أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - بيسان عدوان - حماس وثقافة الانتخابات















المزيد.....


حماس وثقافة الانتخابات


بيسان عدوان

الحوار المتمدن-العدد: 1754 - 2006 / 12 / 4 - 10:44
المحور: القضية الفلسطينية
    


الفصل الاول
حماس وثقافة الانتخابات
منذ فوز حماس في الانتخابات التشريعية، امتلأت الصحف والمجلات والقنوات المتلفزة بفيض من التحليلات حول مستقبل حماس في الحكومة، وتابع الجميع تصريحات قادة الحركة ثم قادة الحكومة الحمساوية كل شاردة وواردة علَّهم يجدوا بعض الخيوط التي تجيب على أسئلة كثيرة كل من موقعه، إلا أن السؤال الأهم لدى الجميع هل ستتخلى حماس عن ثوابتها ومرجعياتها، كيف ومتى وما المقابل، إلا أن هذه الورقة البحثية كانت السؤال الذي يثيرها دائماً هل الحركات الإسلامية في المنطقة وفي فلسطين على وجه الخصوص، حركات برجماتية تحمل شعار ضمني "الغاية تبرر الوسيلة" فإذا كانت غاية تلك الحركات الوصول للسلطة لأسلمة المجتمعات التي تدور في فلكها، فإن الوسائل كثيرة، وإذذا كان ذلك هو لب القصيد، فإن تلك الحركات ذات المرجعيات الدينية هي حركات سياسية، والسياسة هي فن الممكن، وعليه فإنها تؤثر وتتأثر بالظروف الداخلية والخارجية، وتعيد إنتاج نفسها للتواؤم مع المتغيرات والتطورات، وهي في جدل مستمر داخل الحركة وخارجها والحركة الإسلامية حماس ليست بعيدة عن ذلك بل الواقع الفلسطيني وتعقيداته يلقي بظلاله عليها، ومن ثمة فإن الحركة الإسلامية حماس ذات خصوصية فريدة عن الحركات الإسلامية في العالم العربي، لذا كان البحث يدور في معرفة سلوك تلك الحركة التناقضات التي مرت بها منذ نشأتها ووصولاً إلى ما آلت إليه مما يمكن لنا أن نفهم كيف يمكن لحماس التعامل مع التحديات التي تواجهه وهي في الحكومة الفلسطينية وكيف ستتعامل مع أحد تداعيات الفوز بدءاً من تشكيل الحكومة الفلسطينية وقضايا الوضع الداخلي الشائك شديد التعقيد وما أنتجه من مسلمات في الواقع الفلسطيني إلى التحديات الإقليمية والدولية وفقاً للرؤية الأمريكية "الشروع الشرق الأوسط الجديد" وبفوزه من استحقاقات ومتطلبات لصالح الدولة العبرية.
الانتقال التدريجي للسلطة
للانتخابات موقع رئيسي في فكر حماس السياسي واهتمامها وممارستها العملية بل حتى في تكوينها التاريخي، وكثيرا ما يشير قادة حماس ورموزها إلي الدور التأسيسي للكتل الطلابية الإسلامية منذ السبعينيات والثمانينيات حتى اندلاع الانتفاضة الأولي، حيث كانت تلك الكتل المعبر الأساسي عن الوجود السياسي للحركة الإسلامية الفلسطينية، ذلك من خلال المعارك الانتخابية التي كانت تخوضها ضد لوائح منظمة التحرير الفلسطينية، كإشارة منها علي سد الثغرات التاريخية للحركة الإسلامية ودورها في الحياة الفلسطينية، فقد أشار إبراهيم أبو غوشة أحد قيادات الحركة عن وجود الحركة الإسلامية مفسرا عدم غيابها في الساحة الفلسطينية بقوله " اكتمال البنية التحتية للحركة تربويا وسياسيا وتنظيميا، وبروزها للسطح عبر الكتل الطلابية الإسلامية في المناطق المحتلة، حيث استطاعت أن تسحب البساط من تحت أقدام التيار العلماني الذي تمثله م.ت.ف".
ازدادت أهمية الانتخابات في فكر التيار الإسلامي الفلسطيني، وخاصة لدي حركة حماس لتصبح جانبا رئيسا من جوانب الممارسة السياسية داخل الأراضي المحتلة، والتي كانت تعني في ظل الانتفاضة زخما شعبيا كبيرا، واحدي الروافد الشرعية السياسية والنضالية لإثبات الوجود، خاصة في خضم الصراع السياسي للحركة مع م.ت.ف علي أرضية مشاريع التسوية.
ظلت حماس في ممارستها السياسية تفرق بين نوعين من الانتخابات، لكل نوع طبيعة منفصلة وخاصة يترتب عليها موقف منفصل وخاص أيضا، ووفق سياق منفصل وخاص؛ النوع الأول هو الانتخابات الطلابية والنقابية والبلدية، تلك الانتخابات التي حرصت حماس علي المشاركة بها عاكسة بذلك مدي قوتها في الشارع الفلسطيني، والنوع الثاني: هو الانتخابات السياسية المرتبطة بمشاريع التسوية كالحكم الذاتي أو المجلس التشريعي، كان يترتب علي خوض حماس في الانتخابات السياسية معايير وسياقات خاصة تحددها المصالح السياسية لها، لذا امتنعت عن المشاركة في انتخابات 1996، ثم حين توافقت الظروف الموضوعية والذاتية للحركة شاركت في انتخابات المجلس التشريعي 2006 كما سيرد ذكره.
النوع الأول: انتخابات قياس القوة (الانتخابات الطلابية والنقابية ):
شاركت حماس في معظم الانتخابات الطلابية في الكليات والمعاهد والجامعات، كما في النقابات المهنية الخاصة بالأطباء والمهندسين والمحامين والمعلمين والممرضين وموظفي وكالة غوث، وكانت تحت لافتة الكتلة الإسلامية، ماعدا انتخابات الصحفيين ونقابات العمال بسبب ضعف وجودها في تلك المواقع، ومنذ أواخر عام 1987 حققت الحركة تقدما ملموسا وكبيرا في ساحات العمل الشعبي الانتخابي علي حساب قوي اليسار الفلسطيني بالدرجة الأولي وعلي حساب سيطرة " فتح" التقليدية بدرجة أقل، وتنامي التأييد لمرشحي حماس ( الكتل الإسلامية) ليصل إلي نسبة قريبة من نسبة التأييد لفتح في معظم الأحيان، ومساوية لها أحيانا كثيرة، ومتفوقة عليها في أحيان أقل، وقد أشار دراسة قد أعدها الدكتور محمود الزهار في نتائج انتخابات ثلاث وعشرين مؤسسة في الضفة الغربية والقطاع من 1991-1992 إلي مدي قدرة ونفوذ الحركة الإسلامية في الشارع الفلسطيني، وشرعية نديتها لحركة فتح، فقد بلغ عدد الذين أيدوا الكتلة الإسلامية في 44.091 ناخباً أي بنسبة 45.81%، وعدد الذين أيدوا للكتلة الوطنية المؤيدة لفصائل المنظمة التحرير الفلسطينية 48.971 ناخباً أي بنسبة 50.88%، وكانت نسبة المستقلين 3.12% في الضفة الغربية، أما في قطاع غزة فقد بلغت عدد الذين أيدوا حماس16.050 ناخبا أي بنسبة 42.62%، أما الذين أيدوا الكتلة الوطنية بلغ 18.016 ناخباً، أي بنسبة 52.65 %، والمستقلين 4.53%.
بناء علي هذه النتائج أي كانت صحتها من عدمه لدي الأطراف الفلسطينية، فأنها كانت الأساس التي اعتمدت عليه الحركة فيما بعد وطوال التسعينيات علي أن الحركة تحظي بتأييد في الشارع الفلسطيني ما بين 40%- 50%، وهي النسبة نفسها التي طالبت بها الحركة لدخول المجلس الوطني الفلسطيني (م.ت.ف) في عام 1990 ، غير أن هناك دراسات متعددة مستقلة تجعل نسبة تقدير حجم قوة حماس شعبيا يتراوح بين 25% - 30% خاصة في الاستطلاعات التي أجريت في نهاية 1995- 1996 علي أثر انتخابات المجلس التشريعي لعام 1996 .
انتخابات البلديات: نحو انتزاع السلطة
أيدت حماس المشاركة في الانتخابات البلدية علي أساس إنها انتخابات غير سياسية، وتهدف إلي التخفيف عن الشعب، إلا أنها عارضت بشدة مبدأ التعيين محل مبدأ الانتخاب، وذلك فيما يتعلق برؤساء المجالس البلدية وبأعضاء هذه المجالس، وقد عبرت حماس عن سخطها عندما قامت السلطة الفلسطينية في أواسط عام 1994 بتعيين مجالس البلدية دون انتخابات، وجاء ذلك في بيانها " الطريق الذي تم بها تشكيل المجالس البلدية في غزة ونابلس والخليل، والتي قامت علي أسس فئوية ديكتاتورية دون الأخذ برأي الشعب الفلسطيني وقواه الفاعلة، تؤكد حماس أن الانتخابات الحرة النزيهة هي الطريق السليم لقيام مجالس بلدية تحظي باحترام شعبنا".
أشارت نتائج انتخابات البلدية التي أجريت في عام 2005 عبر مراحلها الخمس، أن حركة حماس باتت فاعلا سياسيا منافسا بقوة لحركة فتح، بل وأنها مؤهلة لمزيد من التأييد الشعبي في الشارع الفلسطيني، الأمر الذي يؤهلها للمنافسة في المجلس التشريعي خاصة في مرحلة ما بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية والذي جعلته انتصار للمقاومة المسلحة وفشل مشاريع التسوية السياسية مع إسرائيل خاصة بعد انتفاضة الأقصي.
أشارت النتائج في المرحلة الأولي للانتخابات البلدية فوز حركة حماس وتقدمها عن حركة فتح، خاصة في المعاقل التقليدية لفتح في قطاع غزة، فقد فازت حماس بنحو 77 مقعدا، فيما حصلت فتح علي 26 مقعدا من أصل 118 مقعد، واحتدم الجدل بين الطرفين علي صحة النتائج واستمر الخلاف بينهما حتى المرحلة الثانية والتي حصدت بها حركة فتح 50 مقعداً، فيما فزت حماس بـ30 مقعدا من أصل 84 مجلساً، وعلي اثر ذلك جرت اتهامات متبادلة من الحركتين علي خلفية ارتكاب مخالفات في بعض الدوائر ولم يحسم الجدل بها.
أظهرت الانتخابات البلدية وما نتج عنها من خلافات بين حماس وفتح، أوجه قصور عديدة في القانون الذي ينظم هذه الانتخابات، وعليه فقد قامت السلطة الوطنية باستصدار قانون جديد اعتمد مبدأ التمثيل النسبي بدلا من الأكثرية النسبية الذي كان معمولا به، وعليه فقد تم إجراء المرحلتين الثالثة والرابعة وفقاً للقانون الجديد.
جاءت المرحلة الثالثة من الانتخابات في 104 دائرة انتخابية في الضفة الغربية وقطاع غزة، الا أنه قد تم تأجيل الانتخابات في 27 دائرة بقرار من مجلس الوزراء لأسباب تتعلق بالانسحاب الإسرائيلي من القطاع وشمال الضفة، كما تم حسم 22 دائرة انتخابية بالتزكية لصالح حركة فتح، وقد فازت بأغلبية حركة فتح ( القائمة) بنحو 51 بلدية، فيما حصلت حماس عن طريق قائمتها في 13 بلدية، واستمر التشكيك بين حماس وفتح، وأعلن كل فصيل بأنه حقق فوزا في تلك المرحلة بأرقام ومؤشرات مختلفة ومغايرة عن الأخر، وعلي اثر ذلك لم تخرج نتائج المرحلة الرابعة من الانتخابات والتي جرت في 42 مدينة وقرية في الضفة والقطاع من قبل لجنة الانتخابات.
يمكن رصد تفوق حركة حماس في المرحلة الرابعة من نتائج الانتخابات في 4 مدن كبري في الضفة الغربية، والتي أشارت إلي فوز حماس وتقدمها عن فتح، ومنازعتها في الدوائر التقليدية المحسوبة لحركة فتح، ففي نابلس المدينة والتي تعد محسوبة لفتح تقليديا، فازت حماس بـ 13 مقعدا من أصل 15 مقعدا، أما في مدينة جنين والتي شهدت تنامي قوة الجناح العسكري لحركة فتح بعد صمود جنين ومقاومتها علي اثر المجزرة الشهيرة، فقد فازت حماس بـ8 مقاعد من أصل 15 في المجلس البلدي للمدينة، أما في مدينة البيرة ذات الصبغة العلمانية، فقد فازت حماس بـ9 مقاعد من أصل 15، فيما فازت حماس في المجلس البلدي لمدينة رام الله ذات المركزية المسيحية والعلمانية بـ3 مقاعد من أصل 15، فيما تقاسمت كل من فتح والجبهة الشعبية 12 مقعدا للمجلس.
مهما كانت نتائج الانتخابات البلدية خاصة في المراحل الأخيرة منها والتي لم يعلن عن نتائج محددة لها، فالملاحظ الرئيسي عبر النتائج الجزئية أو العينية فوز حركة حماس باكتساح، الأمر الذي يؤكد علي ارتفاع شعبية حماس علي أكثر من النسبة التي عول عليها دائما من قياداتها 40-50% ومنازعتها للفصيل الأول والرئيسي للسلطة الفلسطينية وبالتالي لمنظمة التحرير الفلسطينية " فتح"، إلا أن الأمر الذي يستحق الرصد هو تعاطي حماس مع الانتخابات البلدية والتي تعتبر استحقاقا قانونية حسب اتفاقيات أوسلو- أيضـاً- رغم اعتراضاتها المعلنة، مهد إلي الانتقال السلس والآمن للسلطة التشريعية، وطرح نفسها كمشاركة في السلطة تحت شعار رفع منذ أول انتفاضة الأقصي وصولا للهدنة 2005 والتي مهدت للانتخابات التشريعية " شركاء في الدم – شركاء في القرار".
النوع الثاني: الانتخابات التشريعية: شركاء في الدم – شركاء في القرار السياسي
ربما كان قرار المشاركة أو عدمها في انتخابات الحكم الذاتي في يناير 1996 أعقد وأصعب قرار سياسي تواجهه حماس، فعلي الرغم من أن توجهها الرسمي هو عدم المشاركة في أية انتخابات مرتبطة بمشروع مدريد – اوسلو، وكان المأزق الذي واجهته يكمن في أن ضرورات السياسة والبقاء في واجهة الإحداث وتأمين غطاء سياسي، وحتى غطاء أمن لها يدفعها بقوة للمشاركة والحصول علي أكبر عدد من المقاعد، فيما كانت ضرورات التمسك بالمبادئ والشعارات الرئيسية ضد حل أوسلو تقتضي فيها الانسجام مع نفسها وعدم خوض الانتخابات، ورغم أن موقفها الرسمي اقتضي عدم المشاركة اقتضي عدم المشاركة إلا أن الانتخابات السياسية ظلت الهدف الذي تصبو إليه الحركة ولا يتناقض مع شعاراتها وشرعية تمثيلها للفلسطينيين.
أعلنت حماس بعد النقاشات مع السلطة الفلسطينية في نوفمبر 1995 قرارها الرسمي بمقاطعة الانتخابات موضحة أن هذا ليس بسبب أنها معارضة لمبدأ الانتخابات ولكن بسبب الظروف السيئة لاتفاق أوسلو وخاصة الانسحاب المحدد من المناطق المحتلة وقانون الانتخابات الناقص، وأوضحت أيضا أن هذه المقاطعة ليست موجهة لمنع الاشتراك لأشخاص في مسيرة التصويت، ولكن المتحدثون باسم الحركة أعلنوا أن " دعوا أعضاء الحركة ومؤيدي التيار الإسلامي للتسجيل في قائمة من يحق لهم التصويت".
ظل شعار " لا للانتخابات المتعلقة بالحكم الذاتي " مرفوعا من قبل حماس طيلة سنوات الحكم الذاتي الفلسطيني حتى انتفاضة الأقصى 2000، واستمرت في تأكيد موقفها القطعي من المشاركة ظاهريا، وتعامل قيادات الحركة في الداخل والخارج مع الانتخابات المرتبطة باتفاق أوسلو كواقع سيحدث مهما تأخر الوقت، وعليه فقد مهدت بعض قيادات حماس بعض قيادات حماس ورموزها عبر إشارات متفرقة بإمكانية تعديل هذا الموقف، فقد ذكر الشيخ ياسين في وسائل الإعلام تلك الإشارة" مما هو مطروح اليوم علي الساحة الفلسطينية وقضية الانتخابات، والتي يتردد الإسلاميون بين موافق علي الدخول ومعارضة ذلك، لكني أري والله أعلم أن الدخول فيها خير من عدمه، لأننا نعارض ما يجري في الشارع فلماذا لا نعارض في قلب المؤسسة التشريعية ". وعليه توالت فكرة الإشارات بين القيادات داخل حماس الداخل حول المشاركة في الانتخابات، الأمر الذي يعكس مدي أهمية الانتخابات في استراتيجية حماس كآلية شرعية لتمثيل الفلسطينيين.
رأي الكثيرون في قرار حماس المشاركة بالانتخابات التشريعية في 2006 تحولا كيفيا في استراتيجية الحركة وتغييرا يعيد قراءة مسارها السياسي، ولكن هذه الرؤية تتسم بالسطحية والتعجل حيث أننا نجد في خوض " حماس" الانتخابات نتيجة منطقية لاستراتيجيتها خلال السنوات الأخيرة ولحركتها علي أرض الواقع الفلسطيني التي قامت منذ منتصف التسعينيات علي البحث عن المشاركة الفعالة والتدريجية للسلطة.
فبعد مرور عشر سنوات على انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني (1996-2006) والتي ضمت لوناً سياسياً واحداً تقريباً، حصلت الانتخابات الفلسطينية في الخامس والعشرين من كانون الثاني 2006 لتحدث تحولاً نوعياً في النظام السياسي الفلسطيني بعد فوز حركة "حماس" وحصولها على 76 مقعداً في المجلس التشريعي من اصل 132 مقعداً، في حين حصلت حركة "فتح" التي كانت تستحوذ على غالبية المقاعد في المجلس التشريعي المنحل على 43 مقعداً، إما باقي القوائم فحصلت على ثلاثة عشر مقعداً، أي أن حماس استأثرت بنحو (57.6) في المائة من إجمالي المقاعد في المجلس التشريعي الفلسطيني.
لقد استطاعت حركة حماس أن تحقق هذه النتائج التي لم تكن حتى ضمن توقعات الحركة نفسها، لجملة من الأسباب، أهمها:
1- دور حماس في المقاومة، حيث ضحّت حماس بالكثير، مما رفع من رصيدها الشعبي، وأثبتت الانتخابات نجاح برنامج المقاومة السياسي، حيث تلتف الجماهير العربية حول المقاومة في فلسطين خاصة، وغيرها من دول المنطقة، وأثبتت أن نجاح حماس في المقاومة يقابلها نجاحها الاجتماعي والسياسي.
2- التأثير الديني الإسلامي في الثقافة العامة، فالدين له تأثير كبير، وخاصة في ظل فشل التجارب السابقة كالقومية واليسار، إضافة إلى تشجيع الدين الإسلامي للمقاومة وتقديم الخدمات الاجتماعية.
3- قدمت حماس برنامجاً شاملاً على المستوى السياسي والاجتماعي، ولم ترتبط شخصياتها بالفساد، كما هو الأمر بالنسبة لحركة فتح وفق وجهة نظر كثير من المحللين واستطلاعات الرأي الفلسطينية.
4- الخدمات التي قدمتها للمجتمع الفلسطيني، والمتمثلة في توزيع المعونات والخدمات الاجتماعية المختلفة للمحتاجين والمتضررين جراء العدوان الإسرائيلي، وقد استطاعت حماس طرح برنامجها مبكراً عن طريق دخولها في الانتخابات البلدية أولاً، وهي ذات طابع خدماتي، وكان لمؤسساتها الخيرية والاجتماعية دور أساسي في مساعدة المجتمع الفلسطيني، لدرجة أن بعض الجهات الأوروبية والأمريكية اضطرت إلى توزيع مساعداتها عن طريق هذه المؤسسات، وهذا المنهج هو الذي تتبعه بقية الحركات الإسلامية في مختلف البلدان، مما يجعلها بديلاً اجتماعياً واقتصادياً عملياً للأوضاع الرسمية الفاسدة.
5- الانضباط داخل صفوف الحركة، فهي لم تشهد ما شهدته حركة فتح من انشقاقات في قوائمها الانتخابية، وفي مرشحيها، وهو ما شجّع الشارع الفلسطيني على اختيارها كقيادة للمرحلة القادمة.
6- ساعد الموقف الأمريكي والإسرائيلي الرافض للتعامل مع الحركة إلى ردّ فعلٍ عكسي لدى الناخب الفلسطيني، والذي اختار ما رفضته إسرائيل والولايات المتحدة، ناهيك عن رفضه لمن يرتبطون بأجندات هذه الأطراف، خصوصاً بعد ما كشفت المعلومات عن تمويل أجنبي لبعض المرشحين ومنهم مرشحين من حركة فتح.
7- قدمت حماس برنامجها السياسي بطريقة ناضجة، وطرحت مواضيع الهدنة والمفاوضة عن طريق طرف ثالث، إضافة إلى التمسك بخيار المقاومة في حال استمرار إسرائيل برفض إنهاء الاحتلال.
جاءت الانتخابات التشريعية الفلسطينية هذه المرة على ضوء متغيرين اثنين، أول المتغيرات وأكثرها أهمية هو اختفاء شارون عن المشهد السياسي في إسرائيل وتركه المجال مفتوحا أمام تصورات سياسية جديدة؛ وثاني المتغيرات الذي لا يقل أهمية عن الأول، خصوصا على المدى البعيد، يتمثل في انتقال حركة حماس نحو مزيد من الاعتدال و البراجماتية، في خطابها الإعلامي وتطبيقاتها العملية، خاصة علي صعيد الحوارات الوطنية في عامي 2004- 2005 وصولا إلي استعدادها للتوصل إلي هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل تقوم علي انسحاب الأخيرة إلي حدود 1967، كما لم تستبعد حماس إمكانية التفاوض مع إسرائيل أو تعديل ميثاقها، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية محمود الزهار في حواره مع الجزيرة عقب تشكيل الحكومة بالتأكيد علي عدم رفض وجود وسطاء دوليين للتفاوض مع إسرائيل، وهو ما لا ينفي في الوقت نفسه استمرار الجناح المتشدد " الخارج" متمثلا بخالد مشعل الذي يعلن رفضه للتفاوض، مما يحقق التوازن الداخلي للحركة ولشعبيتها وصورتها في المخيال الفلسطيني.
تشي سلوكيات حماس بقدرتها علي إتيان السياسة العملية بدون خسائر جسيمة في هذه الشعبية أو إبداء الابتعاد عن ثوابتها السياسية بفجاجة ومنها ( إغماد السلاح دون التخلي عن أنماط المقاومة أو الانصياع لمبدأ نزع السلاح كليا تحت شعار " التهدئة "، ومنح فرصة للخيار التفاوضي- القبول شبه الواقعي بإسرائيل عبر التجاوب مع طرح فكرة " الهدنة طويلة الأمد " والتفاوض مع إسرائيل عبر أطراف ثالثة دون أن يعي ذلك الاعتراف العلني بـإسرائيل- التعامل مع أبرز نتائج اتفاقيات أوسلو والدخول للسلطة تحت شعار " أن أوسلو باتت من الماضي" – عدم الإعلان عن رفض المبادرات العربية للتسوية مع إسرائيل بل والتواصل مع الدول العربية المعاهدة لإسرائيل).
من الأهمية بمكان أن نتائج الانتخابات أدت إلى بروز أسئلة مبررة في داخل الشارع الفلسطيني وبين المتابعين للشأن الفلسطيني، ومن بين تلك الأسئلة قدرة حركة "حماس" على التأسيس لخطاب سياسي يبقي الأبواب مفتوحة للإبقاء على علاقات متوازنة للسلطة الوطنية الفلسطينية مع دول العالم وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وكذلك حول إمكانية الحد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي واجهت ولا تزال تواجه المجتمع الفلسطيني في الضفة والقطاع بعد انطلاقة الانتفاضة في نهاية أيلول من عام 2000.
تم نشر هذا الكتاب في كراسات استراتيجية -مركز الاهرام الاستراتيجي - اكتوبر 2006*



#بيسان_عدوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - سيناريوهات المستقبل -حماس والنظام السياسي الفلسطيني
- تغيير المفاهيم مقابل الحقوق
- خطة الانطوار.. غور الاردن وترسيم نهائي للحدود
- الحكومة الاسرائيلية الجديدة
- صعود اليهود الشرقيين في المشهد الاسرائيلي
- المشهد الاسرائيلي بعد غياب شارون -قاديما وحماس
- خيار الوطن البديل - دولة فلسطين القادمة في الاردن
- أمريكا الدينية وإسرائيل3-3
- المشهد الديني السياسي الأمريكي 2-3
- أمريكا الدينية واسرائيل 1-3
- التحديات الفلسطينية فيما بعد الانسحاب من غزة
- مخططات توطين اللاجئين الفلسطينيين
- الدعم الامريكي للاستيطان ثقافة دينية ام سياسة
- الاستيطان الإسرائيلي في ضوء القانون الدولي
- هل بدأ العد التنازلي لدمشق؟
- الوضع الاقليمي الدولي بعد رحيل عرفات
- ايران النووية في مؤتمر هرتسليا الخامس
- الفلسطينيون 2004 عام الحزن
- الانتخابات الفلسطينية هل تحقق الاصلاح والديمقراطية
- الفلسطينيون في مصر بين السياسات التمييزية و الإقصاء من الجنس ...


المزيد.....




- سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي: ...
- أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ ...
- حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال ...
- -أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
- متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
- الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
- الصعود النووي للصين
- الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف ...
- -وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب ...
- تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - بيسان عدوان - حماس وثقافة الانتخابات