محمد عبد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 7966 - 2024 / 5 / 3 - 22:47
المحور:
الادب والفن
مازال يضعني، كلّ صباح، أمامه على درّاجته الهوائية، إنجليزية الصنع، تاركًا وقتًا قصيرًا لأخي ليعتلي مقعدها الخشب الخلفي. أو قد يتركه يركض خلفنا ويده على كتفه. وحين نهتزّ كلّنا؛ أعلم أنّه صَعَدَ.
مازال، كلّ صباح، يضع في راحة يدي، الممدودة إليه، قطعة نقدية لامعة أشتري، ببعضها في المدرسة، (نصف لفّة) من (عبود).. وأدفع أجرة لعبة (المنضدة) كوني الخاسر دائمًا، وما يتبّقى أطبق عليه كفّي، حتى العصر، منتظرًا أمام دكان تأجير الدرّاجات.
أبي لمْ يمتْ.
أراه جالسًا على كرسيّه الواسع، في زاوية الصالة، ومذياعه الصغير بيده. وفي الأوقات التي أغيب فيها عنه.. يتركه ليعيد ترتيب أشيائه كما يُحبّ. يخرج إلى الباب.. أو يقف قليلًا عند النافذة المفتوحة. وحتّى عندما نقلنا كرسيّه إلى غرفته، جنب السرير، لمْ يتغيّرْ شيء.. فقط أصبحتُ احرص على جعل مذياعه، مع بطاريّات إضافية أحضرها دون طلب منه، قريبًا من يده.. وأنظّف درّاجته كما رأيته يفعل. وحين استبدل بسريره صورًا توزّعتْ على غرف الدار؛ استمرّ يقوم بكلّ شيء كعادته. إلّا أنّه بدأ يضع لي النقود في جيبي، أصبحتُ أجدها هناك.. ويتبعني ليُجلس ولدي الصغير على الدرّاجة أمامي.. ثمّ يدفعني لأنطلق تاركًا الآخر يركض خلفي قبل أنْ يعودَ إلى أقرب صورة له. وكنتُ أمضي وحدي.. خفيفًا.. طائرًا.
لا أدري متى بدأت الجلوس على كرسيّه بعد أنْ رأيته، يومًا، مهملًا في زاوية الصالة. ثمّ أعدْتُ تشغيل مذياعه.
أتذكّر كلّ ذلك، الآن، وأنا على سريره. أمدّ يدي محاولًا التقاط المذياع. وحين رأى أبي ذلك نزل من صورته.. سحب الكرسيّ وجعله ملاصقًا لسريره. تناولتُ المذياع وأنا أتابعه يخطو خارجًا ليعيد ترتيب أشيائي المبعثرة، وربما يقف عند النافذة المطلّة على الزقاق.. أو قد يفعل شيئًا لمْ أرَه يفعله منْ قبل، فكثيرًا ما كنت أتركه لوحده وأخرج.
كانون أول 2021م
البصرة
#محمد_عبد_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟