|
تداعيات عملية «طوفان الأقصى» المسارات والمآلات
حمدي سيد محمد محمود
الحوار المتمدن-العدد: 7942 - 2024 / 4 / 9 - 11:31
المحور:
القضية الفلسطينية
شكلت عملية “طوفان الأقصى” التي قادتها حركة المقاومة الإسلامية حماس يوم 7 أكتوبر 2023، مفاجأة لم تتوقف آثارها عند حدود القضية الفلسطينية وما تنطوي عليه من صراع ممتد بين إسرائيل والفلسطينيين على الأرض، بل تجاوزتها لتربك الحسابات الإقليمية وتضع التقديرات الدولية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي موضع الشك، وخاصة في الدول الداعمة للحقوق الفلسطينية. كما كشفت عملية طوفان الأقصى عن خلل في المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، وسوء تقدير لقدرات حماس والفصائل الفلسطينية، مما أدى إلى فقدان إسرائيل قوة الردع. وفي محاولة منها لاستعادة قوة الردع خرقت إسرائيل كافة الأعراف والمواثيق القانونية الدولية في عدوانها على قطاع غزة بحجة القضاء على حركة حماس، مخلفة آلاف الضحايا، في ظل دعم أمريكي وغربي كبير واتهامات لدول إقليمية بدعم حماس، ومحاولات وقف إطلاق النار في القطاع، وظهرت مجموعة من التصورات حول مستقبل قطاع غزة بعد انتهاء الحرب الحرب.وأمام هذه الجولة الجديدة من الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وما أسفرت عنه من نتائج كانت الكارثة الإنسانية الملمح الأبرز لها، إلا أن هذه الجولة أعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث الدولية مرة أخرى بعد أن أبعدت العديد من الأحداث الدولية، ومنها الحرب الروسية الأوكرانية، وممارسات الاحتلال الإسرائيلي، هذه القضية عن دائرة الاهتمام الدولي خلال السنوات الأخيرة. الحصار الشامل على غزة (2023 – 2024): يُعدّ قطاع غزّة بموجب القانون الدولي تحت الاحتلال الإسرائيلي بالرغم من الانسحاب أحادي الجانب من القطاع عام 2005. إذ احتفظت إسرائيل بالسيطرة الكاملة على المنافذ البرية والبحرية والجوية. كذلك، تسيطر السّلطات الاسرائيليّة على السجل السكاني في غزة وشبكات الاتصالات سواء كانت شركات المحمول أو الاتصال بالانترنت. عدا عن السّيطرة على العديد من الجوانب الأخرى للحياة اليومية والبنية التحتية. بالتّالي كان لدى إسرائيل القدرة على السّيطرة على عدّة مناحٍ من حياة السكان في قطاع غزة، في عقاب جماعيّ غير مسبوق. يعدّ هذا انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني. في أعقاب فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في كانون ثانٍ عـام 2006. سيطرت حماس عسكريًّا على القطاع في حزيران 2007 وأُعلن عن غزة "كيانًا معاديًّا"؛ ففرضت عقوبــات إضافية مسّت بالحقوق الأساسية لسكان القطاع. فرضت وفقًا لهذا، قيود مشددة على دخول المسلزمات الأساسيّة للمدنيين، مثل: الوقود والبضائع والتّضييق على حركة الأفراد من وإلـى القطاع. عملت السلطات الإسرائيلية على مرّ السّنوات علـى عـزل قطاع غزة، وفصله عـن باقي الأراضي الفلسطينية سواء أكان هذا في الضفـة الغربيـة والقدس أو الأراضي المحتلّة. كذلك، تحكمت السذلطات الإسرائيليّة في كمية ونوعية البضائع والمواد التي تدخل إلى قطاع غزة، كما حظرت المئات من المنتجات. الأمر الّذي أضرّ بالقطاع الاقتصاديّ والرّكود الشّامل في القطاع. كما أدّى إلى ارتفاع حاد في معدلات الفقر والبطالة. تعدّت تبعات هذا الحصار إلى العديد من الجوانب كالقطاع الصحي. فلا يتوفر تنوّع في الأصناف واللوازم الطبية الأساسية. ويزيد من المرضى على قائمة الانتظار لأشهر بغرض تلقّي العلاج وإجراء العمليات الجراحية. شنّت إسرائيل أربعة هجمات عسكرية مدمّرة على القطاع خلال سنوات الحصار. أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين وتدمير عشرات آلاف المنازل والمنشآت المدنية، وأحدثت دمارًا ضخمًا في مرافق البنى التحتية. في أعقاب الحرب الفلسطينيّة الإسرائيلية 2023 فُرِض حصار أكبر وأضيق وأكثر شمولًا في 9 أكتوبر 2023 المرة الأولى التي يُفرض فيها مثل هذا الحصار. إذ تقع المعابر الحدودية في غزة على طول الحدود بين إسرائيل ومصر منذ 2005، تحت سيطرة إسرائيل بالإساس مع مصر. الأزمة الإنسانية في غزّة: لم تبدأ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة في 7 تشرين الأول/أكتوبر2023. ولم تكن "طوفان الأقصى" هي ما دفع الاحتلال إلى شنّ حربه على كلّ مظاهر الحياة فيها. هذه الحرب، ككل الحروب السابقة، لا تنفصل عن أصل الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، منذ ما قبل عام 1948. وهي تأتي تتمةً لسلسلة حروب شنّها الاحتلال على القطاع، وخصوصاً منذ أن باتت المقاومة هي الممسكة بالقرار السياسي فيه، في إطار مؤسسي رسمي. والحرب على المقاومة في غزّة لا تعني محاربة الحكومة فيها أو فصيل معيّن فحسب، بل هي حرب على الشعب الذي يتبنّى خيار المقاومة. وانطلاقاً من ذلك، لجأ الاحتلال، منذ عام 2007، إلى فرض حصار على القطاع، براً، وجواً، وبحراً. وبهذا، يشنّ الاحتلال حرباً من نوع آخر، تستهدف كلّ مقوّمات العيش لنحو 2.1 مليون نسمة. وعليه، فإنّ محاولات تحميل المقاومة المسؤولية عن الأزمة الإنسانية الحالية في غزّة، تنطوي على تضليل وإغفال متعمّدين وخبيثين، للدور الإسرائيلي، الذي أدّى إلى إحدى أسوأ كوارث هذا القرن. أعوام الحصار الإسرائيلي على غزّة تخلّلها أيضاً انهيار القطاعات الإنتاجية والخدمات الاجتماعية الأساسية، بالإضافة إلى البنى التحتية في تلك البيئة الحضرية. كما أدّى حرمان القطاع من الطاقة إلى حرمانه أيضاً من خدمات الصحة والمياه والصرف الصحي، على نحو يقوّض الاقتصاد الغزّي الهشّ أساساً، ولا سيما قطاعا التصنيع والزراعة. وفي حين بات العالم أكثر يقظةً لأزمة المياه التي يعانيها الغزّيون، خلال الأشهر الخمسة الأخيرة، فإنّ الاحتلال سبق أن حرم 95% من الغزّيين من المياه النظيفة. لكن، في مقابل ندرة المياه الصالحة للاستعمال البشري، تمّ تحديد 93 ألف غزّي على أنّهم معرّضون لخطر الفيضانات، بسبب هطول الأمطار، وفيضان مياه الصرف الصحي، وفقاً لأرقام "اليونيسيف"، في حزيران/يونيو 2023. على الصعيد الصحي، تركت الحروب الإسرائيلية المتكرّرة على القطاع آلاف الإصابات الدائمة والإعاقات والصدمات النفسية والاجتماعية، مع استهدافها الأنظمة الصحية. بالتوازي، يشدّد الاحتلال قيوده على دخول المعدّات الطبية اللازمة للقطاع، وخروج المرضى بهدف الحصول على الرعاية الطبية الأساسية والمنقذة للحياة. انتقال إدارة الصراع مع إسرائيل من الدول العربية إلى الحركات الشعبية المسلحة: في مقابل الخروج المتتالي “للدول” من الصراع (مصر، منظمة التحرير الفلسطينية، الأردن، دول اتفاق أبراهام…إلخ)، ظهر اتجاه معاكس يتمثل في بروز قوى شعبية تشبثت بخيار المقاومة المسلحة، ففي الوقت الذي خرجت الدول تباعاً من دائرة الصراع، تبلورت قوى سياسية شعبية مسلحة ومتشبثة بخيار الكفاح المسلح، فإلى جانب حركات المقاومة الفلسطينية المسلحة الأولى في الفترة 1965-1981 (فتح، والجبهة الشعبية، والصاعقة،…إلخ)، ظهرت حركات مسلحة جديدة مثل الجهاد الاسلامي (1981)، ثم ظهر حزب الله في لبنان (1982)، ثم حركة حماس (1987)، ثم حركة أنصار الله في اليمن (2004)، ثم الحشد الشعبي في العراق (2014)، وتبنت هذه القوى مواصلة المواجهة. وتلقى هذه الحركات مساندة من بعض الدول، وتولت إدارة الصراع مع “إسرائيل” بشكل تدريجي، وأسهمت مجموعة عوامل في تنامي زخم هذه الحركات: أ. قيام الثورة الإيرانية سنة 1979 وتبنيها موقفاً معاكساً للتوجهات العربية الرسمية، ومساندتها لهذا الاتجاه ومن يمثله، وهو ما يعني شرخاً في الاتجاه الأعظم غير الصفري. ب. الحاضنة الشعبية الرافضة لأيّ علاقة أو تطبيع أو تقديم تنازلات في فلسطين، وهو أمر تدل عليه استطلاعات الرأي العام العربي التي أجرتها هيئات غربية وعربية، بل إن المعارضة للعلاقة مع “إسرائيل” تتزايد،[5] وهو ما يعني إبقاء المستقبل مفتوحاً أمام احتمال التضييق على الاتجاه غير الصفري. ج. الإرث الثقافي الديني ودوره في تشكيل صورة اليهود في الذهن العربي، وهو اتجاه يغذي وبقوة أنصار الاتجاه الأعظم الصفري. د. الفشل التام في تحقيق تسوية سياسية بالوسائل السلمية، واستمرار الاستيطان وتهديد المسجد الأقصى وكافة السياسات الإسرائيلية ذات التوجه السلبي، وهو ما يجعل الاتجاه غير الصفري يحمل بذور فنائه في ذاته. هـ. تزايد التيار الديني المتشدد في المؤسسة السياسية الإسرائيلية، وهي ظاهرة تعزز كل المعطيات السابقة لصالح المنظور الصفري. تأثير الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي: بحسب تقديرات شركة "ليدر كابيتال ماركت" الاستشارية، فإن "الحرب ستكلف ميزانية إسرائيل حوالي 180 مليار شيكل (48 مليار دولار) في 2023 - 2024، وستتحمل تل أبيب ثلثي التكاليف الإجمالية فيما ستسدد الولايات المتحدة الباقي"، كما أشارت وكالة "بلومبرج" إلى أن استمرار الأعمال الحربية يكلف ميزانية إسرائيل حوالي 270 مليون دولار يوميًّا، وكان مسؤول في وزارة المالية الإسرائيلية قد أكد أن إسرائيل ستواجه عجزًا متزايدًا في الميزانية خلال العامين المقبلين، قد يصل إلى 9% من حجم ناتجها المحلي الإجمالي، كما نشرت وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد آند بورز" تقريرًا خاصًّا عن الاقتصاد الإسرائيلي خفضت فيه توقعاتها لتصنيف إسرائيل من "مستقر" إلى "سلبي". ويمكن توصيف أهم الأضرار التي تعرض لها الاقتصاد الإسرائيلي نتيجة الحرب على النحو التالي: - الأمن الغذائي: تقدر الأضرار التي لحقت بالممتلكات نتيجة الحرب حتى الآن بأكثر من 3 مليارات شيكل، كما أن ترميم الغلاف سيكلف ما لا يقل عن 10 مليارات شيكل في المستقبل، كما تضرر أكثر من 100 مبنًى والعديد من المستوطنات، ولعل أهمها المستوطنات التي تعمل في مجال الزراعة، حيث يجد المزارعون صعوبة في العمل بسبب تلف جانب كبير من الشبكات وخطوط المياه والكهرباء. - ارتفاع الأسعار: تسجيل الأسعار ارتفاعًا ملحوظًا في عدد من السلع الأساسية، منها: الخضراوات والفواكه الطازجة بنسبة 4.3٪، والخدمات التعليمية بنسبة 1.3٪، والملابس والأحذية بنسبة 0.5٪. - البورصة وسوق المال: أدت الحرب إلى انهيار معظم المؤشرات الرئيسة في البورصة الإسرائيلية بنسبة تراوحت من 6.69٪ إلى 7.89٪. كما تراجع سعر صرف الشيكل أمام الدولار ليسجل 3.91 شيكل بزيادة نحو 2٪، وقفز اليورو أيضًا بمعدل مماثل وتم تداوله حول 4.115 شيكل. وفي ظل الانخفاض الحاد في سعر الشيكل، أعلن "بنك إسرائيل" عن خطة استثنائية لبيع العملات الأجنبية بمبلغ يصل إلى 30 مليار شيكل، وذلك لتوفير السيولة للسوق من خلال تفعيل آليات معاملات المبادلة الخاصة بالبنك في السوق بمبلغ يصل إلى 15 مليار دولار. - موارد الطاقة: أعلنت شركة "شيفرون" -المسؤولة عن تشغيل حقل "تمار"- عن وقف إنتاج الغاز من الحقل، وذلك بعد تلقي الشركة تحذيرًا من وزارة الطاقة بأنه في ظل الأوضاع الأمنية يتطلب وقف نشاط استخراج الغاز الطبيعي من الحقل، وهذه ليست المرة الأولى التي يتوقف فيها إنتاج الغاز بسبب الوضع الأمني. وتعتبر منشآت إنتاج الغاز هدفًا استراتيجيًّا، كما أن إيقاف تدفق الغاز يمنع اشتعال المواد الخطرة عند إصابة المنشآت. وعلى صعيد آخر، سيؤثر هذا التوقف على موارد الطاقة وعلى عمل محطات الكهرباء والمياه الرئيسة، مما سيؤثر سلبًا على الاقتصاد من جهة، وعلى حياة المواطن الإسرائيلي من جهة أخرى. وعلى الصعيد ذاته، تم إغلاق ميناء عسقلان ومرفأ النفط التابع له، الذي يقع على بعد أكثر من 10 كيلومترات من قطاع غزة؛ وذلك على خلفية الهجمات الأخيرة واحتدام القتال بين حماس وإسرائيل. ولعل خطورة ذلك تكمن في أن ميناء عسقلان يعد أكبر ميناء لاستيراد النفط في إسرائيل. ويكمن الخطر الأكبر للانهيار الاقتصادي المحتمل في تأثيره المباشر على المواطن الإسرائيلي، وفي حال استمرت الحرب لفترة طويلة ستضطر الحكومة الإسرائيلية إلى إيجاد ممول خارجي لسد العجز الهائل المتوقع في الموازنة، وبالفعل طلبت الحكومة الإسرائيلية من الحكومة الأمريكية دعمًا طارئًا بقيمة 10 مليارات دولار. وقد تضطر أيضًا إلى إعادة توزيع موازنة عام 2024 لزيادة ميزانية الجيش مقابل استقطاعات هائلة في عدد من القطاعات الحيوية التي لها تأثير مباشر على الحياة اليومية للمواطن. السيناريوهات المُحتملة لتداعيات الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة: 1- انتصار أحد الطرفين: بشكل عام يتحدد الانتصار أو الهزيمة في الحروب بحجم ما حققه أو أخفق فيه هذا الطرف أو ذاك من الأهداف التي وضعها للحرب. وفي ما يتعلق بالحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس فالمعنى الوحيد للانتصار بالنسبة لإسرائيل هو تحقيق أهم أهداف الحرب؛ أي القضاء على حماس، وإذا لم تتمكن من تحقيق هذا الهدف فستصبح تل أبيب الطرف الخاسر. وبالنسبة لحماس، تغير هدف الحرب، بعد الضربات القوية التي تلقتها، من توسيع نطاق الحرب بانضمام جبهات أخرى للقتال كمدخل لإضعاف إسرائيل (طبقاً لبيانات الحركة في الأيام الأولى للحرب)؛ وهو الهدف الذي فشلت في تحقيقه بعد مُضي أكثر من شهرين ونصف على الحرب، إلى هدف وحيد وهو بقاء الحركة كسلطة سياسية وكقوة عسكرية، ومنع محاولات تهميشها أو إدماجها في السلطة الفلسطينية. وإذا فشلت حماس في تحقيق هذا الهدف فستكون الطرف الخاسر في الحرب. ومن شأن انتصار إسرائيل أن يُعزز قدرتها على مقاومة التوجه الأمريكي للبدء في عملية سياسية بين تل أبيب والسلطة الفلسطينية، وصولاً إلى مفاوضات تطبيق حل الدولتين. كما قد يُمكن هذا الانتصار نتنياهو من استرداد بعض من شعبيته في الداخل التي فقدها أثناء الحرب، وإن كان ذلك لن يعني بالضرورة إمكانية بقائه في السلطة أو الفوز في الانتخابات المتوقع إجراؤها بعد نهاية الحرب. إذ إن مصير نتنياهو سيتحدد بعاملين آخرين هما: تقرير اللجنة التي ستُشكل بعد الحرب للتحقيق في مسؤوليته عن التقصير الذي قاد إلى كارثة السابع من أكتوبر من جهة، ورد فعل الشارع الإسرائيلي على محاولاته البقاء في الساحة السياسية من جهة أخرى. وقياساً على سابقة لجنة “أجرانات” التي تشكلت بعد حرب أكتوبر 1973 فإن توصيات اللجنة المُنتظر تشكلها بعد نهاية الحرب الحالية في غزة لن تخرج عن المطالبة بعزل نتنياهو وعدد من قادة الاستخبارات والجيش الإسرائيلي. وكما انتفض الشارع الإسرائيلي ضد غولدا مائير بعد حرب أكتوبر 1973 مطالباً حينها برحيلها عن السلطة، رغم فوزها في الانتخابات التي جرت عام 1974، فإن الشارع الإسرائيلي قد لا ينتظر تقرير وتوصيات لجنة ما بعد حرب غزة، وقد يطالب برحيل نتنياهو فور انتهائها. وفي كل الأحوال يبدو أن الأوضاع السياسية في إسرائيل بعد الحرب الحالية مرشحة للمرور بفترة طويلة من عدم الاستقرار، ما سيشكل عائقاً كبيراً أمام محاولات الولايات المتحدة إقناع الإسرائيليين بتطبيق حل الدولتين. على الجانب المقابل لن تستطيع حماس تسويق إمكانية صدور أي قرار بوقف إطلاق النار وإرغام إسرائيل على قبوله، باعتباره انتصاراً لها، إذ إن واشنطن ربما ستخطط لصياغة قرار بوقف إطلاق النار، من المتوقع أن يتضمن بنداً بشأن تسليم الحكم في القطاع للسلطة الفلسطينية، وتشكيل لجنة دولية لنزع سلاح غزة. وعندها لن يكون أمام حماس سوى الخضوع للقرار، أو اتهامها رسمياً بأنها تدافع عن بقاء تنظيمها، وليس عن حقوق الشعب الفلسطيني؛ وهو ما قد يمنح إسرائيل الفرصة لاستئناف محاولات إسقاط حماس بالقوة العسكرية، وبتأييد دولي هذه المرة. 2- وقف إطلاق النار من دون شروط: بسبب الأعداد المهولة من الضحايا المدنيين في قطاع غزة قد تضطر الولايات المتحدة ومعها عدد كبير من القوى الدولية للقبول بفكرة إنهاء الحرب الحالية بالأسلوب نفسه الذي انتهت به الحروب السابقة؛ أي صدور قرار بوقف إطلاق النار دون شروط، لاستعادة التهدئة فقط. وتكتنف هذا السيناريو صعوبات عديدة، أهمها أنه في حالة صدور مثل هذا القرار فإن إسرائيل لن تكون مُلزمة بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها في قطاع غزة، كما سترفض السماح بعودة المهجرين إلى منازلهم السابقة على الحرب؛ ما يعني استمرار التوتر والدخول في مواجهات متقطعة بين إسرائيل وحماس، ستفضي حتماً إلى انفجار الوضع مجدداً. على جانب آخر، سيؤدي قبول نتنياهو بوقف القتال دون اشتراط رحيل حماس عن السلطة في غزة ونزع سلاحها إلى تفكيك الائتلاف الحكومي الذي يقوده، إذ يهدد حزبا “الصهيونية الدينية” و”القوة اليهودية” بالانسحاب من الائتلاف في مثل هذه الحالة، وهو ما سيقود حتماً إما إلى اضطرار نتنياهو للاستقالة من حزب “الليكود” ورئاسة الحكومة تحت الضغوط الشعبية، وإفساح الطريق لتشكيل حكومة جديدة بزعامة إحدى الشخصيات البارزة في “الليكود”، وبمشاركة من أحزاب الوسط واليسار وبعض الأحزاب العربية؛ أو إلى حل الكنيست والدعوة لانتخابات جديدة، لن يتم إجراؤها إلا بعد صدور قرار الحل بثلاثة أشهر على الأقل، ما يعني بقاء حكومة نتنياهو كحكومة تصريف أعمال خلال هذه الفترة، وهو ما يمكنها من استئناف محاولة القضاء على حماس بحجج أمنية متنوعة. ومن المتوقع أن يحاول نتنياهو بالدرجة الأولى الحفاظ على ائتلافه عبر إقناع حلفائه بأن القبول بوقف إطلاق النار لا يعني التخلي عن هدف القضاء على حماس، وبأن الحرب ستستمر لتحقيق هذا الهدف بذريعة انتهاك حماس وقف إطلاق النار، وحق تل أبيب في الدفاع عن نفسها. بمعنى آخر سيقود هذا السيناريو، في حال تحققه، إلى بقاء ائتلاف نتنياهو السابق على تشكيل حكومة الطوارئ، التي من المتوقع تفكيكها في حالة القبول بوقف إطلاق النار، وهو وضع سيترتب عليه انقسام حاد في الشارع الإسرائيلي، وقد يقود إلى اندلاع مظاهرات حاشدة ومواجهات بين أنصار اليمين وأنصار أحزاب الوسط واليسار، لا يُعرف المدى الذي يمكن أن تصل إليه، وإن كان من المؤكد أنها ستؤثر على تماسك المؤسسات الإسرائيلية في إدارة الأزمات المتنوعة أمنياً وسياسياً واجتماعياً، التي سيخلفها مثل هذا السيناريو بكل احتمالاته. والأهم أن ذلك السيناريو في حال تحققه سيضعف قدرة الولايات المتحدة على تطبيق تصورها لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل كامل. 3- وقف القتال وبدء التفاوض السياسي: هو السيناريو الذي تفضله الولايات المتحدة والعديد من القوى والأطراف الدولية والإقليمية، لكنه يواجه بدوره صعوبات كبيرة، أهمها أن وقف القتال وفتح باب التفاوض لا بد أن يتم بموافقة الطرفين. وكما أوضحنا سابقاً فإن بقاء نتنياهو في السلطة ومحاولته الحفاظ على ائتلافه يتعارض مع رفض حلفائه في جبهة اليمين، وبعض أعضاء “الليكود” نفسه، فكرة حل الدولتين جملة وتفصيلاً، التي تسعى الولايات المتحدة إلى تفعيلها على أرض الواقع. كذلك سيكون من المستحيل تصور قبول حماس بالاندماج في السلطة الفلسطينية وتهميش دورها السياسي، وتجريدها من قوتها العسكرية، في آنٍ واحد، إذ ستصر الحركة على الاحتفاظ بقدراتها العسكرية، حتى لو وافقت على الاندماج في السلطة الفلسطينية مؤقتاً وتحت ضغوط متعددة. ويمكن لهذا السيناريو أن يتحقق فقط في حالة رحيل نتنياهو وتشكيل ائتلاف كبير من “الليكود” وأحزاب الوسط واليسار عقب نهاية الحرب مباشرة، وهو ما تسعى إليه إدارة بايدن التي طالبت نتنياهو بإعادة تشكيل ائتلافه باستبعاد شركائه من اليمين المتطرف. لكن كما هو معروف عن طبيعة نتنياهو الشخصية فهو لن يقبل بسهولة التضحية بحلفائه في اليمين، لأن ذلك قد يُعرضه في المدى القصير لخسارة منصبه، سواءً بضغوط من المتشددين داخل حزبه “الليكود”، الذين سيسعون بشكل مؤكد إلى الإطاحة به من رئاسة الحزب رداً على قبوله فكرة تفكيك جبهة اليمين، والدخول في مفاوضات مع الفلسطينيين على أساس حل الدولتين؛ أو بسعي من أحزاب المعارضة المرشحة للانضمام إلى مثل هذا الائتلاف إلى عزله من منصبه في مرحلة لاحقة، وتقديم مرشح بديل له من صفوفها. وفي كل الأحوال، ستتسبب حالة عدم الاستقرار السياسي الداخلي في إسرائيل في إعاقة أي فرصة للتقدم نحو مفاوضات حل الدولتين. وختاماً نرى أن إسرائيل سترضخ في نهاية المطاف لوقف القتال والدخول في مفاوضات لإستعادة الأسرى الإسرائيليين لدى حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بعد ما أبدته المقاومة من صمود أسطوري أمام آلة القتل والدمار الإسرائلية؛ والتي أثبتت عجز حكومة نتنياهو عن تحقيق أهدافها المعلنة من تفكيك حماس واستعادة الأسرى.
#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تداعيات التغلغل الإيراني في القرن الإفريقي على الأمن القومي
...
-
تداعيات إنشاء ممر -زانجيزور- في منطقة جنوب القوقاز، وانعكاسا
...
-
عن الاقتصاد الأخلاقي أتحدث
-
دور الاتصال التنظيمي في صناعة الصورة الذهنية للمنظمة
-
تأثيرات العولمة على التدفق الإعلامي الدولي
-
علاقة إيران بطالبان ومستقبل الشيعة الهزارة بأفغانستان
-
الأساس الفلسفي والفكري للعولمة
-
البعد الإعلامي للعولمة ... السمات والتأثير والمخاطر
-
أسباب الأزمات التنظيمية وكيفية مواجهته؟
-
الإعلام و إدارة الأزمات في المؤسسات الحكومية
-
كيف يسهم الاتصال التنظيمي في صناعة الصورة الذهنية للمنظمة؟
-
اقتصاد الانتباه كأحد أشكال الثروة
-
هل تستطيع المؤسسات العربية الاندماج في اقتصاد المعرفة؟
المزيد.....
-
إدارة بايدن تسمح للمقاولين العسكريين الأمريكيين بالانتشار في
...
-
بايدن يعلق على أحداث أمستردام
-
روسيا تؤكد استعدادها لنقل 80 ألف طن من وقود الديزل إلى كوبا
...
-
رئيس الوزراء اليوناني يقدم مقترحات للاتحاد الأوروبي من أجل ا
...
-
رويترز: البنتاغون يسمح بتواجد متعاقدين عسكريين في أوكرانيا ل
...
-
الناتو يزعم أن التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية يمس الأمن ا
...
-
إيران: مقتل 4 -إرهابيين- وجندي في عملية في سيستان وبلوشستان
...
-
قضيّة الوثائق السرية المسربة: مستشارة الحكومة الإسرائيلية تو
...
-
تواصل التنديدات الدولية بالهجمات على مشجعين إسرائيليين في أم
...
-
القضاء الأمريكي يوجه الاتهام لإيراني بالتخطيط لاغتيال ترامب
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|