|
السوريون مرتزقة
ريان علوش
(Rayan Alloush)
الحوار المتمدن-العدد: 7976 - 2024 / 5 / 13 - 13:11
المحور:
كتابات ساخرة
استيقظت هذا الصباح مشوش التفكير، تعباً لا أعرف السبب ، ربما نتيجة الأخبار السيئة التي قرأتها ليلا ، لذلك قررت أن أسرِّي عن نفسي فاتجهت نحو مركز المدينة. مركز المدينة حفظته غيبا، فالوجوه ذاتها، هكذا أشعر دائما عندما أكون هناك، فجلست على أحد المقاعد أرقب الذاهبين والعائدين. حقيقة لا أعرف من منهم ذاهب ومن منهم عائد, لكنني أستطيع بخبرتي معرفة ذلك من حركتهم واندفاعاتهم، لقد بات لدي خبرة كافية في ذلك. خبرتي تكمن أيضا بتحديد خلفياتهم من وجوههم، وهنا لا أقصد الخلفية بمعناها الآخر كما ظن بعضكم، وانما أقصد من أي البلاد أتوا. على مقاهي الرصيف جلس البعض، بعضهم يحتسي البيرة وآخرون القهوة، يتحدثون بهدوء، ينتابني الفضول فأقترب من الطاولات، أصيخ السمع، ثم اغادر منزعجا متسائلا: لِمَ لا يتكلمون بصوت عالٍ. في هذا الوقت ألمح مجموعة من الشبان يتحدثون العربية فأسير بالقرب منهم، وهنا لا احتاج للكثير من العناء، فهم يتحدثون بصوت عال "كأنهم في سوق الخضرة"عن الحلال والحرام، عن الصلاة والصوم، عن الحشيش والنساء، و بعد أن باتت أحاديثهم مقرفة غادرتهم على الفور. على إحدى الزوايا كان رجل مع زوجته وأولاده الصغار يغنون، أولاده لا يتجاوزون العاشرة. وقفت مدققا في ملامحهم، منصتا لأغنياتهم. بدا لي من سحنتهم بأنهم من اميركا الوسطى ربما من نيكاراغوا، او البيرو، ومع ايقاعهم المختلف شعرت بأني هنديا أحمر، أمتطي جوادا اشهبا، بيدي رمح، وعلى رأسي ريشة، كنت أطارد مجموعة من الرجال البيض بشجاعة، لكن بعد أن أطلقوا النار عليَّ وقعت أرضا، أوسعوني ضربا، و عندما هموا بنزع فروة رأسي عدت إلى زماني، وانتقلت إلى جهة أخرى قبل أن يعرف اولئك البيض الذين كانوا يقفون بجانبي بم كنت أفكر. بعد أن نقدتهم بيورو انتقلت الى الجهة المقابلة،حيث كانت امرأة افريقية تقف وحيدة، طويلة تلك المرأة، شعرت بأنها تزيدني طولا. كانت تغني بايقاع افريقي، صوتها كان جميل حقا، فسحرني وانتقل بي سريعا إلى غابات افريقيا حيث كنت أرتدي فقط مئزرا من ورق الشجر الذي لم يكن يغطي سوى وسطي، كنت ملك الغابة حقيقة، وكانت الأسود والضباع والذئاب تهابني، ولكن فجأة ظهر لي أناس يرتدون ثياباً ، لون بشرتهم وشعرهم كان باهتا مثيرا للاشمئزاز والقرف، يحملون بأيديهم ادوات لم ارها من قبل، لا اعرف كيف سقطت أرضا فأغمي علي، لأجد نفسي في بلاد أخرى مع مجموعة كبيرة من ابناء بلدي، كان أولئك الرجال يتلمسون اعضاءنا، يقيدوننا بالسلاسل كالحيوانات، لم أستطع الإستمرار، فقد كان المشهد قاسيا فعدت إلى زماني مغادرا تلك الإفريقية التي سبب صوتها لي ألما لم اعهده من قبل. نقدتها بيورو ثم تابعت تجولي. في نهاية ذلك الشارع الطويل صادفت رجلا متسولا وبجانبه كلب، تساءلت: هل يعرف هذا الكلب بأنه كلب متسول؟! ما الفرق بين ان يكون الكلب متسولا او غير ذلك!!, ثم اضفت: لأن يكون المرء كلبا متسولا خير من أن يكون كلبا مرتزقا. لا أعرف كيف خطر على بالي فكرة الارتزاق؟! ربما بسبب الخبر الذي سمعته البارحة عن ذهاب سوريين عن طريق تركيا للقتال كمرتزقة في النيجر! عندما سمعت هذا الخبر لم أهتم لأنه بات عادياً بالنسبة لي، لأنه سبق لطرفي الصراع في سوريا أن أرسلوا مرتزقتهم إلى ليبيا وأزربيجان ، إلى روسيا وأوكرانيا، ولكن رؤيتي للكلب المتسول أعاد الخبر إلى ذهني طازجاً وكأني سمعته للمرة الأولى. فجأة وجدت نفسي أقاتل كمرتزق، وأطلق النار باتجاه أخي الذي انضم إلى الطرف الآخر كمرتزق أيضاً، شعرت بالعار، فحاولت العودة الى زماني. تجمع حولي بعض الناس، الذين كانوا يرددون بصوت واحد: السوريون مرتزقة. حاولت الدفاع عني وعن السوريين قائلاً: هؤلاء لا يمثلون إلا أنفسهم، إنها الحرب وما تخلفه من جوع وتشرد، إنها السياسة المتوحشة، إنهم تجار السلاح وتجار الدين والوهم ، نحن لسنا مرتزقة ولا متسولين، نحن ضحايا. لم يكن أحد ليسمعني، وما أزعجني بتواجد بعض العرب بين تلك الجموع الذين كانوا يرددون بلغة عربية واضحة قائلين: السوريين مرتزقة. مشيت، فمشىت الجموع ورائي، ركضت، فركضوا أيضاً. كانوا في البداية عدة أفراد، ثم أصبحوا بالعشرات، ثم المئات، وصولاً لآلاف الٱلاف، وكان المشهد يشبه كثيراً ما نراه في أفلام الزومبي، حيث يركضون خلفي لا يثنيهم أي شيئ، وقبل أن يقبضوا عليٌ عدت لزماني. كنت منهكا وأكاد أقع أرضاً من شدة التعب والخوف. تلفت حولي. كنت أقف وحيداً لا أحد يهتم بي. وحده الكلب كان ينظر نحوي بنظرات توحي بأنه يعرف كل شيئ، وخوفاً من أن يشي بي، نقدته عشر يوروهات قطعة واحدة، ثم تابعت سيري قائلاً، لئن تكون كلبا مبتزاً خير من أن تكون مرتزقاً.
#ريان_علوش (هاشتاغ)
Rayan_Alloush#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حمير الشرق
-
نبوغ مبكر
-
الماركسيون لا يمثلون الماركسية!!
-
الضحية
-
أمارجي
المزيد.....
-
السعودية.. رحيل -قبطان الطرب الخليجي- وسط حزن في الوسط الفني
...
-
مصر.. كشف تطورات الحالة الصحية للفنان ضياء الميرغني بعد خضوع
...
-
-طفولة بلا مطر-: المولود الأدبي الأول للأكاديمي المغربي إدري
...
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|