فوز حمزة
الحوار المتمدن-العدد: 7974 - 2024 / 5 / 11 - 14:13
المحور:
الادب والفن
أعوام مضت استنزفت ذاكرته المرهقة بفعل جهد الأيام، ووقت ليس بالقصير جعله ينسى قهوته حتى بردت وسيجارته التي احترقت.
شعور بالغربة والحزن اعتراه حين رآها، كل شيء فيها تغير إلا عيناها.
تلك اللحظة أحضرت تساؤلاً قفز لذهنه، هل ثلاثون عامًا قادرة على استباحة أعمارنا؟!
لم يشغل نفسه في تذكر اسمها، وهل كان يهتم يومًا لاسم إحدى عشيقاته؟!
أربع ليالٍ قضاها معها، حول كل ما حصل فيها إلى حروف وكلمات، رسم بها أبهى صور الغرام والهيام، بعدها تخلص منها كما يتخلص البحر من زبده فوق الرمال فتأتي أمواجه في البحث عن أخرى حتى امتلأ ساحله بالجثث.
أمست عنوانًا لإحدى قصص دفتره الأحمر. شعر أن جسدهِ ينوء بحملِ روح غريبة لا يعرفها. تغيرت أشكال الوجوه وألوان الصور. تداخلت ملامحها وتلاشت ألوانها حتى حروفه تبرأت منه.
هل للأيام عودة ليعيد بها ترتيب السطور من جديد؟!
هل ستمنحه حق الندم ليمحو منها ما تعثر من كلمات؟!
التفتَ صوبها، لم يجد سوى أنفاس مختنقة ورصيف هشمته أقدام المارة القاسية.
هي لم تحتاج سوى نظرة ولحظة حتى تذكرته.
أعاد إليها وجهه الزمن الهارب، دخلتْ للتو بهو الذكريات. شعرتْ بالهواء يملأ رئتيها .. همسه .. عطره .. الدفء الذي كانت تشعر به وهو يحيطها بذراعيه... لم يجرؤ الزمن أن يسرق منها كل ذلك.
هل كان يعلم إنها أحبته؟ أحبت رجلاً يعشق كل النساء، يهيم بهنّ كما تهيم السحب بحبات المطر فتروي أرضًا جديدة كل يوم.
كانت تعرف أن هذا الحب سينتهي مع آخر سطر دخل صفحتها في دفتره.
التهمه النسيان وهضمته الذكرى. عزاؤها أنها ستظل حيةُ على الورق. تستمد أنفاسها من تلك الحروف الملتهبة بالحب، ترتوي من مداد كلماته الغارقة في العشق.
وهي ما زالت تحدق به، تمنت أنْ تقول له:
ـ كم أعشقكَ ؟!
بينما سحبت كرسيًا من جنب الطاولة أمامه فجلست قبالته، لم يلبث طويلاً حتى احتضن يديها الرطبتين بالتعرق بفعل رهبة اللحظة وكأن ذلك اليوم الذي مضى عليه ثلاثون سنة قد عاد بكل ما فيه من وهج وحنين.
لحظات وكلمات ودموع وكانا يسيران بعدها في الشارع كتفا لكتف نحو المجهول.
#فوز_حمزة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟