محمود جلبوط
الحوار المتمدن-العدد: 1760 - 2006 / 12 / 10 - 09:23
المحور:
الادب والفن
هناك , حيث لا يدري إن أول الأشياء كانت أم نهايتها , كان يتوسد الصمت , يقتات أحلاما , هبت ريح..
من رائحتها أدرك أنها ليلة خريفية ...كيف يعرف والزمن قد تاه على قارعة الذاكرة في رأسه المشوشة ؟
من رائحتها التي حملتها الريح.....
هو يلمس الريح , فيدرك من أنامل أطراف تفاصيلها الحارة حبا تكون أو صقيعها , لما يتوه الزمن فيه سراديب الذاكرة ..
كانا معا ..أين كان هذا ؟ أكان من قبل ؟ أكان من بعد ؟ لاشيء له معنى ....المعنى هي , وجودها إلى جانبه , تاه الزمن على قارعة الذاكرة , فقد تفاصيله , لونه , روحه , صوته , ساعته ,
وراح يجوس أزقتها التي تاهت على تخومها الفصول , نائما , صاحيا , أو ما بينهما ...
هناك على تخومها , تاهت على قارعته , وأضاع آلاف آلاف الأميال من الآمال , وانطوت في روحه المئات المئات من طمي الآلام , فترسب الحزن على تخوم الذاكرة ملحا , فغدا العمر مالحا ...
تشابكت الأحلام ... كثيرة وكثيرة كانت الأحلام ...نزفت في تفاصيل التحولات مابين حقبة الطفولة وحقبة الشباب , ووصل حقبة الخريف مؤجلا ...
أخيرا أتى الخريف على أجنحة الليل حارا , يتسلل مكتظا بالتوجس , يوقظه , يعيد للقمر ضياءه....
أهي رائحة الخريف أم الحزن ؟ أم شحوبا بينهما ؟ ماذا كانت ؟ أكانت من حديث الآخرين عنهما أم كانت هما ؟
يتسلل من الذاكرة إليه عبير الأماسي البحرية فيجتره , وتكتظ الليالي الخريفية بالتوجس , وتندفع في تلافيف القلب مغامرة , وعندما تقول شفتيها : أحبك , يسقط وردة ....
لم يقل لها : وأنا أيضا أحبك , لم يبح بما أوقظه ولا ما طويلا قد أنامه , قال لها أصدقك , أحترمك....
وراح ليلة يكون لها أكثر من أي وقت مضى , وصار على نفسه أقل سيادة....
ويدور الفرح ويدور , و لكنه لا يصله.....
أما كان ينبغي أن تكونه وأن يكونها ؟ بلى ...لكنه خشى...
ليلة راح يحلمها , يتذكرها , فما علم عن روحه شيئا ...ماكان موقنا من شيء مثل يقينه أن الليلة تختبيء ما بين عيونها وشعرها ....
ذات ليلة خلعت عنه قميصه وارتدته وراحت تفرد أكمامه الطويلة وتضمه كجناحي بجعة فطارت وطار معها ..
ترى أتعي لعبة الزمن ؟ ترى لماذا عن خبث لبست قميصه وفرت بعيدا وراحت بخطا بجعة ترتسم ثنيات أسرار على تخوم الأحلام فيه ؟
لو تستطيع بيسر ليلة أن تسكن إحدى كهوف القلب كيفما اتفق , لا يهم أين ولا كيف , المهم أن تصبح من زمنه وكفى...
أيها الليليون , أيها النهاريون , أيها الحزانى , أيها المتفائلون , لا تنسوا : أن الزمن هو أحلام الحياة قبل أن يوقظها الموت.. دعوا الريح تهب فيكم فتشعل في الرماد جمراته , دعوها تحت منكم بعضا من طمي الأحزان , وتزرع على تخومكم أهداب الخريف نداءا للحياة....
#محمود_جلبوط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟