|
العصابة البعثية والتفجير الطائفي
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1756 - 2006 / 12 / 6 - 11:40
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ما كان مجرّد توقعاتٍ ، أضحى الآن حقيقة واضحة ، عارية : الحرب الأهلية في العراق ولبنان ؛ حربُ الأنظمة المستبدة ، الفاسدة ، على دول الجوار وشعوبها ؛ الأنظمة ، التي على شاكلة عصابة " القرداحة " ، البعثية ، وأختها في ولاية فقيه " قم " . بقاء آخر قلاع الديكتاتورية في الشرق الأوسط ، هوَ الثمن الفادح ، المفترض أن تدفعه شعوبنا دماً ودموعاً ودماراً وتهجيراً . مَباحَة القتل هذه ، المُسْتهَلة بالعراق ، مُشيّعة ً خصوصاً شيعته ، وعلى دفعات من الأشلاء ، إلى قاع الأنهار وبقاع الخلاء . ألم يُنقل مرة ً على لسان فرعون البعث العراقي ، المدحور ، قوله حينما كان في منتهى سطوته وجبروته : " لن يستلم أحدٌ العراق ، من بعدي ، إلاّ وطناً بلا شعب ! " .. وها هوَ موطن الرافدين ، يُترجم ذلك الكلام اللئيم ، الحاقد ، موتاً يومياً . إنه الموتُ نفسه ، الإشتراكيّ ، الذي كان يُوَزعُ ، بالتساوي ، على ملل ونحل البلد العريق ؛ عراق صدّام حسين ، المنتهي بـ " فضل " سميّه هذا ، إلى أن يكون البلد الغريق بمستنقع نجيع أهله ، القاني . وهاهمُ أيتام الطاغية ، البائد ، الذين إسترجعوا الآن بعضاً من بوابات سلطتهم ، المفقودة ، بـ " فضل " حماقات إدارة الإحتلال الأمريكي ، ومباشرة بُعيدَ تحرير البلد المنكوب بالديكتاتورية وزبانيتها .
قوافل القتل ، المجانيّ ، المُسَيّرَة يومياً في طرق ودروب موطن النهرين ، ما كانت " مجاناً " تماماً : فثمنها كان حرية طوائفه وقومياته ، التي عانت ما عانته على يد العصابة البعثية ، المندحرة . وعليها الآن أن تتمزق أشلاء ـ كوطنها سواءً بسواء ـ بما أنها لا تفتأ مصرّة على الإحتفاظ بحريتها المُكتسبة للتوّ : هذا ما يتهددها به نظاما الدولتين المجاورتين ؛ سورية وإيران . هذه الأخيرة ، الموصّفة نفسها كـ " مرجع " لمسلمي منطقة الهلال الخصيب ، بحكم نظامها الأصوليّ المتركن على صرح ولاية الفقيه ؛ لن تكفّ عن التدخل بشؤون المنطقة حتى تتحوّل فعلاً إلى " هلال شيعيّ " ، ممتدّ من " قم " وعبرَ " مدينة الصدر " إلى " الناقورة " ومروراً بـ " القرداحة " ! .. وإذ عارضت جمهوريتنا الإيرانية هذه ، الإسلامية ، حرب تحرير العراق من طاغيته التكريتي ، خشية ما سيعقبه من النقيض الديمقراطي ؛ فها هيَ ذي هنا ، ترعى ذئاب الطائفية ، المنفلتة من سراديبها الظلامية ؛ من شاكلة " جيش المهدي " وزعيمه الأميّ . وفي الجهة الاخرى من الحدود ، كان على الجار الآخر ، البعثي السوريّ ، أن يلجَ اللعبة الدموية نفسها وعلى طريقته الخاصة : فهذه العصابة ، الطائفيّة البنية بتلوينها العلويّ الأحاديّ ، والماحضة شرّها المستطير لأيّ تعبير سنيّ داخليّ ، أكان سياسياً أو إجتماعياً ؛ هي ذاتها التي ما كان خبَرُ خلافها المتفجر مع عدوّها البعثيّ السابق ، الصداميّ ، إلا من من مبتدأ تصنيفه الطائفيّ . وهي العصابة ، التي سيكون عليها منذ 9 نيسان 2003 أن تحتضن العدوّ ذاكَ ، ململمة ً فلوله ومبلسمة جراحه ومانحة إياه من ثمّ دعماً لا محدوداً . ولا أدلّ على لعبة الشيطان تلك ، من الدعوة التي وجهها بالأمس ، وعبْرَ مؤتمره الصحفي ، أحدُ أبرز الفلول الصدامية إلى " التيار الصدري " ، للدخول في جبهة موحدة ضد حكومة بغداد ، الحالية : أيْ نحنُ نتولى تصفية الشيعة ، وأنتم تكونون غطاء لنا ؛ والعكس صحيح ! .. هذا التيار ، الذي هبّ على أرض الرافدين من جهة حدودها الإيرانية ، كان قد هدد بالإنسحاب من الحكومة العراقية ، في حال إجتمع رئيسها في عمّان مع بوش ، الرئيس الأمريكي . وهذا ما جرى فعلاً . لن نتساءل هنا ، عن مكان قادة وأفراد ذلك التنظيم المتطرف ، قبل الإطاحة بصدام حسين على يد المحرر الأمريكي نفسه .. ؛ ولن نتساءل أيضاً ، عن حمامات الدم التي غسل التنظيمُ مناطقَ بأكملها في وسط وجنوب العراق " تنظيفاً " لها ، مذهبياً : بل نستفهم بعد كل شيء ، عن هذا التوقيت ، المُغرض ، المُدشن فيه إنسحاب وزراء تنظيم " التيار الصدري " من حكومة المالكي ؟؟ .. إنه يُحيلنا ، وبلا أيّ لبْس ، إلى ما يجري الآن في لبنان .
هناك في بيروت ، أينَ إستجابت الحشودُ ، الشيعية ، لنداء سيّد المقاومة ، المنصور بالله ، للنزول إلى الشارع ، في سبيل قيام ما أسماها بـ " حكومة الوحدة الوطنية " ؛ ثمة ، حيث دماء أهل حكومة السنيورة ، الشرعية المنتخبة ، قد لطختْ أصلاً ذلك الشارع وطوال العامين المنصرمين ؛ الدماء العزيزة لرجالات الإستقلال اللبنانيّ ، الذين سقطوا إغتيالاً منذ الشهر الشاهد على الشهيد الأول ؛ الرئيس رفيق الحريري . النظام السوريّ ، المُوَصّف البنية طائفياً ، هوَ من أشير إليه بإصبع الإتهام منذ لحظة الإغتيال الأول ذاكَ . وهوَ من دفع ثمن الجريمة ، الأوليّ ( لأنه ثمة ثمن مؤجل ، ينتظره في المحكمة الدولية ! ) ، بإنسحاب جيشه ومخابراته من موطن الأرز . إستسهال الفرار من ذلك الموطن ، كان بمساهلة الكثير من المراقبين كما لو أنه علامة على ضعف النظام الأسديّ . بيْدَ أنّ هذا الأخير ، وبعقليته الأمنية أساساً ، ما كان ليفكر بحال ٍ في ترك جنة جيرانه تلك لحالها : كان في تفكيره الخبيث الماكر ، اللعب بالمسألة الطائفية ومنذ البداية المحتمة إنتهاء وجوده هناك . إنه مع حليفه الإيراني من قام برعاية " الحزب الإلهي " ، عبر عقديْن كامليْن من أعوام الوصاية ، حتى أمكنَ جعله دولة داخل الدولة اللبنانية . والآن ، إثر تطويبه " منتصراً " في حرب تموز ، سيكون على حزب آيات الله هذا ، أن يصير الدولة الوحيدة في لبنان ؛ وهذه المرة ، تحت يافطة كبيرة ، تقول كلماتها : " نريد حكومة نظيفة " . قمامة عصابتيْ " قم " و " القرداحة " تلك ، المدعية كونها مقاومة ، تتكلم إذاً عن النظافة ! .. وتنظيم " التيار العوني " ، المُرْتهَنُ لأنانية زعيمه وضيق أفقه ، مطلوب منه أن يكون غطاءً طائفياً ، مسيحياً ، للإنقلاب العسكري ، السافر ، على حكومة السنيورة الدستورية ؛ تماماً كما هو حال " التيار الصدري " في العراق مع حكومة المالكي المنتخبة ، الشرعية .
" من المهم إحترام خيارات الشعب اللبناني في إقامة حكومة وحدة وطنية ، كما تمّ التعبير عنها من خلال التظاهرات الحاشدة التي شهدتها بيروت " : هذه الجملة ، الحكيمة ، لم يتفوه بها مسؤول ما في حكومة غربية أو شرقية ، ديمقراطية ؛ بل وردت على لسان نائب وزير الخارجية السوري .. سنوفر على القاريء الكريم ، إشارات التعجّب اللازمة هنا . ولكننا لن نتوانى عن مساءلة وزيرنا الخطير هذا ، عن حكومة بلاده ، الوطنية ، ومن أيّ طينة وحدوية هيَ .. ؛ وما إذا كانت قد أقيمت بعيد التظاهرات الشعبية الحاشدة التي شهدتها ساحات دمشق ، أم أنها تشكلت إثر إنتخابات حرة ، ووفق الدستور الديمقراطي ؟؟ .. بعبارة اخرى ، يقول لنا وزيرُ العصابة الطائفية ، ( ذات الرتوش السنية ) ، أنّ قدَرَ لبنان ، الشقيق ، أن يكون مثلنا في سورية ، بلداً محكوماً بالإنقلابات العسكرية لا بالإنتخابات الديمقراطية المستندة إلى الدستور .. يقول لنا ، أنّ المتاجرة بشعارات التحرير هيَ المبرر الأول لكل نظام إنقلابيّ ـ كنظامنا البعثي ، المتأبّد منذ نيّف وأربعين سنة ؛ وهيَ نفس المدة التي شهد فيها لبنان عشرات الحكومات المنتخبة .. يبشرنا وزيرنا إذاً ، أنّ نظام لبنان القادم على أسنة صواريخ نصر الله سيصبحُ غيرَ مؤسس على تفاهم مكوناته الوطنية ، بل على تسلط طائفة واحدة ، مختارة ؛ حاله في ذلك حال سورية / جمهورية الموز المملوكة لعائلات ريفية ، جشعة ، لا تعرف من أين قرعة أبيها ..
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سياحَات : دمشق بأقلام الرحّالة 1 / 2
-
جرائم أجاثا كريستي ، اللبنانية
-
الحزب الإلهي وأولى ثمار الحرب الأهلية
-
ناصر 56 : الأسطورة والواقع
-
رحلاتٌ إلى مَوطن الجرْمان 3 / 3
-
النظامُ القرداحيّ والقرون اللبنانيّة
-
رحلاتٌ إلى مَوطن الجرْمان 2 / 3
-
صدّام ؛ صورٌ شخصيّة للطاغيَة
-
مشاهدات : جولة في دمشق العثمانيين 2 / 2
-
مشاهدات : جولة في دمشق العثمانيين 1 / 2
-
رحلاتٌ إلى مَوطن الجرمَان 1 / 3
-
الحارَة ؛ بابُها وبشرُها
-
مشاهدات : جولة في دمشق صلاح الدين 2 / 2
-
زبير يوسف ؛ في منحَتِ الحَديد والتحدّي 2 / 2
-
مشاهدات : جولة في دمشق صلاح الدين 1 / 2
-
زبير يوسف ؛ منشدُ الأزمان القديمة
-
إسمُ الوردَة : ثيمة الجريمة في رواية لباموك
-
أورهان باموك والإشكالية التركية
-
معسكراتُ الأبَد : شمالٌ يبشّر بالقيامَة 2 / 2
-
العثمانيون والأرمن : الجينوسايد المتجدد
المزيد.....
-
سحب الدخان تغطي الضاحية الجنوبية.. والجيش الإسرائيلي يعلن قص
...
-
السفير يوسف العتيبة: مقتل الحاخام كوغان هجوم على الإمارات
-
النعمة صارت نقمة.. أمطار بعد أشهر من الجفاف تتسبب في انهيارا
...
-
لأول مرة منذ صدور مذكرة الاعتقال.. غالانت يتوجه لواشنطن ويلت
...
-
فيتسو: الغرب يريد إضعاف روسيا وهذا لا يمكن تحقيقه
-
-حزب الله- وتدمير الدبابات الإسرائيلية.. هل يتكرر سيناريو -م
...
-
-الروس يستمرون في الانتصار-.. خبير بريطاني يعلق على الوضع في
...
-
-حزب الله- ينفذ أكبر عدد من العمليات ضد إسرائيل في يوم واحد
...
-
اندلاع حريق بمحرك طائرة ركاب روسية أثناء هبوطها في مطار أنطا
...
-
روسيا للغرب.. ضربة صاروخ -أوريشنيك- ستكون بالغة
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|