آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 7923 - 2024 / 3 / 21 - 10:24
المحور:
الادب والفن
اللاجئ الذي وصل أو سيصل إلى أوروبا أو الغرب، ما هي غايته، هدفه، رغباته؟
هذا سؤال مهم جدًا.
هل جاء حاملًا حمولة سياسية معينة، محدد الغايات؟
هل لديه طموح سياسي أن يغير البنية السياسية العميقة للدولة والمجتمع أم جاء ليعيش كإنسان عادي؟
وكل مفهوم من هذه المفاهيم له شروطه.
إن جئت من موقع التابع، يا اهلا وألف سهلا لك. أم جئت لتكون السيد، فلا، هذا مهم جدًا، يجب أن يأخذ هذا في الاعتبار.
هل لديك رغبة أن تعيش كمواطن ضمن النسق الثقافي الغربي بعاداته وتقاليده وقوانينه وأنضمته؟
أم جئت لتغير البناء السياسي كله في العمق والسطح.
بالتأكيد بوجود الدولة، ومؤسساتها لن تقبل بلاجئ جاء من العالم الثالث ليدخل في مفاصل الدولة والمؤسسة، هذا محال على الأقل للجيل الأول، مع هذا فإن نائبة الرئيس الأمريكي لم تولد في الولايات المتحدة.
وهناك أوباما، الرئيس الأمريكي السابق، هو من الجيل الأول الذي وصل إلى قبة السلطة، في الوقت الذي لا يسمح في بلادنا أن نخترق الجدار الخامس في مؤسسات الدولة، أو في الصين أو الهند أو مصر أو سوريا أو الباكستان.
اختراق المؤسسات يجب أن يمر عبر عدة فلاتر، رضى المخابرات، أن تقبل أن يضعوا دمغة أو أو طبعة أو وشم على مؤخرتك بوضوح، أن يكون الولاء، ولاءك الكامل للنظام برمته، أن تكون خاضعًا بكامل عبوديتك للقوانين والأنظمة الصادرة عنها، أن تعلن أنك مجرد عبد في مكنة السلطة.
هذا هو التاريخ، قديمه وحديثه، أنه عبودية، أن تتعرى من ذاتك كإنسان، وتدخل في ذات الدولة، وترتدي ثيابها، وتكون حشرة من حشرات ظلها.
لم يصل الإنسان إلى زمن الحرية ليأخذ حقه عبر قدراته.
العالم مقسوم طبقيًا، اجتماعيا سياسيا اقتصاديًا، ولا اعتقد أن الزمن القريب سيغير ما هو موجود.
إن اختراق البنية، بنية الدولة يحتاج إلى تغيير البيئة كلها، البنية كلها رأسا على عقب، في العمق والسطح، وهذا ينطبق على كل الدول قديمها وحديثها.
المرأة المعاصرة
لقد فقدت المرأة المعاصرة ثقتها بنفسها وبالرجل. ربما يكون هذا سببًا كبيرًا في جعل جسدها لذة عابرة للأخر كعقوبة اجتماعية وقيمية لها.
هناك ابتذال واسترخاص المرأة لجسدها وكأنه عبء عليها تريد أن ترميه لأقرب دراب أو مارق في الطريق، وتتخلص من جماله بعد أن تأخذ اللذة العابرة منه.
إنه مبدأ التشفي من الذكورة الذي أوصل المرأة إلى هذا الانحطاط الأنثوي.
وهو نتاج عدم الإشباع في الجانب الإنساني والروحي والثقافي والنفسي.
إنه نتاج حضارة لا تعترف إلا باللذة السريعة والعابرة.
إن هذه الحضارة لا تعترف بالقيم الجمالية والحق والحرية والحب. إنها تحتقر الحقيقة والحياة، وتستعيد بدلًا عنها قيم استهلاكية سريعة وعابرة
قبل نصف قرن كانت المرأة الشرقية أكثر التزامًا واحترامًا لجسدها ولذاتها ووجودها. أما اليوم فقد طوفته ووضعته في البازار أمام العامة:
وليأت من لديه بضاعة، ونتقايض.
لم يعد هذا الجسد كينونة قائم بذاته وأنما بذات الآخر كمادة إولية لإنتاج اللذة العابرة دون أي اهتمام بالجوانب الآخرى الاجتماعية والإنسانية والثقافية والعاطفية.
لم يعد عريها أو تشيئها أو تشييئها يعيبها أو يحط من قدرها وقيمتها تبعًا لمقولة، الغاية تبرر الوسيلة، أي لإنتاج مادة جنسية ولذة سريعة مثل الوجبات السريعة دون الالتفات إلى الوراء.
في كتاب كولن ويلسن في، ما بعد اللامنتمي، كان يعيب على الحضارة الغربية أن العلاقة الجنساوية خالية من المشاعر والعواطف بسبب اللانتماء الذي يعاني منه الإنسان الغربي، وها نحن نصل إلى ذات المكان الذي تناوله أو وصل إليه الكاتب في نهاية خمسينيات القرن الماضي.
ولم يعد هناك أي غطاء يغطي عري الواقع ويملأ فراغه إلا بالانغماس في اللذة من أجل اللذة، وأضحت مادة الجنس مادة رفيعة تتباهى به المرأة أمام نفسها وجسدها كقيمة أولية للاستخدام ولحاجة محددة كبديل عن احترامها لنفسها وكينونتها ككائن جميل حامل جسد الأمومة.
أضحى لدى المرأة عامل ذاتي في تشيء نفسها لتكون قيمة استهلاكية تصلح للاستعمال لمرة واحدة مع رجل عابر، ثم يغادرها إلى مبتغاه مع امرأة آخرى وهي تغادره للوصال مع رجل آخر لتأدية وظيفة اسمها إنتاج اللذة المشيئة.
إن الحضارة المعاصرة تفتقد للإشباع العاطفي ويكتنفها الفراغ الروحي والعاطفي لهذا فإن الإنسان فيها دائم الركض لقطف الأوراق الجافة من أية بقعة كانت.
والمرأة هي الضحية الأولى في هذه المعادلة، وخاصة في بلداننا.
ما يحدث هو نتاج الواقع الاستهلاكي.
إن الحضارة المعاصرة تفتقد للإشباع العاطفي والنفسي ويكتنفها الفراغ الروحي والعاطفي لهذا فإن الإنسان فيها دائم الركض لقطف الأوراق الجافة من أية بقعة كانت.
والمرأة هي الضحية الأولى في هذه المعادلة، وخاصة في بلداننا.
ظاهرة عدم الإشباع واضحة.
هناك ضخ إعلام عالمي لتسويق الجنس لتحويل هذا العالم إلى مبغى كبير. والكثير يسقط فيه.
أنا أعري تعدد العلاقات التي هي نتاج الخواء الروحي والعقلي. هذه التعرية ضرورية لأنها موجودة كظاهرة فاقعة تزداد يوما بعد يوم.
لقد شاهدت الكثير من النساء على التلفزيون يصرخن بحقد ومرارة مرات وبالراحة مرات يقلن:
أنا لن أتزوج إلا غني، أريد أن أعيس سعيدة، والمال يجلب السعادة؟
ورأيت أحد الشباب يعرض نفسه وجسده على النساء في التلفزيون مقابل المال. جنس مال.
العهر الظاهر لم يعد مخجلا، لماذا الكثير من المثقفين والكتاب يخاف من فضح هذه الظاهرة المستفحلة.
إن هذه الظاهرة كانت ولا تزال جزء من المنظومة الأبوية
المركز المرضي
مثل كل شيء في حياتنا. هناك من يعتقد أنه المركز والأخرين أطراف. عندما يعطس على الأخرين أن يعطسوا, وعندما يضحك فعلى الأخرين أن يضحكوا. وعندما كان مع النظام, يغني له, يرقص ويعطي مؤخرته, كان يطلب من الأخرين أن يكونوا قوادين مثله. وعندما بدأت الثورة أصبح في المقدمة, يعطي شهادات حسن سلوك لهذا أو ذاك. هذا ثوري وهذا متخاذل, هذا وطني وهذا خائن.
إنه ليس فردًا. إنه ثقافتنا, مرضنا, دونيتنا وعقدنا. إنه ذاك, نحن, الذي لا يؤمن إلا بنفسه المريضة, العاجزة, التافهة, الخربانة.
أذهب إلى أقرب طبيب يا هذا, وأعرض نفسك عليه, اعرضنا معك لعلنا نشفى, أو نجر معنا الطبيب ذاته إلى طبيب آخر.
أمي في آخر مشهد
تذكرت أمي, أخر مشهد لها, وهي ممرغة على الأرض، بالتراب:
ـ دير بالك على نفسك يا ولدي. الحياة لا ترحم.
شعرت بالقشعريرة الباردة تتسلل إلى كل أنحاء جسدي. ارجف. ومن عري, صرخت:
اللعنة على كل شيء.
ثم, بكيت حسرة.
الطفلة التي تشبه طفلتي
لا أنسى تلك الطفلة الصغيرة، الدموع المدرارة تنساب من مقلتيها:
ـ يا عم, أرجوك لا تغتصبني.
بكيت:
ـ لا زالت عيناك يا صغيرتي في حلقي وجعًا، كنت مخنثًا مهزومًا مكسورًا، أشاهد عرييَّ واصمت
اجهشت المسكينة بالبكاء، وسلمت أمرها لله.
واغتصبها ذاك الجندي الكالح اللون الواقف إلى جانبي، المسلح بالأوامر.
وكنت واقفًا على مبعدة اتابع المشهد الآخر، لمحت فتاة صغيرة, بيدها قنينة، سكبت ما في داخلها فوق جثة امرأة مصلوبة، عارية. ثم رمتها فارغة وولت هاربة.
شممت رائحة كحول. ركضت وراءها, قالت:
ـ الموتى يستحقوق الأحترام والوداع، إنه عنب بلادنا، إنه من الأرض. والأرض كريمة تعطي الجمال والرقة، ولا تأخذ شيئًا.
كل فكر جديد كارثة جديدة
مع ولادة كل فكر جديد، يدخل الإنسان إلى منزلق جديد، وتخندق جديد، وانغلاق جديد، وانقسام جديد.
إن البشرية تتقاسم الواقع على أرضية اجتماعية سياسية ذات منشأ واحد هو التكيف مع شروط التطور في بنية الحضارة ذاتها، القائم على بعد تراتبية شديد القسوة.
إنهم يحددون قواعد اللعبة، ويجبرونك على اللعب في ملعبهم. ففي دفاعك عن نفسك, تنزلق وتغرق في بحرهم.
وإن صمت يضعونك في مرمى نيرانهم. وتصبح متهمًا, مدانًا ومنبوذاً.
هذه هي السياسات التي تحدث في عالمنا المعاصر.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟