أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - العقل المفكك وبعثرة المقاومة















المزيد.....


العقل المفكك وبعثرة المقاومة


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7978 - 2024 / 5 / 15 - 13:09
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الانسان وحده يولد ويموت وبواسطته ياتي الموت الى العالم، ذلك أن الأشياء في ذاتها اي مجموع الكينونة الكلية فإنها خارج حدود الموت والحياة وخارج منطق الفناء والدمار، الإنسان وحده يمكن ان يولد ويمكن ان يموت. الأشياء تكون لا أكثر ولا أقل. والإنسان أيضا هو الكائن الوحيد الذي يبحث عن معنى العالم والأشياء ويتسائل " لماذا هناك أي شيء بدلا من لاشيء " السؤال ما زال مطروحا على الفلسفة المعاصرة و" ليبنتز " ما يزال ينتظر الإجابة، رغم تشخيص برجسون لهذا السؤال بأنه سؤال لا معنى له. " لماذا هناك أي شيء بدلا من لاشيء " وبالذات حين نعتبر أن لا شيء " أكثر بساطة وأكثر سهولة من أي شيء " ولا شك أن هذا التساؤل الأولي هو الذي قاد وما يزال يقود خطى الفكر الإنساني منذ بارمينيدس. وربما منذ ذلك الوقت حدث هذا الجرح، ليس الجرح " النرجسي " المتعلق بالذات والذي يتحدث عنه علماء النفس، وإنما جرح يتعلق بالكوجيتو وعلاقة الوعي بالعالم، وهذا الشرخ الذي جعل الإنسان يدرك العالم مزدوجا، كعالمين متناقضين يكاد ينفي أحدهما وجود الآخر. الأبيض والأسود، الليل والنهار، الخير والشر، الذكورة والأنوثة، الفراغ والإمتلاء، الفرد والمجتمع، العيني والمجرد الرطوبة واليبوسة، الأنا والغيرية، الوعي واللاوعي، السالب والموجب، الكينونة والعدم … وربما داخل كل قطب من هذه الثنائيات يتكون شرخ آخر يولد نقيضه ويتجاوزه إلى ما لانهاية. على المستوى الفكري يبدو أن القضية واضحة، بواسطة الديالكتيك الهيجلي يمكننا قراءة حركة الفكرالمستمرة وتموجاته التي لا تتوقف، المشكلة أقل وضوحا فيما يخص الأفراد والمجتمعات والتاريخ، حيث ندخل منطقة الضباب والغيوم وتتبلبل الرؤية وتتشابك الآراء. وبالذات في هذا العصر منذ بداية القرن الجديد حيث يبدو أن الإنسانية تمر بإحدى هذه المراحل العصيبة التي يمكن أن تشكل بداية لتغيير جذري في بنية الإنسان ذاته وفي صميمية الواقع الإنساني. لقد عرفت البشرية مراحل سابقة مماثلة تمكنت من تجاوزها ونسيانها وساهمت في تقدمها وتطورها فكريا وعلميا وصناعيا، ولذلك فإن هذه المرحلة، مهما كانت طبيعتها فإنها ستمر بدورها كما مرت المراحل السابقة، بل ستتحسر عليها الأجيال القادمة وستردد كما يردد الكثير اليوم " أيام زمان لم تكن الأمور سيئة كما هي اليوم ". فالأمور هي على الدوام أحسن في السابق من الحاضر بالنسبة للعقل الإنساني " الإيجابي " وهذا ما يفسر صعوبة النقد الجذري للواقع الإجتماعي من قبل ما يمكن تسميته بالعقل الناقض أو"السلبي"، لأن هذا النقد يحتوي ويوحي ضمنيا بإيجابية الماضي وتفوقه وقدسيته بالنسبة للحاضر الذي نحلله ونطالب بتغييره. المجتمع الإيجابي أو " الأغلبية " من المواطنين والمؤسسات التابعة للدولة وللمجتمع تعمل بطريقة متواصلة وبدون كلل على إستمراية الأشياء كما هي أو الرجوع بها إلى ما كانت عليه في الماضي. غير أنه من الضروري كما قلنا في البداية من إنبثاق النقيض في قلب كل ظاهرة، فالأغلبية تتطلب ضمنا وجود الأقلية التي تسندها وتكونها كأغلبية، وفي نفس الوقت الأغلبية هي التي تفرز الأقلية وتحددها كأقلية سلبية، مناقضة، مهضومة الحقوق ومشبوهة. غير أن الأغلبية ذاتها تتكون من مجموعات بشرية مختلفة ومتنوعة وذات مصالح متضاربة ومتناقضة، والفكر الإيجابي هو الذي يوحدها ويؤسسها كأغلبية متماسكة ومتناسقة. كما أنه ليست هناك أقلية واحدة وإنما أقليات متعددة تساند بعضها البعض أحيانا كما قد تتصارع وتتناحر في أغلب الأحيان .. أما الإنسان الفرد المكون للمجتمع فإنه متحرك ويمكن أن ينتقل من الأغلبية إلى الأقلية وبالعكس ومن مجموعة إلى أخرى وقد ينتمي إلى عدة أقليات في وقت واحد. وكل فرد حسب وضعه الإجتماعي والثقافي والإقتصادي يجد نفسه أمام عدة إختيارات في حياته الفكرية والنظرية والعملية فيما يخص هويته وإنتمائه. فقد يكون عاملا أو مزارعا، موظفا أو مدرسا، شرطيا أو جنديا، مهندسا أو طبيبا، سياسيا أو رجل أعمال … هذا فيما يخص العمل والجري وراء الرزق و قطعة الخبز، ولكن الإنسان لايعيش بالخبز وحده وطريقة حصوله على الخبز لا تحدد هويته. ولذلك يمكن لهذا الفرد أن يكون رجلا أو إمرأة، مؤمنا أو غير مؤمن بالدين، مثليا أو غير مثلي في حياته العاطفية والجنسية، يحب لحم الخروف أو يفضل الأعشاب والنباتات في وجباته اليومية… وفي جميع الأحوال عليه أن يتخذ موقفا تجاه المجتمع الذي يعيش فيه وطريقة الحياة وأسلوبها التي يقترحها عليه المجتمع، وليس له سوى خيارين لا ثالث لهما : أن يقبل أو لا يقبل العالم كما هو، يقبل أن يعيش كما يريد له المجتمع أن يعيش أم يرفض ذلك ويعيش كما يريد هو أن يعيش. في الحالة الأولى سينتمي إلى الأغلبية الساحقة من المواطنين ويصبح جزءا من المجتمع الإيجابي العملي البراغماتي الواقعي. وفي الحالة الثانية فإنه لايقبل ما يطرحه عليه المجتمع ويصبح من الرافضين السلبيين. وفي هذه الحالة أيضا يجد نفسه أمام خيارين : إما أن يكون متمردا فرديا، يحاول تحسين وضعه والنضال بقواته الخاصه لفرض طريقة حياته بمفرده مستعملا كل ما في قدرته وإمكانياته رغم عزلته ومحاصرته في قلعته الذاتيه لكي يحيا كما يريد وليس كما يريدون ويكون هويته بالصورة التي يختارها بإرادته. أما الخيار الثاني الذي أمامه فهو النضال الجماعي والإنضمام إلى مجموعة أكبر من الذين يشاركونه نفس الهدف ونفس الأمل في التغيير. فيلتحق بمنظمة أو نقابة عمالية إذا كان عاملا أو عاملة، بمنظمة للدفاع عن البيئة أو عن الحيوان أو عن المثليين أو عن المرأة أو عن المعاقين أو منظمات أخرى ضد التفرقة العنصرية، ضد العولمة، ضد الحرب، ضد السجن، ضد التعذيب إلخ. ونلاحظ في كل هذه الحالات عاملا مشتركا ووحيدا يجمعها في قضية واحدة وهي النضال ضد السلطة والهيمنة والتسلط بالمعنى الواسع، والتي تمارس من قبل الدولة ومؤسساتها المختلفة من جيش وشرطة وقضاء وأجهزة التعليم والصحافة والأدب والفن إلخ، ولكن أيضا ضد هيمنة المجتمع ذاته وأوليته على الفرد الذي يعاني من القوانين والعادات والتقاليد الإجتماعية التي تفرض عليه بطريقة سلمية أحيانا وبعنف لا مثيل له أحيانا أخرى. فالنضال مثلا للدفاع عن حقوق النساء أو حقوق المثليين، رغم التقدم الكبير الذي حققته أوربا في هذا المجال من الناحية التشريعية والقانونية، فإن مواصلة هذا النضال يبرره الضغط الإجتماعي المتمثل في العنف والتفرقة والإحتقار وعدم المساواة التي ما يزالون يتعرضون لها. بينما في بلدان العالم المتخلف وبلدان العالم العربي والإسلامي، فالنضال ما يزال قائما وضروريا على الجبهتين القانونية تجاه الدولة ومؤسساتها التشريعية، وعلى الجبهة والإجتماعية ضد العادات والتقاليد الرجالية. وهذا ما يجعل هذه الأقليات الإجتماعية تكون جمعياتها ومؤسساتها ومجلاتها ونواديها للدفاع عن حقوقها وهويتها النسائية أو المثلية أو كمسالم ضد الحرب أو ضد العنصرية أو كنباتي … إلخ. لاشك أن هذا التحليل المبسط لا يقنعنا كثيرا ليس فقط لأنه يعكس الصورة الواقعية للمجتمع كما هو، وكما يريدنا الفكر الممثل له أن نراه، ولكن لأن هذه الصورة هدفها بالذات هو تغطية واقع آخر لا نريد رؤيته وغير محتمل بالنسبة لهذا الفكر. ولذلك فليس غريبا ألا نندهش حين نرى أن النظام الرأسماليالصناعيالديموقراطي لا تزعجه مطلقا هذه الحركات التمردية المتزايدة، بل أنه في كثير من الأحيان يشجعها ويرافقها ويستغل بعض مطالبها للقيام ببعض التغييرات الشكلية في بنية النظام أو إستغلال هذه الحركات سياسيا واقتصاديا وفتح أسواق جديدة للإستهلاك. إن هذه الحركات تمثل بطريقة ما صمام أمان لهذه المجتمعات ووسيلة للتمويه وإلهاء العناصر التي أصابها فيروس الرفض والتمرد، ورغم أنها تمثل بطريقة ما حركة رفض لبعض قيم المجتمع فإنها لا تعين ولا ينظر إليها مطلقا كعدو للمجتمع ولا تنعت بالسلبية أو بالتدميرية، ذلك أن أغلب عناصرها ينتمون للبرجوازية ولا يطالبون إلا بإصلاحات وتغييرات جزئية في النظام. وهذا في نهاية الأمر المؤشر لإنتصار الرأسمالية شبه النهائى، حيث انتهى عصر الثورات الإجتماعية، انتهى عصر صراع الطبقات وانتهى عصر الصراع والنضال ضد الرأسمالية والإستغلال من أجل مجتمع أكثر إنسانية، انتهى عهد الطبقة العمالية المنظمة على مستوى أوربا والعالم. لقد تمكنت الرأسمالية العالمية من القضاء على كل الزخم الثوري الذي ميز نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وتمكنت من تدجين القوى الثورية وتوجيهها لتكوين هذه التجمعات والقضايا المبعثرة والمعزولة بعضها عن الآخر وتشجيع هذه المطالب الخصوصية والتي لا تهم في نهاية الأمر سوى قلة قليلة من المواطنين. الرأسمالية تمكنت من تطوير نفسها لتنهش حقوق العمال وتمكنت من قمع كل الثورات وتحويلها لصالحها وتمكنت من القضاء على كل فكر يناهضها وخلقت حولها فراغا سرمديا يبعث على اليأس وفقدان الأمل في كل فرصة لتحسين وضع الفقراء والمهمشين. الرأسمالية أصبحت هي القوة الوحيدة المسيطرة والمهيمنة على العالم بأسره، غير أن هذه الهيمنة واستعمار الكرة الأرضية من قبل الماكدونالدز والكوكاكولا ونيستلي ونايك وغيرهم من الشركات والمؤسسات الإستغلالية مصحوبة بحاملات الطائرات والقواعد العسكرية الأمريكية والفرنسية والبريطانية، هذه الهيمنة لم تتم بواسطة القوة والسلاح والصواريخ وحدها، كما أن هزيمة وتلاشي فكرة الثورة وتغييب فكرة الصراع الطبقي عن ساحة النضال الإجتماعي وإستبدالها بهذه القضايا الفرعية المبعثرة لم يتم بقوة الجيش والشرطة وأجهزة الإعلام وحدها، وإنما بمساعدة ومساندة جيش من المثقفين والفنانين وفيالق من علماء الإجتماع والفلاسفة والإخصائيين في السياسة والإقتصاد. منتجي الثقافة هؤلاء منذ أكثر من نصف قرن وهم يحطمون حجرا حجرا وفكرة فكرة كل الميراث الثوري وكل ما بناه النضال العمالي خلال قرنين من الزمان، ونظروا وروجوا لأولوية الحرية الفردية على العدالة الإجتماعية.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكينونة كمصدر
- سبحان الله
- عن الوجود واللغة والضجر
- أول مايو وضرورة الثورة
- الكينونة واللغة
- الجنة المفقودة
- بين العبثية والأديان
- كينونة اللاشيء
- قصة النسخة - دوستوييفسكي
- الفلسفة واللغة
- فلسفة - الزمكان في اليابان
- فيكتور هوغو وطفل اليونان
- الكتابة عن الدم والأشلاء
- فلسفة الفراغ اليابانية
- الفكر المنغلق
- عن فلسفة النقل
- من بقايا أوراق السيد نون
- السؤال الذي يقتل
- الفلسفة بين الشرق والغرب
- التصوير أثناء الحرب


المزيد.....




- -معاد للإسلام-.. هكذا وصفت وزيرة داخلية ألمانيا المشتبه به ا ...
- -القسام-: مقاتلونا أجهزوا على 3 جنود إسرائيليين طعنا بالسكاك ...
- من -هيئة تحرير الشام- إلى وزارة الخارجية السورية.. ماذا تعرف ...
- جزيرة مايوت المنسيّة في مواجهة إعصار شيدو.. أكثر من 21 قتيلا ...
- فوائد صحية كبيرة للمشمش المجفف
- براتيسلافا تعزز إجراءاتها الأمنية بعد الهجوم الإرهابي في ماغ ...
- تغريدة إعلامية خليجية شهيرة عن -أفضل عمل قام به بشار الأسد ...
- إعلام غربي: أوروبا فقدت تحمسها لدعم أوكرانيا
- زعيم حزب هولندي متطرف يدعو لإنهاء سياسة الحدود المفتوحة بعد ...
- أسعد الشيباني.. المكلف بحقيبة وزارة الخارجية في الحكومة السو ...


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - العقل المفكك وبعثرة المقاومة