أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - غوركي وطفولة النكد















المزيد.....


غوركي وطفولة النكد


خليل الشيخة
كاتب وقاص

(Kalil Chikha)


الحوار المتمدن-العدد: 7983 - 2024 / 5 / 20 - 18:11
المحور: الادب والفن
    


تعرفت على كتابات مكسيم غوركي عندما كنت في الثانوية، فقد قرأت الكتاب الأول من سيرته الذاتية " طفولتي" فأعجبت بأسلوبه الرائع في فن تصوير الأشخاص والأماكن. تميز سرده بالسخرية المُرّة والتفاصيل التي أضفت على أدبه صدق وواقعية عند القارئ لايمكن أن تمحى لسنوات من ذهنه.
ولد ألكسي مكسيموفيتش بيشكوف عام 1868 أي قبل إغتيال قيصر روسيا على يد تنظيم ثوري، ويذكر هذه الحادثة عندما كان يعمل كخادم عند أخت جدته. ونحن العرب، احببنا الأدب الروسي سواء في روايات تشيخوف أو غوغول أو غوركي لأننا نشعر أنهم يتكلمون عن مجتمعنا أيضاً, دوّن غوركي طفولته ومرحلة شبابه في ثلاثة مجلدات. هذه السيرة الذاتية احتوت على تفاصيل وأوضاع المجتمع الروسي الذي كانت تغلي فيه النقمة على القيصر ونظامه، بثها غوركي من خلال شخصيات وأحداث ومواقف. كأنه يقول، أن هكذا وضع يتطلب هكذا ثورة. الأجزاء الثلاثة التي دوّنها بدأت بكتاب – طفولتي – وهو يتألف من 280 صفحة، أما السيرة الثانية تتجاوز550 صفحة وهو بعنوان بين الناس أو في العالم والجزء الأخير هو جامعاتي بحجم طفولتي. بدأ بكتابة سيرته الذاتية عام 1913 أي قبل الثورة الروسية وانتهى منها علم 1923. عندما بدأ الكتابة في سن الشباب، كان يوقع بأسم ـ غوركي - أي المر أو المرارة التي تدل على حياته البائسة في المجتمع الروسي. ترجمت أعمال غوركي لمعظم لغات العالم وأحدثت صدى واسعاً في الأروقة الأدبية، وقد ترشح لجائزة نوبل خمس مرات. لكن برأي الشخصي المتواضع، أن أدب الشخص وتأثيره لايقاس بجائزة نوبل، بل بما يحدثه بالنفس والفكرالبشري من متعة وتغيرات.
تناول النقاد أدب غوركي وكتب عنه الاف الصفحات. أهم من كتب عنه هو مارك سلونيم وديمتري ميرسكي أو – D. S. Mirsky - وهذا الناقد الأخير هو اوكراني المولد. قال عن غوركي أنه يغرق بالتفاصيل ويبني سرده حول شخصية أحادية يطورها خلافاً لتولستوي، ويرى تشيخوف أن غوركي يسترسل أيضاً بالتفاصيل دون ضابط ويفتقر حواره للمانلوج الداخلي. إضافة إلى ذالك، معظم أحداث رواياته تمشي بخط مستقيم، أي ليس فيها تقنيات حديثة مثل فلاش باك وغيرها التي برأي لاتقلل من أعماله العظيمة الرائعة.
عندما يقدم غوركي شخصياته يفعل ذلك من كون هذه الشخصيات تتمثل ضمن خليه إجتماعية عضوية تتحرك ضمن اطر اخلاقية وزمانية. وربما هذا ماحذا ببعض النقاد إلى تصنيف أعماله على أنها مدرسة جديدة في النقد ومستقلة عن غيرها، وهي مدرسة الواقعية الإشتراكية.الناقد والمؤرخ الروسي دميتري ميرسكي كان صديقاً لغوركي، وله قصة مثيرة. بدأ بالقتال مع جيش البيض ضد البلاشفة، وعندما أنتصر البلاشفة فر إلى اوروبا لاجئاً. كتب عن التاريخ والأدب الروسي. وفي بريطانيا انتسب إلى الحزب الشيوعي واتصل بغوركي من مكانه كي يتوسط له بالرجوع إلى روسيا. فوافق ستالين. رجع ميرسكي غير مدرك للخطر الذي يتوعده هنالك. فقد عد ستالين المثقف الروسي قنبلة موقوته ضده. ففي عام 1937 أتى أديب وناقد بريطاني إلى روسيا واتصل بديمتري، فتشككت المخابرات الروسية على أن ديميتري هذا جاسوس بريطاني فأمسكت به ودسته في السجن. وفي عام 1939 مات في معسكرات الكولاك مثل ملايين الروس الذين تشكك ستالين في ولائهم لروسيا وللحزب. حتى غوركي لم يسلم من ستالين، فقد ظهرت إشاعة تناقلتها مصادر غربية في تلك الفترة على أن مخابرات ستالين الكي جي بي سممت أبن غوركي وثم سممت غوركي. والمضحك في الأمر أن ستالين كان دائماً يصنع جنازة فاخرة لهؤلاء الرفاق ويحمل مع الحاملين نعش الضحية ويرسم على وجهه امارات الحزن بعد خطب رنانة.
في كتاب طفولتي يبدأ في مطلعه بتصوير جثة والده في غرفة النوم ممدداً وقد ارتسمت على وجهه ابتسامه، كان عمره انذاك خمس سنوات فقد عمل ابوه في حرفة التنجيد ووكيلاً في النقل البحري لكنه اصيب بمرض الكوليرا. هذه الكوليرا اصابت قبله الطفل الكسي وشفي منها، لكن انتقلت العدوى إلى الأب ولم ينج منها، وهذا أحد الأسباب التي كانت أمه تنظر له بعين الإدانة على أنه المسبب في وفاة زوجها. ينتقل مع أمه إلى بيت جده فاسيلي كاشارين وجدته أكولينا كاشرينا. كان جده يملك مصنعاً صغيراً للصباغة ويعمل عنده عدد من العمال ويجتمعون في الأمسيات على طاولة في غرفة الضيوف يأكلون ويغنون. يحدثنا غوركي كيف يستغل جده هؤلاء ولايعطيهم حقهم، فمنهم رجل عمل عنده سنوات طويلة وعميّ بسبب االمواد الكيمائية في الصباغة ولم يرحمه الجد. كان يسكن في بيت الجد الخال ميخائيل وياكوف، يتشاجران لأتفه الأسباب وهما مدمنان على الخمور، ودائما المطالبة بحصصهم من المصبغة كي يستقلا بأعمالهما الخاصة. الجد إنسان عنيف يضرب الجميع ولايترك أحداً من شره، حتى الجده المسكينة تأكل تصيبها من الضرب أحياناً. بيت تملأه الأنانية والشجارات. يذكر غوركي كيف كان الجد يجلد ساشا ابن خاله وجلده هو أيضاً حتى تورم جسمه من شدة الضرب. وهنا يتسآءل في أحد هذه النصوص : - هل أنا على صواب في تدوين مثل هذه الأحدداث الروسية، والجواب هو أن عليك فهم الحقيقة قبل البدء بمحوها واستبدالها بواقع أفضل – كان له مقولة شهيرة أن العالم مصنوع من مطرقة وروبل، أي العمل والمال هما المحركان لنشاطات البشر. لم تكن أمه تمكث طويلاً في البيت، بل كانت تتركه عند جدته وتغيب مدة من الزمن، وآخر مرة ظهرت ومعها زوج جديد. وهذا الحدث حزّ في نفسه كثيراً وأحس أنه غير مرغوب به.
هناك ناقد ومؤرخ أمريكي أسمه أروين ويل – Irwin Weil - عمل محاضرة رائعة عن غوركي وهي موجودة على اليوتوب لمن يريد المتابعة. يقول ويل أن الأدب الروسي بشكل عام وغوركي بشكل خاص هو مفتاح لفهم روسيا تاريخياً وثقافياً وإجتماعياً وفهم أسباب التحولات الثورية التي بدأت بإغتيال القيصر في أواخر القرن التاسع عشر. ويتابع موجهاً كلامه للحضور: تصوروا أن الولايات المتحدة واجهت الحرب الأهلية في منتصف القرن التاسع عشر حيث كانت نسبة الرقيق 10 بالمئة في امريكا، فما بالك أن مجتمعاً مثل روسيا القيصرية حيث كان الرق يشكل حوالي 90 بالمئة من عدد السكان. – وربما هذا أحد الأسباب التي جعلت من روسيا دولة متخلفة عن أوروبا الغربية، وكانت تنظر للغرب من عين الحسد حتى أن القيصرة كاثرين جعلت اللغة الفرنسية لغة رسمية في القضاء والمحاكم الروسية في عهدها.
شخصيات روايته هي من الواقع الروسي في ذلك الزمن، فهم في الغالب من اللصوص والفلاحين والعمال والمتشردين، يجمع فيما بين هؤلاء جميعاً الفقر والعوز. هذه الشخصيات كانت الهاجس الذي عاشه غوركي وبنى عليه فلسفته في الحياة وأكد أن انحلال الأخلاق في روسيا هو نتيجة لهذه الأوضاع الشاذة التي يحياها الشعب الروسي.
بعد أن ساءت أعمال جده في الصباغة وشب حريق بأطراف المصنع باع كل شيء واشترى بيتاً مؤلفاً من طابقين وفي الأسفل خمارة. وعندما كان غوركي الصغير يخرج إلى الشارع في الحي الجديد، يلاحقه أطفال الحارة يصرخون – هذا هو حفيد الجد كاشرين البخيل.. أضربوه – وكانوا يضربون الطفل حتى يسيل منه الدم. بشر في منتهى العدوانية ضد كل غريب.
- شخصيات مهمة في - طفولتي - هذا رائع والجدة:
في البيت الجديد، كان هناك مستأجر لطيف يصفه غوركي بأنه باسق الطول، منحني الجسم، ذو لحية متشعبة ونظارتان كبيرتان. كان منطوياً على نفسه، وكلما كانت الجدة تدعيه إلى العشاء، كان يردد على الدوام : هذا رائع. ومن هذا المنطلق دعاه الجميع بـ هذا رائع.. فيقولون ذهب هذا رائع وعاد هذا رائع. كان كثير الصمت وكثيرالمطالعة للكتب بكل انواعها وكان يجري تجارب كيميائية في الغرفة حتى أن الجد تضايق من ذلك وطرده خارج البيت. هذا الشخص سيأثر في حياة غوركي حتى الممات لما كان يملك من المعارف والطيبة في التعامل مع الآخرين
أما الشخصية التي حفرت في نفسه السعادة والحنان وبوادر فنون القص هي بلا منازع جدته أكولينيا التي كانت تجلس بجانب سريره وتقص عليه عشرات الحكايات بطريقة ذكية وجذابة إذ أنها كانت البذرة الأولى لتنمية موهبته في الأدب القصصي والروائي. كانت أنسانة جاهلة غير متعلمة، لكنها ذكية جداً كما كان يصفها، فهي تربّت يتيمة مع أختها وكانت تشحد في الشوارع قبل زواجها واستمرت على ذلك عندما خسر زوجها كل شيء. فكانت تذهب في الأزقة تستعطف الناس علّهم يعطونها مايسد رمقها ورمق زوجها القاسي. رغم كل بطشه وعنفه معها، كانت دائمة العطف عليه خاصة عندما بدأ يفقد ذاكرته في شيخوخته. كان يصفها في كتاب طفولتي بأنها سمينة مستديرة القوام تشم الظعوط وتعطس للتخفيف من توترها في ذلك البيت. وأحياناً تعّب شيئاً من الفودكا كي تنسى همومها وبؤسها.
- موت أمه:
يقول في آخر السيرة الذاتية الأولى أن امه كانت مريضة وانجبت له أخاً من زوجها الثاني دعته نيقولاي، ومن شدة الفقرسقطت صريعة مرض السل. وفي يوم الأحد ماتت عندما كانت هي وزوجها في بيت الجدة. جرى كل هذا أمام عينيه. يقول في الأسطر الأخيرة بعد وفاة أمه وهو مازال طفلاً:
( بعد أيام من وفاة أمي قال لي جدي: حسناً يا ألكسي، أني لا أستطيع أن أبقيك كميداليه معلقة في عنقي. ليس لك مكان هنا، فقد آن لك أن تخرج وتعمل بين الناس... وهكذا خرجت إلى العالم.



#خليل_الشيخة (هاشتاغ)       Kalil_Chikha#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رمزية بلد العميان
- جرة الماء والسقا مات
- ذكريات المعرجلانة
- زيارة إلى مصر
- الجبنة المدوّدة ومحاكم التفتيش
- الشيوعية إلحاد وزندقة
- المعذبون في الأرض
- فنون التسوّل
- صندوق العجائب
- في التشحير والتجريس
- معرض القرد والضبع
- علي الخليلي والفجر الأدبي
- قمة عربية اسلامية مباركة
- نادي الصداقة العربي الأمريكي
- القدس عروس عروبتكم
- توتي وفروتي
- صطّوف ولطّوف
- النملة والصرصور
- الثعلب والدب
- رواية ابن البلد


المزيد.....




- الفرقة الشعبية الكويتية.. تاريخ حافل يوثّق بكتاب جديد
- فنانة من سويسرا تواجه تحديات التكنولوجيا في عالم الواقع الاف ...
- تفرنوت.. قصة خبز أمازيغي مغربي يعد على حجارة الوادي
- دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية تنظم ندوة ...
- Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق ...
- الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف ...
- نقط تحت الصفر
- غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
- يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
- انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - غوركي وطفولة النكد