أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - هواجس في الثقافة ــ 126 ــ















المزيد.....


هواجس في الثقافة ــ 126 ــ


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 7946 - 2024 / 4 / 13 - 10:24
المحور: الادب والفن
    


الآلفية الثالثة
الواقع أذكى من جميع البشر، أنه صادم، يصدمهم يوميَا بقدرته على التعرية، تعرية ثقافتهم وقيمهم وأفكارهم وقناعاتهم كلها، يرميهم في الصحراء العارية المفتوحة على أسئلة كبيرة جدًا:
ـ لماذا يفقد الفلاسفة والمفكرين والكتاب والفنانين جزءًا كبيرًا من ذواتهم المفكرة عندما يرون المستقبل يتجه على غير ما حلموا به؟
ـ هل كان حلمهم ورديًا، صنعه خيالم المريض، غذاهم بطاقة إيجابية كاذبة؟
ـ هل هذا الخيال كان وهمًا، خيال كاذب في لحظة منفصلة عن الزمن والمكان، كما تقول الفلسفة؟
ـ هل هؤلاء الحلمون قرأوا الواقع قراءة واقعية أم توقعوا على غير ما سارت عليه الريح العابثة؟
الآلفية الثالثة، تاريخ أخر، واقع أخر على كل المستويات، إنسان أخر، إنسان مفكك الترابط، ماضيه منفصل عن حاضره، يعيش في ذهول مما يحدث حوله، ولا يستطيع التقاط أنفاسه من الركض السريع للقبض على ثوبه المرفرف في الهواء ويريد أن يتخلى عنه، مع هذا يعتز بذاك الماضي.
إنه انقلاب على انقلاب، أنه يبطح أكبر جمل أو رأس إنسان أو فيل أو وحيد القرن.
وكأننا ولدنا دون أب أو أم، تلاحقنا الصدمة ما بعد الصدمة، وكأن الرأس الذي كنا نحمله لم يكن الرأس ذاته في نهاية القرن العشرين.
بالتأكيد أن الآلفية الثالثة لم تأت من العدم، جاءت من تراكم العلوم والمعارف والخبرات الإنسانية والاحتمالات والتقديرات، بيد أننا لم نقرأ عالمنا قراءة حقيقية.
أغلبنا اليوم يدخل في حوارات ونقاشات وخلافات يعود عمرها إلى آلاف السنين التي خلت، ونتمسك بها بقوة شديدة، بل نحقر بعضنا من أجل أثبات أننا أبناء ذاك الماضي الحنون.
بل عمليًا ننسف بعضنا لتأكيد أننا الأولاد البرر لذاك التاريخ الذي مات ولن يعود.
بل هناك من يعتز أن الجمل والحصان والحمار كان الأفضل من السيارة والطائرة، وعلينا أن نحترم ذاك التاريخ، على أنه تاريخ الناس بأحلامهم وأعيادهم وهواجسهم وأمراضهم.
لم تعد السيارة ذاك المنتج الوحيد كما كان عليه في بداية القرن العشرين، أصبح الأن لدينا عدد كبير من السيارات، الكهربائية والشمسية وعلى الهيدروجين، ومنها أصبح لها جناحين.
كل شيء تغير حولنا وبسرعة غريبة، الواقع يرتقي ويطير، ونحن نغرق في الغيب.

السعادة لغة الريح
السعادة هي محاولة تنظيم الوعي في سياق علاقته بهذا الواقع القاسي الذي يعيشه إنسان هذا العصر.
لم يعد هناك سعادة فطرية أو بريئة نابعة من الذات كما كان، وكما عاشه أجدادنا في ما مضى من الزمن.
السعادة في هذا العصر لها علاقة بالوعي، وكيفية تنظيمه بالتعاون مع الذهن ليتكيف مع الشروط القاهرة التي فرضها الواقع الاجتماعي الاقتصادي السياسي الثقافي والعلمي.
السعادة هي محاولة تجنب الأزمات النفسية القاهرة التي تجتاحنا يوميًا، ونبقى ونستمر دون أمراض مستعصية على الصعيد الجسدي والنفسي والعقلي. إن نمد اقدامنا بأقل الخسائر
إن نقطف بعض اللحظات، ونهرب بها، وكأننا نسرق أنفسنا من ذواتنا ونطير بها حتى لا يأخذها منًا ذلك الغامض المتربص بنّا.

العبث
اتعبتنا هذه الحياة اللامعنى، دون حلم، دون أماني، ودون هدف.
نعيش حالة خواء، وفراغ نفسي وعقلي وروحي، وحالة ضياع وتشتت.
كانت البشرية، في السابق، تتطلع إلى المستقبل بأمل وحلم، اليوم نرى كل شيء حولنا في حالة خواء، أو اللامعنى.
جفاف في كل شيء، وأصبح همنا الجمعي على مستوى العالم، حول كيفية التخلص من الفيروس المستجد.
نسينا الأفكار، الحلم بالعالم الواعد، الحلم بعالم جميل تسوده العدالة الاجتماعية والتحرر من الاستغلال، والإقدام على التغيير الأفضل لمصلحة البشرية أجمع على مستوى الكرة الأرضية.
أين نحن من الماضي، وأغلب صراعات البشر ذهبت سدى لمصلحة التكنولوجيا المتطورة جدًا، التي فككت وتفكك عالمنا، وتمنحنا عزلة ما بعدها عزلة وخيبة أمل في الوصول إلى المعنى.
هل كانت هذه التكنولوجيا هي الهم الإنساني، إذًا، أين ذهب الفرح، الضحك، البحث عن السعادة؟
إلى أين يذهب البشر، بهذا الصراع من أجل امتلاكها والسيطرة على مقدرة الأرض وثرواتها؟
الإنسان كائن طبيعي، وإن اتمتته، هو خرابه القادم.

الموسيقا هي فن عالمي لا انتماء لها
عندما نشرت روايتي في الأرض المسرة، تحدثت فيها عن الموسيقى الأرمنية والكردية والتركية والعربية والفارسية.
وإن الموسيقا هي فن عالمي، له بعد إنساني، هي رقي وارتقاء، هي السد الذي سيقف في وجه الإبادات العديدة التي تعرضت لها البشرية عبر التاريخ ومنها الإبادة الأرمنية.
نسيت أن أذكر الموسيقا السريانية، أو لم أر مشكلة في عدم ذكرها، كوني كنت أكتب عن الموسيقا بشكل عام، لتصبح حلًا إلى حد ما في مواجهة الخواء والغربة الذي يعيشها الإنسان على وجه الأرض.
أحد الأصدقاء قال لي أنه سيتكلم مع جماعته، السريان ربما نعمل محاضرة عن الرواية ونفتح حوارًا حولها.
قلت له:
لا مشكلة.
جاء بعد عدة أيام، قال:
ـ لم يقبلوا.
ـ لماذا؟
قال:
ـ لأنك لم تذكر الموسيقا السريانية في الرواية!
بكل صراحة أنا لست غاويًا حضور المحاضرات أو المؤتمرات أو الصعود على المنابر.
كما لا أحب الشهرة والاستعراض ولا الخروج على الأذاعة أو التلفزيون.
قلت له:
ـ جاءت منكم وليس مني.
قبل يومين عاتبني صديق لي غاضب بشدة، قال:
ـ أنت كتبت عن وجود الأرمن والسريان والأشوريين والعرب ومن مناطق الدير في فترة الستينات في الحسكة ولم تذكر الاكراد.
قلت له:
لم أسمع بوجود الأكراد في الحسكة في فترة منتصف الستينيات.
حقيقة لم ألتق بطفل واحد كردي في حارتي وفي المدرسة لهذا لا أستطيع أن أذكر شيء لم أره أو أسمع به.
وعمليًا الطفل لا يعنيه هذه الأمور، وليس في باله دين أو قومية.
وفي مذكراتي تحدثت عن حياة طفل ما بين أربع سنوات وعشرة أو أكثر قليلًا
أريد القول أن العقل القومي والديني محدود الذكاء والرؤية، لا يرى أبعد من أنفه، لهذا فإن الدولة القومية أو الدينية سواء موجودة أو ستوجد في المستقبل ستكون عاجزة فاشلة عن إنتاج أي شيء له قيمة في أي مجال، لأن كلاهما لا يصنعان إنسان متوازن له عقل.
الرواية كان لها غاية، أن الموسيقا هي البديل المعياري الجميل لمواجهة التوحش، بمعنى لم يكن هم الرواية أن تتحدث عن موسيقا محددة، أنما عن مفهوم الموسيقا، وقدرتها على تهذيب النفس البشرية للرد على العنف والقتل والإبادة.
من سحب الرد من السريان على الرواية لم يقرأها، أنما سمع عنها، وجاء رده الدوغما كحجة لتعزيز مكانه في منصبه.
أكيد أنه واحد تافه.
وسابقًا اعترض عليها واحد قطيعي، من أحد العشائر، وأثناء الخلاف معه هو الأصنام، ويجب تكسيرهم، اعترض بشدة وقال أنها رواية طائفية، هكذا ببساطة شديدة.

الطوائف تحت سياسة لا مشكلة
عندما تبقى الطوائف تحت سياسة، سيكون الأمر تعايش بين مكونات المجتمع المتعدد المشارب الإنسانية.
إذا ظلت الطوائف تحت سياسة، تحت دستور الوطن, سيبقون منتمين الى حقل المجتمع المدني، وجودهم لا مشكلة فيه.
باختصار وجود الطوائف كعلاقة تحت، في قاع السياسة، في حال بقاءهم على أبواب السياسة لا مشكلة، أما إذا ارتقت وتعرشت السياسة في بناءها العلوي هنا تبدأ المأساة.
باختصار عندما تحكم الطوائف دولة ما، فهذه الدولة ستتحول تدريجيًا إلى خواء، كانتونات مفككة لا رابط بينهم، سيصبح الوطن مجرد مسخ، شاهد زور على متحف مملوء بالمومياءات.
حلم المومياء أن يبقى محنطًا في تابوت.

الثوابت مرض
أغلب المعلومات التي كنّا نتلقاها في المدارس، كنّا نتعامل معها على أنها من الثوابت لا يمكن المساس بها.
ولإن المدارس تلقن الطالب المعلومة بالإرغام، بالضرب والإذلال والإهانة، لهذا كان يتم مسح أو غسل دماغ الطفل ليصبح على مقاس العقل الملقن.
هذا الأمر، جعل بلادنا تُخرج أطفالًا مغلقي التفكير، مستبد صغير، مغلف العقل أو مسدود، يأخذ المعلومة كما هي دون تمحيص أو معرفة أو فهم، يتعامل مع النصوص على أنها من المسلمات، خاصة النصوص الدينية التي تفرض على المتلقي فرضًا دون المساس بما يسمى الثوابت.
اعتقد أننا لا نستطيع إنتاج المعرفة بسبب هذا الباب المهم.
حتى الأهل يجبرون طفلهم على الامتثال لأوامرهم، ورغباتهم، وطلباتهم دون حوار، أو تبادل الرأي، لهذا نخرج أجيال وراء أجيال، جيل وراء أخر، عاجز عن تحريك العقل أو تحويل هذا العقل إلى مكان، إلى ميدان للفكر والتحليل والتركيب والمعرفة.
أغلبنا يعاني من مشكلة القراءة، نقرأ كمتلقي، لا كناقد أو محاور، لأن ذهننا مركب على أن ما يقرأه هو جزء من الحقيقة وليس كميدان للمعرفة.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هواجس في الثقافة مقتطفات 125
- هواجس في الثقافة مقتطفات ــ 124 ــ
- هواجس في الثقافة مقتطفات ــ 123 ــ
- هواجس في الثقافة مقتطفات ــ 122 ــ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 121
- هواجس في الثقافة مقتطفات ــ 120 ــ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 119
- هواجس في الثقافة مقنطفات 118
- هواجس في الثقافة مقتطفات ــ 117 ــ
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 116 ــ
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 115 ــ
- هواجس في الثقافة مقتطفات ــ 114 ــ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 113
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 112 ـ
- هواجس في الثقافة مقتطفات 111
- هواجس في الثقافة مقتطفات 110
- هواجس في الثقافة بعض المقتطفات 109
- هواجس في الثقافة مقتطفات 108
- هواجس في الثقافة مقتطفات 107
- هواجس في الثقافة مقتطفات ـ 106 ـ


المزيد.....




- -بندقية أبي-.. نضال وهوية عبر أجيال
- سربند حبيب حين ينهل من الطفولة وحكايات الجدة والمخيلة الكردي ...
- لِمَن تحت قدَميها جنان الرؤوف الرحيم
- مسيرة حافلة بالعطاء الفكري والثقافي.. رحيل المفكر البحريني م ...
- رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري
- وفاة الممثل الأميركي هدسون جوزيف ميك عن عمر 16 عاما إثر حادث ...
- وفاة ريتشارد بيري منتج العديد من الأغاني الناجحة عن عمر يناه ...
- تعليقات جارحة وقبلة حميمة تجاوزت النص.. لهذه الأسباب رفعت بل ...
- تنبؤات بابا فانغا: صراع مدمر وكوارث تهدد البشرية.. فهل يكون ...
- محكمة الرباط تقضي بعدم الاختصاص في دعوى إيقاف مؤتمر -كُتاب ا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - هواجس في الثقافة ــ 126 ــ