|
ترويض الفكرة على صهوة الابداع
عبدالكريم ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 7940 - 2024 / 4 / 7 - 18:17
المحور:
الادب والفن
تعتبر الافكار اساس في تحويل المشاريع الابداعية من مجرد موجة هائلة تدور في الاخيلة إلى مادة محسوسة قابلة للقراءة أو المشاهدة . عندها يحتاج الاديب الفذ إلى ادوات تمكنه من ضخ مجموعة الافكار هذه، وتسطيرها على الورق كمادة مميزة تنال رضى المتلقي. أذن الامر يعني وجود عملية حث وتفريغ للأفكار الشاردة من خلال القراءة تارة للأخرين أو من خلال التأمل. وقد يسود النوع الأول عملية تواتر خواطر أو تناص التأثير لأنه هناك لابد من وجود رواسب كامنة تفرض نفسها لا شعوريا على الكاتب. ويحتاج المبدع إلى مدة زمنية للتخلص من سيطرة ونفوذ الاخرين. عندها تظهر ملامح الابداع الخاصة للكاتب نفسه تميزه عما سبق. وقد اختصر هذه النظرية خلف الاحمر (ت 180 هـ ) وحكايته مع احد الشعراء . ربما حاول الاحمر في خلق كينونة جديدة لهذا الشاعر تميزه عن الاخرين .وقد يكون نقل تجربته الخاصة فهو شاعر كبير ولكنه عاش في خضم التقليد،ويقال انه " كان ينتحل الشعر بمعنى يقول الشعر على طرقة القدماء ثم ينسب ما يقول لهم ". هذه الحكاية بما فيها من الصحة ،ولكنها لم تستطع ان تفند مبدأ التأثير والتقليد الذي هو بداية كل اديب مهما كان منجزه. ولكنها في نفس الوقت تريد ان يكون للشاعر أو الكاتب ان يخلى عن جلباب التقليد ، وتحوله الى منتج له بصمة خاصة به. وهذا التفرد هو الذي يسعى اليه اغلب الادباء برغم اختلاف الملكة والاستيعاب من شخص لأخر. الافكار تتجدد على ضوء مقياس الابداع ؛حيث يتم اعادة واضافة الاطر العامة لها بشكل يوهم انها من صنع شخص معين ،ولكنها في حقيقة الامر هي مسندة إلى ما سبق بشكل نسبي. ولعل التجديد هو العنصر الذي يسعى اليه المبدع بحيث يسجل اسمه في سفر الريادة ، وهذا الامر مقرون بتوفر ظروف معينة تكون مهيأة للدخول في هذا المعترك الصعب. ورغم سعي الحثيث للأغلب الادباء في التواجد ضمن قائمة المجددين، ولكنهم قد يصطدون أن منجزهم لم يكن سوى فكرة لم يكتب لها النجاح ،وانها لم تكن الا تجربة يراد لها ان تكون حاضرة في عالم التجديد. ولادة الافكار الجديدة قد تكون وليدة الصدفة أو الدراسة المضنية تكون قائمة على ما سبق من المنجزات، فقد يقتبسها المجدد الواعي بدون ان يترك اثراً على المادة المقتبسة، واحياناً يستل بعض اجزائها، ولكنه يطورها بشكل مرتب ومعقول. بعض الافكار الادبية تكون وليدة الفوضى الذهنية التي تصاب بها المنتج ، فتجرج في لحظة معينة بشكل غير منسق ولكنها بداية اي العمل، عندها تشرع ادوات المبدع في صياغتها، وتمحيصها كي تستل منها الفوضوية الفكرية إلى محور العقلانية الابداعية. وهناك أيضا الفكرة الصورية وهي التي تأتي من المشاهدة والتأمل ،وما على الاديب سوى ترتيبها كي تصبح مادة مقروءة وقابلة للهضم اللغوي. الافكار هي بداية الاشياء التي تنطلق منها المبدع ، ثم تأتي بعدها عوامل تساهم في تحفيزها بحيث تفرض نفسها على القلم بأنها أداة لبداية معينة، وهنا تحتاج إلى من يحولها إلى جنس ادبي معين. الجدير بالذكر أن بعض الافكار لها القدرة على التجدد والنمو والاستمرار لأنها تمتاز بقابلية التمدد الزمني مع بعض المحسنات التي تؤطر ملامحها العامة. وفي المقابل توجد أفكار من النوع الجامد التي تصاب بداء الثبات ؛بحيث تتفرد عن مثلاتها بما تطرحه من مادة غير قابلة للاستنساخ الفكري . ومن النادر أعادة صياغتها بنحو معين ، ولكن هذا الجمود قد يصطدم بمعاول تريد هدمها، وتفنيد رؤاها بشكل مطلق. وكم من نظرية راهن اصحابها بالسرمدية المطلقة والبقاء عبر العصور سقطت لو بعد حين. هذا التحفير والبحث في دهاليز الاخرين قد يكون مدعاة لولادة افكار جديدة لأنه يقوم على دراسة منجز ما سبق ، وايجاد نوع من المشككات التي ترسم أولى خطوات البحث النظري. أمام هذه الحالة يشعر المفكر بلذة السعادة، وهو يسوق نظريته أو منجزه الجديد إلى الملأ لأول مرة، عندها يحقق مبدأ الريادة التي افنى بعضهم عمره، وهو يريد أن ينال هذه الدرجة المرموقة ، واحياناً بدل كل من هذا اللهث وراء التجديد نجد فريق يوهم نفسه انه نال مبتغاه فغرق في دهاليز ومتاهات مزعومة سرعان ما تتبخر في أول هبة ريح ناقدة. الفكرة كما صورتها عقول بعض الادباء والكتاب بانها فرس جموح تحتاج الى من يروضها بأدواته ومهارته الابداعية؛ فتصبح من مجرد خيال فكري يدور في الاذهان إلى مادة صورية تتحول ملكتها من الخاص إلى العام بعد ان تطوعها اقلام المبدعين، وتضيف من عندياتهم ما يجعلها طيعة في متناول الناس، وتلامس عقولهم. وهنا على الكاتب أن ينمي بنت اللحظة ويعطيها مساحة اوسع لأنه عادة ما تكون بعض الافكار البسطة ،ولكن هناك ملكة تطورها ، وتخلق فيها امكانيات غير موجودة. ولا بد من بداية للأشياء التي ينطلق منها المبدع بحيث تكون ملموسة على ارض الواقع الافتراضي الذي يعيشه الانسان. واغلب الاعمال الادبية تحقق رغبة حولها كاتبها من فكرة تدور في ذهنه الى مشروع ومنجز تتلاقفه ايدي القراء بين الاعجاب والاشمئزاز، ولكن برغم تبابين الآراء تبقى الفكرة هي الاساس البناء في كل المشاريع التي ينطلق منها ، وان كانت مطورة أو جديدة فهي من ترك اثراً على المتلقي أما تسحبه حيث هي من خيالات ورؤى أو تجعله يصاب بعسر القراءة والمتابعة مفضلاً الابتعاد عن كل ما يثر مشاعر ، ويجده غير ذات فائدة أو انها نوع من الترف الفكري غير الضروري في زمن السرعة والمال اللذان يعارضان عالم المحسوسات الناعم .
#عبدالكريم_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف ابكى سلمان المنكوب كوبنهاكن على سمفونية (امرن بالمنازل)؟
-
قطار هيفاء وهبي السريع
-
فراسة (عذافة الحوّاف) وفطنة (شارلوك هولمز)
-
عندما يَسرقُ الجفافُ من ميسان اسمها
-
بلد الرطب في زمن طباخات الرطب
-
قوطية حليب النيدو خزانة ذاكرة الطفولة
-
حسين كصبة وسترة رابح درياسة
-
من (دمعة ساري) إلى ( حريم السلطان)
-
من (دمعة ساري) الى ( حريم السلطان)
-
يا عيد يا بو نمنمه ،خذنا وياك للسينما
-
رقعة المشاكسة على دشداشة وبجامة (البازة)
-
ألفاظ الألعاب الأطفال الشعبية العراقية
-
الألعاب الشعبية تودع ذاكرة الأطفال
-
أفلام كارتون من ( السندباد ) إلى (غامبول )
-
سحر (فرح فاوست) وقصة (دلاس) وبساطة (البيت الصغير)
-
(خياط الفرفوري ) يصلح الأواني الخزفية وهموم نساء الحي
-
(هدية قطن ) و بعير (أبو ملح)
-
(الكاريه ) و(بوردا ) وتسريحة عبدالحليم حافظ
-
تقاليد الزواج على أهازيج الماضي
-
عيون زبيدة ثروت وغمزة سميرة توفيق
المزيد.....
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
-
جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع
...
-
نقل الموناليزا لمكان آخر.. متحف اللوفر في حالة حرجة
-
الموسم السادس: قيامة عثمان الحلقة 178 باللغة العربية على ترد
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|