|
عن علاقة الفنون بالتربية الجزء الثالث والأخير
محسين الوميكي
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 7954 - 2024 / 4 / 21 - 10:06
المحور:
الادب والفن
فيما تلتقي الفنون بالتربية؟ الفنون والتربية يلتقيان في كونهما ينطلقان من الإنسان ليعودا إليه، فهما من الإنسان وإليه. وتعتبر الفنون بمثابة التراث المادي واللامادي والتربية تستغلهما لتصنع إنسانا صالحا لنفسه ولغيره؛ فهما معا يستهدفان الإنسان وهما معا أيضا من يصنع الإنسان. فالفنون بمختلف تجلياتها والتربية هما عمليتان متكاملتان الواحدة تساند الثانية وتقويها وتتممها لفائدة الإنسانية. وهما معا من إنتاج البشرية التي تحاول جاهدة أن تنقل موروثاتها من جيل إلى آخر عن طريق التعلم والتمرن والتداريب ويقر غوستاف لوبون ـ GUSTAVE LE BON { أن الغاية الصحيحة للتربية (وأضيف الفنون) إنما هي تقوية بعض الأخلاق والصفات كالشخصية والابتكار والإرادة والشعور بالتضامن ومضار العزم وما يشبه ذلك، ولا سبيل إلى تقوية هذه الصفات إلا بتمرينها ولا سيما أقلها ظهورا عند الفرد..} (1). فالوسائل التي نرثها تؤدي حتما وظيفة اجتماعية خاصة. فأطفالنا يتسلحون في تربيتهم بكل ما راكمته البشرية؛ إنهم لا يُخلقون على دراية ولا يخرجون من بطون أمهاتهم على معرفة بخبايا الدنيا وأسرارها بل يتعلمون مما يرثونه عما تنجزه البشرية من فنون وعلوم ومعارف شتى. وتتشابك وظائف التربية ووظائف الفنون وتندمج الأولى في الثانية وتذوب الثانية في الأولى ليعملا معا على تنمية الوعي في كل تجلياته للإنسان وبالتالي إعداد مجتمع متعود على النظام وحب العمل والوطن، إعداد مجتمع مبدع نشيط ذي أخلاق عالية. إن أدوار الفنون والتربية عديدة لكن إجمالا يمكن تلخيصها في كونها تلعب دورا حاسما في الحفاظ على القيم المشتركة والتضامن الاجتماعي بين أفراد المجتمع وفي هذا الصدد يقول دور كايم إميل ـ Émile Durkheim والقولة مأخوذة من كتاب " أصول التربية": {إن المجتمع لا يستطيع البقاء إلا إذا تحققت درجة كافية من التجانس بين أفراده والتربية من جانبها تعمل على تعزيز وتخليد هذا التجانس بتنشئة الطفل منذ البداية على السمات الضرورية المشتركة التي تتطلبها الحياة الاجتماعية.} (2) والفنون هي أيضا لها عدة أهداف وغايات كبرى يصعب حصرها فهي تعالج كل الجوانب المكونة للإنسان فهي تنمي وتطور كل ما يتعلق بالجانب العاطفي الوجداني في الإنسان وما يتعلق كذلك بالجانب الفكري والعقلي كما أنها تلعب دورا أساسيا في تنمية الجانب الحسي الحركي دون أن نغفل الجانب الروحي فليس غريبا أن يعتبر ألان ـ ALAIN الفن والدين شيئا واحدا عندما قال:{ ليس الفن والدين شيئين اثنين، بل هما الوجه والقفا لنسيج واحد لا غير} (3)، ويؤكد هيجل ـ HEGEL بقوله: { لا يعدو أن يكون الاختلاف بين الفن والدين والفلسفة إلا في الصورة، أما الموضوع فهو واحد.} (4) ويضيف بيركسون ـ BERGSON مؤكدا على أن الفن يروم إلى غرس المشاعر فينا بقوله: {غاية الفن أن يطبع فينا المشاعر أكثر من أن يجعلنا نعبر عنها.} (5) أما كلايف بل ـ CLIVE BELL يرى أن الفن له ارتباط وطيد بالحياة الروحية والحياة العملية معا إذ يقول: {الفن إذن مرتبط بالحياة الروحية التي إليها يُعطي ومنها بالتأكيد يأخذ. والفن، بطريقة غير مباشرة، يرتبط ارتباطا ما بالحياة العملية؛ فالفن يفعل فعله في شخصياتنا، وإلا فما أهونها وأحقرها تلك الخبرات الوجدانية التي تغادر شخصياتنا دون أن تمسها من قريب أو بعيد.} (6) كل هذا يعني أن الفنون والتربية هما في الحقيقة أدوات المجتمع التي يستعملها لتحقيق استمراريته ولهذا نجزم مع عبد الكريم غريب أن {التربية ليست خيارا اجتماعيا وإنما هي ضرورة حيوية وأولية بالنسبة لكل دولة من الدول.} (7) ونضيف على هذا أن المجتمعات التي تفتقر للتربية والفنون تشبه طائرا بلا أجنحة وهي رغم كونها مجتمعات فبدون ترسانة تربوية وبلا عدة من الفنون لا يمكن لها أن تعيش حياة سليمة كباقي المجتمعات. (1): روح التربية، غوستاف لوبون، ترجمة طه حسين، عن مؤسسة هنداوي، إصدار 2014، ص 125/126. (2): أصول التربية، محمد منير مرسي، عالم الكتب، القاهرة، طبعة 2009 الصفحة 27. (3): معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية، جلال الدين سعيد، دار الجنوب للنشر، تونس، طبعة 2004، ص 346. (4): نفس المرجع ص 345. (5): نفس المرجع ص 346. (6): كلايف بيل، الفن، مؤسسة هنداوي المملكة المتحدة ترجمة عادل مصطفى ومراجعة وتقديم ميشيل ماتياس، تاريخ الاصدار 2013، ص 72 و73 في الفصل الثاني المعنون ب "الفن والحياة". (7): مستجدات التربية والتكوين، عبد الكريم غريب، منشورات عالم التربية، ص 5.
#محسين_الوميكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في معنى التربية
-
عن علاقة الفنون بالتربية
-
أَعُضُّ عَلَى جُرُوحِي
-
الشَّهِيدُ السَّاجِدُ
-
شُكْرًا لَكِ جَنُوبَ إِفْرِيقْيَا
-
نَمْ هَنِيءَ البالِ
-
وَلعَتْ
-
كَلِمَاتِي
-
سَيَذْكُرُ التَّارِيخُ
-
بَايْ بَايْ مَايَا
-
غَزَّة حَبِيبَتِي
-
الزَّمَانُ زَمَانُكُمْ
-
صَمْتٌ مُطْبِقٌ
-
عَنْ حِكَايَةِ شَعْبٍ
-
تارودانت حبيبتي
-
حَالَةُ حَرْبٍ
-
مَجْزَرَةُ مَشْفَى الْمَعْمَدَانِي
-
دَمْعَةُ الْمَظْلُومِينَ
-
من يصف رجال المقاومة بالحيوانات من يكون؟
-
كلنا إنسانيون وإن اقتضى الأمر فنحن فلسطينيون
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|