غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 1753 - 2006 / 12 / 3 - 10:43
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
في الأجزاء الماضية حاولنا ملامسة الحالة العراقية على قدر ما تسمح به معلوماتنا وما نتابعه يوميا في الإعلام . والحالة التي لاتسر عدوا ولا صديقا تحتاج إلى كل إنسان لوقف هذا الدم النازف الذي لايترك سوى الأحقاد ولا يدفن الماضي, بل يحضره في جانبه الدموي وهذا ما لا تحتاجه شعوب المنطقة والتي تساهم في هذا الشكل أو ذاك في هذا الدم من خلال تسليمها لمصائرها .
البنى التي تقاوم عنوان يدخل في صميم تكون هذه البنى ذاتها بلا لبس . ويدخل أيضا وسائل وأساليب هذه المقاومة, المحتل في مأزق ونحن مصابنا في العراق جلل . والسؤال دوما نطرحه على أنفسنا علنا نجد ما يمكننا من نقد فهمنا وما نفكرفيه في كل لحظة حول ما يجري وما يسيل من دماء مجانية وعبثية في هذه المنطقة, من باب الدم هذا نقول في حالة من الارتجال الانفعالي : إذا كان صدام حسين والقاعدة وحزب الله والإئتلاف الشيعي الحاكم ¯ لاحقا من باب التنبؤ المرضي ¯ والنظام السوري وحليفه الإيراني, فنحن بغنى عن هذه المقاومة هكذا الأمر ببساطة متناهية. ولكننا دوما نحاول أن نضع أنفسنا مكان الأيديولوجيات هذه وفي الوقت نفسه نحاول سبر الأجندة السياسية لهذه الأيديولوجيات , لأنها هي الهدف بالمؤدى الأخير ?! في كل المقاومات التي نجحت كان هنالك دوما نسق أخلاقي وقيمي مرافق ومتقدم من حيث الطبيعة على الطرف المحتل, ومرة أخرى نأتي إلى العراق .
الشيعة في العراق والأكراد وقسم من السنة العراقيين قد هيأوا لمجيء أميركا وجيوشها وساعدوا في ذلك بغض النظر عن أجندة كل طرف وحزب وقوة سياسية, وهللت هذه الجماهير لسقوط الطاغية, وهذه الجماهير تشكل قرابة أكثر من 70 في المئة من سكان العراق على أقل تقدير, عندما أشاهد قناة الجزيرة وأقرأ لبعض المفكرين العرب والمحللين الستراتيجين ستنتج :
أن الأميركان جاؤوا من دون رغبة الفعاليات العراقية سواء داخل العراق أم في الخارج ¯ كما عرفت بالمعارضة العراقية في الخارج والذي تبين لنا بعد سقوط الطاغية أن هذه المعارضة قوية جدا أقله في الجنوب العراقي والشمال الكردي, إنه حجم التضليل الذي يساهم الحدث الدموي في تسويق رسالته الإعلامية من أجل ربحية رمزية تبدو بريئة للوهلة الأولى ولكننا نستنج أن غوص قناة الجزيرة في حضرة الملكوت الذاتي للخبر ورسالته. قد أبعدها عن موضوعيتها النسبية . ففي لبنان نشعر أنها باتت ناطقة باسم حزب الله ! على كل هذا ليس موضوعنا الآن بل نريد من هذا المثال أن نقول : أنه ليس بالضرورة أن يجد الفعل المقاوم ¯ أو الإرهابي إن شئتم وسنحدد الفرق كما نراه في السياق ¯ هكذا منبر عربي من أهم المنابر ليس العربية فقط بل والعالمية تنطق باسمه وباسم أيديولوجيته , ومع ذلك فهو فعل غير قادر على تأسيس أية حالة مدنية اجتماعية, بل هو فعل حرب ودم ورموزه بالغالب يعيشيون أمراء في ظل أرض محروقة لا يريدون أطفاء حريقها مهما كان الثمن .سواء كان الفعل المقاوم تعبيرا عن إرادة شعبية كامنة أو صريحة في العراق, فإن ما نجده الآن هو تعبير عن أجندة سياسية يختلط فيها المتضررون من سقوط الديكتاتور مع إيران وسورية والقاعدة ومثيلاتها التي تنبت في العراق كالنار في الهشيم . لأننا فعلا في حيرة من أمرنا سواء مع هذه المقاومة أو مع الأميركان أم مع الحكومة العراقية التي من المفترض أنها تعرف من يمول هذه الفصائل ماديا ولوجستيا ? ولكنها إذا كانت لاتعرف فعليها أن تعتذر للشعب العراقي وتستقيل فورا . والأميركان لم يقدموا حتى اللحظة دليلا مقنعا واحدا يجيب جديا وبالأرقام والوقائع عن هذا السؤال المركزي في هذا العصر . لكن السيد بيكر عندما يريد وقف الفعل المقاوم في العراق فإنه يطلب الحوار مباشرة مع النظام الإيراني ¯ السوري, وهذه في الحقيقة اعتراف صريح ومباشر من السيد بيكر ¯ والذي نشكره على صراحته هذه !! أن من هزم أميركا في العراق التحالف الإيراني السوري .
إنها مأسأة حقيقية للسياسة الأميركية إذا أخذت بهذه النصيحة . لأنها تثبت بما لا يدع مجالا للشك أيضا بأن من يدعم المقاومة في كل شيء هما إيران والنظام السوري . وهذا الدعم هو الذي أحدث هذه الحرب الأهلية التي باتت معلنة الآن وهذا ما نوه إليه السيد كوفي عنان قبل أيام . ويثبت لنا نحن العرب أن هذا التحالف هو الذي يدعم بقاء الحرب الأهلية في العراق حتى تأتي أميركا وتجلس معه على طاولة المفاوضات وتقول له بالفم الملآن والعريض : أبقوا في السلطة , وأفعلوا ما تشاؤون في بلدانكم وشعوبكم . لأنها هذه هي المادة الحقيقية لهذا التحالف مع العلم أننا نرى بأن إيران هي الطرف المهيمن في هذا التحالف , وهي صاحبة مشروع أيديولوجي سياسي واضح المعالم . بينما نظامنا السوري ليس لديه أي مشروع سوى عدم الذهاب للمحكمة الدولية والبقاء في السلطة إلى الأبد كما هي . لأنه من المعروف ان أمريكا لن تسمح بعودة أي نفوذ لسورية في المنطقة بعد الذي حصل وإن سمحت بذلك فهو لإيران لأنها الطرف الأقوى في المعادلة العراقية الآن والمقاومة العراقية ليست سوى في النهاية طرفا تابعا. طالما يصرح السيد أحمدي نجاد بأنه يستطيع إخراج أمريكا وبريطانيا من المستنقع العراقي . والسؤال كيف ?
نحن هنا لا نتحدث عن مؤامرت وما شابه لكن أجندة المقاومة العراقية ¯ الإرهاب في العراق من كل الجهات والحرب الأهلية المفتوحة على جهنم ¯ إنما تجد سياقها في السياق الإيراني السوري, ومعه بشكل موارب جزء ليس قليلا من النظام العربي الرسمي الذي يجد أن التغير الديمقراطي في المنطقة مرتبط بعودة الروح إلى العراق والاستقرار وقيام نموذج عراقي حر وديمقراطي, إذن الفعل المقاوم هنا يصب موضوعيا وذاتيا في إنجاح المشروع الإيراني السوري, في أجندة مكشوفة تماما .
هذا ما تخدمه المقاومة العراقية . والآن على فرض أنه تم دحر الأميركان ! فإن هذه الحرب الأهلية ستستمر بأشكال أخرى, لأن التاريخ لايعود إلى الوراء, فلن يتم تسليم العراق لخليفة أو فقيه أو أمير مؤمنين أو ديكتاتور مثل صدام, ومن جهة أخرى هذه الفعل المقاوم لا يؤمن بالدولة المدنية العصرية, ولا يؤمن بالسياسة أيضا, فإذا كان بوجود الأميركان قد حلل الدم العراقي فما الذي سيكون عليه الأمر إذا خرج الأميركان مهزومين, سنصبح أمام طالبان بنسخ إيرانية وأفغانية وربما عراقية , وتحليل الدم العراقي وحده كفيل بأن يؤشر إلى أن جل ما يحدث في هذا العراق الجريح ليس سوى إرهاب موصوف, والمعزوفة اليومية بأن من يقوم بالمذابح الطائفية هم الموساد والسي آي إيه ماهي إلا نكتة عربية باتت أكثر من دموية .
على السيد بيكر أن يفكر بطريقة أخرى, ألا يكفي أنه سوق الراحل بعد سقوط السوفيات من خلال المشاركة في حفر الباطن, والأشقاء في الكويت يعرفون هذا الأمر جيدا لماذا جاء حافظ الأسد إلى حفر الباطن ?! وما المطالب التي وضعها من أجل الذهاب إلى حفر الباطن ? والآن يريد تسويق المشروع الإيراني, ونحن العرب من سيدفع الثمن إذا تم هذا الأمر, ولكننا نؤمن أيضا أن المشروع الإيراني غير قادر على القيام بحوار جدي مع المجتمع الدولي تتحول إيران بموجبه إلى دولة طبيعة , لأن هذه القضية مصادرة سلفا في طيات مشروعه الديني الطائفي . وعليه ستبقى المقاومة أيضا تمارس كل أنواع الإرهاب لأنها كمشروع سياسي لا مستقبل لها مطلقا . بقي نقطة الحساسية الكبرى :
إن الثقافة الطائفية التي بنيت ولم يتسن لها العصرنة والحياة الحرة الكريمة التي تؤمن بالعيش بين المختلفين هي التي تشكل آليات أنتاج القتل على الهوية في العراق سواء من أهل الجنوب أو من أهل المثلث السني ..الخ وهذه الثقافة تتداخل بطريقة مشبوهة مع ما يسمى مقاومة الاحتلال الأميركي, لكي تتفنن في إبداعات ممارساتها هذه, وهذه الثقافة تأسست ليس اليوم بل هي نتاج خمسة عقود من الجهة السلطوية العربية وأكثر من عقدين ونصف من جهة ملالي طهران .دعونا في هذه النقطة نكون صريحين لمرة واحدة فقط في حياتنا ونقول :
نحن العرب وفق استمرار سلطتنا بيضة قبان فاسدة : نذبح بعضنا دينيا وطائفيا بلا أدنى شك في ذلك وهذا كله من وجوه مأزقنا الدامي أصلا, وعدم الاعتراف به وتصوير شعبنا على أنه يؤمن بالتعايش الحر بين المختلفين هي مجرد غطاء, لكنه بالتأكيد يؤمن بالتجاور بين المختلفين وإن كانوا في الوطن نفسه طالما أن هذا التجاور لايهدد المسيطر في السلطة أو المهيمن في الثقافة الشعبية السائدة, هذا نحن وهذا تاريخنا الذي نسعى لتغييره, والذي يحتل العراق الآن لا تهمه الهوية الطائفية مطلقا لكي يقتل البشر على هويتهم . يمكن له أن يمارس التعذيب ويشنع في المساجين, لكنه لا يقتل المسلم لأنه هو مسيحي هذه الثقافة انقرضت عندهم منذ زمن وها نحن بفضل الفكر المقاوم نعيد لهم شيئا منها ! عندما يختطف صحافي أجنبي أو موظفي أمم متحدة في العراق وفلسطين أو ناشطون في منظمات حقوق الإنسان ..الخ نعتقد أنها قضية ستخلق بالضرورة ردة فعل عنصرية على المستوى الديني .
القتل الطائفي على الهوية جزء من ثقافة هذه المنطقة ولم يحضره رامسفيلد معه رغم غطرسته وغبائه السياسي, هل يستطيع أحد إذن أن يفسر لي لماذا أجهزة القمع والقوة في سورية حكر على طائفة بعينها ? وهذه الأجهزة مع قناة الجزيرة هي التي ترعى المقاومة الآن في العراق وفلسطين ولبنان, ولا يتحمل المسؤولية في ذلك شعبنا أبدا بل السلطات التي سيطرت وتسيطر عليه بفعل القمع المزمن والثقافة التي تغلق الروح قبل العقل, فاسمحوا لنا أن نعيد اكتشاف أنفسنا عل وعسى نستطيع دخول التاريخ الإنساني حتى وإن تأخرنا ونصبح مثلنا مثل بقية دول الأرض .
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟