|
الشقيقان جلادو على متن التابوت الطائر
فجر يعقوب
الحوار المتمدن-العدد: 1761 - 2006 / 12 / 11 - 07:03
المحور:
الادب والفن
نحن نكتشف العالم بالسرعة القياسية المطلوبة في مهرجان نانت للقارات الثلاث ،وحتى من بعد مرور ثمانية وعشرين عاما على انعقاد أول دورة له يواصل الشقيقان فيليب وآلن جلادو اكتشافهما لمخرجين من هذه القارات ،وكأن صورة هذا المهرجان تأبى أن تتبدل أو تتغير.وقد يبدو اصرار الشقيقين مفهوما حتى من بعد التحولات الجذرية العميقة في العلاقات الدولية على مختلف الأصعدة و"التي لم تترك أيما تأثير على مهرجاننا "- كما يؤكد لنا فيليب في حواره مع "الحياة" ،وهو قد وقع أساسا في غرام السينما الحقيقي بعد مشاهدة أفلام انغمار برغمان ،وكان قد تعود حتى سن السابعة عشرة على أفلام الأكشن الأميركية . قد يبدو مفهوما هذا الاصرار ،لأن مهرجان نانت منذ دورته الأولى لايعنى الاباكتشاف مخرجين من دول تعاني فيما تعانيه من ندرة الانتاج السينمائي كما حدث من قبل مع عباس كياروستامي ،وعبد الرحمن سيساكو ،والناصر الخميرمثلا،وهو الآن مايزال يتواصل بنفس الطريقة ،اذ يكفي أن نشير في هذا السياق الى منح جائزة المنطاد الذهبي للمخرج الايراني سامون سادور عن فيلمه الرائع "كيلو تمر من أجل الجنازة" في هذه الدورة ،وهذا قد يذكر بالحماس الذي يبدياه الشقيقان جلادو تجاه السينما الايرانية ،وهما يعلقان بالقول:"نختلف في أشياء كثيرة حول السينمات القادمة من دول القارات الثلاث – يقول آلن – فيليب يهتم مثلا بالشرق الأوسط (العالم العربي) وافريقيا ،فيما أهتم أنا بسينمات آسيا وجنوب شرقها ،ولكننا نتفق في تقديرنا للسينما الايرانية .يكفي أن أتذكر هنا أمير نادري وأبو الفضل جليلي ...وكباروستامي بالطبع". يؤكد فيليب من جهته إن ظلما كبيرا يحيق بعملية التعريف بهؤلاء المخرجين على مستوى العالم و"هم يقدمون أفلاما لاتقل في جاذبيتها ومستواها الفني عن أعمال أقران لهم في أمكنة أخرى من العالم". من جانبنا تبدو مغامرة اكتشاف هؤلاء السينمائيين وتدوير سمعة عالمية لهم في دورة هذا العام أكثر تبلورا ،فهاهما الشقيقان جلادو يختاران أفيشا للمهرجان هو عبارة عن مشهد من فيلم تايواني يمثل راكبين على دراجة نارية ،وكان بالامكان أن تمر الصورة بهدوء مع صور أخرى اختيرت بعناية من فيلم إيراني وآخر تركي ،لولا أنهما قاما بمغامرة من نوع خاص ،وامتطيا دراجة نارية ليتمثلا بذلك الروحية التي يفكران فيها بخصوص هذه "اللحظة الفالتة من الزمن"- كما يحب أن يسميها فيليب ،فالشقيقان يفوتان استخدام الخوذة الواقية ،وتتحول الدراجة النارية الى تابوت طائر في أقل من ثانية واحدة من عمر هذه الصورة الساكنة ،وهذا قد دفع بجمعية حماية الطرقات في مدينة نانت الى التنديد بفعلتهما "لأننا نقدم مثالا سيئا للنشىء في فرنسا"- كما يردد فيليب جلادو . يقول الشقيقان إن قيامهما بهذا الفعل المخالف لقانون قيادة الدراجات النارية يمثل حرية السينما نفسها التي يدافعان عنها ،وماتفعله "القبعة الواقية هنا في مثل هذه الحالة ،أنها تخنق الحرية المتاحة أمامك وأنت تقتحم المجهول ،وتدعي لنفسك الريادة ...."،ولاينسى هنا أن يقول فيليب ضاحكا :" إن نانت هي مدينة جول فيرن ،وهو منها قد قرر أن يكتشف العام في ثمانين يوما ،وهذه كانت على مايبدو مدة كافية في عصره ،ونحن أخذنا بعين الاعتبار مسألة تقصير الزمن في عصرنا الحالي ،وقررنا أن نكتشف العالم في ثمانية أيام ،وهذه مسألة لانعتبرها عارا كما رأت الجمعية في الرسالة الموجهة إلينا ". يتشعب الحوار في مثل هذه الحالة ،فنسأل عما إذا كان الشقيقان يعتمدان على اكتشاف هؤلاء السينمائيين من خلال مغامرات شبان مجهولين يقصدون مهرجان نانت ،فيقول فيليب :" هذه ليست مرحلة اجبارية كما تلمح في سؤالك ،فالحال هنا يشبه صورة هؤلاء الشابين المعلقين في الأفيش،وقد قررنا أن يكون شعارا لمهرجاننا ،لأننا نعتقد أن هذه مرحلة مفضلة في حياتهم حتى لو كنا الوحيدين الذين يتابعون سينمات العالم الثالث ،كما حصل مع كياروستامي وجليلي ونادري وآخرين,وتنتهز هذه الفرصة لتذكر بحالة صاحب (طعم الكرز) الذي شككوا بالاعتراف الذي حظي به في فرنسا في بلده ايران ،فيعلق فيليب بالقول:" نحن نختار المخرجين الذين يمتلكون مواصفات فنية عالية ،وربما هذا الشيء هو مايزعج هذه الحكومات الكلاسيكية ،وهذا ما يهمنا في نانت ،واذا كان كل من اكتشفناهم شبابا يخرجون على سياسات بلادهم ،فهذه هي شؤونهم التي لانتدخل بها ،فما يحدث عندنا إن هذا شيء عادي للغاية اذ لاتشكل سياسة الحكومات الفرنسية المتعاقبة أي ضغوط على السينما الفرنسية التي تتضرر على سبيل المثال من السياسة الاقتصادية ،ويكون خطر الليبرالية بالتالي حقيقيا على السينما بوصفها صناعة ،ففي عالم تسيطر فيه هذه القوة يصبح صعبا أن تنتج فيلما تتعارض فيه مع السياسات الاقتصادية لها". وحول سؤال يتعلق بالخشية من توجيه "التهمة" إليهما بأنهما يحرضان على اثارة القلاقل في بلدان كثيرة من دول العالم الثالث نتيجة دعمهما لمخرجين لايعرفان الشهرة الا من خلال نانت يقول فيليب :"هذه فكرة خاطئة من أساسها ،ونحن ليست مشكلتنا أن حكوماتهم تعارضهم ،ونحن لانشجع بالتالي هؤلاء الشباب على معارضة حكوماتهم ،ولاعلاقة لنا بأي ازعاج قد يتسببون فيه لحكوماتهم .نحن نحب السينما مثلهم تماما ،وما يفعلونه في بلادهم لاشأن لنا به .خذ على سبيل المثال صورتنا على الدراجة النارية من دون واقية الرأس ،فلولا عشق السينما لما ارتكبنا هذه المخالفة ،ونحن نعرف أن قوانين بلادنا تمنع قيادة الدراجات من دونها ،فكيف اذا انتشرت الصورة عبر الأفيشات في كل أنحاء نانت ". وعن اعجابهما المشترك بالسينما الايرانية يقول آلن ان مهرجان نانت أصبح مشهورا عند الايرانيين "ونحن نأخذ الأفلام الايرانية من دون تمييز ،اذ لاتوجد لنا مشكلة مع أحد ،ويكفي أن يلبي الفيلم المطلوب شروط مهرجاننا حتى نأخذه من دون تحفظ"- وعندما نستدرك بالقول إننا لانشاهد سوى أفلام الاصلاحيين (كما اصطلح على تسميتهم ) حتى يعلل آلن بالقول "إن الأفلام التي تنتجها الحكومة الايرانية في معظمها محلية وتجارية ولاتهمنا وهي لاتتجاوز السوق الايرانية الداخلية"وآلن لايخفي سعادته من أن ايران قد أنتجت لهذا العام مائة فيلم"،فيما يعلق فيليب بالقول :"بالرغم من ذلك تظل أفلام كياروستامي في ايران غير شعبية ،وهو قد أصبح مشهورا خارج بلاده مثل غودار الذي لايعرفه كل الناس في فرنسا ،فيما هو قد تحول الى أيقونة خارجها". من جهته لايخفي آلن هذه الرغبة المتأججة بالاكتشاف ،وكنا قد سألناه من قبل أن يعرف بتنديد الجمعية بخرقهما للنظام العام ،فيقول:" نحن اخترنا الصورة من فيلم تايواني من دون التلاعب بها ،وكانت احدى الصحفيات قد قررت أن تلتقط لنا صورة حيوية وديناميكية مثلها ،لهذا فإن اكتشافنا لسينمات القارات الثلاث انبثق بالدرجة الأولى من الثقافة السينمائية المتوازنة التي نعتمد عليها في خياراتنا، وما فعلته أنا وشقيقي فيليب أنه قررنا منذ بداية السبعينات أن نعمل شيئا لم يوجد من قبل في أوروبا ،وهكذا أخذنا عصا الراعي وذهبنا الى الهند والمكسيك والبرازيل ومصر وتونس ومالي وايران واكتشفنا أشياء لم يكن ممكنا أن تظهر لولا زياراتنا ،ونحن نعي تماما أن خارطة السينما لم تكن يوما حكرا على الأميركيين ،فكما كانت فرنسا السباقة في تقديم السينما الأميركية للقارة الأوروبية آلينا على أنفسنا أن نكون أول من يقدم سينمات القارات الثلاث في مهرجان من هذا النوع". وعن سؤال يتعلق بالمعايير التي يختارون الأفلام من خلالها يقول آلن :"المعايير تكمن في دقة الصورة السينمائية وعناصرها وادارة المخرج لها "لا – وعما اذا كانا يتساهلان مع بعض الأفلام "الفقيرة" يشدد آلنى على أنه مامن سبب للتساهل أبدا ف"نحن نشاهد الأفلام من دون السؤال عن الجهة التي قدمت منها".وعن سؤال عن العقل المحرك للمهرجان يقول فيليب ضاحكا :" على الدراجة النارية نكون على نفس المستوى – ويضيف – كل واحد فينا له مكانه على خارطة المهرجان".وعن الحضور العربي الضئيل لهذا العام ،باستثناء فيلم لبناني لميشيل كمون ،يقول فيليب :"الأمر لايتعلق بكوننا لانريد ،ولكننا لم نجد المستةى الذي يتناسب مع اختياراتنا لهذا العام بالغم من كثرة الأفلام التي قدمت الينا من بلدان كثيرة عربية وافريقية ،ونحن لامشكلة لنا مع أحد". قد يطول الحوار معهما الى مالانهاية ،فهما يختزنان ذاكرة مهرجان نانت ،تشهد على ذلك ماري ،زوجة فيليب التي تدور في الأروقة الخلفية وهي تهتم بكل المشاكل الادارية والتقنية ...وتبتسم للضيوف مهدئة من روع هذا وحنق ذاك ،لأنه لم يجد تذكرة ليشاهد فيلما لساتياجيت راي (الأسطورة) ،أو فيلما أرجنتينيا سرت شائعات من حوله أنه قد يختطف المنطاد الذهبي .طبعا لايتوقف منسق المهرجان بما يخص العالم العربي ماهر عنجاري عن التأكيد على مسامعنا إن الاهمال العربي لم يعد مقتصرا فقط على شح الانتاج السينمائي في البلاد العربية ،ف"هاهي تجارب شباب في دول تعاني من ركود على كل المستويات تظهر لنا فتنة هذا الفن وروعته"- ويضيف عنجاري ينبغي لنا أن نفهم سر هذا التقصير ،فكما ترى فإن سهم المهرجان قد توجه بقوة هذا العام نحو ايران وتايلند وماليزيا والصين والفلبين ..و..و "،ويتوقف قبل أن يكمل ،لأن الأفلام التي جيء على مشاهدتها في المهرجان كانت على درجة عالية من الاحساس بالمغامرة والقدرة على تسجيل الخروقات في بلدان المنشأ..!!
#فجر_يعقوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أفواه وأرانب
-
صنع الله ابراهيم يستسلم لروحانيات الآلة الكاتبة
-
تلك القائمة
-
الصورة الانكشارية
-
في فيلم رشيد مشهراوي الجديد
-
انفلونزة كونية
-
دمشق في السينما
-
الماكييرة الصلعاء
-
الصورة أصدق انباء من الكتب
-
عنف أقل
-
وجوه معلقة على الحائط للبناني وائل ديب:الغائب الذي يعذبنا با
...
-
الآثار العراقية في فيلم وثائقي
-
جان جينيه والارتياب على آخر نفس
-
لأدوية البطولية بحسب بودلير
-
في فيلم باب المقام لمحمد ملص حلب لم تتغير.. بورتريهات شيوخ ا
...
-
سيناريو لقصي خولي:يوم في حياة حافلة سورية
-
سوردا للعراقي قاسم عبد
-
الحياة معجزة
-
فلسطين ذلك الصباح
-
باربي الجزيرة
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|