|
قال لي صاحبي
غسان الرفاعي
كاتب وباحث ماركسي من لبنان
الحوار المتمدن-العدد: 7941 - 2024 / 4 / 8 - 01:10
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
قال لي صاحبي ، وهو يحاورني ( بعد ان قرأ كتابي الاخير : ماركس بدون دوغمائية وبدون تفريط ) بلهجة لا تخلو من الاسف على صديقه ( شخصي الكريم ) الذي راح " ضحية الضياع " . قال : انت لاتتكلم الا عن المستقبل … والمستقبل بعيد ! وتطالبنا … وتلح في المطالبة … في حين ان ما نحتاج اليه هو ان نحدد مانريده الان ! ان " نقرر " ما يتطلبه الوضع الحاضر ! ثم استطرد قائلا ، وليس دون بعض نبرة تحمل " التحدي " : من تخاطب انت فيما تكتب ؟ مع من تتكلم ؟ … علينا ان نتوجه الى" الناس "... الى " الجماهير " التي تخرج الى الشوارع !... حتى " النخب " لا تميل الى سماعك ! ذُهلت ، حين سمعت ذلك ! ليس لقساوة النقد ، لانني اعرف طيبة صاحبي وصدقه مع نفسه اولا ، ومع الاخرين ، ومعي … ولانني كنت وما ازال على قناعة بعمق ثقافته وغنى تجربته في الحياة وفي مجالات النضال. ذهلت لان صاحبي لم يدرك ، بعد ، ان " المشكلة" ليست في الناس… ولا في " الحاضر " …ولا ، بطبيعة الحال ، في " المستقبل " لا البعيد منه ولا القريب ! المشكلة الحقيقية ، حسب رأيي ، تكمن " فينا "… في اشخاصنا : نحن " كخلاصة " لتجربة معينة …. لثقافة سياسية معينة .. انتكست : انهارت في " جوانب " منها. اصابنا الانهيار بتشوهات وبكدمات فكرية وسلوكية لم نتعاف منها بعد . ذلك لاننا لم نجد ، ولم نجهد كفايةً ، لاكتشاف ذاك " الترياق السحري " الذي يعيد التوازن والاستقرار " لروحنا " ولفكرنا . لا يمكن فهم " بعض " حاضرنا دون نقد " ماضينا" بعمق : بصدق وبشرف ! ف " شتم " المظاهر السلبية في تجربتنا ، وحسب ، وشتم من نعتبرهم " مسؤولين " ! وفرزهم عن صفوفنا ، لا يجعلنا " نفهم "، ولا يساعد على تلمس حقيقة حاضرنا... ينبغي " نبش " : نعم نبش وكشف جذور الاسباب لممارساتنا النظرية والعملية التي ادت الى حدوث " الكارثة " ! هذا يعني ضرورة تحليل ورؤية شمولية لمجمل الاوضاع المستجدة . فرد الفعل المباشر على الظاهرات السلبية المباشرة التي يولدها " النظام " والمجتمع في سياق المسارات اليومية ، التفصيلية ، للاحداث ، لا يقدم، بالضرورة ، علاجا ملائما اذا لم يكن رد الفعل هذا ( المتمثل بموقف او بشعار ) مستندا الى فهم شمولي للوضع العام في ماضيه وحاضره . فاي شعار او موقف يولد خارج هذه العملية الفكرية يكون من اختراع " ذواتنا " ! وبالتالي يحمل ارجحية بطلانه او عدم ملاءمته للواقع، لانه ولد من خارج الظاهرة . في حين ان المطلوب هو كشف ، او على الاصح اكتشاف " سر " حركة النظام والدولة والمجتمع : اي ادراك القانون الموضوعي للحركة الاجتماعية التاريخية، وبالتالي السياسية في كل مرحلة محددة. وتكتسب هذه المنهجية اهمية استثنائية خاصة لان مسار التطور ، سواء على الصعيد العالمي ، ام في بلداننا ، يمر بمنعطف تاريخي له ميزات نوعية ، بعد الانهيار السوفياتي ، ومع دخول راسمالية الدولة الاحتكارية مرحلة العولمة . على هذا الاساس نؤكد على ان اكتشاف قانون التطور الموضوعي ، الملموس ، وحده هو الذي يعيننا على تلمس الحاضر ، من حيث الجوهر ، في واقعيته . فادراك هذا الجوهر يساعدنا في تحديد متطلبات الحاضر : اليومية والبعيدة . هذا ليس " هروبا " الى المستقبل ! " فالحاضر" يجب ان يفهم بفهم ماضيه الذي انبثق منه … وتلمس " مستقبله" الذي سيؤول اليه ، بحكم ما تحدده العوامل الموضوعية للتطور بصورة اساسية … وليس بالتأمل ولا التمنيات والمناشدات باي حال من الاحوال ! على قاعدة لوحة الترابط والتداخل والتفاعل بين الماضي والحاضر ، وبين الحاضر والمستقبل، على وجه التحديد والحصر ، يمكن " لفكرنا " ان يعمل بصورة سليمة ومجدية على صياغة خطة نضال متكاملة في مستواها الاستراتيجي العام ، وفي مستوى توجهاتها التكتيكية العامة . في هذا السياق نرى انه من الضروري ان نشير ، في ضوء الالتباسات الناشئة من طرح الشعارات والاهداف العشوائية ، الى انه لا يجوز الخلط وعدم التمييز بين التوجه التكتيكي العام ، المفترض انه يحدد طبيعة النهج السياسي العام الذي تتطلبه الاستراتيجية التي صيغت على اساس علمي ، وبين المواقف العملية، التفصيلية الضرورية الملائمة للعمل اليومي . ومن المفروض ، بل من الطبيعي تماما ، ان يتيح هذا الواقع اقصى المرونة والواقعية العملية للعمل اليومي في التعامل والتفاعل ، ايجابا او نقدا ، مع مواقف وطروحات سائر
الاطراف السياسية الفاعلة على الساحة الواقعية ، من جهة ، ومع متطلبات وحاجات القوى الاجتماعية المختلفة التي تسعى قوى اليسار تمثيل مصالحها ، من جهة ثانية . بهذا الترابط الديالكتيكي بين " فهم " حاضرنا وبين فهم الماضي والمستقبل نسقط نهج " البراغماتية " السياسية الذي ظل سائدا ردحاً طويلاً في ممارساتنا، من تصرفاتنا ، والكثير من طرائق تفكيرنا، التي تشكل الدعوة الى قصر الهم السياسي على ايجاد " حلول " للمهام المباشرة ، الانية " لحاضرنا " وحسب ، معزول عن ماضيه ، ابرز تجلياته ... ودون اي تقدير نظري لما سيؤول اليه مستقبلا ! لعلي لا اكون مبالغا اذا ما رايت ان النهج البراغماتي هذا قد تضاعفت خطورته في ايامنا الراهنة. فاليسار ( وتحديدا الشيوعيين ) ما يزال في ازمته... وراسمالية العولمة تعمل بدأب وشراسة على تكييف العالم والشعوب تكييفا شاملا : سياسيا واقتصاديا وفكريا ، وفق ترسيخ مبدأ أبدية الراسمالية ونهاية التاريخ ! من هنا نرى ان مقاربة المهام النضالية الراهنة والمستقبلية لا يمكن ان تكون ناجعة وفعالة إلا وفق استراتيجية شاملة مواجهة لاستراتيجية العولمة ، على النطاق العالمي ، مع صياغات ذات خصوصية وفق الشروط الملموسة في كل بلد ، تصاغ على اساس هذه المنهجية العلمية بالذات : المادية الدياكتيكية . ومثل هذه الاستراتيجية هي التي تحدد طبيعة النهج التكتيكي العام واشكال وصيغ ممارسة العمل اليومي بصورة ملموسة وفق خصائص المكان والزمان الملموسين . ان عدم الالتزام بشروط البحث هذه انتجت ، وتنتج لنا بحوثاً " تجديدية " ضحلة تكشف ، مع الاسف الشديد ، مدى التبسيط والقصور الذي تتسم به ، بالدرجة الاولى بعدم انفتاحها على الجماهير العميقة لتعبئتها وتنظيمها في الاطر النضالية المناسبة ... ، ومن جهة ثانية ، بحصر النضال وتحديد شروطه واساليب مما رسته بقصره على مهام الداخل المباشر وحسب ، تحت شعار " الخصوصية " ، وخنقه في نوع من " الشوفينية " الضيقة ، ولو جرى تحت يافطة النضال ضد الاستعمار، التي تتعامى عن الطبيعة العالمية للنظام الراسمالي ( الذي اكتشفه ماركس ) ، والذي ما يزال يؤثر ، ويحدد ، الى حد كبير ، مسار التطور العام بكل الوسائل التي يملك : الاقتصادية والسياسية والايدولوجية والاعلامية ... والتآمرية والحربية ! ان المنحى التاريخي الذي يمر به عالمنا ، وبلداننا ، يتميز ( بعد انهيارالتجربة السوفياتية ) بتحول ازمات النظام الراسمالي الدورية ، بعد ازمة 2008 الى ازمة عامة مستدامة تترافق مع ميل متسارع في عملية العولمة في الاقتصاد العالمي ، دون الخروج من تحت تأثير التناقضات المحتدمة فيما بين المحاور الاساسية للراسمالية العالمية : الو لايات المتحدة واوربا واليابان . وهذا التطور الكبير والعميق يطرح على طاولة البحث النظري ، وفي ساحة النضال السياسي ، جملة من القضايا والمشاكل الجديدة التي تحتاج منا جهدا فكريا فعليا وضروريا لفهمها وتحديد مفاعيلها ، واستخلاص المهام النضالية ، والسياسية والعملية التي ينبغي بلورتها وادخالها في اجندة نضالاتنا الاستراتيجية والتكتيكية . هذا الجهد النظري ، الضروري والمطلوب ، حسب تقديرنا وقناعتنا العميقة ، هو مسؤولية جماعية وليس خيارا ذاتيا . انه ضرورة موضوعية تتطلبه المتغيرات الكبيرة الحاصلة على الصعيد الدولي والمحلي . عدم ادراك ذلك يعني اننا امام خطر تكرار " خطيئتنا المميتة " السابقة من جديد في قضايا التطور الاجتماعي السياسي لبلداننا وفق مفاهيم نظرية جامدة ، ادعت من حيث الشكل ، انها ماركسية ، لكنها ظلت غريبة عن الروح الحية النقدية الكشافة، لنظرية ماركس الديالكتيكية .
#غسان_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ايديولوجيا
-
الازمة البنيوية المعقدة للمجتمع والنظام السياسي اللبناني
-
بصراحة رفاقية شيوعية الرفيق الأمين العام حنا غريب مع التقدير
...
-
2 - الرفيق الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب
-
الرفيق الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب
-
الماركسية مرشدنا !... لماذا ؟... كيف ؟...
-
في الرد على مقالة ، اليسار واغتيال الدولة - محمد علي مقلد
-
كيف السبيل
-
الرساميل العائمة..الى أين ؟
-
مساهمة في حوار اسحاق الشيخ يعقوب .
-
لبنان الوطن في ازمة مزمنة ، شاملة ومتفاقمة ... مشروع بلاتفور
...
-
البراغماتية : المرض المزمن !
-
مشروع رؤية للنقاش
-
ما يزال للشعوب قضية !
-
ضرورة بناء يسار بستجيب لمتطلبات العصر
-
حوار من أجل صياغة رؤية سياسية ماركسية
المزيد.....
-
وثائق سرية تكشف: الملكة إليزابيث لم تكن على علم بتورط مستشار
...
-
تجديد حبس شباب «بانر فـلسطين» 45 يومًا
-
«المفوضية»: للمرة الثانية المحبوسين بـ«العاشر 6» يديرون أجسا
...
-
إضرابها دخل يومه السابع بعد المئة.. نظام الاستبداد يقتل ليلى
...
-
صوفيا ملك// حتى لا تبتلعنا أمريكا..
-
مذكرة من «البلشي» للنائب العام بعد إحالة «صحفيين» محبوسين إح
...
-
“المبادرة” تطالب بالتحقيق في شكاوى معتقلي العاشر 6
-
جنايات “المنصورة” تقضي بحبس معتقلي حادث المطرية 45 يومًا
-
افتتاح معرض مكرس لحصار لينينغراد في الأمم المتحدة
-
سقوط العقيدة العسكرية “الإسرائيلية”
المزيد.....
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
المزيد.....
|