|
على هامش العرس الشعري التونسي : (الملتقى العربي لشعر المقاومة-دورة أولاد احمد) حين تصاغ علاقة جدلية واعدة..بين الشعر والمقاومة
محمد المحسن
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 7949 - 2024 / 4 / 16 - 22:18
المحور:
الادب والفن
كيف يمكن ايجاد مصالحة بين الإنسان والفرح،في خضم التداعيات المؤلمة التي يشهدها الوطن العربي في محنته “الإغريقية”..؟ وكيف يستطيع الشاعر صياغة هموم وتطلعات أمته شعريا ؟ أليس بإمكان الشاعر الآن..وهنا تطريز المشهد الشعري بزلازل من الأسئلة الحارقة والمقلقة لهذا الواقع الممجوج والمتخم قلقا وألما،وذلك عبر لغة شعرية صافية تعتمد الأصالة والإضافة،وتنأى عن المحاباة والوصولية..تصالح ذهنية المتلقي وترتقي بحسه في هدأة الطريق إلى عوالم النص ؟ ألسنا إذا وضع يتسم بالقتامة والإنكسار،أفرزته ظروف تاريخية ما فتئت تمر بها هذه الأمة منذ أمد بعيد،وقد شهدت خلالها متغيرات حثيثة،في القيم الرئيسية لمسيرة التاريخ الإجتماعي-الثقافي للعرب،بما من شأنه أن يوظف الأدب،توظيفا واعيا بجدلية الصراع بين الكائن وما يجب أن يكون،ويجعله يقاوم التيار الكاسح،ويتحدى الأمر الواقع،ليصوغه في شكل جدل بين الهزيمة والمقاومة..! ألم يواجه أدباء العالم في الحربين الكونيتين الأولى والثانية،وما استجد من حروب صغيرة هنا وهناك،ظروفا لا تقل وجعا عن التي نحن فيها،غير أنهم سَمَوا بأفكارهم إلى مستوى التحدي،فظهر أدب المقاومة ضد النازي،وهو الأدب الأمريكي و-السوفياتي-والفرنسي،بين العشرينات والخمسينات من القرن الماضي،وبعد أن خلقت الحربان آثارا حضارية قاسية،وآلاما نفسية جريحة وموجعة،انبجست الموجة الوجودية في أدب الغرب،كاحتجاج وتمرد بارزَين..؟ أفلم يكن من الأحرى بنا نحن العرب،الذين خضنا حربا مهزومة عام 67 وثانية بديلة عام 73 وأخرى أهلية عام 75،علاوة على مآسي أخرى،وتراكمات تاريخية مؤلمة،أفضت إلى إنتقاضة جاسرة،مازال يخوضها أطفال فلسطين بالنيابة عنا في أرجاء الوطن السليب والمستَلَب،أن يكون أدبنا موسوما بالرفض والمقاومة،ويؤسس في مضمونه للآتي في موكب الآتي الجليل.؟ أليس للنص الشعري دور ريادي في تفعيل واقعنا،والإرتقاء بحسنا الإبداعي إلى مراتب البلاغة والإبداع،بما يمنحنا سخاء في الرؤيا يتجاوز الذاكرة الحبلى،والحلم العذري،حس المأساة في خاتمة المطاف،وهي تصاغ في حوار مجلجل مع الجيل الشعري الرائد ؟! إن تجاوب الأدب مع كل هذه التداعيات،وتحويلها لمادة للإنتاج،من شأنه أن يقوي الشعور بالوحدة،وبالرابطة القومية،ويذكي الوضع النفسي المتلائم مع القربى،والإنتماء الواحد،والمصير المشترك،ويضعف بالتالي الشعور الإقليمي،الذي يتكوّن تلقائيا في ظل أوضاع التجزئة،ويفتح ثغرة في جدار الحدود الإقليمية.. وقد جسّد شعراء بداية النهضة العربية هذا الدور على أفضل مما يقوم به شعراؤنا اليوم،ولعل في الأبيات التالية -للرصافي-عن تونس ما يؤكّد هذا القول : أتونس،إن في يغداد قوما***ترف قلوبهم بالوداد ويجمعهم وإياك انتساب***إلى من خص منطقهم بضاد فنحن على الحقيقة أهل قربى***وإن قضت السياسة بالبعاد إن حالة التردي التي يتسم بها واقع الأمة العربية بكل أقطارها،جعلت الراهن متخما بالمواجع،تتكالب عليه قوى الشر وتتحالف فيما بينها،بهدف اجهاض نقاط الضوء الثورية،التي نجحت في تخطي تخوم الإنكسار،واستطاعت بجهد غير ملول أن تجد لها طريقا بين جدران هذا الظرف،مما حدا بهذه القوى إلى احتواء تلك النقاط المشرقة لتصفيتها نهائيا،ولإشاعة جو اليأس والإحباط والتشاؤم بين أبناء الأمة.. وفي خضم-هذا الهم النبيل-وفي ظل تداعيات الوجع العربي بكل أبعاده الدراماتيكية،يقف-الشاعر-يستبطن أبعاد هذا الهم في الواقع الخام والمادة الأدبية،يتابع نبض الهزيمة وإيقاعها المأسوي،ويؤسس في ذات الآن للإنتصار،راسما في أشعاره علامات الزمن الخائب،واعترافات الجيل الضائع،من غير أن تكون الخيبة أو الضياع عنوانا أساسيا أو محورا متعمدا،بقدر ما هو قراءة للذات الراهنة،واستحضار للذكريات الماضية،واقامة جدل موضوعي بينهما في ضوء المدى المنظور.. هذا الضوء،هو-الجانب الجمالي-الذي يصوغ الأزمنة ويقيم الحوار معها،وفق-رؤيا-جديدة تؤسس لللآتي الجليل بأفراحه المرتجاة،وتجسد التخاطب الحي بين الهزيمة والمقاومة،وهذا يعني،أن للشعر فعلا موازيا للدور السياسي والعسكري في تضميد جراح هذه الأمة،واستشراف ضوء شموسها الآتي.. ومن هنا،تكون قضية ايجاد المعادلة الصعبة بين الهموم والتطلعات،وخلق المعادلات المعبرة عنها شعريا ضمن القصيدة،احدى نقاط الإرتكاز الأساسية التي يبحث عنها الشعراء،أثناء “المكاشفة الشعرية “فحالة الإنكسار التس يشهدها الوطن العربي من ناحية،وقضية الشعب الفلسطيني من ناحية ثانية،هما قطبان متلازمان في الخطاب الشعري الحديث. ومن البديهي أن تكون الهوية الفلسطسنية من جهة،والأرض المحتلة من جهة ثانية،مصدرا ملهما للشعر،فتتجلى المأساة عريا بوجه عام،وفلسطينيا بوجه خاص. وقد لا يكون الأمر مفاجئا حين ينخرط الشعراء في البحث الدامي الدؤوب،عن مواقع الضوء في زوايا الواقع العرب،لأن الرؤيا التي أفرزتها-الإنتفاضة،هي الرؤيا المضادة لواقع الهزيمة،إنها الإستيعاب التاريخي لمعاناتنا جميعا،وهي العلامة الرئيسية لأدب المقاومة في مختلف تجلياته.. هذا الأدب الذي بات عليه أن يسبح ضد التيار الكاسح،ويتحدى الأمر الواقع،بإعتباره سيصارع تيار الهزيمة،ويتجاوز بذلك واقعها المترجرج،ويبحث في أدغالها وجذورها العميقة،عن تفاصيل وأسباب هذا-الواقع-المهزوم.. ومن هنا جاز القول،أن-الإنتفاضة الفلسطينية-بالأمس..واليوم..وبإسناد من المقاومة الباسلة،بدأت تؤسس للون شعري جديد ومتجدد،يتماهى مع الواقع،ويصوغه على نحو يجلو قيمه الجمالية،ويبرز أبعاده النبيلة التي هي مطمح كل فنان أصيل. غير أن ما نرومه،هو أن لا تكون أشعارنا راشحة بالمرارة،طافحة بالحزن ومتخمة بالمواجع،بقدر ما هي مشعة بالفرح،تجسد الإنبهار بالحياة حد الشهادة،وتؤسس لروح الإنتصار عبر لغة تستكشف كنوز البيان وخبايا البلاغة،في تاريخية اللفظ والتركيب العضوي للكلمة،فيبوح النص الشعري بما يتضمنه من مفردات إبداعية،وبما كان سرا مستغلقا على الفهم ومستساغا للأذن في ذات الآن،بما من شأنه أن يحرر رقعة واسعة من الذوق التقليدي المتحجّر،ويكتسح مواقع الكلاسيكية عبر رؤيا تتفاعل مع عالم القصيدة الداخلي في ارتباط وثيق بالثورة الحضارية،وأن يتوصل في النهاية إلى ايجاد معادلات معبرة عن همومنا شعريا،بما يحقق تلك المعادلة الصعبة التي تربط،دون قسر،بين الذات والموضوع بصورة شعرية واعية.. على سبيل الخاتمة : حرص الشعراء والأدباء العرب على أن تتصدر القضية الفلسطينية أعمالهم الإبداعية، باعتبارها مصدرَ إلهامٍ لهم في مختلف الأزمان والعصور. في هذا السياق يقام عرس بهيج بالعاصمة التونسية تحت عنوان: الملتقى العربي لشعر المقاومة وتحت إشراف الشاعر والصحفي التونسي السامق أ-عادل الهمامي..هذا العرس يؤثثه شعراء تونسيون لهم حضورهم المتميز داخل المشهد الشعري التونسي وتتسم قصائدهم-الغاضبة-وابداعاتهم الأدبية العذبة بروح نضالية تنتصر للقضية الفلسطينية وتؤسس لإرساء فكر نضالي يخلد البطولة والثبات على الأرض مهما غلت التضحيات،ويؤكد أن فلسطين ليست قطعة غيار ولا شقة قابلة للإيجار يسكنها الآفاقون وحفاة الضمير.. الشاعر والصحفي الألمعي-عادل الهمامي (مدير الملتقى العربي لشعر المقاومة) يرى أن الشعر عليه أن يخرج من خلف الستار ويقف مكشوف الوجه أمام كل هذا التخاذل العربي والعالمي..وأن يكون رصاصة قبل أن يكون كلمة تقال" مؤكدا أن المثقفين العرب عليهم واجب دعم المقاومة باعتبارها النهج المثمر في مواجهة المشروع الصهيوني وإسنادها بالكلمة المقاتلة وتحريض الجماهير التونسية والعربية على الصمود مهما ارتفع ثمن التضحيات ". ونحن بدورنا نحذر من الخطر القادم والداهم من العدو الذي يستفرد اليوم بغزة،وسينتقل إلى أدوار أخرى للقضاء على أمتنا العربية والحضارة الإسلامية،ناهيكم أن الوجع العربي أكان متعلقا بقضيتنا الأولى فلسطين أو بقضايا الأوطان العربية الجريحة،يدفعنا دوما إلى إراقة الحبر على الورق تماشيا مع إراقة دم الأبرياء والمظلومين على الأرض..فالقصيدة على الورق أشبه بالجمر الذي يحرق الصمت والضعف الذي يسكننا..إنها تسير على صفيح ساخن نحو أمل يتعلق بالجميع ويتمناه الجميع بمن فيهم من لم يقرأ بيتا واحدا من الشعر..فهذه الأحداث الأليمة بغزة-أرض العزة- لم تفجر إبداع الشاعر،بل فجّرت الشاعر نفسه من الحزن..كما فجرت ينابيع إلابداع في هذا-العرس النضالي-(الملتقى العربي لشعر المقاومة-دورة أولاد احمد) قبعتي..يا شاعرنا الفذ عادل الهمامي..
#محمد_المحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حين يناديني صوت الواجب النضالي..إلى ساحة الأدب المقاوم *
-
حين تعزف قصيدة الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي لحنا مقدَسيا
...
-
حين تتحوّل الكلمات..إلى لوحة فنية بأنامل شاعر كبير بحجم هذا
...
-
د-طاهر مشي شاعر تونسي كبير يغزل من خيوط العشق..قصيدة للمطلة
...
-
حين تكتب المبدعة التونسية أ-نعيمة المديوني..برحيق الروح..ومد
...
-
رمضان على لسان الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي (قصيدة أقبلت
...
-
الشاعرة الفلسطينية المغتربة أ-عزيزة بشير..تكتب لغزة بحبر الر
...
-
الشاعرة التونسية د- فائزة بنمسعود : تتعامل مع النص بوصفه غاي
...
-
وجه من النخبة الفكرية والثقافية التونسية: الشاعر التونسي الك
...
-
عبق الشعر..وعطر الكلمة في قصائد الشاعرة التونسية د-فائزة بنم
...
-
بلاغة الصورة..وَمَهارة اللغة الشعرية في قصيدة الشاعرة التونس
...
-
إشراقات صورة الوطن..في قصيدة :-يا تونس الأحداق-..للشاعرة الت
...
-
جمالية الومضة الشعرية في نصوص الشاعرة التونسية د-زهيرة بن عي
...
-
حين تخترق الكلمة سجوف الصمت والرداءة..وتتحدى لهيب الجحيم (جم
...
-
حين يذهب الشعر إلى المحرقة..يدخل أتونها يحترق بها ومعها (قصي
...
-
شعراء تونسيون حملوا هم القضية،وكتبوا -فلسطين شعرا-،ساروا بها
...
-
قصيدة الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي -بلادي عزي..وفيك اعتز
...
-
لقاء خاطف مع أستاذة الموسيقى الموهوبة نورة حمدي
-
د-طاهر مشي..شاعر تونسي كبير..منبجس من ضلوع الألم..
-
تمظهرات الموت بصوره القاتمة في قصيدة - تقترب منٌي الساعة..ال
...
المزيد.....
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
-
3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|