آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 7929 - 2024 / 3 / 27 - 00:21
المحور:
الادب والفن
الكتابة
الكتابة حالة إدمان، الولع بها يجعل الكاتب أسير قلمه وأوراقه وطاولته.
إذا بدك تروح إلى عند الله هذا حقك الشرعي، أذهب وريحنا منك.
لكن لا تأخذني معك، أنا أحب الأرض والشمس والسماء والحجر والدلفين والسمك والنهر والشجر والمرأة والجمال.
أذهب وحدك، فهذا أجدى لي ولك ولله. ولا تحملني جريرة هذا العشق للغيب.
كرهك للأرض والجمال والحب، لا يمنحك الحق أن تقتلني.
هذا الله ولد بسبب اغترابك عن الوجود، ولاعتقادك أنه الوحيد الذي يمنحك الأمان والسكينة النفسية.
الله ولد من الخوف والقلق والاضرابات النفسية والعقلية.
والأمان الذي لا يخلق منك وفيك ستبقى خائفًا، وذاك الملجأ الهوام الذي تلجأ له ليس سوى وهم
لو كنت الله لحجبت الرجال، وأطلقت سراح النساء إلى فضاء العالم.
الحجاب أفضل للرجال، نفسيًا وعقليًا وسلوكيًا وممارسة، وانضباطًا.
حتى لا يكون سيدًا أو مسيطرًا في علاقته مع المرأة.
عندما كنت في مقتبل العمر، وإلى حين اعتقالي، بمجرد أن أراها قادمة وإلى حين مغادرتها، أبقى مرتبكًا قلقًا.
طبيعة الحب في حالة صدام وانبهار، وبحث عن الذات.
إذا لا يعنيك المرأة الجالسة مقابلك، فهذا ليس حبًا، أنه أي شيء.
في حضور الحبيب أنت طائر قلق يرفرف في السماء، ربما هو حالة اكتشاف، وشوق لمعرفة ما بعد الحب، أو عطش دائم للإرتقاء معه إلى النجوم.
كتب الصديق ناتاي هذا النص عن روايتي في الأرض المسرة:
كثيراً ما أحلم بدمشق، الحلم نفسه جميل:
أهلٌ وأصدقاءٌ اشتقت لهم، حواراتٌ شيقة من زمن أصبح غابراً، أماكنٌ وطرقاتٌ ملأتها خطواتي ويشدني الحنين إليها… لكن، وخلال هذا الحلم أبقى متحفزاً: يسيطر عليّ خوفٌ قديم عن كارثة، شعورٌ كثيراً ما راودني قديماً، وكثيراً ما تجاهلته، إلى أن وقعت الكارثة، أو بالأصح وصلت إليّ وإلى كلّ مكان حولي حيث لا مجال لتجاهلها… وهذا الخوفُ المستجدُّ كافٍ ليجعل من أيّ حلم كابوساً.
في عدة مناسبات سألني الصديق آرام كرابيت أن أقرأ روايته "في الأرض المسرّة" وأعطيه رأيي فيها، وفي كلِّ مرة تهربتُ من الجواب، فكلما بدأتُ بقراءة روايته هذه يملؤني تحفز مشابه، ويمنعني من أن أستمر بالقراءة.
وبعد عديدٍ من المحاولات خلال أشهر عدة، قرأتها، لكنّي وبعد أسابيع من قراءتي لها، وكلما حاولت أن أكتب عنها قيّد الألم كلماتي، وسرحت أفكاري بعيداً كما في كلّ عقل يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة. فالرواية التي جرت أحداثها بين النصف الثاني للقرن التاسع عشر وعام 1915، والتي تحاول جاهدة أن تجيب على سؤال كل من نجا من إبادة ما: لماذا تعرض شعبي للإبادة؟… تعكس بكل تفاصيلها ما حدث في سوريا في القرن الواحد والعشرين، فأم مدفع في الجزيرة السورية هي كل زاوية نائية في ريف سوريا، وطرابزون والبلقان يذكران بحماة وحلب والكثير من القرى والبلدات بينهما، واسطنبول القرن التاسع عشر هي دمشق بداية القرن الواحد والعشرين سواء في مرحلة "التحديث" السريالية أم لاحقاً عند النهاية.
لا أدري إن كان هذا التشابه مقصوداً، خصوصاً أن الكاتب لم يعش دمشق القرن 21، لكن ما كتبه يطابق ما عشته أنا وبقي يعكر عليّ أحلامي.
أم أن المصائب تتشابه.
في الرواية تتداخل الأزمنة والشخصيات، الحوار فيها يجمع صدى الماضي بالماضي الأبعد بالحاضر، وكأن الشخصيات تتحدث عبر الزمن، بل وكأن الماضي يتأثر بالحاضر وليس العكس، تعقيدٌ كان له ألّا يكون ضرورياً لولا أنّنا نعيش وأبطال الرواية في شرقنا اللعين، الذي نعيد فيه صياغة ماضينا كلّ ما استجدَّ في حاضرنا شيء. ولولا أنّ الآلام تستمر عبر الزمن؛ تسكن هاجس الأجيال اللاحقة، متخفية كفيروس بين تفاصيل الثقافة والحياة اليومية، وتعيد صياغة كلّ حادث وفق مجرياتها، بل وتعيد صياغة مجرياتها وفق كلّ حادث.
وهذا التداخل يتعدى أحداث الرواية إلى أحداثنا اليوم.
أنا الذي آلمته قراءة هذه الأحداث لا أجرؤ على تخيل ألم الكاتب وهو يختزل موروثاً هائلا من الوجع ليدونه في رواية. لكني أدرك تماماً شجاعته وقوته وجلده، والجهد الكبير الذي بذله… فإن كان أيّ عملٍ إبداعي هو محصلة خبرة وثقافة وجهد المبدع عبر كل السنين التي عاشها، فالعمل عن إبادة شعب هو أيضاّ محصلة خبرة وثقافة وجهد الشعب كلهّ، يمرّ بثقله الهائل عبر الكاتب إلى صفحات الرواية.
وإنّني أهنئه على اجتراحه المستحيل، حيث صنع الجمال من كلّ هذا الألم.
لنتخيل أن عشرة أشخاص أرادوا حل قضية ما، وكل واحد يريد أن يسحب البساط من تحت صديقه، ويقربها من نفسه أو نحو نفسه، ويعمل على أخذ الحصة كلها لنفسه.
وهناك شخص آخر يحاول أن يعقلن العلاقة، ويقرب الجميع من بعضهم، بيد أن صوته ضعيف، وموقعه ضعيف بالرغم من قدراته العالية، فيضيع في زحمة ضجيج الأصوات العالية والفارغة.
وقتها، لا فائدة من صوت العقل، بل يصبح نشازًا، مثل وتر رقيق، ذي نغمات صافية في جوقة أوتار عتيقة لا تصلح للعزف.
أنا أرى أن جوقة الأوتار العتيقة تعكس ثقافة مستلبة، صوت الضجيج والعنعنة، يطغى، بل يسيطر على صوت العقل.
ذاكرة الوجع
لقد حولت ذاكرة الوجع والألم إلى عمل، عمل يومي دائم.
منذ أن جئت إلى السويد لم أتوقف يومًا واحدًا عن الكتابة، أكتب كثيرًا وأنشر قليلًا.
الكتابة بالنسبة لي هو فرح دئم مجبول بالوجع الإنساني، أكاد اؤكد أنني أسير البيت والكومبيوتر لأبقى أكتب، لكني أتوقف عندما أتعب.
ربما هذا سجن أخر، تطرف، حب للذات أو كراهية، لا أدري، لم تعد مسرات الحياة تعنيني.
الكتابة حالة وجع لذيذ، ألم لذيذ، حب بديل، مازوخية قاتلة، أن أهزم داخليًا لأنجح في التعبير عما في داخلي.
من حول وجعه إلى عمل فني فهذه غاية الفرح والحياة
أقسى الخسارات بالنسبة هي خسارة الصديق.
الصديق بالنسبة لي هو فاكهة الحياة، هو الصوت الداخلي لي. وجوده في حياتي يمنحني الأمان والاطمئنان الداخلي ويضفي علي نفسي راحة نفسية.
هو بمثابة المرتبة الأولى إلى جانب العشق. ولا فرق لدي بين امرأة ورجل من ناحية الصداقة. كلاهما يمنحان قلبي وعقلي السعادة والفرح. وحضورهما هو بهجة وسعادة لي.
عندما يسقط صديق ما من حياتي لسبب من الأسباب أشعر بالهزيمة الداخلية والانكسار.
قلبي يبكي في داخلي من شدة الحزن والألم.
وأتمنى في قرارة نفسي لو أن الزمن يعود إلى الوراء وتعود المياه إلى مجاريها.
بغيابه يستيقظ الحزن في داخلي من غفوته، ويتخلل حياتي كآبة عميقة لا ترممها الأيام والسنين.
وأحيانًا كثيرة أنا من يأخذ قرار إنهاء الصداقة عندما أحس أنها مرضت أو شاخت أو أصابها العطب.
الصداقة يجب أن تكون حية نابضة بالحياة
الأب المؤسس
أغلبنا يعشق الأب التاريخي، يتخيله، يضعه في أحلامه وهواجسه اللذيذة، كأنه حبيب أو عشيق، يزينه كما يرغب ويريد، ينظر إليه من كل الجهات كالمحب الولهان تمامًا، وأحيانًا كثيرة يركع له، أمام قدميه، وخلفه، وبالقرب من مؤخرته، يصلي له ويغني ويرقص ويدبك ويؤلف له مقطواعات موسيقى ويرسم له لون العلم، ويمجده.
كنت أتمنى لو أننا رأينا هذا الأب التاريخي، ثيابه، جبته، حذاءه، شعره المنكوش ولحيته القذرة، تحت أظافره الوسخة وأسنانه الصفراء وطريقة جلوسه وأسلوب حديثه، وأهم شيء فكره، عقله وأنانيته وهمجيته وطريقة إدارته لبيته وناسه.
أكيد ستصدم، ستكره اليوم التاريخي لذاك الأب التاريخي القذر، ولكرهت نفسك أنك عشق إلهًا مضى ولن يعود.
أنا فضلت أن أعيش في الحاضر، بالقرب مني مراحض بيتي ومغسلتي وفرشاة أسناني وسريري الجميل ولحافي النظيف، على العيش في هذه التصورات الفارغة.
هذا الأب السياسي قذر ويزداد قذراة إذا لونته بألوان جميلة، على ذاك اللون الأخضر أو الأصفر أو البني أو غيره.
ولد الدين التوحيدي مأزومًا ممزقًا يعاني من انقسام ذاتي، منشطر على نفسه إلى عدد لا محدود من التموضعات.
ولا يشير في الأفق القريب إلى محاولة ترميم ذاته.
الرغبة الذاتية لهذا التوحيد أن لا يكون موحدًا، أن يستمر بالإنشطار إلى عدد لا محدود من الدوائر المنغلقة على نفسها.
أزمته الداخلية تدفعه إلى العنف لتأكيد وجوده وبقاءه، ويبرر العنف ليفعل تماسكه المبعثر.
ذا فويس للغناء، شركة متعددة الجنسيات، مثل جنرال موتورز أو مرسيدس أو فنادق فور سيزينز أو مريديان أو شيراتون أو مطاعم ماكدونالدز أو بيركيركينك أو أبل أو زالاندو، وغيرهم
هذه الشركات تسعى إلى تنميط الحياة والمجتمع والفن والذوق والأخلاق والقيم والمبادئ والأفكار ونوعية الطعام والشراب ونوعية التسلية على مستوى العالم.
باختصار يتم تسليع كل شيء، لنصبح نسخة عن بعضنا البعض في كل شيء، وفي كل مكان.
أصبحت الشعوب أقرب للصيصان الخارجة من المدجنة، يتم التحكم بها عن بعد، وأغلب هذه الشركات أمريكية الصنع، خدمية، هدفها الربح.
الشركات المتعددة الجنسيات اخترقت الحدود الوطنية للدولة الأم، طوفت نفسها، طبعت نفسها على شكل وحدة إنتاج متنقلة على مستوى العالم.
وفي هذه الحالة لا تختلف السلعة في سوريا عن الكونغو عن الولايات المتحدة أو اليابان.
إنها كيانات عملاقة، تملك قدرات خرافية، وهدفها الأساسي هو الربح.
أنها أبنة الولايات المتحدة البار، ليس في جعبتهم البناء النفسي والقيمي للإنسان، الفكر، الأخلاق. أنها أبنة المال فقط، أنها الكارثة ما بعدها الكارثة.
إنها قادرة على طمس قدرات الدول لقدرتها على اختراق الجغرافية، واتساع رقعتها بحيث تصل إلى كل بيت وإنسان، مستخدمة التكنولوجية المتطورة والمتقدمة جدًا وتتلون حسب المزاج العام للناس.
لا يوجد للدول الصغيرة والمتوسطة وحتى الكبيرة قدرة على المنافسة أو الرفض، لهذا تنفذ شروطها دون قيد أو شرط، وفق القوانين التي تفرضها هذه الشركات.
إن الخوف من هذه الشركات أنها تستطيع أن تلغي الثقافات الوطنية والموسيقى الوطنية والأدب، والفن والتاريخ وكل الخزان الذي راكمه البشر على مدار التاريخ كله.
القانون والسياسة والسلطة اسوأ اختراع بشري
السياسة ليست ميدانًا للدفاع عن الحق والسلام والحرية والعدالة.
السياسة انتقائية تكيل بآلاف المكاييل المزيفة.
أنها الرافعة التي تقوم عليها الدولة، ببناءها السياسي والاقتصادي.
وبوجود الدولة، لا يوجد مبادئ وأخلاق وديمقراطية وشرف وقيم عليا.
هي المكان الذي تمارس فيه الجماعة العهر على أصوله.
والدولة تعبر عن لغة المصالح، والمصالح ثوب فضفاض ينطوي تحته، الغش والخداع والكذب والنصب والاحتيال، والتلون بألف لون ولون.
ولا بديل عن وجود الدولة، هي أفضل منتج بشري لفض النزاعات لمصلحة بقاء الأقوى.
الدولة هي الدولة، تلبس الثوب الذي يجملها، تتبرقع به طالما يخدمها، وتخلعه عندما تراه مهترئًا.
يمكنك أن تنسخ عن الدين الواحد، أو الدين الذي ولد في مكان ما، ألف طبعة مزيفة تحت يافطة الأسم الأصلي.
أغلب الأفكار العابرة للحدود تنسخ عن نفسها، عن منبعها الأول، آلاف النسخ المزيفة.
في هذه الحالة يضيع النص الأصلي في زحمة النصوص المزيفة
الظل، يبقى ظلاً، لا يمكن أن ينتصر في أي مجال من مجالات الحياة، لأنه مقلد، مكرر، غير مجدد وغير مبدع.
ودائما يخذلك ويهزمك في الوقت الذي يريد أن يتصدر كل شيء، ويصادر قرارك.
في الحقيقة، هذا الظل مهزوم, قبل أن يبدأ
سمعت أصوات مختلطة. ألتفت, رأيتهم قادمون من الطبيعة, من الصمت. في وجوههم, رائحة غبار حر قادم من أرض عذراء مشبعة ببقايا ندى, حشائش وسنابل متقادمة, وعلى المفارق تنفث الوجوه الهواء كزفير لآلامهم وحزنا على محنة الغياب.
جمدت في مكاني, مر بالقرب مني بضعة أطفال سمر. وشبان وفتيات ونسوة, رجال وكهول يوحدهم الأفق والتلال, يدفعون عربة عرجاء كمركبة الريح, فوقها آلهة بأجنحة من ريش, على أطرافها, دواليب خشبية قديمة مقطوعة الاوصال كأنها شجرة عارية. أمامها ثور وحمار. والناس وراءها وأمامها يرتدون الاسمال, حفاة, نصف عراة, جاؤوا من الأفق الغافي وراءه أفق, ووجوههم مرفوعة تتطلع نحو الأفق الأخر.
عندما مروا من جانبي لم يلتفتوا إلي. كانوا منشغلين بصوت الريح, يغنون, يرتلون, يقلدون أصوات الضفادع والطيور. ويتطاير الغبار من تحت أقدامهم. ويجرون أنفسهم ضمن الموكب بوجوه حزينة.
كانت هناك على مبعدة منهم, امرأة حزينة, تدق الأرض بوتد خشبي شاحب, تغرزه قليلا ثم تخرجه. وإلى جانبها شاب يعزف على الناي وأخر على كمان ذي لون عتيق.
في تلك المدرسة النائية, وقفنا, أنا وسيلفا وساكو ننظر إلى سيلفانا, فتاة في مثل أعمارنا, في السادسة, عارية الفخذين, ومضجعة على المقعد الدراسي, تنظر إلينا, وتشير بإحساس غريب إلى ملتقى الحضارات. في عينيها شيء غريب لم أعرف كنهه إلى اليوم, لم يكن ضحكًا أو بكاء, كما لم يكن حزنًا أو فرح, بيد أن ذلك الجميل ما زال في ذاكرتي شجرة خضراء وأرفة الظلال.
من ذلك الباب الخشبي العتيق دخلت قلبي وخرجت, تركت بعض الظلال ورائحة عطر وبقايا عينيها ومضت. صدى ذكراها موجع, قابع خلف تلك الشقوق المملوء بالأنين.
لا أعرف أن كنت تركتك لنسيان أم تركت نفسي.
إليك أيها الوجع أوصد ما تبقى منك.
جاءت, في عينيها ذلك الإنكسار القديم الذي لم يرممه الزمن, بقايا لوعة, انحسار حلم وضياع. عين على قلبي وأخرى على الباب. كانت بقايا بقاء, وبقايا هروب.
سمعت أصوات مختلطة, ورائحة غبار عتيق. وأرض عذراء مشبعة ببقايا ندى وسنابل متفرقة غاب عنها الحنين. كانت هنا وهناك, مثل لحاء شجرة رطبة, زادها الماء عطشًا. وفراق, ومحاولة بقاء.
هي لم تكن هي, كما أنا لم أكن أنا
الخوف الحقيقي أن تنكشف النفس أمام الأخر وتتعرى. ويبدأ بالتلاشي ذلك الشعور المرضي الذي كونه عن نفسه. وينهار أمام عينيه ذلك البناء الذي شيده من مداميك عاجزة.
هذا التكوين المتواري وراء الذات البعيدة, اللاوعي, يحتاج من المرء أن يقف أمامه, ويقرأه بعمق ليدخل مساراته المتعرجة.
ربما سعيد من لا يقرأ ولا يعرف.
أذهب وحدي, حاملًا في داخلي ذلك العشق للمعرفة, لتحقيق شيء يعجز عنه البشر, أن أملك القدرة في الدخول إلى المناطق السرية, الغامضة التي لم تطأها قدم الإنسان من قبل. إن ابتكر, أكتشف واحقق ذاتي وذات الطبيعة . إنه شعور عارم بالتفوق, بالتميز, بالانفصال عن العادي والمكرر, بالخروج من هذا الثقل الأرضي, أن أحلق في هذا الفضاء اللامتناهي, وابتعد عن هذا الثقل, المكرر. الموهبة هبة الطبيعة, الله والوجود. إنه تمرد الذات على الذات, والدخول في الممالك الأبدية. الأعشاب كالألوان تثير في داخلي شحنات عاطفية غامضة, متعددة الانتماءات, تلتصق بالذاكرة البصرية والذاكرة, ويتداخلون في نفسي, ويرتقون إلى حضن السماء. أخذهم من حضن الأرض, من تقاويم الزمان والمكان وأطير بهم إلى الأعالي, لاحولهم إلى أهداف وأفكار وغايات. لدي رغبة كامنة في نفسي أن اتواصل مع أطباء الأعشاب في الهند والصين وروسيا وأمريكا اللاتينية, حتى نبقي علاقة الجسد الإنساني ملتصقًا بالطبيعة, متناغم معها, تناغم الذات مع الذات. إن الدواء الصناعي يفكك علاقة الإنسان بالكون, ويجرده من جماله ونظافته وتوازنه.
الذي يقرأ كثيرًا, المثقف, يتوحد بالشخصيات التي تمر في الكتاب. ينفصل عن نفسه ويتقمص الأخر.
نحن ظل, لم نرق إلى مستوى التوحد بين الذات, الكينونة, وظلنا. ودائما, ظلنا يسبقنا, ونحن نركض وراءه.
ففي النضال أو فعل الخير, لا نعرف من هو البطل الحقيقي, هل هو نحن أم الظل. ومن يسيطر على من, ومن هو الأصل ومن هو المزيف؟
إنها مأساة كبيرة, معقدة. فيه تواطأ بين أثنين, الفرد وظله, يصلان إلى مرحلة الاندماج مرة, والانفصال مرة ثانية, حسب التطورات, فتخلق, شخصية منفصلة عن نفسها وزمانها.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟