|
صندوق الدنيا طلال حسن
طلال حسن عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 7917 - 2024 / 3 / 15 - 09:53
المحور:
الادب والفن
صندوق الدنيا
ظلام ، صوت موسيقى صندوق الدنيا ، وصوت الراوي يتناهيا من بعيد
الراوي : تعالوا يا أطفال ، تعالوا يا أطفال ، جاء صندوق الدنيا ، تعالوا وشاهدوا الدنيا ، هذه ست الحسن والجمال ، وهذه شهرزاد تروي لمولاها الأمير شهريار حكاية الحمال والسبع بنات ، وهذا فارس بني عبس عنترة بن شداد وابنة عمه عبلة ، وهذا ، من هذا يا ترى ؟ أنظروا إليه ، وسيفه البتار يلمع في يمناه ، إنه فارس الفرسان ، أبو زيد الهلالي تعالوا يا أطفال ، تعالوا ، تعالوا .. يخفت الضوء حتى يتلاشى ، إضاءة ، جاسم على كرسيه المدولب
جاسم : " يفز " صندوق الدنيا " ينصت " الموسيقى تلاشت " ينصت ثانية " لا أثر للموسيقى ، أهذا حلم ؟ يا للعجب " يتطلع إلى الخارج " ماما . الأم : " لا ترد " .... جاسم : " بصوت أعلى " ماما .. ماما . الأم : " من الخارج " جاسم ، لا تخف يا بنيّ ، إنني قادمة .
تدخل الأم قلقة ، وتسرع إلى جاسم
جاسم : إنني أناديك وأناديك ، ردّي عليّ . الأم : جئتك أكثر من مرة ، ورأيتك نائماً ، فذهبت لأحلب البقرة . ماجد : البقرة ، آه . الأم : لقد غليتُ الحليب ، وسآتيك بكوب منه ، لتشربه بالعافية ، وتصير بطلاً .. ماجد : لا أريد أن أصير بطلاً .. الأم : مثل عنترة . ماجد : أريد أن أمشي . الأم : اشرب الحليب ، وستمشي كما كنت تمشي من قبل ، بل وأفضل . ماجد : " ينظر إلى أمه " .... الأم : بنيّ . ماجد : رأيتُ أبي في المنام .. الأم : أبوك لا ينساك . ماجد : جاءني إلى هنا ، يحمل على ظهره صندوق الدنيا . الأم : صندوق الدنيا .. ماجد : ليس القديم ذاك ، بل صندوق جديد . الأم : هذا ما وعدك به ، قبل أن يذهب إلى الجبهة آخر مرة . ماجد : أنزل صندوق الدنيا عن ظهره ، ووضعه أمامي ، وأنا على الكرسي هذا ، وأداره ، وقال ، اسمع هذه الموسيقى . الأم : " تبتسم دامعة العينين " .... ماجد : وحين انتهت الموسيقى ، أشار لي بيده ، وقال ، انهض ، يا ماجد ، انهض .. الأم : " تضع يدها على فمها " .... ماجد : حاولتُ النهوض ، لكني لم أستطع ، فقال لي ، انهض ، انهض ، وتعال انظر من العين السحرية ، وشاهد الدنيا نهضت ، لكني للأسف أفقت ، قبل أن أرى أي شيء . الأم : لا عليك ، سيعود أبوك ، سيعود ، ويأتيك بصندوق الدنيا ، الذي وعدك به ، وستنظر من العين السحرية ، وترى الدنيا كلها .
الباب يُطرق ، ماجد يرفع رأسه إلى أمه
ماجد : الباب يُطرق ، لعله أبي . الأم : أبوك سيأتي يوماً ، فلننتظر يا ماجد ، فلننتظر " الباب يُطرق ثانية " . ماجد : افتحي الباب ، يا ماما ، لقد رأيت أبي في المنام ، افتحيه ، لعل وعسى . أم علي : " من الخارج " أم ماجد . الأم : " تنظر إلى ماجد " .... ماجد : " بخيبة أمل " إنها أم علي . الأم : جاءت تزورك " تتجه نحو الخارج " سأفتح لها الباب . ماجد : لا فائدة من مجيئها ، سأبقى على هذا الكرسي دوماً . الأم : إنها ترى العكس ، " وهي تخرج " هذا عملها ، يا بنيّ . ماجد : أم علي ، ما أطيبها ، لكن لا فائدة ، هذا الكرسي قدري . الأم : " عند الباب " تفضلي أم علي . أم علي : " من الخارج " أشكرك .
تدخل أم علي مبتسمة ، وتقترب من ماجد
أم علي : صباح الخير ، يا ماجد . ماجد : صباح النور . أم علي : " تقترب منه " ابني علي يسلم عليك كثيراً .. ماجد : شكراً . أم علي : ويقول إنه سيزورك مساء اليوم ، حالما يعود مع أبيه من الحقل . ماجد : أهلاً به . أم علي : " تتحسس ساقيه " أنت تتحسن "تدلك ساقيه وفخذيه " وستتحسن أكثر مع الأيام ، وسأراك قريباً تذهب مع علي إلى الحقل ، وتعملان معاً طول النهار . الأم : هذا حلم ، يا أم علي . أم علي : مثل هذا الحلم يمكن أن يتحقق بشيء من الصبر ، والجهد . الأم : نحن نصبر ، والباقي على الله . أم علي : في المستشفى ، عندما كنت أعمل ممرضة ، قبل أن أتقاعد ، رأيت حالات أشد ، لأطفال وصبيان عديدين ، وسرعان ما نهضوا عن أسرتهم وكراسيهم ، وراحوا يركضون كالغزلان " تقبله " ستشفى بعون الله ، ستشفى ، وستركض أنت الآخر كالغزال . الأم : " تبدو حزينة " إن شاء الله . أم علي : " تنظر إلى أم علي " عليّ أن أذهب الآن " تتجه إلى الخارج " وأعد الطعام لعلي وأبيه . الأم : " تسير صامتة إلى جانبها " .... أم علي : " تقف عند الباب " أم ماجد ، أراك حزينة ، ما بالك ؟ الآم : لا شيء . أم علي : لا ، هناك شيء ، صارحيني . الأم : الجدة سليمة تقول .. أم علي : يا أم ماجد ، الجدة سليمة امرأة عجوز خرفة . الأم : لكنها شفت العديد من أهل القرية ، والقرى المجاورة . أم علي : لم تشفِ أحداً ، إن أمراضهم بسيطة ، وقد شفوا من تلقاء أنفسهم . الأم : إنها تقول أن جنياً تلبسه ، و .. أم علي : جنيّ مرة أخرى ؟ إياك أن تقرب ابنك ماجد ، أتذكرين ابنة عيشة ؟ لقد ضربتها بالسياط ، وكوتها بالنار ، لتطرد الجنيّ منها ، فماذا حدث للمسكينة ؟ الأم : هذا قضاء و .. أم علي : بل جهل ، لقد قتلتْ الصبية ، ولو عُولجت في المستشفى ، لكانت الآن حية ترزق " تحذرها " أم ماجد .. الأم : اطمئني ، لن أسلم ماجد لها ، أنتِ تعالجينه ، والله موجود . أم علي : سأعالج ماجد حتى يشفى " وهي تخرج " سأعوده غداً في مثل هذا الوقت . الأم : أشكرك " وهي تخرج معها " أشكرك جداً ، يا أم علي . ماجد : لن تشفيني لا الجدة سليمة ، ولا أم علي ، لن يشفيني غير أبي " يصمت " لكن أين أبي ؟ تدخل الأم ، وفي يدها كوب من الحليب
الأم : جئتك بكوب حليب . ماجد : لا أشتهي أي شيء . الأم : تقول أم علي ، الحليب يعجل في شفائك ، وجعلك تمشي كالبطل . ماجد : و الجدة سليمة ، ماذا تقول ؟ الأم : الجدة سليمة نيتها طيبة ، ونحن نشكرها ، ونشكر نيتها هذه . ماجد : لن تشفيني الجدة سليمة ، ولا أم علي ، ولا أمثالهما . الأم : ستشفى ، فأنت لم تولد هكذا ، وإنما أصبت بعد أن تسلل اللص إلى بيتنا ليلاً ، وسرق صندوق الدنيا . ماجد : وأبي ، ذهب ولم يعد . . الأم : سيعود أبوك ، سيعود ، أنت رأيته في الحلم مرات عديدة . ماجد : وسأبقى أراه ، ولكن في المنام ، وسيبقى مفقوداً ، و أنا سأبقى على هذا الكرسي . الأم : " تعانقه " لا يا بنيّ ، لا تتحدث هكذا ، سيعود أبوك ، كما عاد الكثيرون بعد سنين وسنين ، لنصبر ، فالصبر مفتاح الفرج .
من بعيد تتناهى موسيقى صندوق الدنيا
ماجد : " ينصت " ماما . الأم : " تنظر إليه " .... ماجد : أنصتي ، يا ماما . الأم : " تنصت صامتة " .... ماجد : موسيقى صندوق الدنيا . الأم : " تنصت " لا أسمع موسيقى . ماجد : هذه الموسيقى أسمعها دائماً في الحلم . الأم : " تنظر إليه متعجبة " .... ماجد : أنصتي جيداً ، أنصتي . الأم : " تنصت صامتة " .... ماجد : إنها الموسيقى نفسها التي أسمعها في الحلم دائماً . الأم : أخشى أن لا تكون موسيقى ، وإنما صوت الريح . ماجد : كلا ، ليس صوت الريح ، وإنما موسيقى صندوق الدنيا . الأم : لكنك يا عزيزي ، لم تسمع من قبل موسيقى صندوق الدنيا . ماجد : بل سمعته مراراً ، في الحلم . الأم : " تعانقه مغالبة دموعها " .... ماجد : أنتِ لا تصدقينني " يتملص منها " أنصتي جيداً ، أنصتي . الأم : " تنصت متشككة " .... ماجد : آه ما أروع هذه الموسيقى .. الأم : " تنظر إليه حزينة " .... ماجد : الموسيقى تخفت .. تتلاشى .. تتلاشى .. الأم : " تنظر إليه مشفقة " .... ماجد : ها هي تنتهي .. موسيقى صندوق الدنيا .. تنتهي كما في الحلم . الأم : " تقدم له كوب الحليب " .... ماجد : " يهز رأسه رافضاً " .....
الباب يُطرق ، ماجد ينظر مستغرباً إلى أمه
ماجد : الباب لم يُطرق هكذا من قبل . الأم : لعله سائل بحاجة إلى طعام ، أو رجل غريب مرّ بقريتنا . ماجد : قلما يمرّ بقريتنا البعيدة والمنعزلة هذه إنسان غريب " الباب يُطرق ثانية " ماما ، الباب . الأم : لا عليك " تضع كوب الحليب قرب ماجد " سأفتح الباب . ماجد : ترى من يكون ؟ الأم : سأرى ذلك " تتجه إلى الخارج " وإذا كان سائلاً سأعطيه بعض الطعام ، وأصرفه . ماجد : كلا ، لا تصرفيه ، دعيه يدخل ويرتاح ، فقد يكون متعباً . الأم : " وهي تخرج " فلأرَ أولاً من يكون هذا الطارق . ماجد : ماما تفتح الباب الخارجي " ينصت " أسمع صوت رجل غريب " يفكر " يبدو أنني سمعته من قبل ، ترى أين ؟ ماذا ؟ في الحلم !هذا محال ، لكني سمعته ، نعم ، سمعته أكثر من مرة . الأم : " تدخل " بنيّ . ماجد : نعم ، ماما ، ما الأمر ؟ الأم : لا أدري ماذا أقول .. الرجل : " من الخارج " أنا أدري ، دعيني أدخل ، وأرى ماجد . الأم : ماجد .. ماجد : من الرجل ، يا ماما ؟ الأم : رجل غريب ، يحمل على ظهره صندوق الدنيا ، ويريد أن يراك ، ويتحدث إليك بنفسه . ماجد : ليدخل ، يا ماما ، ليدخل ، أريد أن أراه ، فأنا أتذكر صوته جيداً . الأم : " تنظر إليه مذهولة " .... ماجد : هيا يا ماما ، ليدخل . الأم : كما تشاء " تشير للرجل " تفضل .
يدخل الرجل ، وعلى ظهره صندوق الدنيا
الرجل : " ينظر إلى ماجد " ماجد . ماجد : نعم ، أنا ماجد . الرجل : طبعاً ، أنت ماجد ، أنا أعرفك .. ماجد : تعرفني ! الرجل : كما تعرفني أنت . ماجد : " ينظر إليه مذهولاً " .... الأم : لكننا لم نرك هنا ، ولم تأتنا من قبل . الرجل : بل أتيت . الأم : " مذهولة " ماذا ! الرجل : ماجد يعرف أنني أتيت . . ماجد : " ينظر إليه مفكراً " .... الرجل : " لماجد " ليس مرة واحدة ، بل مرّات ، وأمك مستغرقة في النوم . الأم : " تنظر إلى ماجد " .... ماجد : تعني أنك زرتني في .. الرجل : " يبتسم " .... ماجد : ومعك صندوق الدنيا ؟ الرجل : " يهز رأسه " .... الأم : " تنظر إلى الرجل " .... الرجل : " ينزل الصندوق عن ظهره " هذا هو صندوق الدنيا . ماجد : صندوق الدنيا هذا ، لا يشبه صندوق جدي . الرجل : طبعاً ، فهو صندوق جديد .. الأم : من صنع هذا الصندوق ؟ الرجل : " لماجد " والمهم أن يعجبك . ماجد : " للأم " إنه كما وصفتِه لي مراراً ، يا ماما . الأم : بل كما وصفه لي أبوك . الرجل : وكما وصفه لي أيضاً . الأم : " تنظر إليه مذهولة " .... الرجل : وصفه لي مراراً ، حتى حفظته عن ظهر قلب . الأم : لابد أنك ، والحالة هذه ، قد رأيته مرات كثيرة . الرجل : " يهز رأسه " .... ماجد : أهو موجود ؟ أبي . الرجل : " لماجد " طالما حدثني عنك .. ماجد : لقد غادرنا ، وأنا صغير . الرجل : وقال لي إنك تحب صندوق الدنيا . ماجد : رأيت صندوق الدنيا العائد لجدي ، وكان جميلاً جداً ، رغم أنه صندوق قديم . المرأة : لقد سرقه أحد اللصوص ، عندما كان أبو ماجد في الجبهة . ماجد : وصدمت عندما سرق صندوق الدنيا ، حتى فقدتُ قدرتي على المشي . الرجل : نعم ، ولهذا قال لي ، إنه سيصنع لك صندوق الدنيا ، جديداً وجميلاً . الأم : متى قال لك ذلك ؟ الرجل : " يبقى صامتاً " .... ماجد : متى وأين ؟ الرجل : في الخندق الأمامي ، الذي بقينا فيه معاً فترة طويلة " يصمت " وقال لي ، إن أمنيته أن تنتهي الحرب ، ويعود ليصنع لماجد صندوق الدنيا " لماجد " وخاصة بعد أن علم بما أصابك ، على أثر هجمة اللص ، وسرقة صندوق الدنيا العائد إلى الجد . الأم : عرف بإصابته إذن . الرجل : وعرف بسرقة صندوق الدنيا " يصمت " بعد أيام ، قمنا بهجوم واسع ، ووقعت في الأسر ، وعلمت في ما بعد ، أن أبا ماجد .. مفقود . المرأة : مفقود ؟ الرجل : هذا ما سمعته . المرأة : أرجوك ، صارحني . الرجل : إنني أقول لك ما أعرفه ، وما سمعته في الأسر ، وكذلك من بعض رفاقنا هنا ، حين عدت من الأسر ، أبو ماجد مفقود ، هذا كل ما سمعته ، وقد يأتي في أية لحظة . الأم : "تطرق مغالبة دموعها " .... ماجد : " ينظر إلى صندوق الدنيا " .... الرجل : ماجد . ماجد : إنه جميل . الرجل : هذا يفرحني ، ولابد أنه كان سيُفرح أباك . ماجد : لكنه على ما يبدو أصغر من صندوق الدنيا ، الذي صنعه جدي . الرجل : نعم ، أصغر قليلاً ، هكذا أراده أبوك . الأم : ربما كان هذا أفضل . ماجد : نعم ، أفضل . الرجل : صندوق الدنيا هذا خاص بك ، إنه لك وحدك ، بعكس صندوق الدنيا العائد لجدك ، فهو كان للمتفرجين ، فقد كان يتجول به في القرى ، ويتفرج عليه الجميع ، ويتمتعون بصوره وحكايات. ماجد : هذا ما تقوله ماما أيضاً ، وتقول إن فيه صوراً وشخصيات وحكايات عديدة ومنوعة . الرجل : بعكس صندوق الدنيا هذا ، فليس فيه سوى شخصية أساسية واحدة ، هو بطل القصة المعروضة فيه . ماجد : " ينظر إليه متشوقاً " .... الرجل : قال لي أبوك ، أنه كان يحدثك دائماً عن عنترة . ماجد : نعم ، هذا صحيح . الأم : كان يحب عنترة " لماجد " وكان يريد أن تحبه أنت أيضاً . ماجد : عنترة بن شداد . الرجل : " ضاحكاً " فارس فوارس بني عبس ، وشاعرهم " يربت على صندوق الدنيا " إنه هنا ، هو وأمه وأبوه وابنة عمه و .. ماجد : إنني لم أره من قبل " متلهفاً " أريد أن أره .. الآن . الرجل : لك ما تشاء ، الآن سأريك إياه . الأم : " لماجد " لعل الرجل جائع ومتعب ، لنقدم له شيئاً من الطعام ، وليرتح قليلاً ، ثم .. الرجل : لا ، أشكرك ، إنني عطشان فقط ، أعطني قليلاً من الماء . الأم : لدي حليب طازج ، اشرب منه ، فقد يشرب ماجد شيئاً منه معك . الرجل : سأشرب " ينظر إلى ماجد " إذا شرب ماجد منه أيضاً . ماجد : لنشرب معاً ، إنه حليب لذيذ جداً . الرجل : " للأم " هيا إذن ، هاتي الحليب ،ريثما أهيىء صندوق الدنيا .
الأم تخرج ، الرجل يهيىء صندوق الدنيا
الرجل : بعد أن تأتينا أمك بالحليب ، ونتمتع بشربه معاً ، أقرّبُ منك صندوق الدنيا ، وتنظر من العين السحرية ، فترى عنترة بن شداد ، فارس فوارس بني عبس .. " ينصت " أمك قادمة ، ومعها الحليب . الأم : " تدخل حاملة كوباً من الحليب " هذا هو الحليب " تقدم الكوب للرجل " تفضل ، تذوقه ، وسيعجبك . الرجل : أشكركِ " يأخذ الكوب " إنه كثير ، سأتقاسمه مع ماجد . المرأة : ماجد لديه كوبه " تنظر إلى ماجد " وسيشربه كله معك . ماجد : هذا هو كوبي " يمسك كوب الحليب الذي وضعته أمه إلى جانبه " لقد جاءتني به أمي ، قبل أن تأتي بقليل . الرجل : لنشرب الحليب إذن " يشرب جرعة " الله ، ما ألذ ّ هذا الحليب . ماجد : " يشرب الحليب " إنه حليب بقرتنا ، التي اشتراها لنا أبي قبل أن يذهب إلى الجبهة . الرجل : هذا هو الحليب " يشرب جرعة أخرى " وليس حليب العلب ، الذي كنا نشربه في الجبهة . ماجد : " يشرب الحليب بشهية " .... الأم : " تنظر إلى ماجد فرحة " .... الرجل : " لماجد " هذا الحليب لذيذ ومفيد ، وأريدك أن تشرب منه دائماً ، لتصير مثل عنترة . ماجد : " يشرب ما في كوبه من حليب " ها أنا قد انتهيت من شرب حليبي ، هيا ، أريد أن أشاهد عنترة . الرجل : مهلاً ، يا ماجد ، أريد أن أتمتع بشرب هذا الحليب اللذيذ . ماجد : حسن ، إنني متلهف لمشاهدة عنترة ، ولكن لا بأس ، فلأنتظر . الرجل : " يضحك " لن أدعك تنتظر طويلاً " يشرب ما في كوبه من حليب " آه ، يا له من حليب " يضع الكوب جانباً " ها أنا أيضاً قد انتهيت . الأم : " فرحة " كوباً آخر . الرجل : لا ، ماجد مستعجل ، وكذلك أنا " يقترب من صندوق الدنيا " هيا يا ماجد ، أنظر من العين السحرية . ماجد : " ينظر بلهفة من العين السحرية " آآ.... الرجل : أنظر جيداً ، يا ماجد . ماجد : إنني أنظر " مذهولاً " الله . الرجل : والآن ، حدثني عما ترى . ماجد : أرى طفلاً صغيراً . الرجل : أسود البشرة . ماجد : نعم ، أسود البشرة ، تقف إلى جانبه امرأة ، سوداء البشرة أيضاً . الرجل : هذه أمه ، واسمها زبيبة . ماجد : زبيبة ! يا له من اسم . الأم : " تضحك " .... الرجل : إنها عبدة ، لكن أباه ليس عبداً ، وإنما هو رئيس القبيلة . ماجد : " ينظر إلى الرجل " أبوه رئيس القبيلة؟ وأمه عبدة ! أهو عبد مثل أمه ؟ الرجل : نعم ، أبوه رئيس القبيلة ، وعنترة ولده من عبدته زبيبة ، ومن يولد من عبدة ، يكون عبداً ، فعنترة عبد ، تلك كانت عاداتهم " لماجد " هيا ، أنظر من العين السحرية . ماجد : " ينظر من العين السحرية " .... الرجل : أنظر ، أدرت الصور ، لقد كبر عنترة ، وصار فتى ، ماذا ترى الآن ؟ ماجد : الفتى عنترة يرعى الجمال . الرجل : لكن عنترة ، مع ذلك ، فتى شجاع وطموح ، لم يغلبه شاب في عمره ، أو أكبر منه ، وراح يتدرب على القتال بالسيف والرمح والنبال ، وكذلك على ركوب الخيل ، حتى صار فارساً معروفاً في قومه ، ولكنه ظل مع ذلك عبداً يرعى الإبل " يدوّر الصور " والآن ماذا ترى ؟ ماجد : أرى فتاة ، فتاة جميلة . الرجل : أنظر جيداً ، إنها ليست سوداء كعنترة، أليست كذلك ؟ ماجد : نعم ، ليست سوداء ، بل بيضاء البشرة، وجميلة جداً . الرجل : لكن ما رأيك لو قلتُ لك ، إنها ابنة عمه؟ ماجد : ابنة عم عنترة ! الرجل : واسمها عبلة ، وهي معجبة به أيضاً أشدّ الإعجاب ، ولماذا لا ؟ فعنترة شاب شجاع ، وفارس مغوار ، وهو فوق ذلك ، شاعر ، وأي شاعر . ماجد : عنترة بن شداد ! الرجل : وهو يحلم بابنة عمه عبلة ، لكن كيف السبيل إليها ، وهو عبد أسود يرعى الإبل؟ الأم : " تتابع الحكاية باهتمام " .... ماجد : مسكين عنترة . الرجل : وذات يوم ، قامت إحدى القبائل ، بالهجوم على قبيلة عبس ، وأوشكت أن تلحق بها هزيمة نكراء ، وأسرع رئيس القبيلة شداد إلى عنترة ، وقال له ، كرْ يا عنترة ، أي اهجم ودافع عن القبيلة ، فرد عنترة ، إنني عبد أرعى الإبل ، والعبد لا يكر ، فقال له شداد ، كرْ وأنت حر . ماجد : وماذا فعل عنترة ؟ الرجل : كرّ طبعاً ، راكباً حصانه ، والسيف في يده ، فتشتت الأعداء ، ولاذوا بالفرار ، وهكذا صار عنترة فارساً حراً ، تفخر به عائلته ، وعشيرته . ماجد : آه ، يا لها من قصة . الرجل : " يتطلع إلى ماجد " ماجد . ماجد : نعم . الرجل : أرأيت كيف تحول عنترة من عبد يرعى الإبل إلى رجل حر ، وفارس مغوار ، وتزوج أيضاً من ابنة عمه .. عبلة. ماجد : آم ما أروعه . الرجل : نعم ، والفضل يعود إلى شجاعته ، وكفاحه المستمر ، ومجاهدته للصعاب ، ومجابهة الحياة . الأم : " تتابع حديث الرجل باهتمام " .... الرجل : ماجد . ماجد : " يتطلع إليه " .... الرجل : أنت عنترة . ماجد : ماذا ! الرجل : نعم ، أنت عنترة . الأم : " تبدو فرحة " .... ماجد : لكني لست أسود . الرجل : لون البشرة ليس هو المهم . ماجد : ولستُ عبداً . الرجل : لا يا ماجد . ماجد : " يحملق فيه " .... الرجل : بل أنت عبد للأسف . ماجد : ماذا ! الأم : " تبدو متأثرة " .... الرجل : أنت عبد لهذا الكرسي المدولب . ماجد : ماما . الأم : " تنظر إلى الرجل " .... الرجل : دعك من .. ماما ، هذا الأمر يعود لك وحدك ، فواجهه بنفسك . : " يواجه الرجل " لكن ساقيّ .. الرجل : عنترة لم يقل إنني عبد أسود ، بل ثار على عبوديته ، وانتصر عليها ، وصار فارساً حراً . ماجد : " يهز رأسه " .... الرجل : حر أنت أيضاً ، وسترى أنك ستنتصر ، وإلا ستبقى عبداً لهذا الكرسي . ماجد : " بصوت تخنقه الدموع " لا أستطيع ، لا أستطيع . الرجل : بل تستطيع " يتجه إلى الخارج " حاول ، وستحقق ما حققه عنترة ، وإلا ستبقى عبداً ، وداعاً. الأم : " تحاول اعتراضه " مهلاً أيها الرجل الطيب ، ماجد بحاجة إليك. الرجل : " وهو يخرج " ماجد لم يعد بحاجة إلا إلى ماجد ، وداعاً . الأم : " تنكفىء على الأرض باكية " .... ماجد : " ينهض ويلحق بالرجل " .... الأم : " لا تنتبه إليه " .... ماجد : " من الخارج " يا عم .. أين أنت ؟ يا عم .. يا عم. الأم : " ترفع رأسها " .... ماجد : " من الخارج " ترى أين اختفى ؟ الأم : " تتمتم " ماجد !
الأم تنهض ، وتهم بالخروج ، يدخل ماجد
الأم : ماجد .. ماجد : لقد اختفى الرجل ، اختفى بشكل غريب ، وكأنه لم يكن . الأم : " تمد يديها نحوه " ماجد .. ماجد . ماجد : حاولتُ اللحاق به ، ونظرتُ في كل الجهات ، لكني لم أعثر له على أثر. الأم : ماجد .. ماجد : دعيني . الأم : " بصوت تخنقه الدموع " بنيّ ، أنتَ تمشي . ماجد : " ينظر إليها " .... الأم : أنت تمشي ، يا ماجد . ماجد : " ينظر إلى ساقيه" أه .. حقاً " يمشي ببطء " إنني أمشي .. أمشي .. أمشي . الأم : عزيزي ، أنت تمشي أخيراً ، وتصير كما قال الرجل ، عنترة . ماجد : " يقف قرب صندوق الدنيا " أهو حقيقي ، ذلك الرجل ؟ أم أنه حلم ، كالأحلام التي أراها في المنام ؟ الأم : " تربت على صندوق الدنيا " بنيّ ، أنظر إلى صندوق الدنيا .. ماجد : " ينظر إلى صندوق الدنيا ويمرر يده عليه " هذا ما كنت أحلم به ، ورأيته في منامي ، مرات عديدة " ينظر من العين السحرية ، ثم ينظر إلى أمه " ماما ، أنظري من هذه العين . الأم : " تنظر من العين مبتسمة " الله . ماجد : ماذا ترين ؟ الأم : أرى طفلاً صغيراً . ماجد : أسود البشرة . الأم : نعم ، أسود البشرة . ماجد : هذا عنترة ، وهو الذي جعل مني .. عنترة " يستمر في الحديث ، بينما تخفت الأضواء " وهذه أمه ، واسمها زبيبة ، أما أبوه ..
تخفت الأضواء ، وكذلك الأصوات ، بالتدريج
إظلام ستار
17 / 8 / 2011
#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة للأطفال ماما قصة : طلال ح
...
-
الدبة الصغيرة
-
الاوركا الحوت القاتل
...
-
حوارات مع أديب الأطفال ... طلال حسن
-
رواية للفتيان مرجانه
...
-
قصص للأطفال عصر الديناصورات
...
-
قصة للفتيان اب
...
-
قصة للأطفال الغرير الصغير
...
-
قصص قصيرة جداً عبارة الموت
...
-
ثلاث روايات قصيرة للأطفال طلال حسن
-
محطاتي على طريق أدب الأطفال
...
-
أسد من السيرك
-
قصة للأطفال الترمجان قصة
...
-
رواية للفتيان اورانج اوتان
...
-
قصة للأطفال آدزانومي قصة طلال حسن
-
رواية للفتيان تار والسندباد
...
-
نصان للفتيان الفقمة
...
-
مسرحية للأطفال الفقمة الصغيرة طلال حسن
-
رواية للفتيان دلمون الأعماق
...
-
مسرحية ريم للاطفال
المزيد.....
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
-
3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV
...
-
-مين يصدق-.. أشرف عبدالباقي أمام عدسة ابنته زينة السينمائية
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|