أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلال حسن عبد الرحمن - صندوق الدنيا طلال حسن















المزيد.....



صندوق الدنيا طلال حسن


طلال حسن عبد الرحمن

الحوار المتمدن-العدد: 7917 - 2024 / 3 / 15 - 09:53
المحور: الادب والفن
    


صندوق الدنيا













ظلام ، صوت موسيقى صندوق
الدنيا ، وصوت الراوي يتناهيا من بعيد

الراوي : تعالوا يا أطفال ، تعالوا يا أطفال ، جاء
صندوق الدنيا ، تعالوا وشاهدوا الدنيا ،
هذه ست الحسن والجمال ، وهذه شهرزاد
تروي لمولاها الأمير شهريار حكاية
الحمال والسبع بنات ، وهذا فارس بني
عبس عنترة بن شداد وابنة عمه عبلة ،
وهذا ، من هذا يا ترى ؟ أنظروا إليه ،
وسيفه البتار يلمع في يمناه ، إنه فارس
الفرسان ، أبو زيد الهلالي تعالوا يا أطفال ، تعالوا ، تعالوا ..

يخفت الضوء حتى يتلاشى ،
إضاءة ، جاسم على كرسيه المدولب

جاسم : " يفز " صندوق الدنيا " ينصت "
الموسيقى تلاشت " ينصت ثانية " لا أثر
للموسيقى ، أهذا حلم ؟ يا للعجب " يتطلع
إلى الخارج " ماما .
الأم : " لا ترد " ....
جاسم : " بصوت أعلى " ماما .. ماما .
الأم : " من الخارج " جاسم ، لا تخف يا بنيّ
، إنني قادمة .

تدخل الأم قلقة ،
وتسرع إلى جاسم

جاسم : إنني أناديك وأناديك ، ردّي عليّ .
الأم : جئتك أكثر من مرة ، ورأيتك نائماً ،
فذهبت لأحلب البقرة .
ماجد : البقرة ، آه .
الأم : لقد غليتُ الحليب ، وسآتيك بكوب منه ،
لتشربه بالعافية ، وتصير بطلاً ..
ماجد : لا أريد أن أصير بطلاً ..
الأم : مثل عنترة .
ماجد : أريد أن أمشي .
الأم : اشرب الحليب ، وستمشي كما كنت
تمشي من قبل ، بل وأفضل .
ماجد : " ينظر إلى أمه " ....
الأم : بنيّ .
ماجد : رأيتُ أبي في المنام ..
الأم : أبوك لا ينساك .
ماجد : جاءني إلى هنا ، يحمل على ظهره
صندوق الدنيا .
الأم : صندوق الدنيا ..
ماجد : ليس القديم ذاك ، بل صندوق جديد .
الأم : هذا ما وعدك به ، قبل أن يذهب إلى
الجبهة آخر مرة .
ماجد : أنزل صندوق الدنيا عن ظهره ،
ووضعه أمامي ، وأنا على الكرسي هذا ،
وأداره ، وقال ، اسمع هذه الموسيقى .
الأم : " تبتسم دامعة العينين " ....
ماجد : وحين انتهت الموسيقى ، أشار لي بيده ،
وقال ، انهض ، يا ماجد ، انهض ..
الأم : " تضع يدها على فمها " ....
ماجد : حاولتُ النهوض ، لكني لم أستطع ،
فقال لي ، انهض ، انهض ، وتعال انظر
من العين السحرية ، وشاهد الدنيا نهضت
، لكني للأسف أفقت ، قبل أن أرى أي
شيء .
الأم : لا عليك ، سيعود أبوك ، سيعود ،
ويأتيك بصندوق الدنيا ، الذي وعدك به ،
وستنظر من العين السحرية ، وترى
الدنيا كلها .

الباب يُطرق ، ماجد
يرفع رأسه إلى أمه

ماجد : الباب يُطرق ، لعله أبي .
الأم : أبوك سيأتي يوماً ، فلننتظر يا ماجد ،
فلننتظر " الباب يُطرق ثانية " .
ماجد : افتحي الباب ، يا ماما ، لقد رأيت أبي
في المنام ، افتحيه ، لعل وعسى .
أم علي : " من الخارج " أم ماجد .
الأم : " تنظر إلى ماجد " ....
ماجد : " بخيبة أمل " إنها أم علي .
الأم : جاءت تزورك " تتجه نحو الخارج "
سأفتح لها الباب .
ماجد : لا فائدة من مجيئها ، سأبقى على هذا
الكرسي دوماً .
الأم : إنها ترى العكس ، " وهي تخرج "
هذا عملها ، يا بنيّ .
ماجد : أم علي ، ما أطيبها ، لكن لا فائدة ، هذا
الكرسي قدري .
الأم : " عند الباب " تفضلي أم علي .
أم علي : " من الخارج " أشكرك .

تدخل أم علي مبتسمة ،
وتقترب من ماجد

أم علي : صباح الخير ، يا ماجد .
ماجد : صباح النور .
أم علي : " تقترب منه " ابني علي يسلم عليك
كثيراً ..
ماجد : شكراً .
أم علي : ويقول إنه سيزورك مساء اليوم ، حالما
يعود مع أبيه من الحقل .
ماجد : أهلاً به .
أم علي : " تتحسس ساقيه " أنت تتحسن "تدلك
ساقيه وفخذيه " وستتحسن أكثر مع
الأيام ، وسأراك قريباً تذهب مع علي إلى
الحقل ، وتعملان معاً طول النهار .
الأم : هذا حلم ، يا أم علي .
أم علي : مثل هذا الحلم يمكن أن يتحقق بشيء من
الصبر ، والجهد .
الأم : نحن نصبر ، والباقي على الله .
أم علي : في المستشفى ، عندما كنت أعمل
ممرضة ، قبل أن أتقاعد ، رأيت حالات
أشد ، لأطفال وصبيان عديدين ، وسرعان
ما نهضوا عن أسرتهم وكراسيهم ،
وراحوا يركضون كالغزلان " تقبله "
ستشفى بعون الله ، ستشفى ، وستركض
أنت الآخر كالغزال .
الأم : " تبدو حزينة " إن شاء الله .
أم علي : " تنظر إلى أم علي " عليّ أن أذهب
الآن " تتجه إلى الخارج " وأعد الطعام
لعلي وأبيه .
الأم : " تسير صامتة إلى جانبها " ....
أم علي : " تقف عند الباب " أم ماجد ، أراك
حزينة ، ما بالك ؟
الآم : لا شيء .
أم علي : لا ، هناك شيء ، صارحيني .
الأم : الجدة سليمة تقول ..
أم علي : يا أم ماجد ، الجدة سليمة امرأة عجوز
خرفة .
الأم : لكنها شفت العديد من أهل القرية ،
والقرى المجاورة .
أم علي : لم تشفِ أحداً ، إن أمراضهم بسيطة ،
وقد شفوا من تلقاء أنفسهم .
الأم : إنها تقول أن جنياً تلبسه ، و ..
أم علي : جنيّ مرة أخرى ؟ إياك أن تقرب ابنك
ماجد ، أتذكرين ابنة عيشة ؟ لقد ضربتها
بالسياط ، وكوتها بالنار ، لتطرد الجنيّ
منها ، فماذا حدث للمسكينة ؟
الأم : هذا قضاء و ..
أم علي : بل جهل ، لقد قتلتْ الصبية ، ولو
عُولجت في المستشفى ، لكانت الآن حية
ترزق " تحذرها " أم ماجد ..
الأم : اطمئني ، لن أسلم ماجد لها ، أنتِ
تعالجينه ، والله موجود .
أم علي : سأعالج ماجد حتى يشفى " وهي تخرج
" سأعوده غداً في مثل هذا الوقت .
الأم : أشكرك " وهي تخرج معها " أشكرك
جداً ، يا أم علي .
ماجد : لن تشفيني لا الجدة سليمة ، ولا أم علي
، لن يشفيني غير أبي " يصمت " لكن
أين أبي ؟

تدخل الأم ، وفي
يدها كوب من الحليب

الأم : جئتك بكوب حليب .
ماجد : لا أشتهي أي شيء .
الأم : تقول أم علي ، الحليب يعجل في شفائك
، وجعلك تمشي كالبطل .
ماجد : و الجدة سليمة ، ماذا تقول ؟
الأم : الجدة سليمة نيتها طيبة ، ونحن نشكرها
، ونشكر نيتها هذه .
ماجد : لن تشفيني الجدة سليمة ، ولا أم علي
، ولا أمثالهما .
الأم : ستشفى ، فأنت لم تولد هكذا ، وإنما
أصبت بعد أن تسلل اللص إلى بيتنا ليلاً ،
وسرق صندوق الدنيا .
ماجد : وأبي ، ذهب ولم يعد . .
الأم : سيعود أبوك ، سيعود ، أنت رأيته في
الحلم مرات عديدة .
ماجد : وسأبقى أراه ، ولكن في المنام ،
وسيبقى مفقوداً ، و أنا سأبقى على هذا
الكرسي .
الأم : " تعانقه " لا يا بنيّ ، لا تتحدث هكذا ،
سيعود أبوك ، كما عاد الكثيرون بعد
سنين وسنين ، لنصبر ، فالصبر مفتاح
الفرج .

من بعيد تتناهى
موسيقى صندوق الدنيا

ماجد : " ينصت " ماما .
الأم : " تنظر إليه " ....
ماجد : أنصتي ، يا ماما .
الأم : " تنصت صامتة " ....
ماجد : موسيقى صندوق الدنيا .
الأم : " تنصت " لا أسمع موسيقى .
ماجد : هذه الموسيقى أسمعها دائماً في الحلم .
الأم : " تنظر إليه متعجبة " ....
ماجد : أنصتي جيداً ، أنصتي .
الأم : " تنصت صامتة " ....
ماجد : إنها الموسيقى نفسها التي أسمعها في
الحلم دائماً .
الأم : أخشى أن لا تكون موسيقى ، وإنما
صوت الريح .
ماجد : كلا ، ليس صوت الريح ، وإنما موسيقى
صندوق الدنيا .
الأم : لكنك يا عزيزي ، لم تسمع من قبل
موسيقى صندوق الدنيا .
ماجد : بل سمعته مراراً ، في الحلم .
الأم : " تعانقه مغالبة دموعها " ....
ماجد : أنتِ لا تصدقينني " يتملص منها "
أنصتي جيداً ، أنصتي .
الأم : " تنصت متشككة " ....
ماجد : آه ما أروع هذه الموسيقى ..
الأم : " تنظر إليه حزينة " ....
ماجد : الموسيقى تخفت .. تتلاشى .. تتلاشى ..
الأم : " تنظر إليه مشفقة " ....
ماجد : ها هي تنتهي .. موسيقى صندوق الدنيا
.. تنتهي كما في الحلم .
الأم : " تقدم له كوب الحليب " ....
ماجد : " يهز رأسه رافضاً " .....


الباب يُطرق ، ماجد
ينظر مستغرباً إلى أمه

ماجد : الباب لم يُطرق هكذا من قبل .
الأم : لعله سائل بحاجة إلى طعام ، أو رجل
غريب مرّ بقريتنا .
ماجد : قلما يمرّ بقريتنا البعيدة والمنعزلة هذه
إنسان غريب " الباب يُطرق ثانية "
ماما ، الباب .
الأم : لا عليك " تضع كوب الحليب قرب
ماجد " سأفتح الباب .
ماجد : ترى من يكون ؟
الأم : سأرى ذلك " تتجه إلى الخارج " وإذا
كان سائلاً سأعطيه بعض الطعام ،
وأصرفه .
ماجد : كلا ، لا تصرفيه ، دعيه يدخل ويرتاح ،
فقد يكون متعباً .
الأم : " وهي تخرج " فلأرَ أولاً من يكون
هذا الطارق .
ماجد : ماما تفتح الباب الخارجي " ينصت "
أسمع صوت رجل غريب " يفكر " يبدو
أنني سمعته من قبل ، ترى أين ؟ ماذا ؟
في الحلم !هذا محال ، لكني سمعته ، نعم
، سمعته أكثر من مرة .
الأم : " تدخل " بنيّ .
ماجد : نعم ، ماما ، ما الأمر ؟
الأم : لا أدري ماذا أقول ..
الرجل : " من الخارج " أنا أدري ، دعيني
أدخل ، وأرى ماجد .
الأم : ماجد ..
ماجد : من الرجل ، يا ماما ؟
الأم : رجل غريب ، يحمل على ظهره
صندوق الدنيا ، ويريد أن يراك ،
ويتحدث إليك بنفسه .
ماجد : ليدخل ، يا ماما ، ليدخل ، أريد أن أراه
، فأنا أتذكر صوته جيداً .
الأم : " تنظر إليه مذهولة " ....
ماجد : هيا يا ماما ، ليدخل .
الأم : كما تشاء " تشير للرجل " تفضل .

يدخل الرجل ، وعلى
ظهره صندوق الدنيا

الرجل : " ينظر إلى ماجد " ماجد .
ماجد : نعم ، أنا ماجد .
الرجل : طبعاً ، أنت ماجد ، أنا أعرفك ..
ماجد : تعرفني !
الرجل : كما تعرفني أنت .
ماجد : " ينظر إليه مذهولاً " ....
الأم : لكننا لم نرك هنا ، ولم تأتنا من قبل .
الرجل : بل أتيت .
الأم : " مذهولة " ماذا !
الرجل : ماجد يعرف أنني أتيت . .
ماجد : " ينظر إليه مفكراً " ....
الرجل : " لماجد " ليس مرة واحدة ، بل مرّات ،
وأمك مستغرقة في النوم .
الأم : " تنظر إلى ماجد " ....
ماجد : تعني أنك زرتني في ..
الرجل : " يبتسم " ....
ماجد : ومعك صندوق الدنيا ؟
الرجل : " يهز رأسه " ....
الأم : " تنظر إلى الرجل " ....
الرجل : " ينزل الصندوق عن ظهره " هذا هو
صندوق الدنيا .
ماجد : صندوق الدنيا هذا ، لا يشبه صندوق
جدي .
الرجل : طبعاً ، فهو صندوق جديد ..
الأم : من صنع هذا الصندوق ؟
الرجل : " لماجد " والمهم أن يعجبك .
ماجد : " للأم " إنه كما وصفتِه لي مراراً ، يا
ماما .
الأم : بل كما وصفه لي أبوك .
الرجل : وكما وصفه لي أيضاً .
الأم : " تنظر إليه مذهولة " ....
الرجل : وصفه لي مراراً ، حتى حفظته عن
ظهر قلب .
الأم : لابد أنك ، والحالة هذه ، قد رأيته مرات
كثيرة .
الرجل : " يهز رأسه " ....
ماجد : أهو موجود ؟ أبي .
الرجل : " لماجد " طالما حدثني عنك ..
ماجد : لقد غادرنا ، وأنا صغير .
الرجل : وقال لي إنك تحب صندوق الدنيا .
ماجد : رأيت صندوق الدنيا العائد لجدي
، وكان جميلاً جداً ، رغم أنه صندوق
قديم .
المرأة : لقد سرقه أحد اللصوص ، عندما كان
أبو ماجد في الجبهة .
ماجد : وصدمت عندما سرق صندوق الدنيا ،
حتى فقدتُ قدرتي على المشي .
الرجل : نعم ، ولهذا قال لي ، إنه سيصنع لك
صندوق الدنيا ، جديداً وجميلاً .
الأم : متى قال لك ذلك ؟
الرجل : " يبقى صامتاً " ....
ماجد : متى وأين ؟
الرجل : في الخندق الأمامي ، الذي بقينا فيه معاً
فترة طويلة " يصمت " وقال لي ، إن
أمنيته أن تنتهي الحرب ، ويعود ليصنع
لماجد صندوق الدنيا " لماجد " وخاصة
بعد أن علم بما أصابك ، على أثر هجمة
اللص ، وسرقة صندوق الدنيا العائد
إلى الجد .
الأم : عرف بإصابته إذن .
الرجل : وعرف بسرقة صندوق الدنيا " يصمت
" بعد أيام ، قمنا بهجوم واسع ، ووقعت
في الأسر ، وعلمت في ما بعد ، أن أبا
ماجد .. مفقود .
المرأة : مفقود ؟
الرجل : هذا ما سمعته .
المرأة : أرجوك ، صارحني .
الرجل : إنني أقول لك ما أعرفه ، وما سمعته في
الأسر ، وكذلك من بعض رفاقنا هنا ،
حين عدت من الأسر ، أبو ماجد مفقود ،
هذا كل ما سمعته ، وقد يأتي في أية
لحظة .
الأم : "تطرق مغالبة دموعها " ....
ماجد : " ينظر إلى صندوق الدنيا " ....
الرجل : ماجد .
ماجد : إنه جميل .
الرجل : هذا يفرحني ، ولابد أنه كان سيُفرح
أباك .
ماجد : لكنه على ما يبدو أصغر من صندوق
الدنيا ، الذي صنعه جدي .
الرجل : نعم ، أصغر قليلاً ، هكذا أراده أبوك .
الأم : ربما كان هذا أفضل .
ماجد : نعم ، أفضل .
الرجل : صندوق الدنيا هذا خاص بك ، إنه لك
وحدك ، بعكس صندوق الدنيا العائد لجدك
، فهو كان للمتفرجين ، فقد كان يتجول به
في القرى ، ويتفرج عليه الجميع ،
ويتمتعون بصوره وحكايات.
ماجد : هذا ما تقوله ماما أيضاً ، وتقول إن فيه
صوراً وشخصيات وحكايات عديدة
ومنوعة .
الرجل : بعكس صندوق الدنيا هذا ، فليس فيه
سوى شخصية أساسية واحدة ، هو بطل
القصة المعروضة فيه .
ماجد : " ينظر إليه متشوقاً " ....
الرجل : قال لي أبوك ، أنه كان يحدثك دائماً عن
عنترة .
ماجد : نعم ، هذا صحيح .
الأم : كان يحب عنترة " لماجد " وكان يريد
أن تحبه أنت أيضاً .
ماجد : عنترة بن شداد .
الرجل : " ضاحكاً " فارس فوارس بني عبس ،
وشاعرهم " يربت على صندوق الدنيا "
إنه هنا ، هو وأمه وأبوه وابنة عمه و ..
ماجد : إنني لم أره من قبل " متلهفاً " أريد أن
أره .. الآن .
الرجل : لك ما تشاء ، الآن سأريك إياه .
الأم : " لماجد " لعل الرجل جائع ومتعب ،
لنقدم له شيئاً من الطعام ، وليرتح قليلاً ،
ثم ..
الرجل : لا ، أشكرك ، إنني عطشان فقط ،
أعطني قليلاً من الماء .
الأم : لدي حليب طازج ، اشرب منه ، فقد
يشرب ماجد شيئاً منه معك .
الرجل : سأشرب " ينظر إلى ماجد " إذا شرب
ماجد منه أيضاً .
ماجد : لنشرب معاً ، إنه حليب لذيذ جداً .
الرجل : " للأم " هيا إذن ، هاتي الحليب ،ريثما
أهيىء صندوق الدنيا .

الأم تخرج ، الرجل
يهيىء صندوق الدنيا

الرجل : بعد أن تأتينا أمك بالحليب ، ونتمتع
بشربه معاً ، أقرّبُ منك صندوق الدنيا ،
وتنظر من العين السحرية ، فترى عنترة
بن شداد ، فارس فوارس بني عبس .. "
ينصت " أمك قادمة ، ومعها الحليب .
الأم : " تدخل حاملة كوباً من الحليب " هذا
هو الحليب " تقدم الكوب للرجل " تفضل
، تذوقه ، وسيعجبك .
الرجل : أشكركِ " يأخذ الكوب " إنه كثير ،
سأتقاسمه مع ماجد .
المرأة : ماجد لديه كوبه " تنظر إلى ماجد "
وسيشربه كله معك .
ماجد : هذا هو كوبي " يمسك كوب الحليب
الذي وضعته أمه إلى جانبه " لقد
جاءتني به أمي ، قبل أن تأتي بقليل .
الرجل : لنشرب الحليب إذن " يشرب جرعة "
الله ، ما ألذ ّ هذا الحليب .
ماجد : " يشرب الحليب " إنه حليب بقرتنا ،
التي اشتراها لنا أبي قبل أن يذهب إلى
الجبهة .
الرجل : هذا هو الحليب " يشرب جرعة أخرى
" وليس حليب العلب ، الذي كنا نشربه
في الجبهة .
ماجد : " يشرب الحليب بشهية " ....
الأم : " تنظر إلى ماجد فرحة " ....
الرجل : " لماجد " هذا الحليب لذيذ ومفيد ،
وأريدك أن تشرب منه دائماً ، لتصير مثل
عنترة .
ماجد : " يشرب ما في كوبه من حليب " ها
أنا قد انتهيت من شرب حليبي ، هيا ،
أريد أن أشاهد عنترة .
الرجل : مهلاً ، يا ماجد ، أريد أن أتمتع بشرب
هذا الحليب اللذيذ .
ماجد : حسن ، إنني متلهف لمشاهدة عنترة ،
ولكن لا بأس ، فلأنتظر .
الرجل : " يضحك " لن أدعك تنتظر طويلاً "
يشرب ما في كوبه من حليب " آه ، يا له
من حليب " يضع الكوب جانباً " ها أنا
أيضاً قد انتهيت .
الأم : " فرحة " كوباً آخر .
الرجل : لا ، ماجد مستعجل ، وكذلك أنا "
يقترب من صندوق الدنيا " هيا يا ماجد ،
أنظر من العين السحرية .
ماجد : " ينظر بلهفة من العين السحرية "
آآ....
الرجل : أنظر جيداً ، يا ماجد .
ماجد : إنني أنظر " مذهولاً " الله .
الرجل : والآن ، حدثني عما ترى .
ماجد : أرى طفلاً صغيراً .
الرجل : أسود البشرة .
ماجد : نعم ، أسود البشرة ، تقف إلى جانبه
امرأة ، سوداء البشرة أيضاً .
الرجل : هذه أمه ، واسمها زبيبة .
ماجد : زبيبة ! يا له من اسم .
الأم : " تضحك " ....
الرجل : إنها عبدة ، لكن أباه ليس عبداً ، وإنما
هو رئيس القبيلة .
ماجد : " ينظر إلى الرجل " أبوه رئيس القبيلة؟
وأمه عبدة ! أهو عبد مثل أمه ؟
الرجل : نعم ، أبوه رئيس القبيلة ، وعنترة ولده من عبدته زبيبة ، ومن يولد من عبدة ، يكون عبداً ، فعنترة عبد ، تلك كانت عاداتهم " لماجد " هيا ، أنظر من العين السحرية .
ماجد : " ينظر من العين السحرية " ....
الرجل : أنظر ، أدرت الصور ، لقد كبر عنترة ، وصار فتى ، ماذا ترى الآن ؟
ماجد : الفتى عنترة يرعى الجمال .
الرجل : لكن عنترة ، مع ذلك ، فتى شجاع وطموح ، لم يغلبه شاب في عمره ، أو أكبر منه ، وراح يتدرب على القتال بالسيف والرمح والنبال ، وكذلك على ركوب الخيل ، حتى صار فارساً معروفاً في قومه ، ولكنه ظل مع ذلك عبداً يرعى الإبل " يدوّر الصور " والآن ماذا ترى ؟
ماجد : أرى فتاة ، فتاة جميلة .
الرجل : أنظر جيداً ، إنها ليست سوداء كعنترة، أليست كذلك ؟
ماجد : نعم ، ليست سوداء ، بل بيضاء البشرة، وجميلة جداً .
الرجل : لكن ما رأيك لو قلتُ لك ، إنها ابنة عمه؟
ماجد : ابنة عم عنترة !
الرجل : واسمها عبلة ، وهي معجبة به أيضاً أشدّ الإعجاب ، ولماذا لا ؟ فعنترة شاب شجاع ، وفارس مغوار ، وهو فوق ذلك ، شاعر ، وأي شاعر .
ماجد : عنترة بن شداد !
الرجل : وهو يحلم بابنة عمه عبلة ، لكن كيف السبيل إليها ، وهو عبد أسود يرعى الإبل؟
الأم : " تتابع الحكاية باهتمام " ....
ماجد : مسكين عنترة .
الرجل : وذات يوم ، قامت إحدى القبائل ، بالهجوم على قبيلة عبس ، وأوشكت أن تلحق بها هزيمة نكراء ، وأسرع رئيس القبيلة شداد إلى عنترة ، وقال له ، كرْ يا عنترة ، أي اهجم ودافع عن القبيلة ، فرد عنترة ، إنني عبد أرعى الإبل ، والعبد لا يكر ، فقال له شداد ، كرْ وأنت حر .
ماجد : وماذا فعل عنترة ؟
الرجل : كرّ طبعاً ، راكباً حصانه ، والسيف في يده ، فتشتت الأعداء ، ولاذوا بالفرار ، وهكذا صار عنترة فارساً حراً ، تفخر به عائلته ، وعشيرته .
ماجد : آه ، يا لها من قصة .
الرجل : " يتطلع إلى ماجد " ماجد .
ماجد : نعم .
الرجل : أرأيت كيف تحول عنترة من عبد يرعى الإبل إلى رجل حر ، وفارس مغوار ، وتزوج أيضاً من ابنة عمه .. عبلة.
ماجد : آم ما أروعه .
الرجل : نعم ، والفضل يعود إلى شجاعته ،
وكفاحه المستمر ، ومجاهدته للصعاب ،
ومجابهة الحياة .
الأم : " تتابع حديث الرجل باهتمام " ....
الرجل : ماجد .
ماجد : " يتطلع إليه " ....
الرجل : أنت عنترة .
ماجد : ماذا !
الرجل : نعم ، أنت عنترة .
الأم : " تبدو فرحة " ....
ماجد : لكني لست أسود .
الرجل : لون البشرة ليس هو المهم .
ماجد : ولستُ عبداً .
الرجل : لا يا ماجد .
ماجد : " يحملق فيه " ....
الرجل : بل أنت عبد للأسف .
ماجد : ماذا !
الأم : " تبدو متأثرة " ....
الرجل : أنت عبد لهذا الكرسي المدولب .
ماجد : ماما .
الأم : " تنظر إلى الرجل " ....
الرجل : دعك من .. ماما ، هذا الأمر يعود لك وحدك ، فواجهه بنفسك .
: " يواجه الرجل " لكن ساقيّ ..
الرجل : عنترة لم يقل إنني عبد أسود ، بل ثار على عبوديته ، وانتصر عليها ، وصار فارساً حراً .
ماجد : " يهز رأسه " ....
الرجل : حر أنت أيضاً ، وسترى أنك ستنتصر ، وإلا ستبقى عبداً لهذا الكرسي .
ماجد : " بصوت تخنقه الدموع " لا أستطيع ، لا أستطيع .
الرجل : بل تستطيع " يتجه إلى الخارج " حاول ، وستحقق ما حققه عنترة ، وإلا ستبقى عبداً ، وداعاً.
الأم : " تحاول اعتراضه " مهلاً أيها الرجل الطيب ، ماجد بحاجة إليك.
الرجل : " وهو يخرج " ماجد لم يعد بحاجة إلا إلى ماجد ، وداعاً .
الأم : " تنكفىء على الأرض باكية " ....
ماجد : " ينهض ويلحق بالرجل " ....
الأم : " لا تنتبه إليه " ....
ماجد : " من الخارج " يا عم .. أين أنت ؟ يا عم .. يا عم.
الأم : " ترفع رأسها " ....
ماجد : " من الخارج " ترى أين اختفى ؟
الأم : " تتمتم " ماجد !

الأم تنهض ، وتهم
بالخروج ، يدخل ماجد

الأم : ماجد ..
ماجد : لقد اختفى الرجل ، اختفى بشكل غريب ، وكأنه لم يكن .
الأم : " تمد يديها نحوه " ماجد .. ماجد .
ماجد : حاولتُ اللحاق به ، ونظرتُ في كل الجهات ، لكني لم أعثر له على أثر.
الأم : ماجد ..
ماجد : دعيني .
الأم : " بصوت تخنقه الدموع " بنيّ ، أنتَ تمشي .
ماجد : " ينظر إليها " ....
الأم : أنت تمشي ، يا ماجد .
ماجد : " ينظر إلى ساقيه" أه .. حقاً " يمشي ببطء " إنني أمشي .. أمشي .. أمشي .
الأم : عزيزي ، أنت تمشي أخيراً ، وتصير كما قال الرجل ، عنترة .
ماجد : " يقف قرب صندوق الدنيا " أهو حقيقي ، ذلك الرجل ؟ أم أنه حلم ، كالأحلام التي أراها في المنام ؟
الأم : " تربت على صندوق الدنيا " بنيّ ، أنظر إلى صندوق الدنيا ..
ماجد : " ينظر إلى صندوق الدنيا ويمرر يده عليه " هذا ما كنت أحلم به ، ورأيته في منامي ، مرات عديدة " ينظر من العين السحرية ، ثم ينظر إلى أمه " ماما ، أنظري من هذه العين .
الأم : " تنظر من العين مبتسمة " الله .
ماجد : ماذا ترين ؟
الأم : أرى طفلاً صغيراً .
ماجد : أسود البشرة .
الأم : نعم ، أسود البشرة .
ماجد : هذا عنترة ، وهو الذي جعل مني .. عنترة " يستمر في الحديث ، بينما تخفت الأضواء " وهذه أمه ، واسمها زبيبة ، أما أبوه ..

تخفت الأضواء ، وكذلك
الأصوات ، بالتدريج

إظلام
ستار

17 / 8 / 2011



#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة للأطفال ماما قصة : طلال ح ...
- الدبة الصغيرة
- الاوركا الحوت القاتل ...
- حوارات مع أديب الأطفال ... طلال حسن
- رواية للفتيان مرجانه ...
- قصص للأطفال عصر الديناصورات ...
- قصة للفتيان اب ...
- قصة للأطفال الغرير الصغير ...
- قصص قصيرة جداً عبارة الموت ...
- ثلاث روايات قصيرة للأطفال طلال حسن
- محطاتي على طريق أدب الأطفال ...
- أسد من السيرك
- قصة للأطفال الترمجان قصة ...
- رواية للفتيان اورانج اوتان ...
- قصة للأطفال آدزانومي قصة طلال حسن
- رواية للفتيان تار والسندباد ...
- نصان للفتيان الفقمة ...
- مسرحية للأطفال الفقمة الصغيرة طلال حسن
- رواية للفتيان دلمون الأعماق ...
- مسرحية ريم للاطفال


المزيد.....




- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...
- 3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV ...
- -مين يصدق-.. أشرف عبدالباقي أمام عدسة ابنته زينة السينمائية ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلال حسن عبد الرحمن - صندوق الدنيا طلال حسن