أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - ادعياء المثالية المزيفة















المزيد.....


ادعياء المثالية المزيفة


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 7985 - 2024 / 5 / 22 - 09:59
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لأن الإنسان ابن بيئته , كان ولا زال متأثرا بمجتمعه ومنفعلا بفواعل بيئته ؛ فسلوك الإنسان وطباعه وثقافته ما هي إلا امتداد لعناصر بيئته وطريقته في التواصل والتعاطي معها ، فهي من تصقله وتلونه حسب جغرافيتها ومناخها وثقافتها واحوالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ... ؛ وبالتالي صار لزاما على المرء ان اراد ان يحيا باستقرار وامن وامان ؛ ان يذهب الى بيئة امنة هادئة مستقرة ؛ لان البيئة البائسة والمضطربة والتي تعاني من مختلف المشاكل والازمات ؛ والمصابة بكافة الامراض والسلبيات ؛ لا تنتج مواطنا سليما او انسانا ايجابيا ؛ لذا قيل : ان الاتزان في مجتمع غير متوازن , عملية صعبة للغاية ؛ فمن سابع المستحيلات ان تعيش بدور المفكر الحكيم والفاضل الحليم وسط شراذم الحمقى والمجانين والمرضى والشاذين ... ؛ فاذا كانت البيئة قوية كان ابناء المجتمع اقوياء اذكياء احرارا ؛ واما اذا كانت ضعيفة وهشة , صار ابناء المجتمع ضعفاء متخاذلين جبناء اذلاء جهلة ... الخ ؛ وقد ظن البعض ان التغيير مرتبط بنفوسهم وشخصياتهم فحسب ؛ وعندما غيروا من نفوسهم , وبدلوا افكارهم وعاداتهم , وراجعوا تصرفاتهم وسلوكياتهم , واجروا التعديلات عليها ؛ واستبشروا خيرا بما فعلوا ؛ وانتظروا النتائج الايجابية المترتبة على ما قاموا به ؛ حتى صدموا بالنتائج الواقعية وباءوا بالفشل الذريع ؛ لانهم ظنوا انهم مركز الاحداث ومحور المقدمات والنتائج ؛ وبأيديهم السلبيات والايجابيات ؛ ولم يحسبوا حسابا لقوى المجتمع الضاغطة , وظروف البيئة المؤثرة ... ؛ لذا جاء في الأثر : "من جاور السعيد سعد" ؛ فهذه حقيقة واقعية , فالمرءُ يتأثر بمن جاوره وصحبه وعاشره ، وقد جرت العادة أن يقال : "من عاش مع قوم أربعين ليلةً صار منهم" ... ؛ وقد فطن البعض وعرفوا ان التغيير الايجابي لا يعتمد على الجهود الشخصية للمواطن او السمات الوراثية للشخص ؛ بقدر ما يرتبط ارتباطا وثيقا بظروف المجتمع واحوال واوضاع البيئة , لذلك تقينوا بأن تغيير البيئة يساوق تغيير حياة الانسان ؛ بينما تغيير الانسان الواحد لا يعني تغيير ظروف البيئة ؛ ومن اراد ان يتغير نحو الافضل ؛ يقع على عاتقه مسؤولية البحث عن البيئة المناسبة , فقد يرتحل إلى بلدانٍ ومدن اخرى ... ؛ وقد يجد فيها من الفرص التي لم تتوفر في موطنه وبيئته .

فالإنسان هو ابن بيئته، لأن البيئة هي ما تملأه وتضيف له، وتبدأ بصقله منذ صغره ، ففي البيئة والمكان الذي يولد فيه المرء ؛ يعيش تجاربه وعلاقاته فيه , ويشارك اقرانه ومعارفه المشاعر والخبرات والتجارب ؛ مما يشكل طبيعة تفكيره وشخصيته فيما بعد ... ؛ نعم قد يولد المرء وهو يحمل الكثير من السمات الوراثية التي تميزه عن الاخرين ؛ الا ان ظروف البيئة وعواملها ستساعد المرء بإظهار هذه السمات الداخلية أكثر فأكثر ... ؛ وقد يصنع الانسان بيئته احيانا اذا تضافرت جهود قومه معه في تغيير الحال ؛ فالمعادلة معقدة , اذ قد تكون البيئة نتاج افعال الانسان , وقد تكون تصرفات الانسان بسبب عوامل وضغوط البيئة , فنحن عندما نذكر في هذه المقالة قوة تأثير عامل البيئة ؛ فهذا لا يعني اهمال العوامل الاخرى التي تؤثر فينا ؛ ولا يمكن فصلها عن بعضها البعض لأنها في حلقة تكاملية، ومن بين هذه العوامل : الجينات، البيئة، النشأة والتربية العائلية ، والهرمونات... ؛ فهي لا تعمل بشكل منفصل، بل تتفاعل مع بعضها البعض وتؤثر على بعضها... ؛ وأن تأثير كل عامل يختلف حسب الظروف والعوامل الأخرى المتفاعلة.

ويبقى عامل البيئة الاقوى في تكوين شخصية المرء وسلوكه , فالمرء يتأثر بقيم وتقاليد واعراف مجتمعه وظروف بيئته الطبيعية والمناخية ؛ مما ينعكس على شخصيته سلبا او ايجابا ... ؛ فالإنسان هو نتاج تفاعله مع بيئته ؛ فهي التي تشكّل أفكار الإنسان وتصوّراته وسلوكه ... ؛ نعم تأثر الإنسان بالمحيط أمر مسلم به، وهي حقيقة ماثلة، فكون الإنسان اجتماعيا بطبعه يستدعي تأثره بالبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها، يفكر بتفكيرها ويتخلق بأخلاقها ويدافع عن قيمها، لأنه يصير جزء منها ولا تكتمل بدونه... ؛ فمن ينشأ في بيئة لا يسود فيها إلا الانحراف الأخلاقي والسلوكي والفكري ولا صوت فيها يعلوا على صوت العنف والفساد والجهل والتفاهة والابتذال والسقوط والضياع ... الخ ؛ سينجرف مع الامواج الفاسدة العاتية ؛ وسيصاب ببعض امراض مجتمعه , شاء ام أبى .

ومما لا شك فيه ان المجتمعات المأزومة والمريضة والضعيفة ؛ مصابة بكافة العلل النفسية والامراض والظواهر السلبية ؛ حيث يطغى عليها العنف بكل اشكاله , ويخيم على الفضاء العام فيها الجهل والتخلف والامية والرجعية الماضوية السلبية ؛ وفي هذه المجتمعات تجد العراك والخصومات تحل محل النقاش والحوار والمباحثات , والاتهامات والاحكام الجاهزة والافتراءات محل الاحترام وحسن الظن ومكارم الاخلاق ؛ والكل عندما يتحدث يدعي انه يحتكر الحق والحقيقة , وكأنهم اصحاب الملكية الحصرية للحق والحقائق والمعرفة والعلم والفضائل ؛ ولا يخجلون من تسفيه اراء الاخرين وتفنيد افكارهم لمجرد اختلافهم معهم ... ؛ والمشكلة ان البعض يدعي المثالية والاتزان وهو في قعر المجتمع المليء بشتى العاهات والامراض والسلبيات ؛ فمن لا يتأثر بما يدور حوله , فهو اما مجنون او صنم لا يسمع لا يرى لا يتكلم لا يشعر لا يفكر ... ؛ لان الانسان الطبيعي يتأثر بما يصيب اهله وشعبه وما يتعرض له وطنه من ماسي ونكبات وعذابات ومؤامرات ؛ فالشخص الذي لا يعيش القلق الوجودي ولا يتحسس الام الاخرين , ولا يشعر بمعاناة ابناء جلدته , ولا يحزن لما يصيب قومه واهله , ولا يهتم بالإهانة والذل , ولا ينتفض على الظلم والجور ؛ فهذا اشبه بالميت , وينطبق عليه قول شاعرنا الكبير المتنبي :

مَن يَهُن يَسهُلِ الهَوانُ عَلَيهِ *** ما لِجُرحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ

وبناء على ما تقدم , من الطبيعي اصابة هذا المواطن او ذلك الشخص بالأمراض النفسية , بسبب التجارب المؤلمة والظروف العصيبة التي مر بها ابناء المجتمع , وهذا الامر لا يعد عيبا او ضعفا , فالإنسان ابعد ما يكون عن الكمال , والكمال لله كما قيل قديما , وقد ذهب بعض علماء النفس : ان الانسان السوي ذلك الانسان الذي يعيش مع علاته ويتكيف مع سلبياته وهو يسعى للتخلص منها بالطرق العلمية والممكنة , و طالما نشاهد اشخاص سعداء وهم مصابون بعاهات جسدية او امراض نفسية , لانهم تكيفوا معها وخففوا من اثارها وتداعياتها السلبية , بل ان بعضهم من النبلاء والكرماء الاخيار , وقد قال الشاعر فيهم :

وَمَن ذا الَّذي تُرضى سَجاياهُ كُلُّها ***كَفى المَرءَ نُبلاً أَن تُعَدَّ مَعايِبُهْ

نعم قد يكون المرء نبيلا وسويا , اذا كانت عيوبه وامراضه بعدد اصابع اليد , و لا تخرج اثارها السلبية الى السطح , لاسيما عندما يتعامل مع الاخرين , ولا تدفعه تلك الحالات النفسية الى خرق القوانين او الآداب العامة , فنحن نتعامل مع الناس حسب الظاهر , واما بواطن الامور وما تخفيه الصدور فهذا الامر لا يعلمه الا الله , ولسنا مسؤولون عنه , لذا قال النبي محمد : (( إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان، وبعضكم ألحن بحجته من بعض، وأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنما قطعت له قطعة من النار )) وعليه جرت سيرة العقلاء , فالمرء السوي يتعامل مع الناس حسب الظاهر , ولا يبحث عن مكنونات الصدور او يرجم بالغيب او يتيع الظنون لاسيما السيئة منها ؛ لان البعض يرى الناس بعين طباعه , وصدق شاعرنا المتنبي عندما قال في هذا الصنف من الناس :

إِذا ساءَ فِعلُ المَرءِ ساءَت ظُنونُهُ *** وَصَدَّقَ ما يَعتادُهُ مِن تَوَهُّمِ

فإذا كان فعل المرء سيئاً قبيحاً ساء ظنه بالناس لسوء ما انطوى عليه، وإذا توهم في أحد ريبة أسرع إلى تصديق ما توهمه لما يجد من مثل ذلك في نفسه... ؛ حيث المسيء يسيء الظن ، لأنه يصدق ما يخطر بقلبه من سوء ظن وتوهم ؛ فكلما سمع عن شخص كلام سوء يظنه فيه لسوء وهمه وفعله ... ؛ و الاولى بهؤلاء ادعياء المثالية المزيفة الاهتمام بأنفسهم وشؤونهم الخاصة وتطوير قابلياتهم وتنمية مهاراتهم ومعالجة امراضهم , والتعامل مع الناس حسب الظاهر , وعدم اساءة الظن بالآخرين , لان سوء الظن من الامراض التي يعير بها هؤلاء الاخرين , علما ان الامراض النفسية والحالات السلبية في المجتمعات المأزومة تعتبر نتائج طبيعية وحالات اعتيادية كما ذكرنا انفا ؛ لاسيما وان المرء كلما ازداد علما ومعرفة و وعيا ونبلا وشرفا كلما كان اكثر عرضة للإصابة بالعصبية والقلق والاسى والحساسية المفرطة وغيرها من المشاعر والحالات النفسية , وامثال هؤلاء الذين يعيرون الاخرين بما هو موجود فيهم او ينبزوهم بما اصابهم من شظايا مجتمعهم ومظالم بيئتهم , ينطبق عليهم قول الشاعر :

لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ *** عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيمُ



#رياض_سعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعبة الخامسة بين الترفيه والتذكير..!!
- عيد الغدير و رمزية الامام علي العراقية
- اشكاليات مفهوم الامة العراقية / 9
- متسولات باكستانيات في بغداد والمحافظات .. ؟!
- تظاهرات شباب البصرة المطالبة بطرد العمالة الاجنبية
- التظاهرات مدفوعة الثمن والاحتجاجات اللاعفوية
- الكويت تدفع نحو تأجيج الاحتجاجات التخريبية في العراق
- من استراتيجيات البعث التكريتي الهجين (5)
- ظواهر كلامية من بلادي / الحلقة الثانية / بذاءة اللسان
- 1 ايار .. العيد الاسود والمصخم للعمال العراقيين
- جرائم بشعة ترتكب في الموصل
- لا تعالج الجريمة بالجريمة ولا يصحح الخطأ بالخطأ ..!!
- مناوشات في حي طارق بسبب الفساد و المقاولات ..!!
- ذي قار وارتفاع معدلات الانتحار..؟؟!!
- الماء مقابل كل الاشياء ..؟؟!!
- يا أردوغان لو زرتنا لوجدتنا .. نحن الضيوف وأنت رب المنزل !!
- ايران وضرورة الاستعداد للمواجهة الحتمية مع الغرب
- استهداف قاعدة كالسو العسكرية في بابل
- بعد السياسة ؛ استولى البعثية والصدامية على الاقتصاد ..!!
- اشكاليات الرد الايراني


المزيد.....




- -حلم بعد كابوس-.. أمريكية من أصل سوري تروي لـCNN شعور عودتها ...
- بوتين يتوعد العدو بالندم والدمار!
- لغز الفرعون: هل رمسيس الثاني هو فرعون موسى الذي تحدث عنه الك ...
- كاتس من جنوب لبنان: باقون هنا للدفاع عن الجليل ولقد قلعنا أس ...
- بين حماية الدروز وتطبيع العلاقات.. ماذا يخفي لقاء جنبلاط بال ...
- الشرع يطمئن أقليات سوريا ويبحث مع جنبلاط تعزيز الحوار
- الشرع: تركيا وقفت مع الشعب السوري وسنبني علاقات استراتيجية م ...
- أمير الكويت ورئيس الوزراء الهندي يبحثان آخر المستجدات الإقلي ...
- قديروف يتنشر لقطات لتدمير معدات الجيش الأوكراني في خاركوف
- لوكاشينكو يدعو الشيخ محمد بن زايد لزيارة بيلاروس


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رياض سعد - ادعياء المثالية المزيفة