أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - بين الثلج والنار















المزيد.....

بين الثلج والنار


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7975 - 2024 / 5 / 12 - 15:52
المحور: الادب والفن
    


في آلنهاية أو في آلبداية أو ما بينهما طيف شفيف غير مرئي جزء منا يعيش فينا ينفصل عنا يتوغل يتغلغل نُحِسّه لا نفهم هَسيسَه كمثل جمرة جامدة تسكننا علينا في لحظة ما نرويها قبل تَرْمي رِئتُنا رِئتَها نفثةً من زفرات حياتنا هوووف نلقيها دون تفكير في سديم مجالات مُشرعة على أحلام كآلمحال تنوس بين حياة وموت في رحم برزخ نولد نرتع نندثر نَمَّحي وتنتهي الحكاية لتبدأ من جديد ...
تيمَسّي تَرْغَا العافَشْتْ تَقَّادْ آدْفَلْ يَتْشاتْ (١) .. نار حُطمة وما يقع تحتها لا تدرك حتفه غير كوابيس إشعال وإخماد النيران .. رغم ذلك، تهفو إلى حمأتها فرائص آلمقرورين المرتعدين .. إنها في آلقعر ملاذ في الليالي مهلكة في آلصمائم نعمة تطهو خبز آلجائعين شفاء آخر آلأدواء كي نقمة يستعيذ منها أنام يتقرب إليها هيام قابعة تراها أبدا مزمجرة تحطم غضاريف الأشقياء تخرب أفئدتهم عند هبوب سموم الشرقي نهارات آب آلقائظة تسلب آلأرواح بشَرر هُباب يتدفق كحمم البراكين يعرج إلى السموات جبروتُها ثم ينزل هاويا على الوجوه يشلحها على العيون يفقؤها وآلآذان يصْلِمُها والعظامَ يفتقها والجلود يسلخها مخلفا آثارا لا تزول تُوَرَّثُ المسوخ في الدماء والسحن والنفوس المكلومة ...
لست أدري لِمَ تقترن آلنيران بآلبرودة في مخيلتي آلملتبسة، فما إن أتأمل أحدهما حتى يعن لي آلآخر من حيث لا أحتسب شاهرا كينونته ها أنذا، فتخطر في خطراتي حروف ألْفَتْ نفسَها تحوك ما تحوك من حياكة عبر إقران هذين التوأمين آلشقيقين آلمتنافرين آلملتحمين آلمتباينيْن آلمفترقيْن اللذيْن يشكلان توازيا دلاليا تتهادى أنساجهما بين بياض ثلج حارق وحمرة لهب لافح وبحار ماء مسجورة وسعير بارد وحريق جليد وعواطف جياشة ترتعد من شدة هذيان هوس بيبولير..قد توجد نار مضطرمة في أرواحنا آلكابية، يهمس فان آلمتقد لكوخ آلمتجمد، لكن لا أحد يستدفئ بها، والذين يمرون بها وبنا لا يرون إلا خيطا رفيعا من دخان أزرق أصفر يستحيل أبخرة من رماد تتيبس تتصلب تتجلد أنساغه كما تتجعد غرارة آلأعمار في بداية آلأسفار...
كتب "باربوس" رواية "النار" عام 1916 أي بعد أزيد من عشر سنوات من كتابته جحيمَه الذي صدر مطلع القرن الماضي (L Enfer 1908) ... يوظف (هنري باربوس) هنا تقنية المذكرات راصدا لعنة الحرب الأوروبية الأولى و يبدو أن كاتبنا قد تخصص في هذا النوع من المقاربة النفسية التأملية للوجود الحربي للإنسان في هذا العالم .. مقاربة تذكرنا بمقاربة الألماني " ايريك ماريا ريمارك " في روايته " لا جديد في الجبهة الغربية " أو " كل شيء هادئ في الجبهة الغربية " (1929) ... الوقت متأخر واليوم ضائع ولم أفعل شيئا حتى الآن .. ذاك ما باحت به الشخصية الرئيسة لنفسها منذ البداية .. لم أبرح مقعدي المواجه للركن الذي توجد فيه المرآة وقد بدأت الغشاوة تغزوها، ويتراءى لي وجهي بيضاوي الشكل، كأني أسترق النظرات خلسة إلى أعماق نفسي التي تبدو أشبه ما تكون بمقبرة .. “ (٢)
وإذا كانت بداية جحيم (هنري باربوس)، فإن (هنري ترويا) ابتدأ جليده بذاك الهدوء الذي يسبق عادة العاصفة، وأي عاصفة ..
( L air était pur et froid. Toutes les montagnes, rangées en demi-cercle, assistaient au départ du troupeau. Isaïe marchait devant. Les bêtes le suivaient de près, serrées flanc à flanc,en balançant leur dos laineux et leur chanfrein busqué. Le bélier était parmi elles, avec ses cornes tordues et son odeur. Il se laissait porter, songeur, inutile, par le courant. De temps en temps, Isaïe se retournait pour voir son monde. Quand on abordait une plaque de neige, les moutons paraissaient tout à coup plus sales. Ils trottaient en bêlant, happaient, ça et là, une brindille craquante. Après leur passage, l étendue blanche était souillée par une longue traînée fangeuse, où des bouquets d herbe rare frissonnaient au vent .. )

نحن هنا بين نار وثلج أو بين كاتبيْن يكتبان بالفرنسية .. أحدهما استغرقته فضاءات الجحيم والنيران والحروب والآخر استهواه التراث الروسي بآدابه وتراثه وطقوسه وأجواء الثلوج في أنحائه الرحيبة .. هو الكاتب " هنري ترويا " ذو الأصول الروسية، لذا كان من الطَّبَعِي أن يحن إلى تلك الأجواء بما لها وعليها، بينما كان "هنري" الآخر، أقصد "هنري باربوس" محصورا مطوقا بين جحيم الحروب لا يبرحها بما فيها من دماء وموت دون عــزاء .. انها كتابة الثلج والنار، البياض والحمرة، التصلب والذوبان حد الانصهار .. كتابة تبدو في الوهلة الأولى متناقضة بين مكونيين لا يترادفان في عالم الواقع لكنهما في دلالاتهما الرمزية تركيبة لتيمة واحدة هي : الموت في تجلياته المختلفة، بما في هذا الموت من انحدار وانهيار نحو عوالم الدرك الأسفل من الحياة أو حياة اللَّاحياة .. إذًا، نحن أمام اسمين لمسمى واحد : ثلج + نار + هنري + هنري = معاناة عذاب القر والحر، معاناة الجليد وجؤار الحريق .. معادلة تودي بنا مباشرة إلى شيء آسمه : السعير المتطرف في دركاته الدُّنَى ودرجاته العُلى .. تلك هي إذن صورة أوربا القرن العشرين المفعمة بالمتناقضات والمفارقات والتعالقات الغريبة المتشابكة التي أودت بأرواح ونفوس الكثيرين ليس في القارة العجوز فحسب بل في جميع بقاع العالم .. يبدو أن آرتباط الماء بالنار والجليد بشواظ اللهب ليس جديدا، حتى عذاب الآخرة يوقع أثره على جبين الملعونين بميسم القر والحر، حتى دورات الفصول الأربعة حتى البحار تسجر " إذا البحار سُجِّـرَت " حتى النيران تتحول هويتها من إحراق إلى برد وسلام " يا نارُ كوني بردا وسلاما على إبراهيم " (٣) .. أستحضر هنا رمزية "الماء" و"النار" عند بعض شعراء الشعر الحديث حيث يتم التركيب بين ما يبدو متناقضا في توليفة واحدة تجمع المختلف في الظاهر لتجعله متوحدا في الباطن .. يقول "علي أحمد سعيد" مثلا وهو يرمز لنفسه ب " أدونيس / الماء " ولأبيه ب " النار " واصفا موت هذا الأب محترقا بلهيبها :
"يا لهب النار الذي ضمه
لا تك بردًا
ولا ترفرف سلام
ففي صدره النار
التي كُوّرت أرضا
عبدناها وصيغت أنام "
وفي القرآن الكريم جمعٌ بين الحرارة والبرودة في أكثر من موضع لعلي أقتصر على نار ابراهيم عليه السلام لما غدت بقدرة خارقة معجزة بردا وسلاما .. (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ) (٣) .. قال بعض العلماء : جعل الله فيها بردا يرفع حرها، وحرا يرفع بردها، فصارت سلاما عليه .. قال أبو العالية : ولو لم يقل " بردا وسلاما " لكان بردها أشد عليه من حرها، ولو لم يقل "على إبراهيم " لكان بردها باقيا على الأبد ...
النار حتم لا بد منه .. ( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ) (٤) ولولاها لما آكتملت كينونة الإنسان .. هي عافيته دواؤه البلسم .. آخر الدواء الكي .. من هنا نفهم إطلاق اللسان المغربي (العافية) التي بمعنى اكتمال الصحة على (النار) .. هي حرارة الحياة في توازنها إذا آشتد أوارها في دنيا الأنام انقلبت صهارة بركان يمور طوفانا جبارا لن ينجو منه حتى الذين فروا يصعدون إلى الجبال ...

☆إشارات :
١_تيمَسّي تَرْغَا العافَشْتْ تَقَّادْ آدْفَلْ يَتْشاتْ : اتقدت النار اشتد لهيبها وسط أتون الثلوج المتراكمة
٢_هنري بارباروس، الجحيم
٣_سورة الأنبياء
٤_سورة مريم الآية ٧١



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَاتَ اليَوْمَ فُلَان
- يَااااا
- إِنَّهَا تَسْقُطُ وَكَفَى
- وَشَقَائِق نحاف بألبسة آلزفاف
- أشْياء عاديةٌ جِدا
- بُعَيْدَ مُنتصفِ آلليلِ أفقْتُ
- تِيْتْ إيغْنَانْ
- حَدِيثُ آلنِّسْوَةِ الّذِي لَا يَنْتَهِي
- هْدَا أُورْدَا هَدِّيغْ
- لَيْلَةٌ أُخْرَى مَوْؤُودَة
- وَبَقَايَا مِنْ كُلِّ شَيْء
- السلام عليكِ خالتي
- تِيخْتْ نَتْمُورْتْ
- وَأَقْمَارٌ كَأَنّ آلْأرْضَ فَاحَتْ
- جَابُوهْ جَابُوهْ آسَعْدَاتْ مُوهْ أُو بُوهْ
- غير لَطْيَارْ بَاكْيَا بَنْوَاحْ وُلْدَتُو لَحْزَانْ
- لَالْ الرَّيْ دَشْوارْ
- لِمَ لَا أَفْعُلُ ذَلِكَ .. لِمَ .. !؟ ..
- آذار حَسِير
- سَلَامٌ يَطْفِرُ بِسَخَاءٍ مِنْ عَيْنَيْ الْأُمّ هَادِي


المزيد.....




- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - بين الثلج والنار