|
المسحراتي في التراث المصري
قمرات السيد
الحوار المتمدن-العدد: 7916 - 2024 / 3 / 14 - 19:26
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ارتبطت مهنة المسحراتي في التراث المصري إرتباطاً وثيقاً بالتقاليد الشعبية الرمضانية، حيث اشتقت كلمة مسحراتي من السحور، والمسحر هو الشخص الذي يجوب الشوارع والحارات والأزقة حاملاً في إحدى يديه طبلة وفي اليد الأخرى عصا يطرق بها لينبه المسلمين ببدء موعد السحور والاستعداد للصيام، ويكون ذلك قبل صلاة الفجر بوقتٍ كافٍ، فيبدأ المسحراتي بترديد بعض العبارات المشهورة:- "أصحى يانايم وحد ربك الدايم..وقول نويت بكره إن حييت..الشهر صايم والفجر قايم..أصحى يا نايم وحد الرزاق..رمضان كريم"". ويقال إنه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لجأ المسلمون إلى فكرة تشبه المسحراتي لمعرفة وقت السحور، وذلك في ظل عدم وجود ساعات أو طريقة للاستيقاظ، وذلك من خلال مؤذن النبي بلال بن رباح، والذي كان يؤذن في الليل لتنبيه الناس للبدء في السحور، ومع رفع الآذان الفعلي للفجر مرة أخرى بصوت عبد الله بن أم مكتوم يبدأ الصيام والأمتناع عن الطعام، ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية تعددت أساليب تنبيه الصائمين إلى أن توصلوا لفكرة المسحراتي، وذلك في عصر الدولة العباسية في مصر في عهد الخليفة المنتصر بالله. ويذكر المؤرخون أن المسحراتي ظهر للوجود عندما لاحظ والي مصر عتبة بن إسحاق 283هـ أن الناس لا ينتبهون إلى وقت السحور، ولا يوجد من يقوم بهذه المهمة في هذا الوقت، لذا فقد تطوع بنفسه لهذه المهمة، فكان يطوف في شوارع القاهرة ليلاً لإيقاظ أهلها وقت السحور، حيث كان يطوف الشوارع سيراً على الأقدام من مدينة العسكر إلى مسجد عمرو بن العاص في الفسطاط منادياً الناس:"عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة"، ومن هذا الوقت أصبحت مهنة التسحير مقبولة عند عامة الناس، وذلك لكون الوالي بنفسه أول من عمل بها. ومنذ ما يقرب من ألف عام، وتحديداً في عصر الدولة الفاطمية، أمر الحاكم بأمر الله الناس بأن يناموا مبكرا بعد صلاة التراويح، وأصدر أمراً لجنوده بأن يمروا على المنازل ويدقوا على أبوابها بهدف إيقاظ النائمين للسحور، حتى تم تعيين رجل للقيام بهذه المهمة وأطلقوا عليه أسم المسحراتي، وكان يدق على الأبواب بعصا يحملها في يده ويقول:- "يا أهل الله قوموا تسحروا". وكادت مهنة المسحراتي أن تندثر في بلاد المحروسة الى ان جاء العصر المملوكي، وتحديدا في عهد السلطان الظاهر بيبرس الذي عمل على إحياء مهنة المسحراتي كتراث إسلامي، ولكي يحقق ذلك قام بتعيين صغار علماء الدين بالدق على البيوت لإيقاظ أهلها للسحور، وبعد أكثر من نصف قرن وتحديدا في عهد الناصر محمد بن قلاوون ظهرت طائفة المسحراتية والتي أسسها أبو بكر محمد بن عبد الغني الشهير بأن نقطة، وهو مخترع فن "القوما" وهي شكل من أشكال التسابيح ولها علاقة كبيرة بالتسحير في شهر رمضان، ظهرت في بغداد في بادئ الأمر قبل أن تنتقل إلى القاهرة، وكان "أبن نقطة" المسحراتي الخاص بالسلطان الناصر محمد بن قلاوون، وعلى يديه تطورت مهنة المسحراتي، فتم استخدام الطبلة، والتي كان يدق عليها دقات منتظمة باسخدام العصا، وكانت طبلة المسحراتي تسمى "البازة" كما طور المسحراتي من ندائه لتنبيه الصائمين فأضاف له الأشعار الشعبية وقصص من الملاحم وزجل خاص بالشهر الكريم. ومع التطور التكنولوجي وظهور الإذاعة والتلفاز بدأت مهنة المسحراتي في الإندثار نسبياً، وفي محاولة لجذب الأنتباه إليها قام المسحراتي بتدوين اسماء كل من يرغب في النداء عليه لإيقاظه للتسحر، ورويداً روايداً بدأت مهنة المسحراتي تطرق أبواب الفنانين والشعراء أمثال بيرم التونسي وفؤاد حداد وسيد مكاوي وهم من حملوا على عاتقهم مهمة توثيق تلك المهنة ونقلها إلى ميكروفون الإذاعة وشاشة التلفاز من خلال أشعار وأغاني لا تزال شاهدة على هذه المهنة التراثية الأصيلة والمحببة للجميع على مر العصور. ولم يكن المسحراتي خلال الشهر الكريم يتقاضى أجراً، بل كان ينتظر حتى أول أيام العيد فيمر بالمنازل منزلاً منزلاً حاملاً طبلته المعهوده، فيوالي الضرب على طبلته، فيهب له الناس المال والهدايا والحلويات ويبادلونه عبارات التهنئة بالعيد السعيد.
#قمرات_السيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أوبرا عايدة.. حكاية الصراع بين الواجب الوطني والعاطفة
-
حلاوة زمان.. عروسة حصان
-
أوجيني الامبراطورة التي أحبها الخديو
-
تعديل وراثة العرش المصري
-
الخاطبة ومراسم زواج المصريين في القرن التاسع عشر
المزيد.....
-
حزب الله يحدد 23 فبراير موعدا لتشييع نصرالله وصفي الدين معا
...
-
رئيس كولومبيا: سياسات ترامب فاشية
-
خبير عسكري يكشف سر زيارة زيارة نتنياهو لواشنطن
-
ترامب: لدينا مناقشات مخطط لها مع أوكرانيا وروسيا
-
المهاجم الدولي الجزائري أمين غويري يدعم هجوم مرسيليا
-
المكسيك ترفض البيان الأميركي وترامب يقر بتداعيات الرسوم الجم
...
-
تدشين معبد هندوسي ضخم في جنوب أفريقيا
-
سياسي بريطاني سابق يعلن انضمامه إلى المرتزقة الأجانب في أوكر
...
-
تبون: الجزائر تحافظ على توازن علاقاتها مع روسيا وأمريكا
-
رئيس كوبا: الضغط الأمريكي على المكسيك يهدد استقرار أمريكا ال
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|