الشعرية / أكد الجبوري
- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد فرحات - أحاديث الجنِ والسُطَلِ، المجدُ للحكايات.