|
الانثروبولوجيا الماركسية وتمرحل أنماط الانتاج
ثامر عباس
الحوار المتمدن-العدد: 7975 - 2024 / 5 / 12 - 10:12
المحور:
الارشيف الماركسي
على الرغم من اندياح صيت العقيدة الماركسية على مستوى جهات العالم الأربع ، بسبب كونها من أكثر الفلسفات تعبيرا"عن التصورات (العقلانية) ، وأشدّ المنهجيات تمسكا"بالأساليب (الواقعية) . إلاّ أنها وبرغم ذلك – وربما بسبب طابعها الكوني ونزوعها الشمولي – تعد من أكثر الفلسفات عرضة لسهام (النقد) وطعون (المراجعات) منذ أن أبصرت النور عند منتصف القرن التاسع وحتى يومنا هذا ، ليس فقط من جانب خصومها العديدين وأعدائها المتنوعين فحسب ، وإنما من قبل المنتمين إليها والمحسوبين عليها من مختلف تيارات الأنصار والمشايعين أيضا". ولما كانت الماركسية تتكون من ثلاثة أقسام رئيسية هي ؛ المادية بشقيها الفلسفي والتاريخي ، والاقتصاد السياسي ، والشيوعية العلمية . فقد أثيرت حول الأقسام المتعلقة بقضايا التاريخ وشؤون المجتمع الكثير من التساؤلات والعديد من الإشكاليات التي لا يبدو أنها ستقف أو تنتهي عند حدّ معين ، طالما أن مباحثها تتناول تلك القضايا بطريقة أعمق وأوسع مما تفعل بقية الأقسام المعنية بالجوانب الفلسفية المجردة . ولعل مسائل من مثل ؛ مراحل التطور الاجتماعي ، وأنماط الإنتاج الاقتصادي ، والتشكيلات الاقتصادية – الاجتماعية ، كانت الشغل الشاغل لأجيال متعاقبة من المنظرين والباحثين الماركسيين ، الذين حاول كل واحد منهم إثبات وجهة نظره الخاصة حيال الكيفية التي تعمل بها السيرورات والديناميات والتفاعلات المسؤولة عن حصول التغييرات والتطورات في البنى والأنساق والسياقات ، على إيقاع الأواليات الجدلية التي تخترق الظواهر الاجتماعية عموديا"وأفقيا"لتعيد تشكيلها على نحو دائم . وفي هذا الإطار ، فقد تربعت مقولة (التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية) وما يترتب عليها ويتمخض عنها من (أنماط إنتاجية) متنوعة ، صدارة الجدالات النظرية والنقاشات المنهجية لا على مستوى العالم الغربي بصيغ فلسفات ونظريات ومنهجيات فحسب ، بل وكذلك على مستوى العالم الشرقي ولواحقه بصيغ خلافات واختلافات وتقاطعات . ففي الوقت الذي لم تعد فيه الأطروحة الماركسية التقليدية حول التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية الخماسية (المشاعية ، والعبودية ، والإقطاعية ، والرأسمالية ، والشيوعية) تحظى بالقبول والموافقة من لدن الكثير دون نقاش أو تساؤل كما لو أنها معطيات تعلو على الواقع وتتسامى فوق التاريخ , بحيث ينظر إليها كمعيار مطلق لكشف ميول (الأصدقاء) أو (الأعداء) الافتراضيين ، سواء ممن ينتمون الى معسكر اليسار أو ينخرطون في مواقف اليمين . ولذلك فقد أظهرت الدراسات والبحوث التاريخية والاقتصادية والاجتماعية اللاحقة التي أنتجها طيف واسع من الماركسيين (الجدد) ، ان جدليات التطور والتغير في المجتمعات البشرية من التعقيد والتشابك والتفاعل بحيث لا يمكن حشرها ضمن أطر نظرية ثابتة أو صبها في قوالب إيديولوجية جامدة . وهو الأمر الذي حدا بالانثروبولوجيان الغربيان (كريس هان) و(كيث هارت) تضمين كتابهما المشترك (الانثروبولوجيا الاقتصادية) ، بعض الإشارات والملاحظات المنهجية التي مؤداها (( ان أفكار ماركس عن تعاقب أنماط الإنتاج في التاريخ هي ، في أحسن حالاتها ، أفكار تمهيدية )) ، مثلما ان (( الانثروبولوجيا الاقتصادية عند ماركس هي مجموعة من البناءات التحليلية عن نمط الإنتاج الرأسمالي ، يعدّلها وعي العالم الذي سبق الرأسمالية ويقع خارج نمطها )) . والحقيقة ان هذه الإشارات والملاحظات لا تعدو أن تكون تتويجا"لسلسلة طويلة من السجلات المتقادمة والتحليلات المتراكمة ، التي اندلع النقاش حولها منذ خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي تعبيرا"عن طبيعة الانقسامات الحاصلة داخل المعسكر الشيوعي - الماركسي ذاته حول جملة من القضايا الفكرية والمنهجية التي لم يعد ممكنا"تخطيها أو تجاهلها . ففريق أول استمر مصرا"على التمسك بالمقولات والأطروحات التقليدية التي تعكس الصور النمطية لسيرورة التشكيلات (الخماسية) ، دون السماح بإدخال أية تعديلات يمكن أن تحيد عن الصراطات المستقيمة التي أضحت من جملة عوائق تطور العقيدة الماركسية . في حين ارتأى فريق ثان ضرورة إخضاع تلك المقولات والأطروحات لسنّة التطور الاجتماعي ، ليس فقط تمشيا"مع المنهجية الديالكتيكية للماركسية التي شكلت حجر الأساس في منظوماتها فحسب ، وإنما لمواكبة التحولات النوعية التي لا تفتأ تتعرض لها المجتمعات الغربية والشرقية على حدّ سواء . وفي خضم تلك السجالات والجدالات العاصفة والساخنة في بعض الأحيان ، ظهرت العديد من الآراء والأفكار الداعية الى الخروج عن قوالب النسق التقليدي لأنماط الإنتاج (الخماسية) المتداولة ، والتي اجترحت بالأصل كمقاربة لتفسير الإيقاع التطوري في المجتمعات الغربية ، كون هذه الأخيرة لا تستجيب أو لا تتوافق مع أشكال التمرحل الإنتاجي للمجتمعات الشرقية – الآسيوية كما أوضح أصحاب تلك الآراء . وكما لاحظ المؤرخ والمفكر الاقتصادي العراقي (عصام الخفاجي) انه (( في أواخر الستينات وطوال السبعينات كانت الموضة السائدة بين الانثروبولوجيين الماركسيين أن يختتموا دراساتهم العميقة لمناطق أو جماعات معينة بمحاولة البرهان على أن تلك الأشكال من التنظيم الاجتماعي التي درسوها تمثل نمط إنتاج متميز ، فخرج علينا دوبري وراي بمفهوم (نمط الإنتاج السلالي) ، في حين وصفت كوكري فيدوفيتش ما أسمته (نمط الإنتاج الإفريقي) )) . هذا بالإضافة الى (نمط الإنتاج الآسيوي) الذي سبق لماركس أن أشار إليه في إطار تحليلاته لبنى المجتمعات الزراعية ما قبل الرأسمالية ، مثلما (نمط الإنتاج البدوي) الذي اقترحه المؤرخ (بيري أندرسون) لتفسير الطبيعة النوعية لتلك المجتمعات التي لا تزال عالقة بين الطورين البدوي والإقطاعي . أخيرا"، ولأن طبيعة الموضوع لا تتناسب وحجم المسموح به ضمن هذه الصفحة ، فإننا نأمل ان الإجابة عن سؤال ؛ هل يعكس هذا التشظي في المقولات والمصطلحات دلائل (مكاسب معرفية أو انحرافات إيديولوجية) ، ستكون حافزا" لمقالات أخرى .
#ثامر_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دعائم الليبرالية وتمائم البطريركية (مقاربة للحالة العراقية)
-
عوائق الليبرالية في المجتمعات البطريركية
-
الذاكرة التاريخية .. مفهوم واحد ودلالات متعددة
-
مفهوم الجدارة السياسية بين براغماتية الحاكم ودوغمائية المحكو
...
-
الاستدعاء النقدي للتاريخ : قراءة في الأصول المنسية
-
الاقطاع السياسي : نمط فوضوي لتفكيك الدولة واغتصاب سلطتها
-
الطبقة الوسطى العراقية وأوهام وعيها الطبقي
-
الثقافة في حضرة التاريخ : حفريات في ذاكرة الثقافة العراقية
-
ثيمة الماضي في المتخيل الجمعي
-
النظام التعليمي كبنية تحتية للوعي الاجتماعي
-
أطروحات علي الوردي وطبيعة الشخصية العراقية : منظور مختلف
-
متلازمة (الارادة والقوة) بين الغرب والعرب
-
الشرعية الدولية : هل حقا هي شرعية ؟!
-
من لا يقرأ بجد لا يحق له النقد !
-
عقدة الهاجس الأمني لدى الشخصية العراقية
-
التباس وعي (النخبة) العراقية بين خوانق التاريخ وشرانق المجتم
...
-
دلالات مفهوم الانقراض بين الثقافة والمثقف
-
نرجسية أنا (الأوحد) لدى المثقف العراقي !
-
عرض موجز لكتاب ( أثريات الانتلجنسيا : الموروث التقليدي لدى ا
...
-
أسباب انتكاسة التيار (المدني) في الانتخابات المحلية
المزيد.....
-
صوفيا ملك// لنبدأ بإعطاء القيمة والوزن للأفعال وليس للأقوال
...
-
الليبراليون في كندا يحددون خليفة لترودو في حال استقالته
-
الشيوعي العراقي: نحو تعزيز حركة السلم والتضامن
-
كلمة الرفيق جمال براجع الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي ال
...
-
الفصائل الفلسطينية تخوض اشتباكات ضارية من مسافة صفر وسط مخيم
...
-
الجيش اللبناني: تسلمنا مواقع عسكرية من الفصائل الفلسطينية
-
مباشر: حزب النهج الديمقراطي العمالي يخلد ذكرى شهداء الشعب ال
...
-
مظلوم عبدي لفرانس24: -لسنا امتدادا لحزب العمال الكردستاني وم
...
-
لبنان يسارع للكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسرا في سوريا
...
-
متضامنون مع «نقابة العاملين بأندية هيئة قناة السويس» وحق الت
...
المزيد.....
-
مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس
/ حسين علوان حسين
-
العصبوية والوسطية والأممية الرابعة
/ ليون تروتسكي
-
تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)*
/ رشيد غويلب
-
مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق
...
/ علي أسعد وطفة
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين
/ عبدالرحيم قروي
-
علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري
...
/ علي أسعد وطفة
-
إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك
...
/ دلير زنكنة
-
عاشت غرّة ماي
/ جوزيف ستالين
-
ثلاثة مفاهيم للثورة
/ ليون تروتسكي
-
النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
/ محمد عادل زكى
المزيد.....
|