|
سردية عادل المعموري التي أنصفت المرأة
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 7925 - 2024 / 3 / 23 - 12:25
المحور:
الادب والفن
أولا: محاولة في تعريف التميّز دائما ما نسمع أو نقرأ، هنا أو هناك: إن المبدع الفلاني، والأديب العلاني متميّز، والسؤال: ما معنى "التميّز"؟. وهنا نحب أن نعرّف هذا المصطلح أو هذا الصفة أو الميزة؛ ونرى أن المتميز: هو المختلف عمن سواه من الآخرين، المبدعين، بمعنى ثمة صفة أو يحملها المعني في دواخله، يمتاز بها، هي مختلفة جدا، بحيث أنها لا توجد إلّا لدى ذلك الشخص، وهي صفة حسنة، تجعله يبرز عن أقرانه، فيكون قدوة ومتقدم في الصفوف الأمامية؛ فإذا كان فنانا فهو يبدع في حرفته هذه، التي تسمى الفن؛ أما إذا كان أديبا، فهو يبدع وينتج فكرا مختلفا، فيه تجد روحية، ولمسة لا تشبه إلّا نفسها، فتظلّ ملازمة لذلك المبدع ويُعرف بها. وهناك كثير، وكثير جدا في مجال التميّز، في العلوم والآداب والتاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع، وغير ذلك من حقول المعارف المختلفة. وإذا كان ذلك كذلك، فأعتقد أن القاص عادل المعموري، كاتب وقاص له ميزة يمتاز بها، حيث لمسناها في معظم ما يكتب من ابداع قصصي؛ وهذه الميزة يمكن أن نحددها، ونعنونها تحت عنوان أنها رسم للواقع المعاش الذي نسير على دربه، بريشة مختلفة، وابراز الواقع هذا من خلال تعامل الناس، بعضهم البعض، وما يجري خلف كواليس تعامل تشوبه شوائب كثيرة، ذلك كون المجتمع – العراقي حصرا - ليس يسير على وتيرة واحدة، في كل شيء، كأي مجتمع، ففيه الصالح والطالح، وفيه المستقيم، والمنحرف عن جادة السّمو بالنفس، والأخلاق التي هي معيار المجتمعات ككل، وهكذا. وقد لمسنا بعض من هذا الذي نوهنا اليه، وبين أيدينا قصة قصيرة، للقاص المعموري، وهي بعنوان " مَطَبٌّ صِناعي"، وفي هذا المقال نحاول تفكيكها على ضوء التشريح المنهجي الذي أعلنا عنه في كتابنا "نكهة المعنى". ثانيا: ملخص القصة: والقصة باختصار؛ امرأة تستأجر سيارة أجرة وتأمر صاحب السيارة بالانطلاق نحو المكان الذي تنوي الذهاب اليه. صاحب السيارة يأخذه الفضول بطرح أسئلة على المرأة، أسئلة لا معنى لها، كأنها نوع من الاستجواب، لكن المرأة تلزم الصمت، كنوع من الرفض، فلم تهتم بأسئلته، بل ولم تعره أي اهتمام يُذكر. فتنتهي الرحلة بوصول المرأة الى المكان المقرّر، وبه تسقط كل معاني الاسئلة التي طرحها الرجل، والتي بها كان يظهر لباقته ومعرفته المزيفتان، وأنه كان على علم ودراية في كل شيء، فيصاب بالخذلان. ثالثا: المغزى من القصة: (1)كانت أسئلة الرجل – السائق كنوع من التحرش، وإن المرأة المعنية تقفل في وجهه جميع الابواب. (2)بيان فضول الكثير من الناس في أشياء لا تعنيها بالمرّة. فتسقط في اعتبارات كثيرة، وتنزل من نظر الآخرين. (3)المرأة القوية الصلبة هي من لا تلتفت الى ترهات من يحاول التدخل في شؤونها، وقضاياها الخاصة، مهما كانت الدوافع والأسباب. (4)كثير من الرجال ممن يعتقد أن المرأة ضعيفة الشخصية، وممكن أن تقع في شبكة الرجل فينال منها، ويحقق ما يُريد. (5)سكوت المرأة لهو أكبر دليل على قوة شخصيتها، وأنها شجاعة فذة لا تكترث بالمسميات والاغراءات، وأنها صلبة لا يفت عضدها ولا تُهزم. رابعا: لغة القصة: تمتاز القصة بسرد سلس، غير مُعقّد وخال من العبارات الفضفاضة الهجينة، كذلك من العبارات الزائدة، بل يعمها الطابع المباشر، والجمل المتزنة المُعبرة بلا كلفة، حتى أن الجمل الحوارية "الديالكتيكية، بها مسحة فلسفية واسعة ومغرية، تدل على فطنة الكاتب، وسعة معرفته، وأنه يتمتع بحبكة يجيد اللعب على أوتارها. والقاص المعموري، كما عودنا في كثير من قصصه، أنّه يسير على نوتة واحدة من ناحية الطرح، واختيار الموضوعات، ثم معالجتها بنكهة فلسفية غير معقدة، وتخضع البوح السردي، بحيث لا تحتاج الى تأويلات، والذهاب بعيدا كتخمينات غير مجدية. خامسًا: نص القصة: مَطَبٌّ صِناعي """""""""""" لمْ أتوقع أن تشير إليّ تلك المرأة الجميلة بالتوقف، أصابني ارتباك شديد وأنا اتوقف عند حافة الرصيف بسيارتي الأجرة.. لم تنحنِ لتسالني عن وجهتها ولا عن مقدار المبلغ الذي سأتقاضاه.. فتحتْ الباب الجانبي للمقعد الخلفي وجلست بكل ثقة، امسكت حقيبة يدها بكفيها ورفعت رأسها تتأمل شيئاً ما في البعيد. قبل أن أسألها بادرتني قائلةً : _من فضلك للحارثية.. هززتُ رأسي وضغطت على دواسة الوقود وانطلقت السيارة، اتخذتُ الطريق السريع تلافياً للازدحامات..كنتُ أنظر إليها عِبر المرآة الوسطية ..انتبهت لي جيداً، إني كنتُ أنظر إليها...لم تخفض عينيها وطفقت تنظر عبر زجاج النافذة .. مسجّل السيارة كان يبعث صوت ميادة وهي تغرّد: (بعشقك) قلتُ لها متصنعاً الثقة محاولاً أن تخرج نبرات صوتي هادئة ورقيقة: _ بلا زحمة الباب مفتوح أغلقيه جيّداً.! أنا أعلم أنه موصود وليسَ هناك مايستدعي ذلك..مدّت يدها وفتحت الباب ثم أغلقته بسرعة..حاولت أن.. تخبرني أنّ الباب موصد .. ولكنها عدلت عن الكلام وسكتت..رفعتُ من صوت الأغنية.. عيناي تنظران إليها تستقرء مشاعرها..لم يبدِ عليها الإنزعاج..كنتُ أحاول ان أستفزها أو أُثير غضبها ..أريدها أن تتكلم فقط.. ولكنها التزمت الصمت، بملامح محايدة كأنها تتحداني.. .........توسطت السيارة شارع دمشق. قرأت في ملامحها علامات الإرتياح كونها ستترجّل من السيارة بعد وقت وجيز وتتخلص من مشاكستي لها.. سألتها : _ حضرتكِ أي طبيب تريدين مراجعته؟ لم تجب..سألتها ثانيةً: عفواً هل تنزلين قبل السيطرة أم بعدها ؟ نظرتْ نحوي شزرا وتمتمت بنفاد صبر: _بعد السيطرة.. _الجو اليوم ساخن رغم أنّ الصباح كان بارداً جداً.. لو كنتِ 0000-مريضة تمنياتي لكِ بالصحة والعافية..وإذا كنتِ تبحثين عن طبيبة ممتازة ممكن أن اتصل بها ولا تكلّفي نفسك بانتظار دوركِ في الطابور بحجز مُسبَق.. أنا أعرف كل الأطباء هنا..كلّهم أصدقائي ومعارفي.. ربما لا تريدين أن تساليني عن طبيبة نسائية لأنكِ تخجلين من ذلك.. أنا أستطيع أن أحجز لكِ عند أي طبيبة .. لا تستحي مني.. أنا أوَد أن أخدمكِ.. الظاهر إنكِ لا تعرفي أنّ خِيرَة الأطباء في هذا المكان ..الآن عبرنا السيطرة.. أين تودين أن تنزلي؟ أشارت بكفها الأبيض الجميل إلى جهة اليمين وقالت: _انزلني أمام هذه العيادة.. هتفتُ قائلاً : _أوووه ترغبين أن تراجعي دكتورة نغم اختصاص الجلدية والأمراض الزٌهرية..أحسن دكتورة بالعالم .. قبل أن تنزل.. اقترب منها رجلٌ مُسنّ نحيف مدّ يده ليحمل الكيس النايلون بدلاً منها.. سألتني وهي تضع قدمها على إسفلت الشارع : _ هل تعرف دكتورة نغم شخصياً !؟ أجبتها على الفور: _ أي نعم لو تُحبّي أدخلكِ عليها.. أنا خادم. الرجل النحيف بعد أن حملً أغراضها سمعته يقول لها: _ دكتورة.. المراجعين ينتظروكِ منذ ساعة.. _ إي نعم عمّو خليل سيارتي تعطّلت واستأجرتُ هذه التاكسي.. قالت ذلك وأخرجت من حقيبتها ورقة نقدية وأعطتها لي وهي تقول مكررةً سؤالها. : _ هل تعرف دكتورة نغم شخصياً؟ _ ئي نعم.. أعرفها إنها امراة رائعة وذكية جدا نحنُ أصدقاء.. لقد عالجت إبني الصغير من داء ( الصَدَفية ) نظرتْ إليّ نظرة ازدراء .. قلبت شفتها السفلى امتعاضاً واندفعت تتجه نحو باب عيادة الطبيبة .. توقفت أمام القطعة البلاستيكية التي تحمل اِسم الدكتورة نغم عبد الواحد وأشارت إلى الأسم ثُمّ أدارت اِصبع سبّابتها نحوَ صدرها، ابتسمت ثُمّ غابت في ظِلال الرواق المتصل بالعيادة..!!
#داود_السلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القاص كامل الدلفي في (ذاكرة الطباشير)
-
النسق السّردي في (أبواق صاخبة) للقاص حسين الرفاعي
-
الرمزية والبناء القصصي عند الكاتبة فوز حمزة
-
في قصته (دعابل) رياض داخل يهتك أسرار الطفولة
-
الرمزية في (تداعيات) الشاعر واثق الجلبي
-
تعاطي البوح في نص (ستكون معي) للشاعر حميد الساعدي
-
الرمزية الباذخة في نص (وحدهم يعبرون الجسر) للشاعر التونسي ال
...
-
تجلي المعاني السامية في نصوص الأديب صابر المعارج
-
التمنيّ (في مدينة السلام) نص باسمة العوام
-
مصاحبة الذوق بهتك الانفعال في (ذاكرة بين ضفاف دجلة) للقاص كر
...
-
حول تقرير كريم جبار الناصري
-
الناقد والقاص علي عبد الرضا
-
المعنى والرمز في نص(يوم في العاصمة) للشاعر علاء سعود الدليمي
-
قصة (آنو) للكاتب علي عبد الرضا: أصل الشرور وفساد الآلهة
-
(خيانات متجدّدة) يدفع فاتورتها الشاعر خضير الزبيدي قراءة تأو
...
-
(الطريق) رائعة القاص محمد جبر حسن ضنك الواقع وضبابية المصير
-
الإنسان المسحوق في (يوميات قميص) للقاص كامل الدلفي
-
مكلبون داود السلمان والنجاة من الحرب بأعحوبة
-
(غواية حلم) للشاعر عدنان جمعة تلاقح المنعى بالوضوح
-
(فحيح) رمزية القاص عبد الرزاق السويراوي - قراءة تأويلية -
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|