|
نجيب محفوظ قبل وبعد النوبل
جمال محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 1752 - 2006 / 12 / 2 - 09:13
المحور:
الادب والفن
قبل عام 1988 كان ادب وانتاج نجيب محفوظ الغزير ، والحاضر بقوة قد تربع وبلا منازع على عرش الرواية العربية ، رغم ان نتاجاته الاولى ابتداءا بالرواية التاريخية وبعدها الاجتماعية وثم رواياته ذات الرؤية الفكرية والتاملية ، هي المسؤولة عن هذا التربع ، حيث كتب اهم واغلب اعماله منذ عام 1936 حتى مطلع الثمانينات ، منذ قصته التي نشرها لاول مرة " ثمن الضعف " مرورا برواياته التاريخية حتى اعماله التي تسرد بمهارة منتقاة لتسجل تاريخ الشارع والحارة في الاحياء الشعبية للقاهرة باسلوب ساحر ومغري ومبدع وكأنه حكواتي الحداثة ، بين القصرين وقصر الشوق والسكرية وخان الخليلي وزقاق المدق والقاهرة الجديدة وبداية ونهاية ، وفي اغلبها امسك محفوظ بتلابيب القاهرة قبل وبعد ثورة 1919 حتى ثورة 1952 ، لتاتي بعدها رواياته ذات النفس الجديد حيث تواصل للسرد العبقري ولكن هذه المرة في اعماق المتغيرات الحاصلة للنفوس واحوال الطبقة المتوسطة والصغيرة في المجتمع بعد الثورة فكان سرده ووصفه عموديا وافقيا ، بعد ان كان سابقه يعتمد الافقية في اغلب حالات التناول ، لتأتي الخريف والسمان ، ميرمار ، اللص والكلاب ، واولاد حارتنا ، وحب تحت المظلة والحرافيش بعدها اي قبل نيله للنوبل بسنوات لم تكن هناك نتاجات ذات منحى اخر بل تواصلت لتميل نحو نتف من الماضي بنتف من الحاضر بنتف بافاق تأملية ، كقشتمر والفجر الكاذب ، اضافة الى مجاميع قصصية صغيرة ومنوعة ، وبعد النوبل استمر ابداعه مبثوثا فيما يكتبه من خواطر وتاملات ومقالات وبعض القصص القصيرة ، واخرها كان احلام فترة النقاهة التي احتوت على سبعين حلما يغلب عليها طابع صوفي وفلسفي ، وكأنه رجع الى عشه الاول الذي انطلق منه محلقا في عوالم سي السيد واحمد عاكف والفتوات والحرافيش ، والقبلة التي لم ينلها بعد رغم حصوله على ارفع جائزة عالمية في الادب ! اردت من هذا الاستعراض الموجز البرهنة على ان محفوظ كان الابرز بين اقرانه ومن سبقه في الرواية والقصة العربية ، وما نيله للنوبل الا تحصيل حاصل ، فالنوبل لم تعيد اكتشافه ولم تمنحه قدرا لم يكن عنده ، غيرانها جعلته يقرء خارج العالم العربي كما كان يقرء او يشاهد داخله وساهمت في بروزة شهادته التي نالها بمثابرته ومطاولته وذكائه الابداعي من محليته المصرية والعربية ، الرجل كان يناهز السبعة والسبعين من العمر عندما منح الجائزة اي كان في مرحلة التراجع الصحي وبالتالي ضعف قدراته للمحافظة على ذات الحماسة في المطاولة والتجريب ، ثم جاءت حادثة الاعتداء عليه عام 94 لتزيد قدراته ضعفا علما ان اعلان الجائزة كونها منحت له على رواية اولاد حارتنا كانت احد محفزات هذا الاعتداء الاثم .
مقارنة تفيد العنوان :
تجد اتساق ابداعي جميل مقصود وغير مقصود بين الجغرافية والتاريخ في سيرة وادب نجيب محفوظ وهي قد منحته نكهة فلسفية بل كانت هي فلسفته ! فلسفة المكان تحتوي عطره التاريخي أي اثار الاحداث التي جرت او تجري او هاجس جريانها الاحق ، عندما درس الفلسفة عرف انها علم يدرس اعم العلاقات العامة بين الاشياء واذا كانت دروسها المقررة في كليته ناقصة لانها تحاصر الفلسفات الهدامة فكان قد عرفها ايضا من سلامة موسى ، وكان يتابع بشغف معرفي مقالات المنفلوطي والمازني والعقاد وطه حسين ، لم يكن مأخوذا بما يستعرضون رغم احترامه الشديد لاراءهم واستفادته منها ، لم تكن لديه عقدة الخواجه ، لم يكن الاندهاش سره ، كان سره في الحارات وعبيق المقاهي وفلسفات الروح القديمة المغمسة بالانسانية الطيبة ، فاذا كان طه حسين قد حلق بفلسفة الشك وراح يبني جسورا لاعادة كتابة وقراءة الماضي والحاضر عبر مذهبه هذا الذي جعله منظاره الوحيد لكل ماحوله فان ادبه ورغم اهمية خلقة الابداعي ودوره التنويري الا انه كان يعش غربة روحية واغتراب منهجي ، شبيه بغربة طه حسين ذاته في كتابه الايام وان كان بين اهله واحبته ! بالشك وحده لا يمكن ان نصل الى مضمون الحقائق ، كانت محاولات طه حسين المتجاسرة على تقليدية التناول التاريخي وقدسية الاراء المسبقة التي تلغي العقل لصالح النقل ، في كتاباته عن تاريخ الادب الجاهلي ، والفتنة الكبرى ، ومقالاته التنويرية في الهلال وغيرها ، لها دورها المحرض لصالح مشروع نهضوي جديد ، لكنه يبقى نخبوي وصالوناتي ، واعرج ، لانه يقف على قدم واحدة هي مطلق الشك في المفاهيم السائدة دون الاستناد الى القدم الاخرى قدم الملموس من روح جغرافية وتاريخ المفاهيم ذاتها وحتى يعاد صياغتها عليك بخرائطها التي مازالت هي هي عليك بالتمكن من ناصيتها كما هي ، عليك بتفعيل مفاعيل حركتها الداخلية فالتغيير لا يحصل الا بتظافر عوامل الداخل بالخارج الجغرافية بالتاريخ والفكر باوضاع المعاش كما يذهب ابن خلدون . توفيق الحكيم ، عاش غربة الروح والوعي كما عاشها زميله طه حسين ، فكان طبيبا يعالج الناس وهو عليل ، في يوميات نائب في الارياف او عصفور من الشرق ، وفي مسرحياته الرائعة عبر عن تناقضات صارخة في المجتمع ، عبر وباحتجاج على واقع الجهل والمرض والتخلف ، كان ادبه انيقا ومؤثرا ، كان شديد الرقي وكان ايضا نخبوي ، وينقصه المطاولة . ولا اريد هنا ان اجير افضلية ابداعية على اخرى فقط اردت ان اوضح ان محفوظ قبل النوبل كان قد توج من قبل الجمهور والكتاب ، وهذا لا يعني مطلقا انه لم يكن الاخرون في القمة او ان ابداعاتهم اقل شأنا من محفوظ ولكن جملة عوامل تبرز احدهم عليهم رغم ان فيهم ، واقصد هنا الروائيين المصريين والعرب من هو يحمل كل خمائر تجاوز مرحلة محفوظ وانجازاته .
#جمال_محمد_تقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دواء العقارب
-
الجزيرة اكثر من سلطة رابعة !
-
جذور لاتموت
-
الحياة في اجازة والعيد جنازة !
-
العقل العراقي عصي على الاحتلال
-
ثلاثة اذا ذكروا ذهب العراقيون لقضاء حاجتهم !
-
خذوا الحكمة من افواه جنود العدو!
-
النحس يلاحق حكومة الاحتلال غير الدائمة !
-
امريكا تمهد لمرحلة القواعد الدائمة في العراق
-
حركة عدم الانحياز مطالبة بالانحياز
-
محمود درويش تجاوز النوبل مرتين
-
ايران بين مزدوجين
-
من يحزر في يد من خاتم بغداد ؟
-
نظرتان متقابلتان
-
11 سبتمبرحريق في الرايخشتاغ الامريكي
-
البراءة الكبرى
-
من يوميات الحب السري في بغداد
-
الحرية للكاتبة العراقية كلشان البياتي
-
عصامية نجيب محفوظ
-
الى الاخ سامر ومن خلاله الى كل من يهمه الامر
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|