رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 7938 - 2024 / 4 / 5 - 03:29
المحور:
الادب والفن
هناك أدباء/شعراء تجاوز الماضي وتكيفوا مع ما هو معاصر/حديث، وهذه الخطوة ليس سهلة على الشاعر، خاصة أولئك الذين تعودوا كتابة القصيدة الطويلة، لكن المقدرة الإبداع، ومواكبة الحداثة تنم على حالة الخصب الشعري والمخزون الثقافي عند الشاعر، "علي البتيري" كتب قبل ما يقارب العشرة سنوات مجموعة من الومضات الشعرية، وهي تستحق التوقف عندها، ليس للفكرة التي تحملها فحسب، بل على الشكل والألفاظ التي قدمت به أيضا، يقول في إحداها:
" كيف لي أن اصدق شيخ الكلام
بعد أن قال لي
وهو يلفظ أنفاسه ويموت
عاش ..عاش السكوت ..؟"!
نلاحظ أن الشاعر يركز على الفم وما يصدر عنه من فعل/كلام أم سكون فهناك مجموعة من الألفاظ متعلقة بفكرة الكلام: "الكلام، قال" وهناك ألفاظ تابعة ومُفسرة للكلام: "أصدق، عاش (مكررة)" وهذا ما يجعل الغلبة والتفوق "للسكوت"
لكن الشاعر لا يريد تقديم فكرة عن الكلام أو السكوت بصورة مجردة، بل يربطها اجتماعيا من خلال "شيخ الكلام" وبما أنه لم يحدد نوعية هذا الشيخ، رجل دين/سياسي/مفكر مما يجعل فكرة السكوت جريمة بحق من يستمع/يؤيد/يؤمن بما يسمعه من الآخرين، بصرف النظر عن مكانتهم أو ووضعهم السياسي أو الاقتصادي، فهم في النهاية يمثلون ذاتهم/رؤيتهم/تجربتهم، وعلى المتلقي أن يكون هو ذاته وليس صورة عن الآخرين، وهذا ما يجعل الومضة تمثل ثورة/تمرد على ما هو مطروح وسائد، حتى لو صدرت من شخص مهم وينطق بآخر كلماته.
من هنا نجد يقول في ومضة أخرى:
"في زنزانة هذا الصمت الجاحد
يكفيني ثقب لغوي واحد
لأبدد ثاني أكسيد الكلمات
في الغرف المأهولة بالأموات "
فكرة ضرورة وأهمية وأثر الكلام حاضرة في الومضة، لكن الأهم هو الألفاظ التي استخدمها الشاعر، فلفظ "زنزانة" الذي يحدث لفظه جلجلة
من خلال تكرار حرفي الزين والنون، فهو من خلال لفظه، وشكلة المجرد المتناسق يشير إلى الضرورة فعل التمرد الثورة المنظمة، وإذا أضفنا أن هناك ألفاظا داعمة للكلام: "الصمت، لغوي، الكلمات" نصل غلى ضرورة فعل الكلام ودوره في التغيير والخروج من حالة الرتابة/الموت التي يجب تجاوزها والتحرر منها.
ونلاحظ أن الشاعر يشير ـ بطريقة غير مباشرة ـ إلى مكانة وأهمية الثورة من خلال "لأبدد" التي تحمل معنى فعل التغيير، وكما أن شكل وطريقة لفظ "لأبدد" الذي يتكرر فيه الدال، وما يحدثه من (صدى) في المستمع/المتلقي، يوصل/يجعل فكرة الثورة/التمرد فعل لا بد منه، خاصة بعد أن أوضح لنا الشاعر الواقع القاسي الذي نحن فيه، وما وجود ألفاظ قاسية: "زنزانة/ الصمت، الجاحد، بالأموات" إلا لتعبئة المتلقي ببؤس واقعه وضرورة وعيه به، ومن ثم العمل على تغيير هذا الواقع.
الومضات منشورة على صفحة الشاعر.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟