قبيل العدوان الأمريكى على العراق دعى المركز المصرى الاجتماعى الديمقراطى إلى حوار حول العدوان المرتقب والنتائج المتوقعة، وانتهى الحوار إلى أن الهجمة الاستعمارية الأمريكية على العراق هى جزء من هجمة استعمارية شاملة على المنطقة فى ظل صعود اليمين المتطرف إلى قمة السلطة فى الولايات المتحدة وتحالفه غير المقدس مع قوى الصهيونية العالمية والسير بخطوات واسعة فى اتجاه عسكرة العولمة وتأكيد الهيمنة الأمريكية المنفردة على العالم.وأكد المتحاورون على أن هذه الهجمة التى بدأت بتصعيد القمع الوحشى ضد الشعب الفلسطينى، من المقدر لها أن تشمل بلدان عربية أخرى عبر ضغوط وتهديدات قد يكون بعضها عسكرى وقد يكون بعضها الآخر اقتصادى و – أو- سياسى، كما وصل المتحاورون إلى أن فساد الأنظمة العربية واستبدادها وقهرها لشعوبها سياسياً واجتماعياً مهد الطرق لتلك الهجمة الاستعمارية الجديدة وأن التصدى لها بالتالى يبدأ من إصلاح أوضاعنا الداخلية جذرياً. ووفقاً لهذا الفهم بدا واضحاً أن عبء مقاومة هذه الهجمة الاستعمارية ليس ملقى على عاتق الشعب الفلسطينى أو العراقى فحسب ولكنه ملقى على عاتق كل شعوب المنطقة، ومن ثم انتقل الحوار على الفور لمناقشة ما ينبغى علينا هنا – فى مصر – أن نقوم به لمقاومة هذه الهجمة، وأعرب المتحاورون على أن هذه المقاومة ينبغى أن تبنى على أسس جديد تأخذ بعين الاعتبار الهزائم التى تعرض لها المشروع الوطنى فى العقود الماضية وكذا ما يمكن أن تتعرض له العراق من مخاطر فى ظل قيادة نظام صدام الذى صادر الحريات السياسية وأبعد الشعب عن المشاركة فى إدارة البلاد مثلما أبعده عن المشاركة فى المقاومة بعد ذلك، وكان الوصول لمثل هذه النتيجة معناه ببساطة أن الحوار قد انتهى إلى أن شعار "لا صوت لا يعلو فوق صوت المعركة" والعداء للاستعمار وحده لا يمكن أن يبنى تحالف وطنى، لأن هذا العداء وحده بدون الاعتماد على الديمقراطية والعدل الاجتماعى وبدون انخراط فى تحالفات عالمية إنسانية ولا عنصرية، لا يمكن أن يقود إلا إلى الهزائم، واللذين يعتبرون قضايا الديمقراطية والعدل الاجتماعى قضايا ثانوية أو مؤجلة هم فى الغالب يتخفون وراء رطانة العداء للاستعمار لكى يبرروا بقائهم فى السلطة وفسادهم، ويقدمون للاستعمار – فى نفس الوقت - تنازل وراء الآخر وإذا فرضت عليهم معركة لم يجنوا إلا الهزائم فيما تتوالى انتصاراتهم ضد شعوبهم العزل.
على ضوء هذا الفهم توصل الحوار عبر عدة لقاءات إلى صياغة إعلان تحت عنوان "من أجل مشروع وطنى جديد فى مواجهة الهجمة الاستعمارية الأمريكية" واعتبر المتحاورون أنفسهم "مبادرة تجديد المشروع الوطنى" وهو الإطار الذى شرع نشطاءه فى جمع التوقيعات على الإعلان ونجحت حركة جمع التوقعات بالفعل فى جمع ما يزيد عن 300 توقيع شخصية مصرية متنوعة ومختلفة من حيث المرحلة العمرية والتخصص والانتماء الفكرى - السياسى، وقد شجع هذا النجاح مبادرة تجديد المشروع الوطنى على عقد مؤتمر سياسى فى نقابة الصحفيين يوم الاثنين الموافق 7/4/2003.
جرى الإعداد للمؤتمر على أساس أن الكلمات ستعبر عن كيف يمكن أن تتفاعل قطاعات وقوى اجتماعية مختلفة مع مبادرة تجديد المشروع الوطنى وتم اختيار المتحدثين على هذا الأساس، لكن الحضور اللذين بلغ عددهم حوالى 150 شخص متميز – أعلنوا - بعد الاستماع إلى معظم الكلمات المقررة – أن الأمر فى حاجة إلى مناقشة بعض المقترحات العملية الكفيلة بتفعيل مبادرة تجديد المشروع الوطنى وتحويلها إلى حركة عملية ومطلبية، وهو ما استجابت إليه إدارة المؤتمر على الفور حيث أفسحت المجال للاقتراحات التى اعتبرت أن المؤتمر ينبغى أن يكون محطة فى مسار مبادرة تجديد المشروع الوطنى وليس نهاية لجهودها وركز الحضور عل أن هذه المبادرة ليست منبتة الصلة بجهود سابقة متنوعة بذلها الكثيرون لبلورة مشروعات إصلاح ديمقراطية، وأوضحوا أن ما يمكن أن تتميز به هذه المبادرة إلى جوار مضمونها الذى يأخذ بضرورات الإصلاح الاجتماعى إلى جوار الإصلاح الديمقراطى فى إطار العداء للاستعمار والهيمنة، هو أنها تسعى إلى تنفيذ ما ترمى إليه من مطالب وأهداف، أى أنها تسعى إلى الوجود والاستمرار كحركة عملية، وبناءً على كل ما تقدم اقترح الحضور أن يتم الاتفاق على أن تستمر المجموعة التى دعت إلى المؤتمر – أى مبادرة تجديد المشروع الوطنى – على أن ينضم إليها من يرغب فى المشاركة من الحضور مع الاستمرار فى دعوة المزيد من الشخصيات إلى الانضمام إلى حركة المبادرة حيث انتهى الحوار إلى أن دعوة المؤسسات – بما فيها الأحزاب – قد يعيق قدرة المبادرة على التحرك السريع لما هو معروف من بطء بعض المؤسسات فى اتخاذ القرار دون أن يعنى هذا على الإطلاق أن المبادرة ضد أى تحرك للأحزاب أو منظمات المجتمع المدنى كما أنها ليست بديلاً لهذه التحركات.
ناقش أول اجتماع عقد – فى حضور حوالى 30 مشارك – عقب المؤتمر مجموعة من الاقتراحات العملية دار بعضها حول الإعلان الذى صدر عن المبادرة وضرورات تجديده أو إعلان بيان جديد بعد أن تجاوزت الأحداث فى العراق بعضاً مما جاء به، وقد انتهى هذا الشق من الحوار إلى أن الإعلان الذى صدر تحت عنوان "من أجل مشروع وطنى جديد فى مواجهة الهجمة الاستعمارية الأمريكية" قام بدوره فى لحظة معينة والأمر فى حاجة إلى وثيقة جديدة تحمل عنوان "نحو مبادئ مشروع وطنى جديد تبتعد عن ما شاب البيان الصادر من بعض الأمور الجزئية الخاصة بالعدوان على العراق وتركز على ما يمكن أن يكون مبادئ عامة لمشروع وطنى جديد مستهدف حيث أشارت العديد من الكلمات إلى ضرورة التركيز البندين الثالث والسادس (وهما المتعلقان بالإصلاح الديمقراطى والاجتماعى) من البيان الصادر فى الوثيقة الجديدة المزمع إعدادها، وأشار العديد من المتحدثين إلى أن المشروع الوطنى الجديد ضرورى وملح حتى لو لم تقم الولايات المتحدة بعدوانها على العراق استناداً إلى تعثر مشروعات التحديث والنهضة واستشراء الفساد ... الخ.
من ناحية أخرى نبه بعض المتحدثين إلى أن النخب السياسية أعربت فى المؤتمر عن الحاجة إلى خطوات عملية تحقق إنجازات واضحة على أرض الواقع وانتهت هذه الفكرة إلى دعوة المتحاورين إلى الوصول بالنقاش إلى أفكار عملية جاذبة ومؤثرة تستطيع إحياء العمل السياسى وإعادة الثقة إلى ما يمكن أن تقوم به النخب والطلائع من تحركات.
أما بخصوص طبيعة "مبادرة تجديد المشروع الوطنى" فقد أكد عدد كبير من المتحدثين على أنها إطار واسع لتفاعل كل الشخصيات التى تتفق والتوجه العام الوارد فى الإعلانات الصادرة عنها، ومن الممكن – لضرورات عملية مباشرة – أن تلجأ المبادرة إلى نوع أو شكل من التنظيم يرتبط بتقسيم للعمل وإنجاز لمهمات عارضة أو تتمتع بدرجة من الاستمرارية تبعاً لمقتضيات الحال.
على صعيد آخر أعرب العديد من المتحدثين عن تخوفهم من أن تؤدى بعض المقترحات المطروحة إلى التحرك وكأننا حزب سياسى مؤكدين على أننا بصدد حركة ينبغى أن تهدف إلى تحقيق أهداف عملية محددة، ومن ناحية أخرى دعى العديد من المتحدثين إلى تنظيم مجموعة من الندوات والورش لمناقشة قضايا المشروع الوطنى المستهدف بهدف الوصول إلى تصورات أكثر تحديداً استناداً إلى الجهود السابقة، وأخيراً فقد قدم البعض اقتراح بالدعوة إلى عقد جمعية تأسيسية فى غضون ستة شهور تنتهى إلى إعلان حكومة ظل على اعتبار أن جاذبية هذه الفكرة قد تحرك المياه الراكدة وتطرح تحدى يستنفر الطاقات الكامنة ويشحذ الهمم، وهو ما اعتبره البعض سابق لأوانه وأكبر مما نستطيع إنجازه فى المدى المنظور، فيما اقترح البعض الآخر أن تقتصر الدعوة على مؤتمر للإصلاح الدستورى كبديل ممكن.
إجمالاً : يمكننا القول أن اللقاء قد انتهى للنتائج التالية – وفقاً لقاعدة التوافق - :
1- إعداد مشروع إعلان مبادئ المشروع الوطنى الجديد ومناقشته وإقراره بهدف أن يكون دليلاً للعمل فى المرحلة القادمة.
2- تنظيم مجموعة من ورش العمل والندوات حول محاور المشروع الوطنى الجديد على أن تستفيد هذه الندوات والورش من كل الجهود السابقة التى قامت بها الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى، وهى بالتحديد :
* محور الإصلاح الديمقراطى : ويتضمن على سبيل المثال :
- الإصلاح الدستورى.
- المجتمع المدنى أو النشاط الأهلى.
- الحريات السياسية العامة.
- حرية الفكر والاعتقاد والبحث العلمى.
* محور الإصلاح الاجتماعى والاقتصادى : ويتضمن :
- قانون العمل.
- الأجور والأسعار.
- الخدمات الاجتماعية والمرافق العامة: الصحة / التعليم / النقل والمواصلات ... الخ.
* محور السياسة الخارجية :
- الموقف من الهجمة الاستعمارية الأمريكية على المنطقة العربية (وبالذات فلسطين والعراق).
- إصلاح النظام العربى بالاستناد على الحركات والتحركات الشعبية.
- الموقف من الإدارة الأمريكية اليمينية التى تسعى إلى عسكرة العولمة وفرض الهيمنة الأمريكية المنفردة على العالم.
- كيف يمكن لنا أن ننخرط فى الحركة المناهضة للعولمة الرأسمالية الأمريكية المتوحشة نحو عولمة إنسانية.
3- الشروع فوراً فى تنظيم حملات مطلبية وتحركات تهدف إلى تنفيذ مطالب وأهداف محددة مثل الدعوة إلى انتخاب رئيس الجمهورية بين عدد من المرشحين، أو إلغاء حالة الطوارئ، أو النهوض بوضع النقابات أو الجامعات، أو تحسين أوضاع الصحافة أو محاربة الفقر والإفقار والبطالة ... الخ، وذلك عبر تنظيم حملات توقيعات أو رفع دعاوى قضائية أو .... الخ.
4- بسبب ما يمثله الإصلاح الدستورى من أهمية خاصة من الممكن تتويج ستة شهور من النشاط (وفقاً لما تقدم) بمؤتمر إصلاح دستورى موسع يتم الإعلان عنه والإعداد له والدعوة إلى حضوره منذ الآن، حيث يمكن أن ينتهى هذا المؤتمر إلى إعلان وثيقة جامعة تعبر عن تطلعات القوى والاتجاهات الديمقراطية والاجتماعية.
مشروع
مبادئ تجديد المشروع الوطنى
يفضح الواقع المأسوى الذى تعيشه الغالبية العظمى من الشعوب العربية حقيقة الأداء المزرى للنظم العربية الراهنة والأخطاء والجرائم الجسيمة التى ارتكبتها بحق هذه الشعوب وكرامتها ومكانتها فى التاريخ. فالمنطقة العربية – ومصر ليست استثناء من ذلك - هى الأقل فى سجل الأداء فى جميع المجالات من بين كل أقاليم العالم باستثناء أفريقيا جنوب الصحراء. ففى المجال السياسى تعيش بلادنا العربية حالة من الركود والبطش السياسى لا تقل إن لم تزد سوءا عما شهدته حتى على يد أسوأ النظم الاستعمارية. فغالبية النظم العربية إما لا تعرف معنى حكم القانون أو تعيش بصورة لا تنقطع فى ظل الأحكام العرفية وقوانين الطوارئ. وتضيق الساحة السياسية كل يوم. وتهيمن البيروقراطية وأجهزة الأمن على عملية صنع السياسة ويترك لها الحبل على الغارب فى تزوير الانتخابات والاستفتاءات العامة بما يلقى فيضا من الشكوك حول احترام القانون وإرادة الشعب والمبادئ الدستورية المستقرة ومن بينها مبدأ سيادة الشعب. بل تفوض بصورة كاملة فى العصف بالحقوق الأساسية للإنسان. فتستغل قوانين الطوارئ للفتك بالمعارضين وإلقاء عشرات الآلاف من الناس فى المعتقلات دون سند أو بينة أو حكم قضائى ذى مصداقية. وتمارس جريمة التعذيب بصورة منظمة وواسعة النطاق وتطال فى العادة كل من يقع بيد أجهزة الأمن ولو بصورة عابرة. وفى عدد من البلاد العربية مثل العراق كان يتم اغتيال عشرات الآلاف من الناس.
وفى جميع هذه البلاد تقريبا يفتقد المواطنين للحد الأدنى من الضمانات القانونية والقضائية لممارسة أبسط الحقوق السياسية وعلى رأسها حرية التعبير والتجمع والتنظيم السياسى. وفى كثير منها يحرم الناس حتى من مجرد تكوين منتديات فكرية. وفى أغلبها يتم تجريم تشكيل نقابات مستقلة ولا يسمح للبرلمانات التي تأتى أصلا عبر انتخابات لا تتمتع بمصداقية سوى بأقل السلطات أهمية. ويتم فرض قيود صارمة على الحق فى إنشاء الصحف ولا يسمح لأحد بإنشاء محطات الراديو أو التليفزيون. وتعانى الأحزاب – إن وجدت أصلا- من أغلال تحيلها إلى كيانات هزيلة تعيش فى هامش الحياة السياسية. بل ووصل الأمر إلى احتكار كامل للسلطة من جانب أجيال قديمة بل وشلل محددة من هذه الأجيال. وتنغلق بصورة تامة تقريبا كافة قنوات التغيير السلمى. وقد أدى ذلك كله إلى انكماش الحياة السياسية والثقافية وانصراف الناس عن الاهتمام بالشئون العامة أو المشاركة فيها وتمزيق الروابط الوطنية وإنعاش القبلية والعشائرية والطائفية الدينية. ولا شك أن هذا المناخ السياسى القاتل هو من بين الأسباب الرئيسية وراء استدراج قطاعات كبيرة من الأجيال الشابة إلى التطرف والجمود الدينى. كما أن هذه المناخ السياسى الخانق هو السبب الرئيسي وراء انحطاط الحالة الثقافية بين الجماهير. ولا شك أيضا أن سحق كرامة المواطن واستفحال كافة صور الفساد والمحسوبية وظاهرة التوريث التي عمت قطاعات كبيرة من المهن حتى أنها وصلت إلي حد توريث الحكم ذاته في نظم يفترض أنها جمهورية ، كانت من بين أهم أسباب نزيف العقول وتفضيل مئات الآلاف من أنبغ العناصر الهجرة من بلادها واللجوء إلي الدول المتقدمة.
أن هذه النظم الباطشة والراكدة لا تختلف كثيرا عما عاشته بلادنا العربية فى اكثر العصور ظلاما وتخلفا لا فقط من حيث مستوى البطش والركود وإنما أيضا من ناحية إدارة الاقتصاد. فالأداء الاقتصادى للنظم العربية هو الأسوأ بين جميع أقاليم العالم باستثناء أفريقيا الاستوائية بالرغم من توفر الإمكانات والموارد الطبيعية والبشرية وتدفق الثروة البترولية . وتمتلأ كافة التقارير الصادرة عن المنظمات الاقتصادية العالمية والعربية بالإحصاءات والوقائع المخيفة عن تردى الأوضاع الاقتصادية العربية وما قادت إليه من تبعية متزايدة فى مجالات مختلفة بما فيها التبعية الغذائية. وتنفرد بلادنا العربية بظاهرة تراجع الصناعة والأنشطة الإنتاجية عموما. وتعانى غالبية هذه الدول من عجز مزمن فى موازين مدفوعاتها وفى موازناتها العامة. ولا شك أن الوضع المشين الذى تعيشه بلادنا العربية من الناحية الاقتصادية يعود إلى الإدارة الجزافية التي لا تقيم بالا لهدف الإدارة السليمة للموارد العامة أو للكفاءة أو لأهداف التنمية، وكذلك تزايد نفوذ بعض القطاعات الاقتصادية الفاسدة وتحكمها في العملية السياسية والاقتصادية بعيدا عن المحاسبة الشعبية أو الشفافية الضرورية لتفهم الرأى العام ومشاركته فى صنع القرار الاقتصادى والسياسى.
لقد أدت تلك الأوضاع الاقتصادية والسياسية التى سادت مصر والبلاد العربية لعقود إلي تراجع شديد فى نوعية وأساليب الحياة والى تقهقر فى الأوضاع الاجتماعية للأغلبية الساحقة من أبناء شعبنا وخاصة فيما يتعلق بحقوق الفئات المستضعفة وعلى رأسها النساء والشباب والفئات الأكثر فقرا من فلاحين إجراء وعمال غير مهرة وعاطلين …الخ. وتكونت بسبب هذا كله فئات مهمشة بالغة الاتساع تكاد تفقد أى صلات بالحياة الاجتماعية أو بالمجتمع الوطنى العريض ويباعد الفقر والحرمان بينها وبين التعلق أو التمسك بأية منظومة قيم وطنية وقد تبادر أو تشارك فى تدمير المجتمع فى أول فرصة سانحة وهو ما شهدنا نموذجا مأسويا له فى العراق.
أن مأساة العراق بجميع ملامحها وجوانبها تؤكد الخطأ المريع الذى وقعت فيه أنظمة قامت على تراث الحركات الوطنية والقومية ولكنها استعملت الشعارات الوطنية والقومية أسوأ استعمال لوأد مطالب حركات الإصلاح الاجتماعي والسياسي والدستوري السلمى. ونتيجة لشعارات مثل "لا صوت يعلو على صوت المعركة" الذى رفع فى مختلف الدول العربية ، حتى تلك البعيدة كلية عن أية معارك وطنية حقيقية ، أخمدت الحياة السياسية وتأخرت الإصلاحات الاجتماعية وبدأ الكيان الاجتماعى كله في التهرؤ والتعفن بصورة بادية للعين المجردة ، وكان من الطبيعي جراء ذلك ألا تنجح تلك النظم فى التصدى للهجمة الصهيونية الممتدة منذ عام 1967 أو منذ إنشاء إسرائيل على حساب تدمير الشعب الفلسطينى. والآن يتأكد فشل هذه النظم جميعا فى التصدى للهجمة الأمريكية التى تردنا إلي عصر الاستعمار وتلغى نضال أجيال متتالية من آبائنا وجدودنا من أجل التحرر من السيطرة الخارجية وتوفير الظروف الملاءمة للنهضة.
أن أسوا كارثة قد تحل ببلد أو مجتمع هو أن يرى المرء بلاده تعيش مثل هذا الواقع المأسوي على جميع الأصعدة وهي عاجزة عن الدفاع عن أبسط حقوقها بما فيها الحق فى الاستقلال وتقرير المصير دون أن يحرك ساكنا أو أن يقوم بعملية تجديد شاملة لكيانه ، ويبدأ ذلك في تقديرنا من القطيعة الكاملة مع التضليل والخداع والوعود الكاذبة التي قطعتها النظم العربية على نفسها ونكثت بها على الدوام ويستند على حشد كل طاقات وجهود القوى السياسية والاجتماعية الراغبة في التغيير – وصاحبة المصلحة فيه – في كفاح سيأسى ومدني ودستوري منظم لا ينقطع .
أننا نعتقد أن إنقاذ بلادنا من الانهيار الاقتصادى والتهرؤ الاجتماعى ومن العودة إلي عصر الاستعمار جراء الهجمة الأمريكية الراهنة والمتواصلة على العالم العربى اصبح مرهونا بتطبيق مشروع نهضوى وطنى جديد وفقا للمبادئ التالية :
1) مبادئ الإصلاح السياسي والدستوري :
إن البداية الطبيعية للانتقال إلي الديموقراطية تستند على :
· إلغاء الأحكام العرفية إلغاء كاملا وكافة القوانين والتشريعات الاستثناسئة والمقيدة للحريات .
· إطلاق سراح كافة المعتقلين الذين لم يصدر بحقهم أحكام قضائية نهائية وذات مصداقية من محاكم طبيعية ووفقا للقانون الطبيعي .
· إنهاء ظاهرة التعذيب ومعاقبة مرتكبيها .
· إلزام كافة الجهات الحكومية بالشفافية الكاملة في ميادين عملها وإقرار الحق في المعلومات .
· إحياء المشاركة الشعبية بكل صورها والدعوة إلي مشاركة الجميع في حوارات مكثفة ومنظمة لوضع صيغة النظام السياسي والسياسات الاجتماعية وقضايا الاستراتيجية القومية وخاصة فيما يتعلق بالدفاع عن الوطن والالتزامات والعلاقات الدولية والعربية للبلاد.
· إقرار وتوسيع مساحة الحريات العامة بما فيها الحق في التعبير وإطلاق حق تشكيل الجمعيات وتأسيس الصحف وإنشاء محطات الراديو والتليفزيون .
· ضمان استقلال النقابات العمالية والمهنية واستقلال الجامعات .
· إشاعة مناخ عام من الحوار والتسامح والاعتراف والقبول بالآخر وترسيخ القيم الديموقراطية والثقافة المدنية السليمة وإنعاش الآمال في مستقبل أفضل للشعوب كافة وللأجيال الشابة بشكل خاص من خلال تأمين كرامة المواطنين وحمايتهم من كافة صور العدوان على المبادئ الدستورية وعلى رأسها المساواة والعدالة.
ومن جانبنا فأننا نرى أن النظام الديموقراطي الذي نعتقد أنه كفيل بإنقاذ بلادنا من البطش والاستبداد والتخلف يجب أن يقام على مشروع اصلاح دستوري متكامل يضمن النهضة وفقا للمبادئ التالية :
أولا: وضع دستور جديد للبلاد يؤمن الانتقال إلي نظام برلماني يقوم على الفصل بين السلطات والتوازن فيما بينها وضمان الاستقلال الكامل للقضاء ، على أن تتولى هيئة مستقلة ينشأها الدستور وظيفة إجراء الانتخابات العامة بكل مستوياتها ومجالاتها.
ثانيا: استكمال مقومات بناء دولة عصرية مدنية وتأمين حرية الضمير والاعتقاد وإرساء دعائم المواطنة كلية بما يعنيه ذلك من إلغاء أي شكل من أشكال التمييز الديني أو الطائفي أو الجنسي في القوانين أو الأعراف وفصل الدين عن الحكم والعمل السياسي بما يعنيه ذلك من استقلال دور العبادة والمؤسسات الدينية ، و تعزيز دور الأديان والعقائد في المجتمع وبالذات في تقوية وتعميق الالتزام بالقيم الأخلاقية والفضائل العليا والشعور بالمسئولية تجاه المال العام والتكافل الاجتماعي ومراعاة العدالة واحترام حقوق الغير وقدسية الحياة الإنسانية وتعزيز العمل التطوعى والاغاثى والإنساني ونشر المحبة بين جميع الشعوب المحبة للسلام ،و بعث دور الوقفيات الدينية في ضمان التكافل الاجتماعي وتعزيز العمل التطوعي وإداراتها إدارة اقتصادية واجتماعية سليمة.
ثالثا: تقوية الشعور بالانتماء إلي الجماعة والمجتمع من خلال منظومة قوية للحكم المحلى تضمن مشاركة جميع المواطنين فى رسم السياسات واتخاذ القرارات والرقابة على تنفيذها بشفافية كاملة وعلى أساس مبدأ المحاسبية.
رابعا: الاحترام الكامل للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان بما في ذلك الحقوق المنصوص عليها في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واعتبارها جزءا واجب التطبيق من التشريع المحلى وقاعدة أساسية للنظام الدستورى. ويجب ضمان المساواة التامة بغض النظر عن أى اعتبار كان وحماية هذا المبدأ الدستورى من خلال تشريع تفصيلى يضمن الإنصاف ضد أي صورة من صور التمييز أو الإخلال بتكافؤ الفرص على أى مستوى أو فى أى قطاع على أن تترك السياسات الكفيلة بتحقيق مبادئ حقوق الإنسان الديموقراطية والاجتماعية والاقتصادية ليحددها القانون أو الحكومات المنتخبة على أساس ديموقراطي.
خامسا: انتخاب رئيس الجمهورية والمحافظين بين اكثر من مرشح وإخضاع جميع مؤسسات الدولة الدستورية للرقابة البرلمانية الديموقراطية ووضع حد أقصى زمنيا لتولى الوظائف السياسية وتشديد العقوبات على جرائم التعذيب والفساد السياسى واغتصاب السلطة والتلاعب بالنظام الدستورى والقانونى من جانب المسئولين السياسيين أو الموظفين العموميين.
2) مبادئ الإصلاح الاجتماعي:
يبدأ الإصلاح الاجتماعي – ويستند على - تعميم النموذج الديموقراطي في المجال الاجتماعي. ويعنى ذلك إقرار مبدأ توازن المصالح الاجتماعية وتشجيع الديموقراطية والمشاركة في الحياة الاقتصادية بكافة تجليتها وتعبيراتها مع ضرورة إنهاء التمييز ضد قطاع الأعمال الصغير وتشجيعه وضمان تعدد صور الملكية وتشجيع الملكية التعاونية ونمط الإنتاج التعاوني القرار الحق في تشكيل نقابات مستقلة والحق في الإضراب والحق في الانتصاف القضائي والحق المتساوي في دعم الدولة للمشروعات الخاصة والعامة آلتي تحقق أهدافا تكافلية وإنتاجية.
أن النهوض الاقتصادي الشامل وبناء اقتصاد إنتاجي متقدم هو أهم آليات دفع التقدم الاجتماعي على جميع الأصعدة. ولا يمكن تحقيق هذه النهضة المرجوة بدون بنية تشريعية اقتصادية حديثة وتعزيز الثقافة والعقلانية الاقتصادية والقضاء على الفساد وزيادة الإنتاجية ، وهي أهداف لا يمكن آن تتحقق بدون العمل في اتجاه رفع مستوى المعيشة والمهارات الفنية وتحقيق العدالة الاجتماعية للمنتجين الفقراء ، وذلك من خلال :
¨ توسيع مشاركة النساء والأجيال الشابة .
¨ نشر الموارد والاستثمارات بطريقة عادلة جغرافيا واجتماعيا .
¨ ضمان احترام الواجب الضريبي وعدالته .
¨ الاستخدام الرشيد والعقلاني للموارد العامة .
¨ تركيز جهود الدولة على مهام اقتلاع الفقر ومحاربة أسبابه وإقرار التشريعات والقواعد التي تؤكد المسؤولية الاجتماعية والإنتاجية لكل صور الثروة والملكية في كافة التصرفات الاقتصادية وعلى كافة الفاعلين الاقتصاديين.
¨ وضع وتطبيق استراتيجية قومية للتقدم التكنولوجي وتشجيع البحث العلمي والمعرفي والتنمية البشرية المتواصلة وفى قلبها نشر الثقافة والمهارات الحديثة التي تعد جوهر استراتيجية النهضة.
¨ وضع معايير محددة للوفاء بمتطلبات النهضة بالنظام التعليمي والصحي والثقافي والرياضي ونظام الرفاه جنبا إلي جنب ، ومن خلال زيادة الإنفاق الحكومي على الخدمات العامة بما يؤكد مسؤولية الدولة والمجتمع عن كل المواطنين تأكيدا لمبدأ تكافؤ الفرص ، وبما يعزز القدرات الإنتاجية للمجتمع.
¨ السعي إلي خلق وتوفير فرص عمل مناسبة وحقيقية لجميع القادرين على اعتبار أن ذلك حق تكفله المواثيق والعهود الدولية ومسؤولية الدولة والمجتمع .
3) مبادئ للسياسة الخارجية والاستراتيجية القومية :
النهضة الداخلية هي الضمان الرئيسي لاستعادة مكانة مصر العالمية على رأس القوى المناضلة من أجل السلام والعدالة والقانون. ويجب استعادة أولوية الاهتمام بالنهضة الداخلية ، دون أن يعنى ذلك أبدا الانكفاء على الذات ، ذلك أن الإبداع الثقافي والاجتهاد المعرفي والتجديد التكنولوجي والسمو الأخلاقي والتمسك بقيم العدالة الدولية والاحترام الكامل لحقوق الإنسان في الداخل والخارج هي أهم موارد مصر وأفضل مدخل لها في المعترك الدولي ويجب أن تقام استراتيجية مصر القومية على هذه الاعتبارات ، من خلال الاعتماد على الذات إلي أقصى حد ممكن على كافة المستويات، وفقا للمبادئ التالية :
أولا: الحفاظ على الاستقلال السياسي وعدم إخضاعه إلي تفاوض أو تنازلات أو اتفاقيات أو ترتيبات تضعفه أو تقلل من القدرة على الدفاع عن الوطن و عدم منح أية دولة أجنبية أي قواعد أو امتيازات أو تسهيلات عسكرية أو غير عسكرية.
ثانيا: التزام مصر الوطني الكامل بالعمل على نيل الشعب الفلسطيني حقوقه السياسية والقومية والعمل على إجلاء كافة القوات الأجنبية وإنهاء احتلالها لجميع الدول العربية والسعي لنزع أسلحة الدمار الشامل من المنطقة على أن يشكل هذا الالتزام جزءا لا يتجزأ من استراتيجية مصر الوطنية.
ثالثا: إعادة بناء النظام العربي وضمان تعبيره عن الإرادة الشعبية وتعميق الاتحاد من أجل التنمية والعدالة بين الدول العربية الراغبة في ذلك.
رابعا: إنهاء تبعية مصر على الولايات المتحدة والعمل من اجل الاستغناء عن المعونة الأمريكية وإقامة علاقات متوازنة مع القوى الكبرى.
خامسا : إقامة العلاقات الاقتصادية الدولية للبلاد على أسس وقواعد تدعم القدرة الإنتاجية الداخلية للبلاد وتجعلها جزءا فاعلا في الاقتصاد العالمي وإعادة التفاوض وصياغة التشريعات بما يتلاءم مع هذا الهدف واحترام تلك الاتفاقيات والنظم الاقتصادية الدولية التي تسهم في تحقيق التكافؤ والعدالة الاقتصادية الدولية والتعاون والاعتماد المتبادل والمتكافئ.
سادسا: إحياء التجمعات الدولية العالم ثالثية بغرض مناهضة سياسات الهيمنة والعدوان وتعميق الدور المصري في الدفاع عن القانون الدولي وتصحيح مسار الأمم المتحدة وبناء تحالفات دولية مواتية لمبادئ العدالة والإنصاف الدوليين ومقرطة العلاقات الدولية وضمان توازن المصالح على كل المستويات.
سابعا: تمتين الروابط مع المجتمع المدني العالمي ومع القوى المحبة للسلام والمؤمنة بمبادئ السلام والعدالة الدولية، وتكثيف الحوار معها بغض النظر عن الجنسية أو النظام الثقافي أو الاجتماعي.
مشروع مقدم من مبادرة تجديد المشروع الوطني
بتاريخ25/5/2003
جدول الأعمال وبرنامج
اجتماع مبادرة تجديد المشروع الوطنى
يوم الاثنين الموافق 30/6/2003
بمقر المركز المصرى الاجتماعى الديمقراطى
(35 ش الشيخ على يوسف – المنيرة سابقاً – شقة 33)
جلسة افتتاحية (عامة) : الساعة 6 – 6.30 مساءً إعلان ترتيبات الاجتماع.
الجلسة الأولى (مجموعات) : الساعة 6.30 – 8.30 مساءً
المجموعة الأولى : (مجموعة الإدارة) ومن المقرر أن تناقش المقترحات الخاصة بإدارة وتنظيم جهود ونشاط مبادرة تجديد المشروع الوطنى وتقديم تصور (أو أكثر) للجلسة التالية (العامة).
المجموعة الثانية : (مجموعة الحوار) ومن المقرر أن تناقش آليات ومحاور الحوار الفكرى – السياسى حول المشروع الوطنى الجديد وتقديم تصور (أو أكثر) للجلسة التالية (العامة).
المجموعة الثالثة : (مجموعة النشاط العملى) ومن المقرر أن تناقش الترتيبات والمقترحات الخاصة بالحركة العملية لتقديم تصور (أو أكثر) للجلسة التالية (العامة).
الجلسة الثانية (عامة) : مناقشة وإقرار خطة العمل وإقرار شكل إدارة وتنظيم عمل المبادرة فى الستة أشهر المقبلة على ضوء التصورات المقدمة من مجموعات العمل المختلفة.
ملاحظات هامة :
1- من المفترض أن يحضر المشارك ويساهم فى مجموعة العمل التى تحظى باهتمامه مع كامل حقه فى مناقشة ما ستصل إليه المجموعات الأخرى أثناء انعقاد الجلسة العامة التالية.
2- من المفترض أن تحاول مجموعات العمل الوصول إلى توافق بين مجموع اقتراحات المشاركين بحيث تستطيع كل مجموعة تقديم تصور واحد (وربما أكثر من تصور) للجلسة العامة.
3- من المفترض أن مشروع مبادئ تجديد المشروع الوطنى الذى تم الوصول إليه كثمرة للحوارات السابقة (والمرفق مع جدول الأعمال) هو مشروع جرى التوافق بخصوصه كمقدمة للحوار المزمع على مدى الشهور الستة القادمة وذلك وفقاً لخطة العمل التى ستقر من خلال تصور لجنة الحوار الفكرى – السياسى، ومن ثم فإن هذا المشروع مطروح عن المبادرة لحين الوصول - عبر الحوار المفترض - إلى وثيقة نهائية فى المؤتمر المزمع إقامته كتتويج لكافة جهود وحوارات المبادرة على مدى الستة شهور المقبلة.