سلام إبراهيم
روائي
(Salam Ibrahim)
الحوار المتمدن-العدد: 1754 - 2006 / 12 / 4 - 11:38
المحور:
الادب والفن
يحتفي بمنتصف النهار رغم حزنه المقيم. السماء بيضاء دانية تنث رذاذاً خفيفاً. يأسره الزحام وقسمات الوجوه الخاطفة الممتلئة بشأنها البشري ويشغله عن اضطراب سكنه. أعدم كل الوسائل دون أن ينجح في تحريك وجهها الذي قسا وتصخر. رشقته الريح بخفقة مثل صفعة لحظة دلوفه الساحة المجاورة للكاتدرائية. لمحها. اصطخب نبضه، وارتجف وكأنه يراها لأول مرة ويشعر بحبها المباغت، مثلما شعر قبل عشرين عاماً في ظلال جدار مسجد جامع. اعتقد بأنها رأته.. فغادرت الساحة. ناداها باسمها:
ـ ......
طفق يغلي، ففي البيت رفضت فكرة خروجهما معاً. كرر النداء:
ـ ....
دفعت عربة أصغر أبنائهما الثلاثة الذي لم يجاوز العام.. وعبرت الشارع. فَارَ. كبتَ فورانه. هرول. حاذاها، وقال بصوت مرتبك، خفيض:
ـ مساء الخير.
التفتت على مضض، فأدرك أنها سمعته من أول نداء. همهمت ورمقته بعينين احمرتا وضاقتا وكأنها خرجت لتوها من نوبة بكاء، وقالت:
ـ نعم!.
بمعنى ماذا تريد؟!.
انتبه إلى ابنه يخبط بأصابعه الناعمة غلاف واقي المطر النايلوني ويلاحق عربة يجرها حصان توزع الحلوى على المارة. قال:
ـ خرجتِ؟.
ـ مختنقة.. ممنوع واحد يتمشى!.
صمتَ... صمتتْ.
دلفا في شارع خال. ينصتان لوقع خطواتهما المتنافرة الرانة في السكون.
قال في وجل:
ـ أنتمشى معاً؟.
رمقته.. فذكرته بعيون عشرات الفتيات اللواتي كنَّ يجفونه في صباه بغتةً ويتعلقن بشبان آخرين.
ـ أنتظر صديقتي.. لنزور الكاتدرائية.
ألجمته. يرمي خطوه. يرميان خطويهما في الصمت الكظيم. أحجار بشرية متحركة في فراغ الشارع والنهار. أحس بنيران تلتهم أحشاءه. تأرجح على حافة النحيب. استدار ملقياً تحية الوداع، وثمة دمعتان تحجرتا في مقلتيه. قصد البار.
#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)
Salam_Ibrahim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟