أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - نيجيريا عملاق إفريقي في خدمة الصهيونية















المزيد.....


نيجيريا عملاق إفريقي في خدمة الصهيونية


الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 7983 - 2024 / 5 / 20 - 14:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تقع نيجيريا في غرب افريقيا على مساحة 924 ألف كيلومتر مربع وتشترك في منطقة حدودية بطول 4000 كيلومتر مع أربع دول أخرى وساحل طويل في خليج غينيا بالمحيط الأطلسي، وتحدها النيجر من الشمال وتشاد والكامرون من الشرق وبنين من الغرب وخليج غينيا الواقع على المحيط الأطلسي من الجنوب، ويحتوي باطن الأرض على النفط والغاز وخام الحديد وحجر الكلس والرصاص والزنك، ويُساعد تنوع مناخها على تنوع الإنتاج الزراعي وتربية الحيوانات، ويعتبر هذا الموقع الجغرافي على مفترق الطرق بين غرب أفريقيا ومنطقة الصحراء الكبرى (منطقة الساحل ) من عوامل عدم الإستقرار بفعل فساد النظام السياسي وعمالة السّلطات، ويوفر عدم الاستقرار الناجم عن التدخل الإمبريالي في المنطقة أرضا خصبة للمليشيات الإرهابية والشبكات الإجرامية التي تنفذ عمليات التهريب عبر المنطقة أو تعبرها باتجاه قارات أخرى، ويرتبط التهريب بتجارة البشر والهجرة غير النظامية وغسيل الأموال وجرائم العنف.
يتميز القطاع الفلاحي بتوفّر الظروف الموضوعية لازدهاره، حيث توجد أراضي خصبة على ضفاف نَهْرَيْ النيجر و بينوي وعلى شريط ساحل المحيط الأطلسي، وتنتج هذه المناطق الفلاحية القطن و" الفول السوداني" والتبغ و الكاكاو ونخيل الزيت والارز والفواكه، فضلا عن الثروة السّمكية وقطاع الصيد البحري على السواحل وفي الأنهار، وهي أنشطة مُكمّلة لقطاع المعادن كالحديد والزنك، فضلا عن الطاقة كالنفط ( حوالي مليونَيْ برميل يوميا) والغاز في دلتا نهر النيجر، والفحم، والثروات المعدنية الأخرى، ومع ذلك لا تزال التنمية ضعيفة في نيجيريا رغم الإيجابيات العديدة، ورغم تعدّد الموارد الطبيعية والأراضي الخصبة، على طول نهرَيْ النيجر و بينوي ، ولا تزال البلاد ( رغم ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي) متخلفة، وعلى سبيل المثال، لا يوجد سوى 27 طبيبا لكل مائة ألف نسمة، فضلا عن ارتفاع نسبة الفقر وعن ضُعْف البُنْيَة التّحتِيّة وغياب التجهيزات الأساسية، بفعل ارتفاع حجم الفساد وتبديد ونهب الثروة العمومية، وتدهور قيمة العُملة المحلية (النايرا)، وهيمنة الشركات متعددة الجنسيات على القطاعات الأساسية لاقتصاد البلاد، ومنها المحروقات والفلاحة، وتميزت البلاد كذلك بارتفاع حجم الدّيُون الخارجية، رغم ارتفاع أسعار النفط، ولئن كانت نيجيريا من أهم الدّول "المُسْلمة" (غير العربية) في إفريقيا جنوب الصّحراء، فإنها حافظت على علاقات وطيدة مع الكيان الصهيوني، في العلن وفي السّرّ...

بلاد ثَرِيّة وشعب فقير
كانت نيجيريا – بحكم موقعها على ساحل المحيط الأطلسي - من البلدان التي اصطاد فيها الأوروبيون (وبالأخص البرتغاليون ) منذ منتصف القرن الخامس عشر، ملايين البشر لإرسالهم إلى أوروبا والأمريكِيّتَيْن وجزر بحر الكاريبي ليستعْبِدَهُم المُتسعمرون المُسْتَوْطِنون الأوروبيون، إلى أن استعمر البريطانيون البلاد من منتصف القرن التاسع عشر إلى سنة 1960، غير إن 64 سنة من الإستقلال لم تُحسّن وضع النيجيريين ( كما العديد من البلدان الواقعة تحت الإستعمار الجديد) رغم الثروات، حيث يعتمد الاقتصاد على المحروقات (النّفط والغاز)، مثل الجزائر أو أنغولا، ويمثل النفط ثلث الناتج المحلي الإجمالي ونحو 90 % من صادرات البلاد،
وقُدٍّرت إيرادات الدّولة من النفط والغاز بنحو 593 مليار دولارا خلال الفترة 1999 – 2014، وفق بيانات نشرتها المنظمة غير الحكومية "مبادرة ﺍﻟﺸﻔﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻝ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺎﺕ ﺍلاستخراجية بنيجيريا"، ولم تستثمر الحكومات المتعاقبة عائدات النّفط في القطاعات المنتجة، أو لتنمية البلاد وخفض نسبة الفقر والبطالة، بل تَمّ تبديد هذه العائدات، وكلما انخفض سعر المحروقات تَدَهْوَرَ وضع الإقتصاد، وبقيت البُنية التّحتية مُتدَهْوِرَة، ويمكن للسلطات في نيجيريا التّخطيط لاستغلال احتياطي النفط الضخم ( 37 مليار برميل) والغاز ( 5,2 تريليونات متر مكعّب) بحكمة وتحسين البنية التحتية والقضاء على الفقر والبطالة، فضلا عن استغلال المعادن الأخرى مثل الرصاص والحديد والقصدير والزنك، وتجدر الإشارة إن نيجيريا تصدّر النفط الخام، ولم تُطَوِّر صناعة التّكرير، بل تستورد النفط المُكَرَّر، ويُعاني المواطنون من الفقر ومن الإنقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، فضلا عن النسبة المرتفعة من السكان غير المُرتبطين بالشبكة الكهربائية ( حوالي 45% من السكان سنة 2022، كما يُعاني السّكّان من الأمراض والأوبئة مثل الملاريا والتيفؤيد، ولا يتجاوز مُعدّل العُمر 53 سنة.
أعلنت الحكومة زيادة استثماراتها في الغاز الطبيعي والمسال، بهدف زيادة الصادرات وتلبية الطلب المَحَلِّي، وأطْلَقَتْ خلال شهر حزيران/يونيو 2020، مشروع إنجاز خط "AKK" لنقل الغاز من دلتا النيجر في الجنوب إلى مدينة كانو في الشمال، باتجاه النيجر والجزائر، كجزءٍ من الأنبوب العابر للصحراء (نيغال) باتجاه إيطاليا، بَوّابة أوروبا، مع خط ثاني يمر عبر المغرب نحو إسبانيا، غير إن الولايات المتحدة تمكّنت من إحباط المشروع الأول، خصوصًا منذ الحرب في أوكرانيا وحَظْر استيراد الغاز الرّوسي، واستبداله بالغاز الصّخري الأمريكي الذي يتم نقله عبر السّفن، من خلال عُقُود قصيرة الأجل، بدل الغاز الروسي أو النيجيري أو الجزائري الذي يتم نقله عبر أنابيب، ما يتطلب استثمارات كبيرة وعُقُود طويلة الأجل ( بمعدّل 25 سنة)، وتعمل الولايات المتحدة وأوروبا على إنجاز أنبوب الغاز العابر للمحيط الأطلسي الذي يُتوقّع أن يكون ناجزا سنة 2046،
تتوقع حكومة نيجيريا أن يبلغ حجم إنتاج الغاز سنة 2030 نحو 57 مليار متر مكعب سنويا، غير إن بلوغ هذا الهدف يتطلّب استثمارات كبيرة في البنية التحتية للإنتاج والمُعالجة والنّقل، غير إن البيانات تُفيد انخفاض إنتاج الغاز النيجيري بنسبة 11% خلال فترة قصيرة جدا، من قرابة خمسين مليار متر مكعب سنويا سنة 2020 إلى اقل من 41 مليار متر مُكَعّب سنة 2022
أصبح اقتصاد نيجيريا، منذ سنة 2013، أكبر اقصاد إفريقي، مُتجاوزًا جنوب إفريقيا، وبلغ الناتج المحلي الإجمالي سنة 2023، نحو 510 مليار دولارا، غير إن نصيب الفرد ضعيف ولا يتجاوز 2162 دولارا، سنة 2022، بفعل ارتفاع عدد السكان إلى حوالي 220 مليون نسمة، ويعاني السكان من التضخم الذي يعادل 21,5% سنويا، أي أنها ليست من الدول الغنية بل يمكن اعتبارها من الدول الفقيرة، حيث يُعاني نحو 71 مليون نسمة، أو حوالي 33% من السّكّان من الفقر المدقع وفق البيانات الرسمية ( وقدرت بعض البيانات ارتفاع نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر – أي أقل من دولارَيْن في اليوم - إلى ما بين 40% و 60% بنهاية سنة 2022) ويعاني نحو 33% من البالغين من البطالة، ومن بينهم 42,5% من الشّباب، ولا يحصل حوالي 45% من السكان على الكهرباء (سنة 2021) ويحرم 70% من السكان من الصّرف الصّحّي (سنة 2022)، ولهذه الأسباب مجتمعة، ونظرًا للضعف الهيكلي للإقتصاد، هاجر ستون مليون نيجيري يعيشون خارج البلاد، وفق بيانات البنك العالمي سنة 2023.

من مُعوقات التنمية
تعيش البلاد وضعًا غير مُستقر، منذ الإستقلال، لكن وتيرة الصراعات تخف أحيانا وتتزايد أحيانًا أخرى، وخرجت بعض مناطق الشمال والجنوب الشرقي للبلاد عن سيطرة الحكومة، منذ بداية القرن الواحد والعشرين (منذ سنة 2002)، وأصبح السّكّان يتعرّضون باستمرار لهجمات المليشيات الإرهابية وللقتل والخطف، ويُمثل انعدام الأمن عائقًا مُهِمًّا لتوحيد البلاد ولتنمية قُدراتها واقتصادها، فضلا عن ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتضخم والأمراض المُعْدِية، وتَفَشِّي الفساد الذي أدّى إلى تبديد موارد الدّولة وارتفاع حجم الديون الخارجية وتدهور قيمة العملة المحلية، واﻧﺨﻔﺎض ﻣﺨﺰون اﻟﻨﻘﺪ الأجنبى وارتفاع حجم اﻟﺪﻳﻮن اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ وأعبائها وﻋﺠﺰ اﻟﻤﻴﺰان اﻟﺘﺠﺎرى...
شجّعت الشركات النفطية العابرة للقارات، وأهمها شركة "إلف" الفرنسية التي استحوذت عليها لاحقًا شركة "توتال" التي أصبحت تُسمّى اليوم "توتال-إينرجي" المليشيات الإنفصالية على فَصْل مناطق إنتاج النفط وإعلان دولة (إيبو) جمهورية بمنطقة (بيافرا) فى وسط وجنوب نيجيريا، واستمرت الحرب بين 1967 و1970، ودعم الكيان الصهيوني والقوى الإستعمارية الأوروبية والولايات المتحدة، وكذلك جنوب إفريقيا – زمن سلطة المَيْز العنصري، والبرتغال الذي كان يستعمر أنغولا وموزمبين وغينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر، القوات الإنفصالية، قبل أن تتمكن القوات العسكرية من ضبط المنطقة واسترجاعها، بدعم من الجزائر ومصر، ولا تزال القوى الإستعمارية والرجعية المَحَلِّيّة تستخدم التنوّع الأثني والدّيني واللُّغَوي لتغذية الإنقسامات والصراعات، حيث تستمر الأزمة في شمال البلاد وفي منطقة إنتاج النّفط بدلتا النيجر حول استغلال الثروات النفطية التي تُهْدَرُ نحو 40% من الحجم المُسْتَخْرَج بسبب عدم صيانة البُنْيَة التّحتية وتخريبها وسرقة النّفط الخام، وامتدّ الصراع المُسلّح إلى العديد من بلدان إفريقيا الغربية المُجاورة...
أقَرّت سُلُطات نيجيريا خطة خَمْسِيّة (مُتواضعة) للتنمية تشمل الفترة من 2021 إلى 2025 تهدف إلى تنويع النشاط لاقتصادي والإستثمار فى البنية التحتية والابتكار وقطاعات الصحة والتعليم والتخفيف من حدة الفقر (وليس القضاء على الفقر) ومن الفوارق الطبقية وبين المناطق والأقاليم، ورغم تواضُع هذه الأهداف، فإن البينات المنشورة بنهاية سنة 2023 لا تُشير إلى أي تقدّم أو تغْيِير، بل واجه الإقتصاد سنتَيْ 2022 و 2023 ( سنة الإنتخابات) مصاعب جَمّة وأهمها انخفاض إنتاج النفط وارتفاع نسبة التضخم والبطالة ونقص السلع الأساسية في الأسواق بسبب شح العملات الأجنبية الضرورية للتوريد، في ظل ارتفاع عبء الدَّيْن الخارجي وعجز الدّولة على الوفاء بالتزاماتها، وفي صفوف الشعب، تسبب ارتفاع نسبة التضخم ( بمعدّل 22% سنويا) في ارتفاع تكلفة المعيشة وعجز أغلبية المواطنين على تغطية نفقاتهم، إضافة إلى المشاغل القديمة مثل الفقر والحرمان من الرعاية الصحية والتعليم والكهرباء ومياه الشرب والصرف الصحي، بحسب تقرير البنك العالمي بنهاية سنة 2023.

تفاقم الدّيون
تُشكل الدّيون ( خصوصًا الدّيون الخارجية) مأزقا كبيرًا، وقدّرت المُفوضية الإقتصادية للأمم المتحدة إن الدّول التي تقترض 15 مليار دولارا، تُسدّد بالنهاية 35 مليار دولارا، فيما تُؤَدِّي شروط الدّائنين الخارجيين إلى تقييد استخدام مبالغ الدّيون، ما يُؤَدِّي إلى دَوّامة لا تنتهي، من قبيل اقتراض مبالغ جديدة لتسديد الدّيُون القديمة، فيرتفع حجم الدّيُون وفوائدها، وهلم جَرًّا، ولذلك ارتفعت الدُّيُون الخارجية لنيجيريا المُستحقّة لنادي باريس، خلال 17 سنة، من 18 مليار دولارا إلى 43 مليار دولارا، وزادت دُيُون البلاد بنسبة 658% خلال الفترة من 1999 إلى 2021، وانخفضت قيمة العُملة المحلّية من 197 نايرة مقابل الدولار سنة 2015، إلى 790 نايرة مقابل الدولار سنة 2023...
قُدِّرت دُيُون قارة إفريقيا بنحو تريليُونَيْ دولار ( ألفَيْ مليار دولار)، وبدأت الدّيُون منذ استقلال البُلدان (لأن الإستعمار ينهب ولا يبني ويُدَمِّرُ البلدان قبل أن يخرج جنوده، لتأتي الشركات العابرة للقارات مكان الجيوش) وتسارع تراكمها خلال العقدين الأولين من القرن الواحد والعشرين، في ظل تضاعف "خدمة الدُّيُون، وتعاني حوالي نصف دول القارة من تداعيات تراكم الدُّيُون، وتأثيراتها على الحياة اليومية للناس، فضلا عن تأثيرات ضُعف الأداء الإقتصادي، ولئن كان اقتصاد نيجيريا ( الناتج المحلي الإجمالي) هو الأكبر إفريقيا بنحو 477 مليار دولارا سنة 2022 وحوالي 510 مليار دولارا سنة 2023، فإن البلاد تواجه أزمة دُيُون حادّة، رغم ترتيبها كأكبر منتج إفريقي للنفط ورغم أهمية احتياطيات النفط والغاز.
قَدَّر المكتب المركزي للإحصاء الوطني حجم الدَّيْن العام بحوالي 113 مليار دولار، سنة 2023، وتفيد بيانات رسمية أخرى (مكتب إدارة الديون، أو وزارة المالية) إلى 152 مليار دولارا، منها أكثر من 43 مليار دولارا من الدّيون الخارجية، وفق المصرف المركزي، وأعلنت الحكومة بنهاية سنة 2022 عجزها عن تسديد متأخرات تصل إلى 50 مليار دولار، مع الإشارة إلى رَفْضِ حكومة نيجيريا (خلال فترة رئاسة محمد بوخاري) إلغاء دعم الوقود، وخالفت بذلك "نصائح" البنك العالمي وصندوق النّقد الدّولي، واتجهت إلى الإقتراض من الصين وشراء الأسلحة من روسيا، وبعد انتخابات 2023، أقر الرئيس أحمد تينوبو إلغاء دعم الوقود وألغى ضوابط صرف العُملة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار البنزين ثلاث مرات وزيادة تكاليف المعيشة مع انخفاض قيمة العملة المحلية (النايرا ) بنحو 70% مقابل الدولار منذ أصبح تينوبو رئيساً، وفق وكالة بلومبرغ، ولذلك تظاهر المواطنون بكثافة، منتصف شباط/فبراير 2024، ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية ( الأرز والحبوب ودقيق الذرة والذرة الرفيعة ) الذي أجْبَرَ المواطنين على التخلي عن تناول وجبات أو الاكتفاء بأرُز ذي نَوْعِيّته رديئة يستخدم عادة لإطعام السمك والتّخلّي عن اللحوم والبيض والحليب والبطاطا، وأدّى ارتفاع أسعار الغذاء والوقود إلى ارتفاع معدّل التّضخم إلى أكثر من 28% وإلى ارتفاع نسبة الفقر المدقع إلى نحو 63% بنهاية سنة 2023، وفق بيانات المكتب الوطني للإحصاء الواردة بموقع (إستاتيستا) الذي أشار إلى "الصعوبات الإقتصادية الكبيرة وإلى حالة الجوع السائدة في بعض الولايات"، فيما حذّر البنك العالمي من "نقص حاد في الغذاء في سبع ولايات بسبب أعمال العنف"، وأقرت الحكومة بارتفاع نسبة الفقر لكنها تُقدّرها بنحو 40% من السّكّان ( وأكثر من 60% وفق عدة تقارير اقتصادية)، ويُشكّل الفساد أحد أمراض اقتصاد نيجيريا، وقُدٍّر حجم خسائر البلاد بسبب الفساد بحوالي 400 مليار دولار بين سنة الاستقلال ( 1960) و 2022، وارتفع حجم الفساد بفعل عقود استخراج واستغلال المحروقات، وأدّى الفساد والتوزيع غير العادل للثروات بين الطبقات وبين مناطق البلاد إلى بروز حركات الاحتجاج السياسي، كما هدّدت النقابات العمالية بالدّخول في إضراب مفتوح من أجل زيادة الحد الأدنى للأجور، من أربعين دولارا إلى 255 دولارا، لمواجهة ارتفاع الأسعار، وسارع الرئيس أحمد بولا تينوبو إلى إعلان زيادة ترفع الحد الأدنى للرواتب إلى ما يعادل سبعين دولارا، وفق وكالة رويترز يوم الثاني من تشرين الأول/اكتوبر 2023...

العلاقات مع الكيان الصهيوني
تظاهرت فئات عديدة من شعب نيجيريا ضد العدوان الصهيوني على فلسطينيي غزة، وأعلن وزير خارجية نيجيريا يوسف ميتما توغار ( بداية آذار/مارس 2024) "إن نيجيريا تعارض العنف غير المسوّغ في قطاع غزة، وتشجب المجزرة التي تستهدف الفلسطينيين"، وهو موقف مائع وغير حازم يعتبر الإبادة الجماعية "عُنْفًا غير مُسوّغ"، أما عن قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني، أو حتى مُجَرّد تجميدها، اكتفى الوزير بالقول: "إن هذا الأمر مطروح للنقاش، ولكن نيجيريا تود القيام بالأمور بطريقة منظمة، وتحتاج للتشاور في اتخاذ القرارات".
لما انطلقت حرب الإنفصال التي كان يقودها الجنرال أوجوكيو في بيافرا، سنة 1967، دعمت مصر والجزائر الحكومة الإتحادية النيجيرية والجيش الحكومي بقيادة يعقوب غوون، ودعم الكيان الصهيوني ( ونظم الميز العنصري بجنوب إفريقيا وسلطات الإستعمار البرتغالي والدّول الإمبريالية...) الإنفصاليين بالسلاح والعتاد والمستشارين والتّدريب...
أما اليوم، فلنيجيريا علاقات وطيدة مع الكيان الصهيوني، خصوصًا منذ توقيع اتفاقيات أوسلو، حيث كان اعتراف قيادات منظمة التحرير الفلسطينية بالكيان الصهيوني، تِعِلّةً "وَجِيهَة" لتعزيز العلاقات النيجيرية – الصهيونية التي توطّدت في المجال الإقتصادي ثم توسّعت إلى مجالات أخرى، حيث تعمل عدة شركات إسرائيلية في مجالات البنية التحتية والاتصالات والزراعة بنيجيريا، كما يعيش مئات الإسرائيليين هناك. وتقوم بعض السفن الإسرائيلية باستخدام المواني النيجيرية بانتظام، وسبق لشركات إسرائيلية أن باعت أسلحة للشرطة وللجيش ودوائر المخابرات النيجيرية، بل وقّع الطرفان اتفاقيات أمنية ( في مجالات "التدريب" و "الحماية الشخصية") منذ سنة 2004، تُعتبر سابقة في مسار العلاقات التي كانت اقتصادية قبل كل شيء، وقد يفتح هذا الإتفاق الباب أمام توسّع النفوذ الصهيوني في أكبر دولة إفريقية يسكنها المسلمون، ,اكبر دولة إفريقية منتجة للمحروقات، وكانت قد انطلقت احتجاجات خلال شهر نيسان/ابريل 2013 فضيحة أسفرت عن انطلاق موجة من الغضب ضد الرئيس النيجيري جودلاك جوناثان الذي وقّع عقدًا أمنيا بقيمة أربعين مليون دولارا مع شركة "ألبيت سيسامز" ( Elbit Systems ) الصهيونية للتّجسّس وصناعة الأسلحة، بهدف دعم جهود الحكومة النيجيرية لمراقبة نشاط المواطنين على الشبكة الإلكترونية...
تُزَوِّدُ شركات السلاح الصهيونية منذ عُقُود الشرطة والجيش ودوائر المخابرات النيجيرية بالأسلحة والمعدّات، فضلا عن خدمات الإستشارة والتّدريب، وكشفت وسائل الإعلام الصهيونية منذ سنة 2006 ( من بينها صحيفة "هاآرتس" 01 أيار/مايو 2006) إبرام حكومة نيجيريا، خلال شهر آذار/مارس 2006، صفقة شراء أسلحة وطائرات آلية حربية من شركة «يافنيه» الصهيونية المتخصصة في صناعة الطائرات بدون طيار وأجهزتها المتطورة، وتتضمن الصفقة صناعة وتركيب ثلاث أنظمة استخبارات للطائرات الآلية المُجهّزة بأنظمة استشعار عن بُعد وآلات تصوير قادرة على التقاط صور دقيقة في الليل والنهار، وطلب سلاح البحرية النيجيري شراء هذه الأسلحة لاستخدامها في منطقة دلتا النيجر وخليج غينيا حيث تَوَسَّعَ نشاط شركات النّفط الأجنبية الأمريكية والبريطانية والفرنسية والروسية والصينية والكورية في المنطقة، وهي أغنى مناطق النفط النيجيرية، وذلك بعد تكرار هجومات الميليشيات الإرهابية المُسلحة، كما تتضمن الصفقة شراء نيجيريا 15 طائرة حربية أخرى وتدريب طيارين نيجيريين وإعدادهم من قِبَل الجيش الصهيوني، بقيمة إجمالية تصل إلى 250 مليون دولار، مع الإشارة إلى عمل شركات أخرى وإقامة مئات المُستوطنين الصهاينة في نيجيريا للعمل في مجالات أخرى، مثل البنية التحتية والاتصالات والزراعة، فيما تستخدم سُفُن العدُو الصهيوني موانئ نيجيريا بانتظام...
أقامت نيجيريا علاقات دبلوماسية وثقافية واقتصادية مع الكيان الصهيوني منذ الإستقلال سنة 1960 وأرسل الكيان الصهيوني "العديد من الخبراء والمتطوعين لتحديث الزراعة في أفريقيا وتعليم المزارعين الأفارقة تقنيات الزراعة المستدامة"، فضلا عن المُستشارين والمهندسين "لتطوير النظام التعليمي والقطاع الطبي والتكنولوجي في نيجيريا"، وبعد قطع العلاقات ( على مستوى شكلي) سنة 1973، وعادت العلاقات بكل قوة سنة توقيع اتفاقيات أوسلو (بعد قطعها شكليا إثر حرب 1973)، حيث تستثمر أكثر من 50 شركة صهيونية في قطاعات مختلفة، كالبُنْيَة التّحتية والبناء والإتصالات والتكنولوجيا والاتصالات والزراعة وغيرها، غير إن الكشف عن فضائح عديدة أدّى إلى احتجاجات بين سنتي 2004 و 2013، فيما أكّدت ممثلة نيجيريا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، جوي أوجوو، يوم الثلاثين من أيلول/سبتمبر 2024: "التزام نيجيريا بسلامة وأمن إسرائيل" وامتنعت عن التصويت لأدانة العدوان الصهيوني على فلسطينيي غزة آنذاك و"إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية التي تم الإستيلاء عليها منذ حرب 1967" مع الإشارة إلى تصويت الصين وفرنسا وروسيا والأرجنتين وتشاد وتشيلي والأردن ولوكسمبورغ لصالح مشروع القرار وتصويت أستراليا والولايات المتحدة ضده، بينما امتنعت نيجيريا وبريطانيا وليتوانيا وجمهورية كوريا الجنوبية ورواندا عن التصويت...

خاتمة:
تُعاني نصف دول إفريقيا من تداعيات تراكم الدُّيُون التي تفاقمت، خصوصًا خلال العقدَيْن الأَوَّلَيْن من القرن الواحد والعشرين، لتصل إلى نحو تريليوني دولار، ما يُؤَثِّرُ سَلْبًا على حياة الإنسان الأفريقي ومستقبله، في ظل تضاعف قيمة خدمة الديون، والتراجع الاقتصادي في الدّول الأشدّ فقرا، كما في البلدان النّفْطِيّة، ذات الدّخل المُتوسّط، وأهمها نيجيريا، أكبر منتج ومُصَدّر للنفط والغاز في القارة وسادس أكبر احتياطي عالمي للنفط، وأكبر اقتصاد إفريقي ( أي حجم الناتج المحلي الإجمالي البالغ 510 مليارات دولارا سنة 2023)، منذ سنة 2013، مُتجاوزًا اقتصاد جنوب إفريقيا، وتتميز نيجيريا بضخامة احتياطيات النفط والغاز، وكذلك بخصوبة الأراضي في العديد من مناطق البلاد، غير إنه اقتصاد هَشّ، يعتمد على صادرات النفط التي تُشكّل نحو 90% من صادرات البلاد، ولا يصل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 2350 دولارا سنة 2023، في ظل انخفاض قيمة العُمْلَة المَحَلِّيّة (النّايرا) بنسبة 70% مقابل الدّولار سنة 2023، ما أدّى إلى ارتفاع الأسعار وارتفاع نسبة التّضخّم إلى مستوى قياسي لم تبلغه خلال ثلاثة عقود، وارتفاع نسبة الفقر التي تتراوح بين 40% وفق مصادر الحكومة، و 63% وفق دراسات اقتصادية محلّية وتفوق 80% وفق بعض المصادر الأجنبية، وأدى إلغاء دعم الوقود إلى ارتفاع أسعاره بنسبة 300%، في بلد حُرمَ 40% من سُكّانه من الكهرباء، فضلا عن ارتفاع أسعار السّلع الأساسية مما يُهَدّد الأمن الغذائي، حيث بلغت نسبة التضخم 30% خلال الربع الأول من سنة 2024، وفق وكالة بلومبرغ ( تم الإطلاع يوم 31 آذار/مارس 2024)، وأَدّى ارتفاع نسبة البطالة ( 33% سنة 2023) والفقر وظروف المعيشة والحرمان من الكهرباء والصرف الصحي وسوء البُنية التحتية، إلى انتشار المنظمات الإرهابية التي تُسيطر على جزء من البلاد، في عدة مناطق، وإلى انتشار الفساد ونهب الثروات العمومية، وفي مقدّمتها النفط وتهريب الأموال إلى الخارج، فيما تُخصّص الحكومة نسبة تفوق 90% من إيراداتها النفطية لتسديد أقساط الدُّيُون...

كانت نيجيريا من الدول الإفريقية التي اعترضت، سنة 2007، على إقامة قواعد عسكرية أمريكية في إطار البرنامج العسكري الأمريكي "أفريكوم" (إلى جانب جنوب إفريقيا والجزائر) غير إن حكومات نيجيريا المتعاقبة تتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني، وتقف إلى جانب الكيان الصهيوني، بالتوازي مع تطوير العلاقات في كافة المجالات، كالأمن والسياحة والزراعة والتجسس والإتصالات والتعليم الخ، وهي ليست الدّولة الوحيدة، ذات الأغلبية المُسلمة التي تطعن العرب، فتركيا عضو حلف شمال الأطلسي تُساهم في تدمير البلدان العربية، وخصوصًا المُجاورة، وتحتل أجزاء من سوريا والعراق، وأذربيجان "المسلمة" تمد الكيان الصهيوني بنحو 40% من حاجياته إلى المحروقات، ولا غرابة في ذلك ما دام آل سعود وأبناء زايد يتحالفون مع الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني وضد شعب اليمن...
من المؤسف أن تكون سلطات نيجيريا – أكبر اقتصاد إفريقي – أداةً امبريالية لطَعْن جيرانها ( النيجر ومالي وبوركينا فاسو) الذين يريدون الخروج عن طاعة الإمبريالية، وأداة صهيونية لطعن العرب الإفريقيين، في شمال القارة، ونحن نتضامن مع شعب نيجيريا في نضاله ضد الشركات العابرة للقارات وضد السّلطة الموالية للإمبريالية وللصهيونية وللشركات العابرة للقارات وفي نضاله ضد المليشيات الإرهابية، ونضاله من أجل توزيع عادل للثروة ومن أجل حقه في حياة أفْضَل...



#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثاني والسّبعون، بتاريخ الثام ...
- محاولة تبسيط مفاهيم الإقتصاد السياسي: اتساع فجوة الدّخل والد ...
- عرض كتاب السيرة الذاتية لهيلينا شيهان
- فلسطين – نقد بعض أطروحات ماركسيِّي الدّول الإمبريالية
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الواحد والسّبعون، بتاريخ الحاد ...
- ديان بيان فو - السابع من أيار/مايو 1954 – 2024
- عَرْض كتاب
- محاولة تبسيط مفاهيم الإقتصاد السياسي
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد السّبعون، بتاريخ الرابع من أيا ...
- مفاهيم الإقتصاد السياسي: شروط التنمية المُستدامة ومحاولة توض ...
- فرنسا- أهوَ -انجراف تسلُّطي، استبدادي- أم الوجه الحقيقي للدي ...
- فلسطين تكشف زَيْف ديمقراطية رأس المال
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد التاسع والسّتّون، بتاريخ الساب ...
- غزة، مقبرة المنظمات -الإنسانية- ؟
- مُصْطلحات شائعة - الشمولية، مفهوم ضبابي
- مُقاومة الشعب الفلسطيني جزء من النضال ضد الإمبريالية
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثامن والسّتّون، بتاريخ العشر ...
- بزنس الرياضة – هوامش الألعاب الأولمبية - دَوْرَة باريس 2024
- الإمبريالية الأمريكية خطر على العالم
- تساؤلات مشروعة عن الدّيمقراطية في أوروبا


المزيد.....




- ترامب يكشف عن ما سيفعله مع روسيا والصين إذا فاز في الانتخابا ...
- إيلون ماسك محور جدل في أمريكا واتهامات له بالتحريض على قتل ب ...
- روسيا.. انخفاض عدد مستعمرات النحل بمقدار 500 ألف على مدى الس ...
- خسوف جزئي للقمر سيتمكن سكان مختلف مناطق العالم من مشاهدته
- Lava تكشف عن هاتفها الجديد لشبكات الجيل الخامس
- من النصر إلى كارثة. الغرب يتناسى أنه قبل عامين احتفل بهزيمة ...
- المهندسون الروس يدرسون مبادئ عمل صاروخ هيمارس الأمريكي
- نمط غريب ومفاجئ في إدارة الحملات الانتخابية في أمريكا
- بلقاسم حفتر لـ-الحرة-: شرق ليبيا وغربها يتوافقان على إعمارها ...
- بعد -محاولة الاغتيال الثانية-.. بايدن يتصل بترامب


المزيد.....

- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - نيجيريا عملاق إفريقي في خدمة الصهيونية