|
زيارة إلى مصر
خليل الشيخة
كاتب وقاص
(Kalil Chikha)
الحوار المتمدن-العدد: 7921 - 2024 / 3 / 19 - 16:23
المحور:
الادب والفن
في منتصف عام 2012 أتيت من إمريكا زائراً لأقاربي كانوا قد أتوا إلى مصر فارين من الحرب بسوريا. عندما وصلت إلى المطار، وقفت في طابور طويل، وكان الضابط يشير لكل فرد أين يتوجه. نظر في جواز سفري ثم نظر إلي وقال قف هناك يافندم. وسألت: أين هناك. فأشار إلى زاوية. وقفت لايقل عن نصف ساعة أنتظر الضابط حتى ينتهي من فحص معلوماتي ويسلمني الجواز ويسمح لي بالمرور. أقتربت منه بعد نصف ساعة وسألت: إلى متى يجب أن أنتظر ياأستاذ.. قال: خليك مكانك يا فندم. بعد خمس دقائق، أعطاني جواز سفري وتوجهت خارج المطار، فعسى أن يكون قريبي ينتظرني فنذهب معاً. لكن لم أر أحداً في الخارج، فأتصلت به وأخبرته بأني وصلت وأنا أنتظر خارج المطار، فرد بأنه على الطريق مع السائق. في الخارج، جلست مع حقيبتي أنتظر قريبي حتى يصل. كنت اتشاغل بهاتفي، وفجأة اقترب مني رجل سمين أشعث الشعر يحمل في يده محرمة يضعها على جرح في خذه، أما وجهه فقد تبادر لذهني أنه خرج من السجن لتوه، ثم سألني دون ينظر إلي: عاوز تكسي يافندم.. فأجبت على الفور: لا .. شكراً.. أني أنتظر قريبي.. رفع المِحرمة مرة أخرى إلى خده يجفف جرحاً، وتصورت أنه قد أكل ضربة بمطوة أو سكين من شخص يماثله في الشكل. غادر لكن ليس بعيداً، ثم رجع إلي مرة أخرى وقال لي وهو ينظر إلى مكان ما: يافندم.. أنا أوصلك للمكان اللي أنت عاوزو.. وهنا تذكرت أحد الأفلام القصيرة للأديب المصري الرائع – أسامة أنور عكاشة – عن شخص يغيب عن بلده في أحدى دول الخليج ويعود بعد سنين ومعه ماجناه بعرقه وكده، لكن في الطريق ينهب قطاع الطرق كل مامعه من مال، ولا أتذكر إذا قتلوه أم لا.. وقلت في نفسي هذا الرجل القبيح لاشك أنه يماثل قطاع الطرق الذين كتب عنهم عكاشة. قلت له مرة أخرى: أشكرك يامعلم.. وهنا أرتكبت خطأ كان يجب أن لا أقع فيه، فتابعت بقولي: وإذا لم يأتي قريبي.. سنتكلم بالتوصيلة ... تلفت حوله كأنه لص، ثم مشى إلى باب المطار الخارجي. شعرت بالإرتياح. لكنه رجع مرة أخرى وسألني وهو ينظر إلي هذه المرة قائلاً: يافندم أنا بوصلك بعنايّ والله.. قلت: لا حول ولا قوة إلى بالله... ياعم قلت لك أنتظر قريبي ومعه التاكسي. مشى بعيداً وهو مازال يجفف جرحه.. . أخيراً، أتي قريبي وكنت سعيداً برؤيته. وعلى عجل، وضع حقيبتي في مؤخرة السيارة ثم أنطلقنا. لا أتذكر كم من الوقت مضى قبل أن نصل إلى مدينة ستة أكتوبر. وبدأ السائق الذي أتى مع قريبي حديثه يسألني من أين جئت وكم من المصاعب واجهتني في المطار، ثم اخذ يتكلم عن المشاكل التي تواجه سائق التاكسي، فقال ضاحكاً بأن الدولاب أنفجر معه وهو على الخط الأوستراد ولولا رحمة الله ولطفه لكان من عداد الأموات. في تلك اللحظة، أخبرته عن صاحب التاكسي في المطار وعن شكله، فرد علي بأن ذلك الرجل من المؤكد ينتمي للنشالين وليس للسوّاقين ثم ذكر لنا أنه تعرض لمجموعة من النشالين وهو يأخذ بعض الزبائن إلى إحدى قرى الصعيد، وفي الطريق حاولوا السطو عليه بالسلاح. ثم قال بحزن بأنه خسر يومها كل ماجناه خلال النهار.. وتابع: الناس مابيعرفوش أني أعمل مدرس في النهار وسائق بعد الظهر كي اربي اولادي.. الدنيا صعبه يافندم. عندما وصلنا، استقبلني اقاربي بالترحاب وكانوا قد أعدوا وجبة غداء دسمة. ثرثرنا بأمور الدنيا وسهرنا في ذلك اليوم حتى الصبح نتذكر الأيام الخوالي ونتحسر على مامضى. في الصباح ذهبت في جولة صباحية استكشافيه في مدينة ستة اكتوبر، ومررت بجانب مسجد الحصري وكان ذو بناء جميل وتصميم رائع، ثم عرجت على المحلات مقابل المسجد ورأيت الباعة المتجولين، فمنهم من يبيع سندويش الفول. كان هناك محل يبيع الكوشري. وتوقفت عند ذلك المحل واشتريت طبق كشري، ولم يكن بالجودة التي توقعت وتذكرت كلام صديق مصري حين قال لي أن الكشري أتى مع الإحتلال الإنكليزي خاصةً مع الهنود الذين يخدمون كمشاة في الجيش. في سوريا يوجد أكلة مشابة لهذه الأكلة إسمها مجدّرة، وأظن أن هذه المجدّرة أطيب من الكشري - وهذا ليس من باب التعصب للأكل السوري - بل ما من أحد أكل هذه المجدّرة إلا وحمد منها وأثنى عليها. كان هناك في 6 اكتوبر مطعم سوري واحد أسمه، على ما أعتقد – ست الشام – أو شيء من هذا القبيل، وكان الوحيد يبيع الشاورما والفلافل، لكن لم تكن الفلافل والشاورما بالجودة التي في سوريا. في يوم الجمعة ذهبت إلى مسجد الحصري ولم أستطع الدخول لشدة الإزدحام، فجلست في الخارج مع الجالسين. أخذ الخطيب يدعو للرئيس مرسي بطول العمر والتوفيق ويعينه على قيادة مصر، والناس تردد وراءه –آمين-. ذهبنا في نزهة إلى مدينة الإسكندرية، وأكلنا في أحد المطاعم وكانت الخدمة جيدة، والناس يتميزون باللطف والإبتسامة، على عكس شعب القاهرة، فهم في الغالب واجمين لايتحدثون للغرباء كثيراً. تذكرت كتاب جمال حمدان حول عبقرية المكان والأعمدة السبعة للشخصية المصرية للكاتب – ميلاد حنا- إذ أن المكان له تأثير على بناء شخصية أبن المدينة سواء في القاهرة أو الإسكندرية. أتذكر عندما ذهبنا للإهرامات، قال لنا صاحب جمل هناك بأن الرئيس مرسي غير مؤهل لقيادة مصر. وسألته لماذا: قال مرسي على الكرسي بيرسي. أي باحث عن السلطة وليس خدمة الشعب المصري. مكثت في مصر 10 أيام، كانت رحلة جميلة، ومصر فيها من التاريخ والتراث مايجعلها الرقم الأول في السياحة في العالم، لكن مع الأسف، لم يكن هناك تنظيم في الأماكن السياحية أو حركة البائعين المتجولين العشوائية عند الإهرامات، فقد كانوا يتعاركون ويشاجرون مع السيّاح الأجانب. أخيرأ، إذا ذهبت إلى مصر سواء للسياحة أو الإقامة تشعر بأنك في بلدك. فالشعب المصري شعب حي طيب ومضياف ويتقبل الغرباء، ولاشك أنك تعرف أن مصر هي أم الدنيا. آذار 19 - 2024
#خليل_الشيخة (هاشتاغ)
Kalil_Chikha#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجبنة المدوّدة ومحاكم التفتيش
-
الشيوعية إلحاد وزندقة
-
المعذبون في الأرض
-
فنون التسوّل
-
صندوق العجائب
-
في التشحير والتجريس
-
معرض القرد والضبع
-
علي الخليلي والفجر الأدبي
-
قمة عربية اسلامية مباركة
-
نادي الصداقة العربي الأمريكي
-
القدس عروس عروبتكم
-
توتي وفروتي
-
صطّوف ولطّوف
-
النملة والصرصور
-
الثعلب والدب
-
رواية ابن البلد
-
تاريخ خزانة الماء
-
أحذية أداديس
-
الله والفقر
-
احترم نفسك أولاً
المزيد.....
-
الفرقة الشعبية الكويتية.. تاريخ حافل يوثّق بكتاب جديد
-
فنانة من سويسرا تواجه تحديات التكنولوجيا في عالم الواقع الاف
...
-
تفرنوت.. قصة خبز أمازيغي مغربي يعد على حجارة الوادي
-
دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية تنظم ندوة
...
-
Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق
...
-
الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف
...
-
نقط تحت الصفر
-
غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
-
يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
-
انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|