أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - موت الوهم














المزيد.....

موت الوهم


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 7981 - 2024 / 5 / 18 - 11:25
المحور: الادب والفن
    


هذه هي زيارتي الثالثة والأخيرة للطبيب النفسي.
المرة الأولى حدثت بالصدفة عندما كنت ذاهبة لمقابلة صديقتي الممرضة التي تعمل في الطابق الثاني.
ترددت قليلاً قبل الدخول عليه، لكنه شجعني عندما أومأ إليّ برأسه.
أغلقت الباب ورائي بطلب منه. سحب كرسيًّا أبيض قريبًا منه ودعاني للجلوس.
لا أنكر أنني شعرت بالقلق وفكرت في الهروب، شيء لا أعرف ما هو منعني من تنفيذ فكرتي، ربما هو الخجل الذي يقف بيني وبين تحقيق ما أريده فأصبح وليمة للندم.
عيناه الصامتة ويده المرتجفة هما أكثر شيء أثارا انتباهي وجعلاني لا أجرؤ على الكلام.
ظل يوزع نظراته بيني وبين الباب حتى ظننت أن أحدًا سيدخل علينا، مال بجسده نحوي هامسًا:
ـ اذهبي وتأكدي من عدم وجود أحد يتجسس علينا!
وحين أكدت له ذلك، أخرج بسرعة من جيبه علبة دواء بيضاء وناولني إياها وقال لي بنبرة تحذير وبصوت منخفض:
ـ إياكِ أن تتناولي من أقراص الدواء هذا!
ثم أضاف وكأنه يحدث نفسه:
- إنها سمٌ بطئ!
أردت إخباره بتناولي عشر علب منه إلا أني تراجعت عن قراري حينما قال لي:
- في الزيارة الثانية سأخبركِ سرًا آخرثم أشار إليّ بالانصراف بعد أن طلب مني معاودة زيارتهِ بعد ثلاثة أيام.
مر اليوم الأول عليّ لأصبح فريسةً دسمةً للخوف. فقدت شهيتي للأكل. دقات قلبي السريعة جعلت العرق يتصبب مني بغزارة حتى تيبست شفاهي، حاولت الهرب من هذه الحالة بالنوم إلا إن حبلًا طويلًا تتدلى منه علب دواء بيضاء رأيتها في منامي، جعلني أنسى فكرة النوم تمامًا.
طرأت لي فكرة الذهاب إليه في اليوم الثاني، لم أعد أطيق الانتظار، أعترف بأني جبانة، مترددة، الخوف هو مَنْ يقود خطواتي، فأصل دائمًا متأخرة أو أتعثر في الطريق فلا أصل أبدًا!
في اليوم الثالث، حينما رآني، وجد صعوبة في تذكري وأنكر كل شيء وطلب مني مغادرة الغرفة.
شعور باليأس والإحباط سيطرا عليّ، وحزن كبير شلَّ حركتي.
ماذا أفعل الآن؟!
لا أدري كيف خطرت على بالي علبة الدواء ونجحت الفكرة، فما إن رآها حتى انتفض من مكانه فزعًا ليقترب مني ويقول بطريقة هستيرية مسرحية وهو يضع فمه في أذني:
- إياكِ والعودة إلى هنا، فالموت يختبئ في الزوايا وخلف الجدران وتحت الأسِرّة وفي علب الدواء البيضاء، لا تغرَّكِ ابتساماتهم، فخلفها تقبع قلوب لا تعرف الرحمة.
وبعد أن عاد إلى مكانهِ واستقر فيه، قال بلهجة آمره أنهى بها الزيارة:
ـ عودي غدًا لأخبركِ بالسّر الأخير!
مرت ساعة قبل أن انتبه إلى أنني الوحيدة في صالة الانتظار، دوار أصاب رأسي افقدني تركيزي وتوازني، أسمع أصواتًا لا أرى أجسادًا لها، ضحكات هستيرية تسخر مني لا أعرف مصدرها، أشباح بألوان كثيرة تتقافز أمامي.
توقف الزمن من حولي وبدأت عقاربه تبث السم قطرة قطرة في دمي حتى شَحُبَ لوني وذبلت أجفاني. تناولت حبة دواء مهدئ من العلبة البيضاء قبل التوجه إلى بيتي منتظرة الغد أو بالأحرى السِّر.
في الليلة التي مرت، عرفت معنى انسلاخ الروح عن الجسد و كيف هو الاختباء في سرداب مظلم للهروب من الموت، معنى أن تعتقلك الهواجس و تحتضر بعيون مفتوحة، ترقب الحياة وهي تمر أمامكَ، كيف هو السير في متاهة بلا مخرج ولا من ضوء ينير لك الدرب؟
استيقظت فوجدت مخاوفي تنتظرني. لا أدري كيف أخبرت سائق سيارة الأجرة عن الطريقَ إلى المستشفى التي يرقد فيها الطبيب النفسي الذي كان يعالجني من مرض الوهم الغريب كما كان يسميه.
ناولته النقود وانتظرت حتى غاب عن ناظري لأتاكد من أنه لن يلحق بيّ.
دخلت البناية مسرعة، كل شيء كان صامتًا، الممرات والأبواب، لا صوت سوى صدى ضربات قلبي تردده الجدران.
دخلت الغرفة التي يرقد فيها طبيبي النفسي ، لكني لم أجده، بل وجدت بدلًا منه الممرضة التي أخبرتني أن مريض الوهم الغريب الذي كان هنا قد مات.



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لمن الصورة؟
- ليلة الحفل
- حوارية بين فوز حمزة والشاعر عبد السادة البصري
- للظلام أجنحة
- في انتظار نون
- فنجان شاي
- غفوة
- عاشق الروح
- شدو اللآلئ
- ستون ثانية وثانية
- رسالة إلى الله
- رصاصة في الذاكرة
- حينما يكون للصمت لغة
- ذكرى في خزائن القلب
- حب من الرشفة الأولى
- حطام امرأة
- ثلاثة إلى اليمين
- جاري الاشتياق
- تراك
- فن الحوار


المزيد.....




- وفاة عملاق الموسيقى الأمريكي كوينسي جونز عن عمر يناهز 91 عام ...
- شيماء سيف: كشف زوج فنانة مصرية عن سبب عدم إنجابهما يلقى إشاد ...
- فيلم -هنا-.. رحلة في الزمان عبر زاوية واحدة
- اختفى فجأة.. لحظة سقوط المغني كريس مارتن بفجوة على المسرح أث ...
- رحيل عملاق الموسيقى الأمريكي كوينسي جونز عن 91 عاماً
- وفاة كوينسي جونز.. عملاق الموسيقى وأيقونة الترفيه عن عمر 91 ...
- إصابة فنانة مصرية بـ-شلل في المعدة-بسبب حقن التخسيس
- تابع الان مسلسل صلاح الدين الأيوبي مترجمة للعربية على قناة ا ...
- قصيدة عامية مصرية (تباريح)الشاعر مدحت سبيع.مصر.
- الكاتب الجزائري الفرنسي كمال داود يفوز بجائزة غونكور الأدبية ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - موت الوهم