أياد الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 7981 - 2024 / 5 / 18 - 05:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الإسلام ومجال أشتغالاته في السياسة (5 )
نتناول في هذه الحلقة من الدراسة بقية القواعد الكلية في الفقه السياسي الأسلامي والتي هي القاعدة والمرتكز الذي يرتكز عليه النظام السياسي في الإسلام . ونبتدأ من قاعدة مهمة في هذا الجزء من الدراسة , وهي قاعدة العرف التي لها بُعد مهم وأساسي , وتبنيها من قِبل المشرع الإسلامي يُشير الى أعطاء الإسلام للعرف أهمية كبيرة , ومساحة من المشاركة كمصدر أحتياط من مصادر التشريع , وهو دليل على أنفتاح الإسلام على التجربة البشرية وأحترامها , وذلك بفتح المجال لها للأنضمام لباقي القواعد الكلية المستنبطة من النص المقدس , بأعتبار العرف هو حصيلة تجربة عملية تاريخية أطمئن أليها الإنسان كقاعدة تساهم في تشريع القوانين التي تنظم من خلالها الحياة العامة للناس , وهو محل أتفاق بين المشاركين , وغالباً ما يكون (عبارة عن عادات غير مكتوبة يتشارك بها أفراد من المجتمع)(ويكيبيديا) . الكثير يعتبر العرف من المصادر الأحتياطية وليس الأصلية , وهو يأتي بالمرتبة الثانية بعد المصادر الأساسية وهي القرآن والسنة النبوية , كما أن الكثير من الدساتير والقوانين في العالم أتخذت من العرف أحد مصادر التشريع عندهم , والأسلام بأعتباره دين سمح ومنفتح , يحترم التجربة الإنسانية وقد وجد أن كثير من الأعراف في جغرافية ظهوره صالحة فأقرها , ولكنه ألغى البعض التي لاتتفق ومقاصده التي تأسس عليها , والعرف في أصطلاح الفقه: هو ما أعتاد الناس عليه وألفوه من قول , وفعل . ويعرفه الجرجاني : (مأستقرت عليه شهادة العقول , وتلقته الطباع السليمة بالقبول)(العرف في القانون:عبد الرحمن أسامة).
11-(قاعدة العرف): (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)(الأعراف:199 ) , وفي كلام للأمام علي ع (ولا تنقض سنّة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة, وأجتمعت بها الألفة , وصلحت عليها الرعيّة , ولا تحدثّن سنّة تضر شيء من ماضي تلك السنن)(نهج البلاغة من عهد الأمام علي ع لواليه على مصر , مالك الأشتر). (فالعرف يُعتبر في بريطانيا المصدر الأساسي للقانون الدستوري , أما بقية الدول والتي تعتمد على الدساتير المكتوبة فيتضائل دور العرف فيها)(العرف كمصدر من مصادر القانون:شبكة قدرات قانونية).
12- قاعدة الوفاء بالعقود: (ياأيها الذين امنوا أوفوا بالعقود) و (بلى من أوفى بعهده وأتقى فإن الله يُحب المتقين)(ال عمران76 ) وهي تعبير عن قول الرسول محمد (ص) (المسلمون على شروطهم) كما جاء بالحديث النبوي. هذه القاعدة تفيد العموم , حيث تشمل جميع أنواع العقود. العمل بهذه القاعدة يعطي ثقة عالية لمن يتعامل بها , ويكون الفرد والحزب والنظام السياسي على درجة عالية من الموثوقية عند تعامل الأخرين معه , بل ويشجع الكل على التعامل معه لأنه يكون محل ثقة عند الطرف الآخر , فمثلاً الحزب السياسي الذي يوفي بتعهداته لناخبيه يكون محل ثقة للشعب , والدولة التي تفي بتعهداتها تكون محل ثقة الدول الأخرى , بل تشجع الأخرين على التعامل التجاري والسياسي معها , ولكن يجب التنبيه الى شيء , وهو أذا نقض الطرف الأخر العهد , يكون الطرف المقابل في حل من التعهد الذي أتفق عليه , وهذه من باب المعاملة بالمثل , وعلى طريقة (العين بالعين والسن بالسن) وكما في قوله تعالى (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين...)(المائدة:20 ) . لاشك لما لهذه القاعدة من أهمية , ففي تركها تُزرع عدم الثقة , والذي بدوره يقود الى الفوضى.
13- قاعدة الضرورة ورفع الحرج: ( ومن أضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم)(البقرة:173 ). هذه القاعدة تكسر حالة الجمود في القانون , فتعطيه مرونه كافية بالتعامل مع المواقف التي تتسم بالحرج الشديد , وهي كثيرة في عالم شديد التغير , ومتطور الحاجات , ومتشابك المصالح , وكثير التزاحم.
14- قاعدة الأهم والمهم: (وهي قاعدة ليست تأسيسية ولكن من الأدلة العقلية بأعتبار العقل أحد مصادر التشريع في الأسلام , وقد روي عن النبي ص ( مثل العقل في القلب , كمثل السراج في البيت)(الصدوق:علل الشرائع ص98 ) وعن علي ع ( لا يستعان على الدهر الا بالعقل)(بحار الأنوار, المجلسي:ج75 ص7 ), ويمكن الأستدلال بها من حادثة ترك علي ع للحكم بعد النبي خوفاً من أرتداد الناس عن الأسلام وأنهيار النظام الإسلامي الذي أقامه النبي ص . هذه القاعدة تغطي الكثير من الجزئيات في العمل السياسي والأداري من أمثال حفظ المصالح والمنافع العامة أهم من الخاصة, وأمن العامة أهم من حرية الفرد , ويمكن ان نأخذ مثال عملي , وهو شق الطرقات العامة أهم من هدم بيوت الخاصة , وأنتخاب حاكم تنقصه بعض المواصفات المهمة أفضل من الفوضى وتعطيل الحكم وهكذا, وهذه القاعدة تحتمل الكثير من التطبيقات.
15- قاعدة الرجوع لأهل الخبرة : ويمكن أعتماد هذه القاعدة من خلال قوله تعالى (وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نُّوحِي أليهم فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)(الأنبياء:7 ) , , أي الرجوع لأهل الخبرة والفن في السياسة وغيرها. وقد عمل بها الرسول محمد ص في أكثر من موقع , فقد أستشار في الحروب , ومن أشهرها حفر الخندق والذي سُمية المعركة بأسمه (معركة الخندق) . هذه القاعدة تتيح للحاكم والفاعل السياسي الأستشارة من أهل الخبرة في الكثير من المواقف والموضوعات تجنباً للخطأ الذي يمكن أن يقع فيه الفاعل السياسي لو أتخذ قرار بمفرده , مما يمنع وقوع الكثير من الخسائر والأزمات للبلد .
16- قاعدة المصلحة: (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض)(الرعد: 17 ) .المصلحة ضد المفسدة , كما أنها كل عمل يعود بالنفع على الإنسان أو المجموع ,أو الدولة , حيث أن المصلحة العامة تتقدم على المصلحة الخاصة , كما أن من المصلحة محاربة كل أنواع الفساد , بكل ألوانه وأشكاله , سواء على الصعيد الأجتماعي أو السياسي أو الأقتصادي , كما أن أهمال هذه القاعدة خاصة في مجال عمل الدولة يقود الى أضرار كارثية , ويكون سبب لكثير من الأزمات التي قد تطيح بدول وأنظمة سياسية , وما يترتب على ذلك من كوارث كبيرة وخطيرة
17--قاعدة التقية: (لايتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة...)
(ال عمران:28 ) , ويعرفها الشيخ الأنصاري (التحفظ عن ضرر الغير , بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق)(المكاسب/مرتضى الأنصاري: ص320 ) , وهذه القاعدة تقي الفرد والحزب والنظام السياسي والبلد الكثير من الحالات الحرجة التي لايقوون عليها , ويتعرضون عند عدم أستعمالها لأضرار بليغة , وهو ما يُعرف بالأنحناء أمام العواصف , وهذا مايحدث كثيراً في عالم السياسية , ولكن يبقى لهذه القاعدة حدود , ولا تكون مفتوحة بشكل مطلق. التقية لا تعني الأستسلام , بل تستعمل لتأجيل وقت وظروف المواجهة مع الخصم , وهناك تفاصيل كثيرة عن التقية يمكن للقاريء الرجوع أليها في مصادر كثيرة.
18--قاعدة عدم الأعانة على الأثم : (وتعاونوا على البر والتقوى , ولا تعاونوا على الأثم والعدوان)(المائدة:2 ) . تفيد هذه القاعدة بعدم الركون للمعتدي سواء كان شخص أو حزب أو دولة , ومثال ذلك اليوم هو عدم التعاون مع أسرائيل , وكل دول الأستكبار , مادامت تظلم وتعتدي على الشعوب المستضعفة , وعلى سبيل المثال الشعب الفلسطيني , حيث للأسف طبعت بعض الدول العربية والأسلامية معه رغم ممارسته للظلم والأعتداء على الشعب الفلسطيني , حيث يقول الله في القرآن (ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار ..)(هود:113 ) , وهي قاعدة تمنع على الفاعل السياسي في النظام الأسلامي أي حالة تعاون وممالئة لأي نظام يمارس الأعتداء على شعبه , وعلى الشعوب والدول الأخرى , حفاظاً للسلم العالمي , ورعاية لحقوق الإنسان .
19- قاعدة حفظ النظام: هذه تُعتبر من القواعد الكلية العقلية , وأنها ضرورة من ضرورات المجتمع الإنساني , وأن أي مجتمع لاينتظم أمره بعيداً عن النظام , لأن عكس النظام هو الفوضى , والفوضى هي الأرض الخصبة التي يأكل بها القوي الضعيف , وبها تنتهل كل الحقوق والحرمات , وفي هذا الصدد يقول آية الله النائيني (حفظ وحماية الأنظمة الداخلية للدولة والتربية النوعية للشعب , وإيصال الحق الى صاحبه, والحيلولة دون حصول عداوات بين أفراد الأمة وغير ذلك من الوظائف المرتبطة بمصالح الشعب والدولة)(تنبيه الأمة وتنزيه الملة: ص7 /النائيني ) , وقد عرفه الشيخ محمد مهدي شمس الدين في كتابه (نظام الحكم والأدارة في الإسلام ص440 ) بأنه (إدارة شؤن المجتمع على نحو يجعل حاجاته المادية والمعنوية ميسرة قدر الأمكان , وتنظيم علاقاته الداخلية) . أن أهمية هذه القاعدة للمجتمع الإنساني بمكان جعل الأمام علي ع يقول (والِ ظلوم خشوم , خير من فتنه تدوم )(غرر الحكم ودرر الكلم:ج6 ص236 /عبد الواحد الآمدي ).
20-قاعدة التعاون: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)(المائدة:2 ), والحديث النبوي يقول (الله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه) , ولا يُخفى أهمية هذه القاعدة التي تقوم على حث التعاون على المستوى الداخلي والخارجي ,حيث أصبح التعاون والتكامل بين الحكومة مثلاً والبرلمان في الحكومات الديمقراطية أمر غاية في الأهمية في البناء والتطور , وتأكيد السلم الأهلي , كما أن التعاون مع الدول الأخرى يُزيد من فرص البناء والتنمية , والتأسيس للسلام بينهم .
21- قاعدة الصلح (وان جنحوا للسلم فأجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم)(الأنفال:61 ). فالسلام هو الهدف الأستراتيجي للنظام السياسي الإسلامي , كيف لا وأن الله هو السلام. والصلح يفيد أنهاء المنازعة والمخاصمة بين المتخاصمين , وتفضيل السلم , والتأكيد عليه . فالسلم هو الحالة الدائمة في الأسلام , فرسول الله يقول (أيها الناس لا تمنّوا لقاء العدو , وسلوا الله العافية)(البخاري ج3 ص1038 ) , وقد جاء في عهد الأمام علي ع لمالك الأشتر (ولا تدفعنّ صلحاً دعاك إليه عدوك , ولله فيه رضى, فأنّ في الصلح دعة لجنودك , وراحة من همومك, وأمناً لبلادك)(نهج البلاغة ) , وهذا يتضح أن الأصل في الإسلام هو الصلح , والحرب هو الأستثناء, والبناء على هذه القاعدة يعني الحرص على السلام والأمن سواء على مستوى الداخل والخارج , مما يؤسس لحالة من السلم الأهلي والدولي , وهي حالة تمثل أمل كل شعوب العالم , الذي يقود الى حالة من الأستقرار , وهو ركيزة أساسية للبناء والتنمية لكل البلدان والشعوب. يتبع
أياد الزهيري
#أياد_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟