أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الامين - رسول الاحزان















المزيد.....

رسول الاحزان


عادل الامين


الحوار المتمدن-العدد: 1754 - 2006 / 12 / 4 - 10:54
المحور: الادب والفن
    


-( كم من سنوات مرت وأنا على هذا الحال؟ ) . . .
جال هذا التساؤل في عقله المجهد ، كان يتدحرج أمام والده الضرير ويد والده تلتف كالطاعون حول عنقه الهزيلة ، اليوم عيد كل الأطفال يلعبون . . يتنفسون الهواء النقي على الساحل . . تركوا الكتب والمدارس للحظات العيد السعيد . . أما هو فقد كتب عليه أن يظل تحت نير هذه اليد تطبيق على عنقه . . سنوات عجاف مضت منذ طفولته البعيدة وهو يقوم العمل الشاق من شروق الشمس حتى غروبها يتجول مع والده في كل طرقات المدينة من أقصاها إلى أقصاها حافي القدمين ممزق الملابس . . نفس المشاوير . . نفس الوجوه نفس الصيحات التي تعقبها دوما صفعة كبيرة على القفا بتلك اليد الغليظة عندما يتلكأ . . كانت الحرية الوحي المتاحة هي النظر آلي الدنيا الملونة حوله . . يوم العيد الأطفال بملابسهم الزاهية كأنهم قطع الحلوى يضربون الأرض بأقدامهم الصغيرة ويحملن اللعب والبالونات ، تغص بهم الشوارع والحدائق ، بعضهم يركض وبعضهم يلعب الكرة في منطقه الساحل الجميلة التي تنتشر فيها البوفيات ، كانت عيناه تجولان في كل مكان إلى الدنيا التي تتغير من حوله وهو ثابت في مكانه إلا من تلك الأحاسيس المبهمة الغامضة التي يحس بها الإنسان على أعتاب البلوغ تلك الأحاسيس التي لا يطلق لها العنان إلا عندما ينفصل عن والده ليلا ويذهب لينام بعيدا في كوخهم التهالك يحملق بعينيه في سقف الغرفة ينظر إلى شبكة العنكبوت كان هناك عنكبوت كبير نصب مصيدته الضخمة الممتلئة بالضحايا من الحشرات التي يقودها حظها العاثر وتسقط في تلك الشبكة الرهيبة لا يدري لمادا كان يربط بين والده القاسي ودلك العنكبوت الشبع ؟ دلك العنكبوت الذي يمكن في صبر حتى إذا سقطت فريسة تتركها تتعذب وهي تجاهد الفرار ولشبكة تلتف حولها .. ثم يبدأ العنكبوت زحفه المقدس نحو الضحية المنهكة ويطبق على عنقها.. تماما كما يفعل والده ...
- (هل قدر لي أن أعيش هذه الحياة الباهتة ؛كأداة تسول منهكة ومهدرة المشاعر والأحاسيس؟!)
كان دائما يحملق بالسقف ويسترجع يومه بمرارة شديدة حتى يبلغ به الإجهاد مداده وينام.. ظلت الأحلام كوابيس أيضا ؛كثيرا ما يتصور نفسه قد تحول إلى كلب على رقبته طوق يشده بسلسلة طويلة يركض على حافة جرف ويسقط منها ويتعلق من رقبته حتى يختنق فينهض مذعورا ويتحسس رقبته النحيلة في فزع شديد ؛ في ذلك الحلم المفزع الأخير شاهد نفسه يضاجع تلك المتسولة التي تزور والده ليلا منذ ماتت أمه منذ أمد بعيد.. أضحى الحلم شيئا مفزعا عندما تحولت المتسولة إلى عنكبوت ضخم يعتصره بشدة ؛هب مذعورا ووجد نفسه مبللا وكانت تلك بداية المشاعر الغامضة التي زادت عذابه في الآونة الأخيرة وهو يسير مقيداً بوالده عندما تمر به النساء المعطرات والحسان الفاتنات والطالبات أيضا .. أخذت هذه الأفكار المضطربة تدور في عقل نبيل المجهد وهو يجلس للحظات عند أحدى البوفيات المنتشرة في كورنيش الساحل يتحسس رقبته وقد ذهب والده لقضاء حاجته في الجوار وصوت المطرب ابوبكر سالم الحالم ينساب إلى أذنيه عذباً رقراقاً من مسجل البوفيه.
مشى كل الزمن وأنا في مكاني
ضناني الشوق وغرتني ألاماني
لا أنا بالفرح موجود ولا أنا بين أحزاني
وفجأة حدث شيء غريب اتخذ البحر شكل سراب والسماء اكتست بكل ألوان الطيف اختفت كل المحسوسات أمام ناظره وتوقف الانسياب الموسيقي الممزوج بصوت أمواج البحر المشبع بالضجيج وجلبة السيارات وصياح الزوار وبكاء وضحك الأطفال.. اختفت كل الأشياء وجاءه صوت ابوبكر سالم الصافي كأنه هاتف سماوي:
- نبيل .. يا نبيل
- نعم.
- هل أنت قانع بحياتك هذه!؟
- لا ..لا ..بالتأكيد
- إذا لماذا لا تموت ؟
سرت رعشة في جسده عندما سمع لفظة الموت , واستمر الهاتف .
- إذا مت تدخل الجنة, الله يحب الأطفال ويدخلهم الجنة.
شعر نبيل بالراحة الشديدة, وقد راقت له الفكرة وردد في توجس:
- إن الموت لا يأتي بطوع الإنسان!
وردد الصوت الحالم :
- هذا أمر سهل اشتري بالونه من رسول الأحزان عندما يمر بك الكورنيش.
- رسول الأحزان ؟!!
كان نبيل يردد ذلك في نفسه واستيقظ على صفعة تعلن قدوم والده , وهب مذعوراً يبدو انه أخذته لحظة من وسن .. نظر حوله في حيرة .. عادت الحياة إلى لهوها ولعبها ..فقط كانت تدور في ذهنه عبارة رسول الأحزان ،نظر نبيل إلى والده وردد :
- أبي أرجو إن تشتري لي بالونه ،أعطيني ريالاً اشتري بالونه بمناسبة العيد..
نظر الأب إلى ابنه في دهشة لهذا الطلب !
وأردف نبيل :
- اليوم عيد يا أبي ليتك تشتري لي بالونة .
- حسناً يا بني .. إذا مر بائع البالونات أخبرني حتى أشتري لك بالوناً.
وظل الرجل وابنه يتجولون في الكورنيش ولدهشة نبيل الشديدة ظهر رجل غريب الشكل مفرط في الطول وتبدو عليه الغرابة ويمشي وكأنما يمشي على سطح القمر ، كان الرجل يحمل بالونات سوداء اللون ، نظر نبيل إلى الرجل في دهشة وامتلأ وجهه بالسعادة وردد في نفسه : ( لابد أن هذا هو رسول الأحزان الذي قاله الهاتف السماوي ) .
- أبي حضر بائع البالونات .
توقف الشيخ وأفلتت يده ابنه وأخرج ريالاً من جيبه وناوله ابنه :
- خذ الريال .. لا بأس لن يؤثر شيء .
لم يصدق نبيل أن يجود له والده بهذا المبلغ ! وانطلق نحو الرجل الغامض ، توقف نبيل أمام الرجل ، ابتسم الرجل ابتسامة أضاءت وجهه الأسود !
- هل تريد بالونة يا نبيل ؟
دهش نبيل .. كيف عرف الرجل اسمه ؟
- نعم أريد بالونه .
تناول الرجل الريال ونظر فيه وأرجعه إلى نبيل .. الذي كست وجهه علامات الإحباط .. وردد الرجل :
- سأعطيك بالونه مجاناً .
أسعد ذلك نبيل لأنه سيحصل على بالونه مجاناً وسيرد الريال لأبيه ..تناول نبيل البالون السوداء وانطلق يعدو عائداً إلى والده . ومن شدة الفرح أفلتت أصابعه الكورنيش , أنطلق نبيل خلفها لا يلوي على شيء .. وفي اللحظة التي انحنى فيها ليلتقط الخيط المتدلي من البالون دوت فرامل سيارة طائشة سمع الناس أنة خافتة وصوت تهشم عظام واندفعت الدماء تغطي الشارع .. أفلتت أصابعه المتقلصة البالونة التي أخذت تشق طريقها في إصرار بين الأقدام المندفعة التي بدأت تتجمهر من كل صوب .. ظلت البالونة تندفع بين الأيدي الكبيرة والايدى الصغيرة التي تحاول الإمساك بها وشقت طريقها بقوة وعند الأفق الشمالي ارتفعت في الفضاء واختفت خلف أسراب طيور النورس المهاجرة .



#عادل_الامين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المفتي ..هل هو ظاهرة دينية ام سياسية؟!!!!ا
- فلسفة الثعبان المقدس
- ابوالطيب المتنبي...شاهدا على العصر
- ديك دارالنعيم
- الجندى الثالث...كان طيبا
- حكاية جبرالله جابر
- ابوالعلاء المعري وثقافة المجتمع المدني
- من يقتل العراقيين؟؟(2-2)ا
- (1-2)اغتيال الوعي العربي ..العراق نموذجا
- الطاغية والحكيم
- اسرائيل في مخيلة النخبة العربية
- الطاعون
- الوعي...والتجريد
- عصام ...الخريج الذى فقد نفسه
- الانسان والابداع
- الحقيقة والجمال
- نظرية داروين واشكالية الحلقة المفقودة
- الطيب والشرير والقبيح
- اني جاعل في الارض خليفة
- قطار الشمال الآخير


المزيد.....




- صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا ...
- -القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب ...
- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الامين - رسول الاحزان