|
أوليس وقوة الخداع
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 7915 - 2024 / 3 / 13 - 14:30
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أركيولوجيا العدم العودة المحزنة لبلاد اليونان ٦٧ - أوديسيوس والعملاق
بوليفيموس Polyphemus، في الأساطير اليونانية، هو أشهر السايكلوب Cyclope العمالقة أو التيتان ذوي العين الواحدة، ابن بوسيدون Poseidon إله البحر، والحورية ثوسا Thoösa. وفقًا لأوفيد في كتابه التحولات Metamorphoses، وقع بوليفيموس في حب جالاتيا Galatea، وهي نيريد صقلية، وقتل عشيقها أسيس Acis. عندما رست سفينة البطل اليوناني أوديسيوس Odysseus على الشاطئ على ساحل صقلية، سقط في أيدي بوليفيموس، الذي حبسه مع 12 من رفاقه في كهفه وأغلق المدخل بصخرة ضخمة. نجح أوديسيوس أخيرًا في جعل بوليفيموس في حالة متقدمة من السكر، وتمكن من فقأ عينه الوحيدة أثناء نومه سكرانا وذلك بواسطة وتد محترق غرزه في عينه، ومع ستة من أصدقائه (التهم بوليفيموس الآخرين)، تمكنوا من الهروب من خلال التشبث ببطون الأغنام التي اخرجها التيتان إلى المرعى. ونتيجة لهذه الحادثة جعل بوسيدون أوديسيوس يتيه لمدة عشر سنوات في البحار تتقاذفه الرياح والعواصف قبل أن يصل إلى وطنه. كان بوليفيموس Polyphemus وإخوته يعيشون كرعاة في جزيرة معزولة، بعيدًا عن العالم البشري الذي يعيشون فيه. لقد كانوا متوحشين ومتوحدين رغم كونهم عائلة كبيرة متفرقة في عدة كهوف، ولم يكن لديهم أي اعتبار لزيوس أو أي إله آخر غير أبيهم بوسيدون. لم يكن لديهم أي معرفة بالثقافة أو المدنية الإنسانية، لا يعرفون السفن ولا الإبحار أو الزراعة ولم يبنوا حتى منازل أو أكواخ لأنفسهم. كان تيتان هوميروس مخلوقات متوحدة تحيا منفصلة عن بعضهم البعض دون قوانين أو عادات، كانوا يعيشون في الكهوف ويربون الأغنام شبه البرية التي يحلبونها لصنع الجبن أو يذبحونها من أجل الطعام، كانت هذه الكهوف قريبة بما فيه الكفاية بحيث تمكن العمالقة من مساعدة بعضهم البعض عند الحاجة، لكن لم يكن لديهم سوى القليل من العلاقات الإجتماعية المألوفة مع إخوانهم. كان بوليفيموس وإخوته يشبهون الوحوشً البرية، تهاجم أي شخص يأتي إلى جزيرتهم ويتدخل في حياتهم الرتيبة، لقد كانوا على النقيض من شعب اليونان المثقف والملتزم بالقانون والحضارة حسب ما تدعيه الأسطورة الهومرية. أشهر زوار جزيرة بوليفيموس هو البطل اليوناني أوديسيوس ملك إيثاكا، والذي سمع عن هذه الجزيرة التي تسمى بجزيرة العيون المدورة ليتعرف على هذه المخلوقات التي تسكنها. حيث تصف ملحمة هوميروس - الأوديسة ـ الرحلة الملحمية التي استمرت عشر سنوات والتي تحملها ملك إيثاكا في محاولته العودة إلى بيته حيث تنتظره بينيلوب زوجته الوفية بعد إنتهاء حرب طروادة وكذلك إبنه ثيليماكوس. في وقت مبكر من الرحلة، وصل أوديسيوس وأسطوله إلى هذه الجزيرة التي بدت غير مأهولة. ولم يعثروا على أي مبان أو آثار للحياة البشرية أو الزراعة، بل مجرد ماعز وأغنام برية ترعى في سلام. بدأ أوديسيوس يستكشف الجزيرة مع مجموعة من بحارته عندما وجدوا كهفًا مليئًا بالمؤن، بما في ذلك الجبن والحليب. فقامو بذبح عددًا من صغار الأغنام التي كانت ترعى أمام الكهف وبدأوا في إشعال النار لشويها، لكنهم قبل بداية الوليمة فوجئوا بعودة بوليفيموس مع قطعانه، ووجد المتسللين يأكلون رزقه وما أنتجه بعمله بيديه، فأنتابه الغضب وقام بسد مدخل الكهف بصخرة ضخمة لا يستطيع زحزحتها سوى عملاق مثله. ولم يكن لدى بوليفيموس أي تبجيل لزيوس أو قوانينه الأخلاقية، وبالتالي، لم يكن يحترم قوانين الضيافة، وإن كان الأمر هنا هو أمر سرقة ودخول بيوت الآخرين بذون تصريح. وأمسك العملاق باثنين من البحارة الذين حاصرهم في الكهف وأكلهم أحياء في عشاءه. وفي صباح اليوم التالي، أكل رجلين آخرين في وجبة إفطاره قبل أن يغادر مع أغنامه، مما أدى مرة أخرى إلى سد المدخل خلفه. لكن أوديسيوس ومن تبقى من رجاله بدأوا بالتخطيط لهروبهم. وفي المساء عاد بوليفيموس وأكل عدد أكبر من الرجال في عشاءه. ومع ذلك، تظاهر أوديسيوس المشهور بخبثه بأنه غير منزعج من المذبحة، وقدم للعملاق مشروبًا من بعض النبيذ القوي غير المخفف الذي تم إعطاؤه له قبل رحلته ليساعده على هضم وجبته الدسمة. وسرعان ما سُكر بوليفيموس، الذي لم يكن يعرف طعم النبيذ ولا آثاره. وقبل أن يسقط مخمورا على سريره الحجري سأل أوديسيوس متلعثما عن اسمه، فأجابه بخبث "لا أحد". قال بوليفيموس إنه سينقذ "لا أحد" وسيكون آخر من يأكله. في غياب بوليفيموس، قضى أوديسيوس ومن بقي من بحارته ذلك اليوم في شحذ وتد ضخم من خشب الزيتون بسيوفهم وتقويته بحرق مقدمته المدببة بالنار، وعندما سقط العملاق في نوم مخمور، قام أوديسيوس وأربعة من رفاقه الذين تم إختيارهم بواسطة القرعة كما هي عادة اليونانيين، بالهجوم على الوحش وغرزوا الوتد الضخم في عين العملاق الوحيدة. استيقظ بوليفيموس وهو يصرخ من الألم ويستنجد بإخوته طلبًا للمساعدة. في جميع أنحاء الجزيرة، كان بإمكان العمالقة الآخرين سماع بوليفيموس يصرخ من الألم طالبا النجدة، وتجمعوا أمام مدخل المغارة المغلق بالحجر الضخم وسألوه من الذي هاجمه وآذاه أجاب بأن "لا أحد" هاجمه. فتجاهل إخوته العمالقة صراخه اقترحوا عليه أن يصلي ويصبر. أخذ بوليفيموس يدور بشكل أعمى داخل كهفه بحثًا عن الرجال الذين هاجموه، لكنه لم يجد أي أثر لهم. وفي صباح اليوم التالي، نقل الحجر وترك أغنامه تخرج لترعى كالعادة خارج المغارة، وكان يتلمس أغنامه بيديه واحدة واحدة ليتأكد من عدم خروج أصحاب أوديسيوس مع الأغنام، غير أن أوديسيوس تشبث هو وأصحابه الناجون بببطون الأغنام للاختباء وتم خروجهم من الكهف بهذه الطريقة دون أن يشعر بهم العملاق الأعمى. وسرعان ما شقوا طريقهم إلى سفينتهم وأبحروا بعيدًا عن الجزيرة. ومع ذلك، ارتكب أوديسيوس رغم مكره وذكائه خطأً واحدًا سيؤدي إلى سنوات من العذاب والمشقة خلال رحلته الطويلة. فعندما غادرت سفينته الجزيرة، صرخ في لحظة غطرسة في وجه العملاق قائلا له بأنه ليس "لا أحد" بل أوديسيوس، ملك إيثاكا الذي فقأ عين العملاق. سمع بوليفيموس الاسم وطلب من والده الانتقام، طلب من بوسيدون أن ينتقم لعينه الوحيدة ويدمر الرجل الذي تسبب في ذلك. إن ذكر هذا المشهد من الأوديسة ويسعنا القول هنا إن هذه القصة تنطوي على لُبِّ فلسفة بارمنيدس من حيث أن النص هو عملية بناء وهندسة لغوية جديدة على أنقاض الفلسفة السابقة أو المعاصرة لبارمينيدس، ولكن استغلال بارمنيدس للتلاعُب بالألفاظ في هذه القصة اتخذ شكلًا جديدًا لا يتعلق بهوية كائن معين وهو أوديسيوس في هذه الحالة، وإنما بالكائن المجرد وهو فعل يكون، إيستي εστιν وصيغة المصدر لهذا الفعل إينى ειναι أي واقعية الكينونة. يتبع
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أليس وأوليس
-
عودة إلى ظاهرة الإرهاب
-
الشعر وفلسفة التكوين
-
الفكر والخيال واللغة
-
المقص يأكله الصدأ
-
تجار الحشيش وشيوخ النفط
-
إنتحار الكلمات
-
محمود درويش والحصار
-
آخر أبطال الأوديسة
-
طاعون الهزيمة
-
مربعات الكآبة
-
رحلة بارمينيدس
-
الجرح الأنطولوجي
-
فلسفة التكوين
-
إشكالية نص بارمينيدس
-
بقية الإحتمالات
-
خطايا الآلهة
-
في الطبيعة، النص المتبقي
-
الطريق إلى إيثاكا
-
قصيدة بارمينيدس - بقية
المزيد.....
-
الولايات المتحدة تتجنب إغلاقاً حكومياً كان وشيكاً
-
مقتل نحو 30 شخصا بحادث -مروع- بين حافلة ركاب وشاحنة في البرا
...
-
السفارة الروسية في البرتغال: السفارة البرتغالية في كييف تضرر
...
-
النرويج تشدد الإجراءات الأمنية بعد هجوم ماغديبورغ
-
مصر.. السيسي يكشف حجم الأموال التي تحتاج الدولة في السنة إلى
...
-
رئيس الوزراء الإسباني يجدد دعوته للاعتراف بدولة فلسطين
-
-كتائب القسام- تنشر فيديو يجمع هنية والسنوار والعاروري
-
السلطات في شرق ليبيا تدعو لإخلاء المنازل القريبة من مجاري ال
...
-
علامة غير عادية لأمراض القلب والأوعية الدموية
-
دراسة جديدة تظهر قدرة الحليب الخام على نقل فيروسات الإنفلونز
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|