أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - سورية إلى أين؟















المزيد.....


سورية إلى أين؟


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 7981 - 2024 / 5 / 18 - 16:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يبدو أنّ فرصة السير في طريق المعالجة السياسية للصراع السوري لم تعد مُلكاً لجهة واحدة، بل تحكمها ارتباطات ومصالح متداخلة، زادها تعقيداً طول أمد الصراع وما كرَّسه من نتائج مؤلمة يصعب تجاوزها راهناً، وقد يقود تفاقمها إلى مسار خطير يصل إلى إطاحة أبسط الحقوق الإنسانية، وتدمير مقوِّمات الحياة المشتركة والمعايير الوطنية الجامعة.
وفي هذا السياق هل ثمة فرصة حقيقية لتقدم حل سياسي ينقذ المجتمع والدولة من براثن التفكك والضياع؟
ثمة عدة متغيِّرات حصلت في المشهد السوري وجعلته أكثر استعداداً للتسويات السياسية عما كان عليه طوال ثلاثة عشر عاماً، من أهمها: أولاً، تنامي الحاجة لدى حلفاء النظام لتمرير حل سياسي يخرجهم من حالة الاستنزاف المنهكة، فموسكو التي تتحمل المسؤولية الأكبر في إدارة الملف السوري، تبدو أقل قدرة على تحمُّل مزيد من أعباء استمرار الصراع وأكثر ميلاً لمعالجته سياسياً، للتفرغ لتداعيات غزوها لأوكرانيا. في حين تزداد الضغوط على إيران بعد تفاعلات حرب غزة، ومحاولة منعها من استثمارها لتمدد نفوذها. وثانياً، تزايد الضغط الإقليمي لإطفاء بؤرة التوتر السورية، بعد أن أضحى التخوُّف على أشده مما تخلِّفه هذه البؤرة من استقطابات حادة واحتقانات مذهبية وطائفية، ومن أخطار اجتماعية واقتصادية على بلدان الجوار نتيجة الازدياد المتواتر لأعداد اللاجئين السوريين على أراضيها، والأهم تراجع العرب عن تعويم بشار الأسد، بل مطالبته بالانخراط في تطبيق متطلبات القرار 2254. وثالثاً، تزايد موجة اللجوء السوري نحو أوروبا. ورابعاً، تدهور الأوضاع الاقتصادية والخدمية وشيوع رغبة عارمة وضاغطة لدى السوريين بضرورة الخلاص من هذا التردي المريع في شروط حياتهم وعيشهم وأمنهم، ربطاً بتنامي استعدادهم للتوصل إلى حلول تخفف من دوامة العنف وتحفظ وحدة البلاد. ولعلَّ استمرار الحراك الشعبي في السويداء، وتوسع دائرة العمل السوري انطلاقاً من المطالب الخمسة لبيان المناطق الثلاث، يساعدان على الضغط من أجل الانخراط في عملية الانتقال السياسي من الاستبداد إلى الدولة الوطنية الحديثة، دولة الحق والقانون، دولة كل مواطنيها الأحرار المتساوين في الحقوق والواجبات.
إذ لا تتطور المجتمعات إلا في كنف الدولة، حيث لا سبيل للجماعات لكي تتقدم وتنتج وتراكم وتنظِّم كيانها الداخلي إلا بأن تتحول إلى جماعات سياسية تنشأ الدولة عن اجتماعها السياسي. وتتفاوت الدول في درجة قيمتها وتطور نظمها بتفاوت مستوى التنظيم الذاتي للجماعات السياسية التي تكوِّنها، وبتفاوت درجة نضج فكرة الدولة في وعي تلك الجماعات.
وفي سياق الدولة لا تكتمل السيادة الوطنية من دون تمتُّع كافة المواطنين بالحريات غير منقوصة: حرية الرأي والتعبير، حرية التجارة والتنقل، حرية تشكيل أحزاب وروابط مدنية وسياسية. أي لابدَّ أن تتأصل الديمقراطية في مفاصل الحياة السياسية، بحيث لا تبقى مجرد آلية لانتخابات شكلية، وبالتالي توظف لخدمة الفئات الحاكمة. كما أنّ ممارسة السيادة الوطنية، من قبل سلطة الدولة الحاكمة، تستدعي وجوب وجود معارضة سلمية منافسة تضبط الحكم، من خلال تطلعها للحكم مستقبلاً، واستعدادها للمنافسة في الانتخابات المقبلة الدورية.
وهكذا، فإنّ السيادة الوطنية تتحدد بمدى احترام سلطة الدولة لحقوق المواطنين، وضرورة إشعار الفرد بأنّ الدولة هي الحصن لحمايته، وهي بناء مستقبل زاهٍ لأبناء الوطن كلهم دون استثناء، وما من عوائق دون ترقية الاندماج الوطني، بما يقتضيه من جهود فكرية وسياسية واجتماعية وقانونية كبيرة.
ولأنّ الدراسات المستقبلية تعني القدرة على التحكم في المستقبل من خلال الاستعداد، بمجموعة من المبادرات والخطط، لمواجهة الاحتمالات المختلفة، فإنّ اللامركزية الإدارية الموسّع ليست شراً في حد ذاتها، ولا خيراً في المطلق أيضاً، إن ارتضتها مكوِّنات الشعب السوري واعتمدتها سبيلاً لاحتواء تمايزاتها القومية والطائفية. هي هنا أداة تدبير للاختلاف وضمانة للحد الأدنى من القبول بالعيش المشترك، في ظل دستور عادل ودولة لا مركزية تتخذ من المناطق الجغرافية عنصراً للتنمية وتقوية لمقوِّمات الجامعة السورية الموحدة.
وبعد أن أكدت تجارب الدول الآخذة بنظام الدولة العصرية والتي نجحت في تحقيق طفرات اقتصادية ملموسة ومتميزة، تبين أنّ تنمية العنصر البشري وإتاحة الفرصة له للإبداع والمشاركة الواعية هي في حقيقة الأمر العنصر الحاكم وراء إنجازها وتميُّزها‏. إذ إنّ الموارد البشرية تحتل المرتبة الأساسية في الاهتمام، على مستوى العالم المعاصر، باعتبارها أهم عنصر من عناصر التنمية. فقد تركزت القناعة بأنّ أي تحوُّل أو تغيير في الحياة لن يكون له تأثير إلا إذا استند على قاعدة إنسانية شاملة، مشاركة واعية وواسعة للبشر في الحكم السياسي، لأنّ التنافس السياسي السلمي هو المقوِّم الفعلي للحياة المدنية الحديثة.
كما أنّ ترسيخ قيم الموطنة، فكرياً وعملياً، لدى أفراد المجتمع ومؤسسات الدولة، أصبحت من واجبات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، هذه القيم التي يأتي في مقدمتها: الوعي بمهام الدستور، وبالحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للفرد والمجتمع، وبمهام الفرد، ومدى الحريات الممنوحة له وأنواعها، وبكيفية تشكيل القرارات السياسية، وكيفية تنفيذها، وبنمط الحكم السائد، وبنظم الحكم العالمية، وبشروط التمثيل النيابي، وبكيفية المشاركة في الانتخابات النزيهة، وتشكُّل المجالس النيابية، وغيرها من قضايا المواطنة التي تساهم في رفع سوية المواطنة ذاتها، وتخليص الفرد والمجتمع والدولة على السواء من عقلية وثقافة الراعي والرعية، وكل ما يعيق تحقيق دولة القانون. هذه الدولة، التي إذا ما حققت مشروع المواطنة لأبنائها ستشكل الرافعة العملية والفكرية لاستمرار الدولة وقوتها من جهة، وترسيخ القيم الإنسانية لشعبها ومكانته بين شعوب العالم من جهة ثانية.
ولا مناص من الاعتراف أنّ الخيار الوحيد الناجع، لوأد الفتن المحتملة في سورية بعد التغيير السياسي، هو تقوية حضور المجتمع المدني بكافة هيئاته كي يقول كلمته لصالح وحدة المجتمع ولحفز روح التفاهم والتعاون بين مختلف الأطراف ولتأكيد الثقة بالدولة ومؤسساتها ودورها العمومي كخير ضامن لوحدة البلاد ومسار تطورها وتقدمها، فالدولة الديمقراطية هي المكان الأمثل لإدارة الخلافات والصراعات سلمياً، مثلما لا يمكن الحديث عن الوحدة الوطنية ووقف مظاهر التفكك وأسباب الفتنة عندما تنحسر أو تنعدم المساعي لتثبيت دور الدولة وتأكيد شرعيتها وعموميتها.
وهذه الأمور المهمة لتطور ونهضة المجتمع السوري لا يمكن تحققها إلا من خلال وعي وتطبيق الديمقراطية، كآلية لإدارة شؤون الناس والمجتمع بصورة مؤسساتية عادلة وصحيحة. والقناعة لدى الغالبية أصبحت راسخة بأنّ الوقت قد حان لإحداث تغيِّرات رئيسية وجوهرية على طريق الإصلاح وتوسيع دائرة المشاركة السياسية، وبناء مؤسسات المجتمع المدني، إيماناً من الجميع بأنّ سنَّة الكون تقتضي التغيير.
والنتيجة إنّ قابلية الدولة لاستعادة دورها التوحيدي لا تزال قائمة ومطلوبة، وما يزيد من فرص النجاح أن يحضر المجتمع المدني بمختلف فئاته وفعالياته ليمارس دوره في حماية الوحدة والتلاحم، وطبعاً كلما تفاقم مأزق القوى المتصارعة وازداد عجزها عن التوصل إلى التوافق، تزداد الأعباء والمسؤولية التي تقع على عاتق قوى المجتمع المدني وأصحاب مشروع الدولة الديمقراطية كي يتجاوزوا ترددهم وسلبيتهم، ويسارعوا إلى تنظيم صفوفهم على قاعدة خط إنساني عريض يدعو إلى تغليب السلم الأهلي على ما عداه.
لقد مرَّ الشعب السوري، خلال الثلاثة عشر عاماُ الماضية، بدروس قاسية، فشبابنا أراد التغيير ويريده، لكنّ أحداث السنوات الماضية بعثت على مخاوف كبيرة. فقد قوبل الكثيرون من مريدي التغيير بالإقصاء والتهميش وبالعنف المفرط. وقد أدى ذلك كله إلى انهيار كيان الدولة، وتقاسمها بين قوى الأمر الواقع.



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أهم تحديات الواقع السوري
- عن الثورة السورية المغدورة
- عن السيرورة التاريخية لربيع الثورات العربية
- في ضرورة التكيّف العربي مع معطيات العالم المعاصر
- مضامين الاستقلال السوري الثاني اليوم
- نحو توسيع أساليب التفكير الحديث
- نحو عقد اجتماعي جديد في العالم العربي
- نحو إصلاح عربي جوهري
- في الحاجة إلى تجاوز التأخر التاريخي العربي
- مرتكزات العيش المشترك بين المكوّنات السورية
- مخاطر لعبة الأمم على الجغرافيا السورية
- العالم العربي يفتقد الدولة الأنموذج
- تحديات الخطاب السياسي العربي
- العالم العربي بحاجة ماسّة إلى التغيير
- أهم القضايا المؤجلة للنهضة العربية الحديثة
- إخفاق العرب تجاه المطامع الأجنبية والعدوانية الإسرائيلية
- تفاقم احتقان الشعوب العربية على الصعيدين السياسي والاجتماعي
- تعثّر التنمية الشاملة في العالم العربي
- الموارد العربية اسُنزفت والإرادة انتُهكت
- هدر الموارد المادية والبشرية في العالم العربي


المزيد.....




- -رقم واحد في العالم العربي-.. الأمير الوليد بن طلال يكشف عن ...
- بعد المشادة بين الرئيس الأمريكي والأوكراني: هل التهم ترامب غ ...
- أول تعليق لإدارة ترامب على تقارير عن التواصل مع -حماس-
- ترامب وترودو يناقشان التجارة وتهريب الفنتانيل في مكالمة استم ...
- ميلوني تلتزم الصمت وسالفيني يدعم ترامب: انقسامات داخل الحكوم ...
- في تطور غير مسبوق.. واشنطن تؤكد إجراء محادثات مع حماس
- دولة إفريقية مستاءة بعد ذكر ترامب لها في خطابه
- إعلام: الجيش السوداني يحقق مزيدا من التقدم على عدة محاور جنو ...
- ليبيا: محامي هانيبال القذافي ينفي الإفراج عن موكله المحتجز ف ...
- وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي يجتمعون بنظيرهم المغربي في ...


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - سورية إلى أين؟